يتسبب مشروع أنبوب النفط الرابط بين البصرة العراقية والعقبة الأردنية بموجة جدل واسعة في الأوساط العراقية، حيث تتباين الآراء بين مؤيد يرى فيه مشروعًا إستراتيجيًا حيويًا لتصدير النفط العراقي إلى الأسواق العالمية، ومعارض يعتبره “هدية لإسرائيل” وخطوة غير محسوبة.
وفي ظل هذا الجدل، تبرز تساؤلات حول تفاصيل المشروع وجدواه الاقتصادية والفوائد التي يمكن أن يجنيها العراق من تنفيذه. إذ يعود تاريخ هذا المشروع إلى زمن الحرب العراقية الإيرانية، وجرى إحياؤه عام 2012، ليصبح الآن محور نقاشات حادة بين مختلف الأطراف السياسية والاقتصادية في البلاد.
الاعتراضات وأسبابها
وتجددت الاعتراضات مع تصريحات أدلى بها برلمانيون عراقيون مؤخرًا عن تخصيص نحو 4.9 مليارات دولار في موازنة عام 2024 لتنفيذ مشروع أنبوب البصرة-العقبة لتصدير النفط العراقي الأمر الذي أثار الخلافات حول جدواه الاقتصادية وأهدافه.
وتزايدت هذه السجالات مع دخول أطراف دينية وسياسية وفصائل مسلحة على الخط، حيث جرى وصف المشروع بأنه أنبوب التطبيع مع “إسرائيل”، فيما تؤكد الحكومة أنه أحد أهم مشاريع تصدير النفط في البلاد.
ويقول الخبير الاقتصادي أحمد صدام إن الاعتراضات السياسية والشعبية ناتجة عن الشبهات التي تحوم حول المشروع على الرغم من أن شركة سومو العراقية هي التي تتولى عملية التعاقدات مع الدول المستوردة للنفط العراقي، لكن تبقى الشكوك السياسية والشعبية كون المشروع يخدم الأردن التي تحتاج 150 ألف برميل يوميًا لمصافيها وأيضًا مصر بالدرجة الأساس.
وفي حديثه لموقع “نون بوست” يلفت صدام إلى أن الكثير من العراقيين يعتقدون أن هذا المشروع هو مشروع سياسي ولا يخدم اقتصاد العراق الذي يمتلك منافذ بحرية للتصدير، بالإضافة إلى التوجس من وصول الأنبوب إلى العقبة وقربها من “إسرائيل”، وبالتالي يعتقد البعض أن هذا المشروع سيشكل ميزة نسبيه للاحتلال الذي ربما يحصل على النفط عن طريق بلد آخر يتعاقد مع العراق.
ويستبعد صدام إمكانية تنفيذ المشروع في ظل الظروف السياسية الحالية، بسبب التحديات التي تواجه المشروع وصعوبات حماية الأنبوب على مدى 1200 كيلو مترًا، فضلًا عن التحدي الأكبر المتمثل بالمعارضة الشعبية لإقامة المشروع.
هدف المشروع
وتنظر الحكومة العراقية إلى هذا المشروع باهتمام كبير كونه يمثل محور منظومة التصدير الشمالية وبوابة لفتح منافذ تصدير جديدة، بالإضافة إلى توفيره الآلاف من فرص العمل، ودوره في تعزيز مشروع طريق التنمية.
ويقول مدير عام شركة المشاريع النفطية في العراق، علي وارد حمود إن “مشروع أنبوب النفط بصرة-حديثة يعتبر من أهم المشاريع الاستراتيجية لحركة النفط في العراق وهو يعزز الاقتصاد من خلال تمكين البلد من تصدير النفط عبر منافذ جديدة”.
وأضاف في تصريح لوكالة الأنباء العراقية الحكومية، أنه “مع وجود التحديات الجيوسياسية في المنطقة فقد أخذت وزارة النفط على عاتقها تنويع منافذ التصدير حيث قامت خلال العقد الماضي بإعداد دراسة لمنظومة التصدير الشمالية مستعينة بأهم الشركات الاستشارية العالمية”.
ورأى حمود، أن المشروع يمثل العمود الفقري لكامل منظومة التصدير الشمالية عن طريق عقدة الربط في مستودع حديثة حيث يتم الاستفادة منه لأغراض الربط مع أنبوب تصدير النفط الخام الواصل الى ميناء جيهان من خلال أنبوب (حديثة IT1A) وبطول 200 كم بقياس 42 أنج.
وأكد أن “هنالك نية لربط الأنبوب مستقبلا بميناء طرطوس (مدينة سورية) على البحر المتوسط بعد تحقق الظروف الأمنية المناسبة في سوريا عن طريق أنبوب ينشأ لهذا الغرض”.
ويرى صدام أن الجدوى الاقتصادية لمشروع انبوب البصرة- العقبة تتمثل في تنويع منافذ التصدير، لكن هذه الجدوى ضعيفة إذا ما سلمنا أن 60% من صادرات النفط العراقي تذهب باتجاه الأسواق الآسيوية لا سيما الهند والصين، و25% إلى الأسواق الأوروبية وباقي النسبة 15% إلى الولايات المتحدة.
ويعرب الخبير الاقتصادي عن اعتقاده بأن الفوائد الاقتصادية لهذا المشروع -فيما لو نُفذ- تتمثل في رفع نسبة صادرات النفط العراقي إلى أوروبا في المستقبل بما يعزز من مستوى العلاقات الاقتصادية للعراق مع دول الاتحاد الأوروبي بشكل عام.
فضلًا عن ذلك، فإن هذا المشروع -بحسب صدام- يُعدّ متنفسًا للصادرات النفطية في حال توقف أو عرقلة التصدير عبر البحر، بسبب الأنواء الجوية أو التوترات السياسية المحتملة في مضيق هرمز.
وينوّه صدام إلى أن كلفة المشروع في مرحلته الأولية تقدر ما بين 5-7 مليارات دولار وينفذ كمشروع استثماري بنظام (B.O.T) أي (البناء-التشغيل- التسليم) إذ يتم تسليمه للعراق بعد 15-20 عامًا.
عديم الجدوى
من جانبه يقول الخبير النفطي ومستشار رئيس الوزراء الأسبق ومستشار المحكمة الاتحادية لشؤون النفط الدكتور حمزة الجواهري، إن هذا المشروع اقترحه المالكي عام 2012، وتلته باقي الحكومات لكنها لم تفعّله حتى جاءت صفقة القرن التي فرضها ترامب على الدول العربية من أجل التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، ليصبح هذا المشروع حجر الزاوية في مسألة التطبيع مع الكيان.
ويبيّن الجواهري في حديثه مع موقع “نون بوست”، أن هذا المشروع سوف يمنح تل أبيب القوة لمسك العراق من اليد التي تؤلمه لتفرض عليه الأمر الواقع، وذلك كون العراق هو العقدة المستدامة أمام التطبيع العربي الكامل.
وأوضح أن السفن التي تنقل النفط من ميناء العقبة إلى البحر الأحمر لابد لها من المرور عبر خليج العقبة ومضايق تيران التي تسيطر عليها “إسرائيل” والدول الخمسة التي تتحكم بمضايق تيران بتفويض من الأمم المتحدة، وبهذه الطريقة سيكون المشروع عبارة عن حصان طروادة للتطبيع القسري.
أما الجانب الاقتصادي للمشروع فيرى الجواهري أنه “يمثل خسارة فادحة للعراق، فتكلفة المشروع قد تصل إلى 28 مليار دولار وهذه ما هي إلا بداية الخسائر، حيث عند التشغيل فإن العراق سوف يخسر سنويًا ما يزيد عن 7 مليارات دولار على أقل تقدير وتستمر إلى أكثر من 30 سنة”، على حد قوله.
ويلفت الخبير النفطي إلى أن العراق بإمكانه الآن تصدير مليون برميل من البصرة، مؤكدًا رفضه رواية الحكومة لتبرير مد أنبوب البصرة-العقبة، ويعتبره عديم الجدوى وينفع دول أخرى على حساب العراق.
مسار المشروع
وتعود فكرة تأسيس هذا المشروع إلى عام 1983 عندما اتفق العراق والأردن على مدّ هذا الأنبوب إبان الحرب العراقية الإيرانية، لكنه لم يرَ النور آنذاك، وبعد سقوط نظام صدام حسين، عاد المشروع إلى الواجهة سنة 2012، وقيل حينها إنه جزء من ثمن الانسحاب الأمريكي من العراق.
وبحسب التقارير فإن إجمالي طول هذا الخط يبلغ 1700 كم ويبدأ من حقل الرميلة النفطي العملاق جنوبي البصرة وبقدرة نقل 2 مليون برميل يوميًا وصولًا إلى مصفاة حديثة للنفط غرب محافظة الأنبار.
ويقطع الانبوب المزمع إنشاؤه أكثر من 1000 كم داخل الأراضي العراقية، وعند وصوله الخط الحدودي الأردني يكمل إلى مصفاة البترول الأردنية في الزرقاء.
ورغم انتقاد رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي لهذا المشروع، لكنه هو من اتفق مع الجانب الأردني على إنشائه وذلك خلال زيارته إلى الأردن عام 2012، مع منح الأردن الأولوية بالتزود من النفط الخام.
وفي تطور لاحق، قام العراق عام 2013 بتوقيع اتفاقية مبادئ مع الأردن بشأن إنشاء خط البصرة – العقبة، وبعدها بعام واحد، توجه وزير النقل العراقي الأسبق هادي العامري إلى عمّان وأبلغ الحكومة الأردنية موافقة العراق رسميًا على المضي في إنجاز المشروع.
وتواصلت مساعي الحكومة العراقية لتنفيذ هذا المشروع عندما أجرى وزير النفط العراقي الأسبق عادل عبد المهدي زيارة إلى الأردن عام 2015 لتوقيع مذكرة تفاهم حول إنشاء خط البصرة – العقبة مع نظيريه الأردني والمصري.
وجدد رئيس الوزراء العراقي الأسبق حيدر العبادي عام 2017 تأكيده اعتزام البلدين توقيع العقد، ودعا شركات الطاقة والمستثمرين لتقديم العروض لبناء وتمويل المرحلة الأولى للمشروع.
وما إن وافقت الحكومة الأردنية على مشروع الأنبوب عام 2018، حتى أعلن العراق أنه يدرس إعادة النظر بدراسة جدواه الاقتصادية، وفي عام 2020 عقدت قمة ثلاثية بين العراق والأردن ومصر، تخللتها مناقشة مدّ أنبوب نفط البصرة – العقبة ليكمل طريقه إلى مصر.
لكن العراق أعلن عام 2022 عن تأجيل المشروع برمّته، وترك أمره إلى الحكومة الحالية لكي تحسم قرارها بشأنه، وفي المقابل، قال نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية وشؤون المغتربين الأردني أيمن الصفدي، إن 80% من التحضيرات المطلوبة لإطلاق خط أنبوب نفط البصرة – العقبة أنجزت.