اعتقال أبو الفتوح.. أجواء سبتمبر 1981 تخيم على أرجاء القاهرة

ألقت السلطات المصرية القبض على رئيس حزب مصر القومية عبد المنعم أبو الفتوح المرشح الرئاسي السابق، مساء أمس الأربعاء، وعدد من أعضاء حزبه، بعد ساعات قليلة من عودته من لندن عقب إجراء حوار مع قناة “الجزيرة” تحدث خلاله عن ملامح المشهد السياسي المصري الحاليّ قبيل إجراء الانتخابات الرئاسية المقررة الشهر القادم.
وبعد ساعات من الاعتقال، أخلت نيابة أمن الدولة المصرية سبيل 6 من أعضاء المكتب السياسي للحزب وهم: أحمد سالم وأحمد إمام وأحمد عبد الجواد وعبد الرحمن هريدي ومحمد عثمان وتامر جيلاني، فيما ظل أبو الفتوح قيد الاحتجاز.
اعتقال رئيس حزب مصر القوية يأتي بعد ما يقرب من أسبوع على اعتقال نائب رئيس الحزب محمد القصاص، ويوم من اعتقال المستشار هشام جنينة الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات (أعلى جهاز رقابي حكومي في مصر)، وأقل من 20 يومًا على اعتقال الفريق سامي عنان رئيس أركان حرب الجيش المصري الأسبق، عقب إعلانه الترشح للانتخابات الرئاسية، في مشهد يعيد الأجواء إلى اعتقالات سبتمبر 1981 التي كان أبو الفتوح أحد ضحاياها أيضًا إبان فترة حكم الرئيس الراحل محمد أنور السادات.
مداهمة واعتقال
جاء اعتقال أبو الفتوح بناءً على مذكرة مقدمة للنيابة العامة أصدرت على إثرها قرارًا بإلقاء القبض عليه، حيث تحركت قوة من الأمن الوطني لمنزله لتنفيذ أمر النيابة، وذلك حسبما أشار عدد من الإعلاميين المقربين من النظام ممن أكدوا أن النيابة العامة قد أصدرت أوامرها بالقبض عليه بعد وصوله من لندن بساعات عن طريق قوة أمنية داهمت منزله وقامت بتفتشيه ثم قامت باعتقاله.
مصدر تابع لوزارة الداخلية أشار في تصريحات مقتضبة أن “أجهزة الأمن ألقت القبض على رئيس حزب مصر القوية عبد المنعم أبو الفتوح، و6 من أعضاء المكتب السياسي للحزب، بتهمة الاتصال بتنظيم الإخوان المسلمين والتحريض على قلب نظام الحكم، بناءً على إذن ضبط وإحضار صادر لهم من نيابة أمن الدولة العليا”.
كان المحامي المصري سمير صبري الموالي للنظام الحاكم، قد تقدم ببلاغ للنائب العام ونيابة أمن الدولة العليا، الإثنين 12من فبراير/شباط الحاليّ، ضد أبو الفتوح، متهمًا إياه بـ”تعمد الإساءة للدولة المصرية ورئيسها ومجلس النواب متعمدًا نشر أخبار كاذبة”، وذلك خلال حواره الذي أجرته معه قناة “الجزيرة” الفضائية.
صبري في بلاغه استشهد ببعض العبارات التي تفوه بها رئيس حزب “مصر القوية” خلال حواره، اعتبرها إساءة لمصر ونظامها الحاكم، منها حسبما جاء في البلاغ: “النظام انزعج من تحركات المعارضة خلال الفترة الأخيرة، والنظام عصف برئيس منتخب واختطفه ووضعه في السجن، والسيسي يحكم بمنطق يا أحكمكم يا أقتلكم، ولم أترشح في السباق الرئاسي لقناعتي بعدم وجود انتخابات من الأساس”.
ومن المقرر أن يمثل أبو الفتوح، اليوم الخميس، أمام نيابة أمن الدولة العليا، فيما نسب إليه من اتهامات تتعلق بالاتصال بجماعة الإخوان المسلمين والتحريض ضد أجهزة الدولة ومؤسسساتها، كذلك التحريض على قلب نظام الحكم، وذلك حسبما أشارت مصادر قضائية.
أبو الفتوح وفي حوار له مع “الجزيرة”، الأحد 11 من فبراير/شباط الحاليّ، شن حملة ضد نظام السيسي، متهمًا إياه بفقدان الخبرة في إدارة الدولة المصرية، مطالبًا بـ”تكوين هيئة استشارية لإدارة مصر”، مؤكدًا أنه “من الخطورة على الوطن أن يُدار بعقل واحد دون مشاركة من الآخرين”، مضيفَا أن السيسي “لا خبرة له في إدارة الدولة، ولا تاريخ سياسي له، ويحكم بطريقة يا أحكمكم (المصريين) يا أقتلكم، وأحبسكم”.
كما ندد بما أسماه “عصف” السيسي ببقية المرشحين للانتخابات الرئاسية المصرية، مؤكدًا أنه لا مبرر بعد ذلك للحملة الانتخابية في ظل غياب التنافس الانتخابي الذي “فرضه السيسي وبعض أعوانه – وهم دببة يؤذون الوطن – بأساليب مختلفة”، مبينًا أن “مصر تعيش جمهورية الذعر”، وشدد في الوقت نفسه على أن ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 “باقية وستسترد عافيتها”، مستشهدًا بالاحتجاجات على محاولة النظام الحاكم “التفريط” في جزيرتي “تيران وصنافير” للسعودية، على حد قوله.
سيناريو سبتمبر 1981
أجواء مشابهة لتلك التي تحياها مصر هذه الأيام واعتقالات سبتمبر/أيلول 1981، تلك الحملة التي قادها الرئيس الراحل أنور السادات، من أجل قمع السياسيين المعارضين لاتفاقية كامب ديفيد الموقعة مع الكيان الصهيوني، حيت تم اعتقال ما يزيد على 1536 من رموز المعارضة السياسية المصرية إلى جانب عدد من الكتاب والصحفيين ورجال الدين، بجانب إلغاء إصدار الصحف، وتضييق الخناق على الجميع.
المبررات التي ساقها الرئيس المصري حينها في خطابه الذي ألقاه في الخامس من سبتمبر/أيلول من نفس العام تكاد تتطابق مع تلك التي تسوقها السلطات المصرية الحاليّة، حيث رغبة فئة من الشعب في إحداث الفتنة الطائفية، وقيام بعض الأشخاص بممارسات من شأنها تهديد أمن واستقرار الوطن.
اللافت للنظر أن عبد المنعم أبو الفتوح كان أحد من شملهم قرار الاعتقال في تلك الأثناء، بجانب عدد من الشخصيات الأخرى منهم: حمدين صباحي وعمر التلمساني وجابر عصفور وفؤاد سراج الدين ومصطفى بكري والبابا شنودة الثالث، وغيرهم ممن رأى نظام السادات حينها أنهم يشكلون خطرًا على المجتمع.
هل تتم الاعتقالات بضوء أخضر أمريكي؟
جاءت هذه الخطوة بعد ساعات قليلة من مغادرة وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون، للقاهرة في مستهل جولته المكوكية للشرق الأوسط التي تضم بجانب مصر كل من الكويت والأردن ولبنان بالإضافة إلى تركيا.
كثير من المراقبين توقعوا أن يكون ملف حقوق الإنسان في مصر حاضرًا على جدول أعمال الزيارة، غير أن المفاجأة أن تيلرسون لم يتطرق لا من قريب أو بعيد لهذا الملف المثير للجدل، بل على العكس اكتفى بعبارات فضفاضة عن الانتخابات الرئاسية المزمع إقامتها مارس/آذار المقبل، تفيد بأن واشنطن “تقف” مع الانتخابات، و”أمريكا وكل الدول الأخرى تدعم العملية الانتخابية الشفافة وتشجع المشاركة في الانتخابات”.
كما لم يتطرق إلى مسلسل انتهاكات حقوق الإنسان في ظل حملة التنكيل بالمعارضين واعتماد البطش سياسة ومنهجًا لكل من يغرد خارج السرب، في الوقت الذي أبدى فيه تأييده المطلق للعمليات العسكرية التي يشنها الجيش المصري ضد الجماعات المسلحة في سيناء، وهو ما اعتبره البعض ضوءًا أمريكيًا أخضر للقاهرة لممارسة ما تشاء في سبيل ترسيخ أركان النظام الحاليّ خاصة في ظل الحديث عما يسمى بـ”صفقة القرن” والدور المعول على مصر لتمريرها.
الفريق سامي عنان رئيس أركان حرب الجيش المصري الأسبق
تنديد دولي
بدورها أعربت الأمم المتحدة عن قلقها إزاء الاعتقالات الأخيرة وضيق الأفق السياسي في مصر، مؤكدة أنها ستواصل التعاطي مع السلطات المصرية فيما يخص هذه المسائل، وذلك حسبما جاء على لسان المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، فرحان حق، أمس الأربعاء.
وبالتزامن مع ذلك فقد أدانت منظمة العفو الدولية، الاعتقالات التعسفية في مصر، وتعليقًا منها على ما حدث مع المستشار هشام جنينة، ذكرت المنظمة في تغريدة لها عبر حسابها الرسمي على موقع التدوين المصغر “تويتر” أن: “القبض التعسفي على المستشار هشام جنينة وإحالته للمدعي العسكري يمثلان إهدار تام للحق في حرية التعبير والمشاركة في الحياة العامة”.
يذكر أن ما يقرب من 14 منظمة حقوقية دولية وإقليمية، ومن بينها “هيومن رايتس واتش” و”مراسلون بلا حدود” و”المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب” و”لجنة الحقوقيين الدولية”، انتقدت في بيان مشترك لها نشر على موقع “هيومن رايتس واتش” الإلكتروني، الانتخابات الرئاسية المصرية المقررة في نهاية مارس/آذار القادم، حيث وصفتها بالـ”مهزلة”، مشيرة إلى أنها “لا تستوفي الحد الأدنى لمتطلبات إجراء انتخابات حرة ونزيهة”.
وطالبت المنظمات الحقوقية الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بالتنديد بالانتخابات المرتقبة، داعية السلطات المصرية إلى الإفراج عن المعتقلين السياسيين.
#مصر : القبض التعسفي على المستشار هشام جنينة وإحالته للمدعي العسكري يمثلان إهدار تام للحق في حرية التعبير والمشاركة في الحياة العامة. pic.twitter.com/tkFf2sujSC
— منظمة العفو الدولية (@AmnestyAR) February 13, 2018
حملة اعتقالات موسعة تشنها السلطات المصرية منذ ما يقرب من شهر تقريبًا، شملت العديد من أطياف المجتمع المصري، عسكريين وليبراليين وإسلاميين وغيرهم، ولم يعد الأمر مقصورًا على الإخوان كما كان في السابق، وهو ما يتطابق مع تخوفات البعض حيال بعض ما ذكر في بيان القوات المسلحة الأول الخاص بـ “العملية الشاملة سيناء 2018” التي يقودها الجيش المصري ضد العناصر المسلحة في منطقة سيناء منذ أسبوع تقريبًا، والذي جاء فيه توسيع دائرة المواجهة لتشمل “مجابهة الجرائم الأخرى ذات التأثير على الأمن والاستقرار الداخلي”.
البعض ذهب إلى أن الحملة التي يشنها نظام السيسي ضد كل من يغرد خارج السرب ستمتد إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية – محسومة النتيجة – بعد استبعاد منافسيه الأقوياء، وربما تتجاوز السقف المتوقع لها في ظل غياب الضغوط الممارسة عليه، داخليًا أو خارجيًا، ورغم الاختلاف الكامل بين المشهدين إلا أن آخرين لا زالوا يتحسسوا سيناريو 1981.