“حبك كعربي لأهل فلسطين أو كرهك لهم، لا يغير حقيقة النزاع العربي ضد “إسرائيل” على أرض الواقع، وبأنها كيان غاصب محتل، وليس مجرد دولة نتعاون معها، فهي عدو لنا وستبقى كذلك”.
هكذا بدأت الناشطة السياسية والحقوقية نهى البلوي حديثها عن طبيعة العلاقة التطبيعية التي تجمع بين المملكة السعودية ودولة الاحتلال الإسرائيلي، وذلك عبر مقطع مصور تناقلته مواقع التواصل الاجتماعي بشكل واسع على منصاتها، وخلال تعليق البلوي عما يجري في الساحة انتقدت هذا التوجه وأوضحت موقف الشعوب العربية من التطبيع ورأت أن بناء أي نوع من العلاقات مع “إسرائيل”، سواء ثقافية أو سياسية أو اقتصادية، فهو في خدمة مصلحة “إسرائيل” وحدها لأن هذه الخطوة تعني الاعتراف بوجودها كدولة من دول المنطقة العربية؛ مما يغيب الروح العدائية ضدها، على حد قولها.
سجل يا تاريخ أن #نهى_البلوي سُجنت في بلاد الحرمين بسبب إنكارها التطبيع مع المحتل في زمن صمت فيه “الرجال” pic.twitter.com/32T9Rrmm3v
— حمد الشامسي (@ALshamsi789) February 8, 2018
بالجانب إلى هذه الانتقادات للسياسة السعودية، دشنت البلوي وسمًا باسم “لا ضرائب بلا تمثيل” تطالب من خلاله بدعم حقوق المرأة ورفضت فرض الضرائب على المواطنين وخصخصة أجهزة الدولة، فقالت: “يجب أن يكون لدينا حق الرقابة الشعبية على ثراوتنا الوطنية ونتأكد أن أموالنا لا تستخدم فيما لا نرتضيه”.
وأضافت “من حقنا أن نقوم باستدعاء واستجواب كل مسؤول أو وزير مقصر في عمله لمحاسبته، وعلينا أن نعرف أين تذهب أموال الضرائب المفروضة وكيف صرفت”، ونهاية ناشدت بالقضاء على صوت السلطة الواحد لكتابة تاريخ جديد للبلاد.
وصلت هذه الآراء بنبرة حادة إلى مسامع السلطات السعودية التي اعتقلت البلوي منذ 23 من يناير الماضي، بعد أن أعلنت منظمة القسط لحقوق الإنسان خبر احتجازها وطالبت بالإفراج الفوري عنها؛ الأمر الذي سبب ضجة عارمة على وسائل العالم الافتراضي، خاصة أنه من المحتمل أن يحكم عليها بالسجن لخمس سنوات.
من تكون نهى البلوي؟
ولدت البلوي في مدينة تبوك، شمال غرب السعودية، عام 1994، وتنتمي عائلتها إلى قبيلة بلي إحدى أكبر قبائل السعودية والأردن، تخرجت من جامعة تبوك بعد أن درست تصميم الأزياء، حتى انضمت لاحقًا إلى مجال النشاط الحقوقي على مواقع التواصل الاجتماعي، ومنذ ذاك الوقت، حاولت البلوي الدفاع عن القضايا الإنسانية والسياسية، وحاربت من أجل حقوق المرأة في السعودية ودافعت عن الحقوق المدنية الأخرى، ومن أشهر مواقفها المطالبة بإسقاط نظام الولاية عن المرأة السعودية والسماح للمرأة بالقيادة.
لكن بالتزامن مع اعتقالها، أغلقت السلطات السعودية حسابها على موقع تويتر، وصادرت كل ما تملكه من هواتف وأجهزة تواصل مع العالم الخارجي، وهذا ما أجبر بعض الناشطات السعوديات على الانسحاب من هذه المسألة خوفًا من الاعتقال الذي طال البلوي وغيرها مثل نورة السعد ورقية المحارب وعائشة المرزوق اللاتي ما زلن محتجزات في سجون السعودية دون إصدار تصريح رسمي عن سبب اعتقالهن.
ما حقيقة ما تقوله البلوي بشأن العلاقات السعودية الإسرائيلية؟
العام الماضي، نشرت صحيفة “الأخبار” اللبنانية وثيقة سرية أظهرت أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، يرغب في تطبيع العلاقات مع “إسرائيل” في إطار جهود السلام الإسرائيلية – الفلسطينية بقيادة الولايات المتحدة، إذ أثبتت هذه المعلومات حقيقة كل ما سرب عن انطلاق مساع أمريكية لتوقيع معاهدة صلح بين السعودية و”إسرائيل” في أثناء زيارة الرئيس دونالد ترامب إلى السعودية في شهر مايو الماضي.
كما كشفت الوثيقة عن زيارات متبادلة بين الطرفين من وإلى الرياض وتل أبيب، وبينت حجم التنازلات الهائلة التي قدمتها السعودية في مسألة القضية الفلسطينية، وتحديدًا فيما يخص حق العودة والقدس، ويلي هذه التنازلات أسباب يشرح فيها ابن سلمان مصلحة المملكة من هذه العلاقة وتخوفه من هذا التقارب، إضافة إلى المخاطرة التي تقدم عليها المملكة فيما يخص إلغاء حق عودة نحو خمسة مليون لاجئ فلسطيني في العالم وضمان استقرارهم في الدول المضيفة بدلًا من عودتهم إلى الأراضي الفلسطينية، كما ينوي المساهمة في إخضاع مدينة القدس للسيادة الدولية.
وفيما بعد، أشار وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينيتز، أن “إسرائيل”أجرت اتصالات سرية مع السعودية ودول عربية أخرى بسبب مخاوفهم من النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط، وكان هذا التصريح بمثابة تأكيد إضافي لجميع التسريبات عن علاقة السعودية بدولة الاحتلال.
كيف استقبلت منصات التواصل الاجتماعي خبر اعتقال البلوي؟
في صبية سعودية اسمها #نهى_البلوي انتقدت في فيديوهات لها التطبيع مع الاحتلال وتحدثت عن ضرورة مواجهته.
نهى حسب مصادر إعلامية اعتقلت من قبل الأمن السعودي أتوقع بأنه واجب علينا كفلسطينيين وإعلاميين الحديث عن حالتها للعالم الحر
— علي قراقع (@AliQaraqe) February 10, 2018
نشرت منظمة القسط تقريرًا عن طبيعة ظروف اعتقال البلوي وقالت إن عمل البلوي عمل حقوقي ومدني مشروع، ولا يحق للسلطات السعودية احتجازها أو اعتقالها أو معاقبتها بسبب نشاطها الحقوقي، وأكدت أن البلوي لم تخترق أيًا من الأنظمة والقوانين، والسلطات السعودية تلتزم بعدة مواثيق واتفاقيات تكفل ضمان عمل البلوي وتمنع السلطات من مضايقتها.
وأكملت أن السلطات حاولت إرسال رسائل مضللة وكاذبة تخبر فيها أن الناشطة البلوي غير معتقلة وحرة في منزلها، أو سيتم الإفراج عنها خلال أيام معدودة، لكن تؤكد القسط من جديد عدم صحة هذه المعلومات وتطالب بالإفراج الفوري عنها وعدم منعها من التعبير عن رأيها أو ممارسة حياتها بشكل طبيعي، وبناء على هذا الضغط سوف تعرض البلوي للمحاكمة، وبهذا تكون ثاني شخص يعرض على المحكمة بعد الصحفي صالح الشيحي، وذلك ضمن حملة الاعتقالات التي بدأتها المملكة منذ شهر سبتمبر الماضي.
ونتيجة لمناشدة المنظمة وغيرها من المؤسسات المدنية والحقوقية، تفاعلت منصات التواصل الاجتماعي بشكل كبير مع قضية البلوي، فدشن مستخدمو موقع توتير وسمًا باسم “الحرية_لنهى_البلوي” أو “الحرية_لمعتقلي_الرأي” لمناصرة موقفها بخصوص القضايا التي ذكرتها في فيديوهاتها، وللتنديد بسياسة تكميم الأفواه التي تتبعها السعودية بشكل مفرط منذ تولي ابن سلمان الحكم في البلاد، جدير بالذكر أن الآلاف من المستخدمين شاركوا آرائهم وعبروا عن مواقفهم بخصوص هذا الشأن.
كيف تناقض السلطات السعودية نفسها؟
أعلن ابن سلمان رؤيته المستقبلية للسعودية بعد أن اعتلى سدة السلطة، وقاد حملة الإصلاحات التي منحت المرأة على وجه الخصوص الكثير من الحقوق التي منعت منها لسنوات مديدة، وبذلك بدأ الدعوة إلى “الإسلام المعتدل” وقلص نفوذ رجال الدين في الحكم، وروج للاختلاط بين الجنسين، وسمح للمرأة بالقيادة وحضور الفعاليات الرياضية، ورفع الحظر عن الحفلات الغنائية ودور السينما، باعتبار أن هذه القرارات جميعها سوف تسير بالبلاد ومواطنيها إلى حياة أكثر تقدمًا وانفتاحًا.
لكن على ما يبدو فإن هذه الإصلاحات والمحاولات ستسقط تدريجيًا مع التناقضات التي تفضح سياسة السعودية في الحكم وتوهم مواطنيها والعالم بأنها ستمنح المزيد من حريات التعبير والتصرف لمواطنيها وزوارها، إلا أن الواقع يوضح بشكل فعلي أن هذه المحاولات ما هي إلا مساعي دعائية لتحسين صورة السعودية في دول العالم لأهداف سياسية واقتصادية، وهذا يعني أن العقلية السعودية التقليدية لم تتغير كما تدعي.