ترجمة وتحرير: نون بوست
كتب عاموس يدلين وآري هايستاين
في ظل انهيار المعارضة المسلحة والزخم الذي تلقاه نظام بشار الأسد مؤخرا، تسعى إيران إلى صياغة قواعد اللعبة مرة أخرى لإحكام السيطرة على التدخل الإسرائيلي في سوريا. فخلال الأسبوع الماضي، وقعت بعض المناوشات على الحدود الشمالية لإسرائيل، حيث اخترقت طائرة إيرانية من دون طيار المجال الجوي الإسرائيلي، ما دفع هذه الأخيرة إلى قصف عدة أهداف إيرانية على الأراضي السورية، وفي النهاية، أسقطت القوات السورية مقاتلة إسرائيلية.
في الحقيقة، لم تتوقع “إسرائيل” قبل السبت الماضي أن يكون هناك رد عسكري مؤثر جراء الهجمات التي نفذتها على مخازن أسلحة تابعة لحزب الله والمنشآت العسكرية في سوريا. ويبدو أن “إسرائيل” كانت متأكدة من أن حزب الله وسوريا غير قادرين على تحمل تكاليف الحرب، ولا يملكون الإمكانيات اللازمة للرد عليها. ومن الواضح أن هذه المناوشات تعتبر عرقلة لما تخطط له إيران في المنطقة، وفي نفس الوقت، تعد بمثابة دواء مر وجب على نظام الأسد تجرعه.
إلى جانب ذلك، إن قيام إيران بإطلاق طائرة من دون طيار عالية الدقة نحو المجال الجوي الإسرائيلي يوم السبت الماضي، دفع “إسرائيل” إلى تنفيذ غارات جوية على مواقع إيرانية داخل سوريا ومواقع أخرى تابعة للنظام السوري، بما في ذلك، مركز القيادة الذي تتحكم منه إيران في هذه الطائرة. وبدورها، فتحت القوات السورية النار على المقاتلة الإسرائيلية من طراز إف-16، التي كانت تحلق في الأجواء الإسرائيلية، ما استفز “إسرائيل” لتنفيذ المزيد من الهجمات على عدد من الأهداف في سوريا.
منذ ثلاثة عقود، لم تسقط طائرة مقاتلة إسرائيلية بنيران أعدائها، ولهذا السبب، توقع بعض المحللين أن الصراع في المنطقة دخل في “مرحلة إستراتيجية جديدة”. وفي إشارة للغارات الجوية الإسرائيلية في سوريا، أكد أمين المجلس الأعلى للأمن القومي في إيران أن “عصر القصف والهروب قد انتهى”. كما أكد موقع “والا” الإسرائيلي الإخباري، أن تلك الحادثة تعد من بين المشاكل الكبرى التي تواجهها “إسرائيل” في الجبهة الشمالية.
في ظل ضعف النظام في سوريا، فإن أي تصعيد ضد “إسرائيل” ليس في مصلحة النظام
من الخطأ أن يتم تضخيم هذا الحادث، لأن هذه ليست اللحظة الحاسمة التي سيتغير فيها التوازن الإستراتيجي في الشرق الأوسط. فمنذ بداية الحرب الأهلية في سوريا وحتى وقت قريب، فقدت روسيا والنظام السوري العديد من المقاتلات الجوية، لدرجة أنه لا يمكن الجزم بأن كلا البلدين يسيطران تماما على المجال الجوي الذي يمتد إليه نفوذهما في سوريا. فحالة فردية على غرار إسقاط طائرة مقاتلة، لا يمكن أن تغير من موازين القوى، بل إن معدل إسقاط الطائرات المقاتلة هو المقياس الأساسي في هذا الشأن.
بالحديث عن هذا المقياس، نجح أعداء “إسرائيل” في المنطقة في إسقاط طائرة واحدة على مدار ثلاثين سنة. ووفقا لموقع “نيويوركر”، نفذت “إسرائيل” قرابة مائة غارة جوية داخل سوريا خلال الحرب الأهلية الأخيرة، وفي سنة 2007، دمرت “إسرائيل” المفعل النووي السوري. ويشير كل ذلك إلى التفوق الجوي لإسرائيل على أعدائها في المنطقة. وحتى تؤكد “إسرائيل” أن إسقاط مقاتلتها الجوية لن يؤثر على الموازين الإستراتيجية في المنطقة، نفذت على الفور غارتها داخل سوريا.
بالطبع، عرّضت “إسرائيل” طياريها إلى مجازفة غير محسوبة العواقب، ولكن في ظل ضعف النظام في سوريا، فإن أي تصعيد ضد “إسرائيل” ليس في مصلحة النظام، بالإضافة إلى أن فرص فوزه في أي مواجهة مباشرة مع “إسرائيل” شبه معدومة. ومن هذا المنطلق، أرسلت “إسرائيل” رسالة واضحة من خلال هجماتها الانتقامية ضد السوريين والإيرانيين، مفادها أن أي تفكير في تغيير “قواعد اللعبة” في الشرق الأوسط، سيكلف بشار الأسد وحلفاءه الإيرانيين غاليا.
من خلال إلحاق أضرار جسيمة بالبنية التحتية للدفاعات السورية، وتدمير جميع وحدات الدفاع الجوي السوري، ضمنت “إسرائيل” ردع كافة التوغلات المستقبلية في مجالها الجوي. كما كان بمقدور “إسرائيل” تدمير كافة القوات السورية لتأكيد تفوقها العسكري، ولكنها آثرت أن لا تفعل ذلك تجنبا لأي محاولة انتقام للنظام السوري في المستقبل.
يفضل الأسد إعادة بناء بلاده المدمرة كليا على أن يقحم نفسه في حرب لا ناقة له فيها ولا جمل
إلى جانب ذلك، أظهرت هذه الهجمات المباشرة من “إسرائيل” على المواقع الإيرانية في سوريا، الإستراتيجية التي ستنتهجها تل أبيب للحد من توسع إيران في سوريا: فمن الممكن أن تكون القواعد الجوية الإيرانية التي تقع في دمشق، وعلى بعد 800 كيلومتر من طهران، ولا يفصلها عن “إسرائيل” سوى بضعة أميال، أهدافا في غاية الأهمية للطيران الجوي الإسرائيلي. وعلى الرغم من أن وجود قواعد عسكرية إيرانية قريبة من إسرائيل، يعتبر أمرا في غاية القلق لإسرائيل وغير مرغوب فيه، إلا أنه في حالة الضرورة سيكون من السهل على “إسرائيل” تنفيذ هجمات على هذه الأهداف دون الاضطرار إلى دخول المناطق الإيرانية.
بعد تنفيذ الهجوم الإسرائيلي في سوريا، بدا جليا أن حلفاء إيران اتخذوا خطوة للوراء. فمن جانبها، طالبت روسيا كافة الأطراف “بضبط النفس”، ما يشير إلى عدم رضاها عن الأفعال الاستفزازية التي تقودها إيران، وقد يهدد ذلك بدوره طموح الكرملين في الحفاظ على الأسد في منصبه. علاوة على ذلك، أنهكت الحرب الأهلية في سوريا على مدار سبع سنوات الجيش السوري النظامي، وبالتالي، لا يملك هذا الجيش أية فرصة للتصدي لجيش احترافي ومتقدم، على غرار الجيش الإسرائيلي.
إيران تشتعل من الداخل بسبب الأوضاع الاقتصادية المتردية، بالإضافة إلى السياسة الخارجية الإيرانية التوسعية، ما يعني أنه عليها أن تكون حذرة من أن تضع نفسها في المزيد من الالتزامات داخل سوريا
في الوقت الحالي، يفضل الأسد إعادة بناء بلاده المدمرة كليا على أن يقحم نفسه في حرب لا ناقة له فيها ولا جمل، فقد كانت الهجمات الإسرائيلية داخل سوريا ردا على الاستفزازات الإيرانية. وعلى الرغم من امتلاك حزب الله لأسلحة متطورة، إلا أنه يتجنب الدخول في أي صراع مع خصم قوي مثل إسرائيل، خوفا من أن يمتد الصراع إلى داخل لبنان.
والجدير بالذكر أن إيران تشتعل من الداخل بسبب الأوضاع الاقتصادية المتردية، بالإضافة إلى السياسة الخارجية الإيرانية التوسعية، ما يعني أنه عليها أن تكون حذرة من أن تضع نفسها في المزيد من الالتزامات داخل سوريا. وفي حال عاد الهدوء مرة أخرى إلى الجبهة الشمالية لإسرائيل، فمن المرجح أن تتكرر المناوشات بين الجانبين مرة أخرى. ولكن ستكون المواجهة هذه المرة بمثابة اختبار الطرفين لبعضهما البعض. وفي نهاية المطاف، سيعاد كتابة قواعد اللعبة، وليس ذلك سوى مسألة وقت.
المصدر: فورين بوليسي