صوّت البرلمان الأردني للمرة الثالثة في حياته، وللمرة الثانية خلال أقل من شهر، على طرد السفير الإسرائيلي من عمّان، حيث جاءت هذه الأخيرة بعد مقتل القاضي الأردني رائد زعيتر على معبر الكرامة مع الضفة الغربية برصاص جندي إسرئيلي.
الشارع الأردني اشتعل على إثر مقتل القاضي مطالباً بطرد السفير، وحاول البعض التظاهر حول السفارة إلا أن قوات كبيرة من الأمن الأردني منعتهم من الوصول إلى هناك، فتظاهروا في ساحة مسجد الكالوتي في حي الرابية من العاصمة عمّان، والذي يقع على مسافة تزيد عن الكيلو مترين عن مبنى السفارة!
الحكومة الأردنية برئاسة عبد الله النسور التزمت بما أسمتها “الخطوط الدبلوماسية” ولم ترفع من حدة خطابها مع إسرائيل بالرغم من مقتل أحد مواطنيها، الأمر الذي أشعل الشارع ومجلس النواب الأردني ليومين متتالين، فهل أثمر هذا “الاشتعال” ؟
هذا الاشتعال أسفر عن العديد من الكلمات والنقاشات واستخدام ألفاظ وجدها البعض “قاسية” بحق السفير الإسرائيلي في عمان كوصفه بـ “الكلب” و “الخنزير”، كما حاول أحد متابعي الجلسة حرق العلم الإسرائيلي قبل أن يتدخل حرس البرلمان ويوقفه، كما اتهم أحد النوّاب وزير الخارجية ناصر جودة بالضحك أثناء نقاش قضية القاضي زعيتر، قائلاً له : “استحي ع حالك! “.
ليصوت البرلمان بعد ذلك على جملة من المطالب والقرارات هي: طرد سفير إسرائيل من عمان، وسحب سفير الأردن من تل أبيب. والعمل على الإفراج عن جميع السجناء الأردنيين والفلسطينيين في السجون الاسرائيلية، ووضعهم بصورة التطورات اليومية بخصوص قضية القاضي زعيتر الذي قتل منذ يومين عند المعبر الحدودي بنيران جندي إسرائيلي، وفتح تحقيق موسع وتقديم المذنبين لمحكمة الجنايات الدولية، وفرض سيطرة أردنية-فلسطينية على الجانب الفلسطيني من المعابر الحدودية، وقيام الحكومة بالمبادرة لعقد مصالحة بين فتح وحماس.
هذه المطالب أعطيت للحكومة من قبل البرلمان لتنفيذها خلال مدة 48 ساعة، وإلا سيطرح البرلمان بعدها الثقة بالحكومة. المهلة التي مددت فيما بعد لتنتهي يوم الثلاثاء الماضي دون تنفيذ أي من هذه الوعود، تبعها تصويت لطرح الثقة من البرلمان بحق الحكومة، إلا أن المفاجأة بأن حصدت الحكومة 81 صوتاً يجدد الثقة فيها، بينما حجب 29 نائباً فقط الثقة، و غاب 20 آخرون عن الجلسة.
الشارع الأردني بدا مستاء جداً واصفاً ما حدث بـ “المسرحية”، أحدهم عبر فقال أن غليان المجلس حصدت على إثره الحكومة 81 صوتاً بالثقة، هذا كان تجديداً وليس طرحاً للثقة!
مسرحيّة الأطفال اللي عم تنعرض بمجلس النواب حاليّاً ذكّرتني بدعاية شامبو ‘جونسون للأطفال‘.. " #لا_ثقة بعد اليوم ".. #مجلس #حكومة #مهزلة
— Mohamad H. Tohme (@MoeTohme) March 20, 2014
#كاريكاتير تجديد الثقة لحكومة النسور #حكومة #حكومةـالنسور #الأردن #عبدالله_النسور #رسوم #خرابيش pic.twitter.com/BY6zhG6B1N
— عمرعدنان العبداللات (@omarcartoonist) March 20, 2014
" بطلعلك مين قدك ".. ثقة من مجلس النواب للمرة الرابعة.. مجلس النواب لا يمثلني #الأردن pic.twitter.com/NBXbJPUoIT
— ali saada (@alisaada2) March 19, 2014
الحكومة الأردنية قالت بأنها استخدمت وسائلها وقنواتها لحصول اعتذار واضح وصريح من إسرائيل على مقتل القاضي زعتير، إلا أن نواباً ونشطاء قالوا بأن ما قالته إسرائيل هو مجرد “تأسف” على الحادث وليس “اعتذاراً”. ونقلت الاذاعة العبرية تفاصيل المكالمة بالقول: ” تحدث رئيس الدولة شيمون بيريس هاتفياً اليوم مع الملك عبد الله الثاني ملك الأردن وأعرب له باسمه وباسم إسرائيل عن أسفه واعتذاره العميقين وعن تعازيه للعائلة والشعب الأردني في أعقاب مقتل القاضي الأردني في حادث وقع في معبر جسر الملك حسين جسر اللنبي قبل أكثر من أسبوع”.
تجديد الثقة في الحكومة بعد غليان الشارع والبرلمان لأيام يطرح سؤالاً عن الشكل الذي تدار فيه الحكومة والأردن، في الوقت الذي غاب فيه صوت الملك الذي يفترض أن يكون حاضراً، سوى عن المكالمة التي تلقاها من الرئيس الإسرائيلي ، ونقل الخبر عنه آنذاك دون أي ظهور تلفزيوني له أو في جلسات البرلمان.
المواقع الإخبارية تناقلت عن تحركات حكومية لـ “إقناع” النواب بعدم طرح الثقة عن الحكومة رغم عدم تنفيذها أي من المطالب، كانت إحدى هذه التحركات هو لقاء رئيس الوزراء عبد النسور عدداً من أعضاء مجلس النواب في منزل النائب معتز أبو رمان في وقت سابق من قبل التصويت، عبّر فيها النسور عن “صعوبة تنفيذ المطالب النيابية المتعلقة بأزمة مقتل زعيتر، خاصة الخطوات الدبلوماسية المتعلقة بطرد السفير الإسرائيلي من عمان، أو سحب البعثة الأردنية الدبلوماسية من تل أبيب، وقطع العلاقات مع اسرائيل”.
خطوة مجلس النواب بإعادة تجديد الثقة للحكومة قال عنها البعض بأنها كانت فرصة تاريخية لمجلس النواب بإعادة كسب ثقة الشارع “المفقودة”، إلا أن المجلس أضاعها، لتفتح المجال أيضاً لطرح مزيد من الأسئلة عن السؤال الدائم : من يحكم الأردن ؟
فالحكومة التي يفترض أن تشكّل من قبل الكتلة البرلمانية الأكبر، يعيّن رئيسها في الأردن من قبل الملك شخصياً ثم يقوم رئيس الوزراء باختيار وزرائه لتُعرض الحكومة فيما بعد على مجلس النواب فيعطي الثقة أو يحجبها، الأمر الذي لم يحدث مطلقاً.
كما تلعب “الدولة العميقة” في الأردن دوراً كبيراً في تسيير شؤون البلاد يقول مراقبون، حيث تتمثل في جهاز المخابرات النافذ في الدولة، والديوان الملكي الذي يعتبر حاشية الملك والعائلة المالكة، حيث يحوي هذين الجهازين كبار الضباط والمسؤولين الأردنيين منذ زمن الملك الراحل الحسين، والذين ما زالوا يملون قراراتهم على الوزراء والنواب.
فهل كان تصويت مجلس النواب يعكس حالة الشارع كونه “مجلس الشعب” ؟