في مشهد مماثل لما حصل لنظيره الزيمبابوي روبرت موغابي في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أجبر الرئيس الجنوب إفريقي جاكوب زوما على تقديم استقالته بعد ضغط كبير من حزب المؤتمر الوطني الإفريقي الحاكم الذي ينتمي إليه.
المؤتمر الوطني الإفريقي يضع حدًا للرئيس
استبق زوما البالغ من العمر 75 عامًا قرار عزله من منصبه من البرلمان، اليوم، وأعلن استقالته رسميًا من رئاسة جنوب إفريقيا البارحة، ليضع نهاية لسنوات حكمه التي امتدت لتسع سنوات شابتها الفضائح، ومن المنتظر أن يتولى نائب الرئيس سيريل رامافوزا الذي انتخب في ديسمبر/كانون الأول رئيسًا للمؤتمر الوطني الإفريقي منصب الرئاسة خلفا لزوما.
احتج زوما على مطالبته بالاستقالة، مؤكدًا أنه ليس لديه أي سبب للتنحي
وقال زوما الذي تولى الحكم في مايو 2009، في خطاب بثه التليفزيون الرسمي في جنوب إفريقيا، مساء أمس الأربعاء: “قررت الاستقالة من منصب رئيس الجمهورية بمفعول فوري، مع أنني على خلاف مع قيادة حزبي”، وبيّن في خطابه أنه يختلف مع الطريقة التي دفعه بها الحزب الحاكم لترك السلطة مبكرًا، بعد انتخاب سيريل رامافوزا رئيسًا للحزب، وتابع زوما القول إن العنف والانقسام داخل حزب المؤتمر الوطني قد أثر عليه ودفعه لاتخاذ قرار التنحي.
وأضاف: “لا يجب أن يموت أحد من أجلي أو ينقسم حزب المؤتمر الوطني الإفريقي بسببي”، ولفت إلى أنه لا يتفق مع قرار قيادة الحزب، لأنه كان دائمًا “عضوًا منضبطًا” في المؤتمر الوطني الإفريقي، وأضاف “عندما أغادر منصبي، سأواصل خدمة شعب جنوب إفريقيا وكذلك حزب المؤتمر، المنظمة التي خدمتها طوال حياتي”.
من المنتظر أن يتولى سيريل رامافوزا منصب الرئاسة خلفا لزوما
في الرابع من فبراير/شباط، طلبت قيادة المؤتمر الوطني الإفريقي من جاكوب زوما أن يستقيل، لكنه رفض، ومنذ وصوله إلى رئاسة الحزب، يسعى سيريل رامافوزا إلى أن يدفع رئيس الدولة الذي تنتهي ولايته السنة المقبلة، إلى الاستقالة، ويحاول رامافوزا الذي فاز على نكوسازانا دلاميني زوما، الزوجة السابقة للرئيس المستقيل زوما، طمأنة أوساط الأعمال بشأن رغبته في إصلاح الحزب والبلاد وخصوصًا بمكافحته الفساد بصرامة.
وكانت رئيسة البرلمان الجنوب إفريقي باليكة مبيتى قد أعلنت في وقت سابق أن البرلمان سيجري تصويتًا على سحب الثقة من الرئيس جاكوب زوما، الخميس، مما زاد الضغوط على الرئيس لتقديم الاستقالة، وكان زوما قد رفض التخلي عن منصبه، وأكد أن محاولات عزله التي يقودها حزب المؤتمر الوطني الإفريقي الحاكم “غير عادلة“، كما احتج على مطالبته بالاستقالة، مؤكدًا أنه ليس لديه أي سبب للتنحي.
علاقته بعائلة غوبتا الهندية
إعلان زوما استقالته من منصبه، سبقته حملة اعتقالات أمنية في صفوف مقربين منه، ففي وقت مبكر من صباح الأربعاء داهمت الشرطة منزلاً لأصدقائه المقربين من عائلة غوبتا الغنية بالهند، واعتقلت أفرادًا منها، وتتهم عائلة غوبتا باستغلال صداقتها الوثيقة مع الرئيس لكسب نفوذ سياسي هائل.
وصلت عائلة “غوبتا”، إلى جنوب إفريقيا، عام 1993 قادمة من ولاية “أوتار براديش” الهندية
كشفت تقارير إعلامية سابقة عن تورط عائلة “غوبتا” في إدارة شؤون الدولة، وفي تعيين وزراء، إضافة إلى ممارسة الضغوط للحصول على عقود حكومية، كما كشفت تقارير عن تلقي أفراد عائلة زوما هدايا قيمة من عائلة غوبتا الغنية، وكان الأخوة غوبتا الذين يتألفون من أجاي وأتون وراجيش طوني غوبتا قد ساعدوا نجل الرئيس دودوزان زوما في شراء شقة بقيمة مليون جنيه إسترليني في أطول مبنى بدبي وتسديد فاتورة ضريبية بقيمة 12 ألف جنيه إسترليني كجزء من صداقتهم مع الرئيس وابنه.
وسبق أن عمل الرئيس زوما مديرًا في العديد من الشركات التي يملكها الأخوة غوبتا الذين يتهمون بالاستيلاء على العديد من المشاريع في جنوب إفريقيا والوظائف الحكومية من خلال صداقتهم مع زوما، ويتقاضى زوما حسب عديد من التقارير 17 ألف جنيه إسترليني شهريًا كرسوم إدارية من عائلة غوبتا.
تتهم عائلة غوبتا بالاستيلاء على مفاصل الحكم في جنوب إفريقيا
تعرض الأخوة الثلاث في عائلة غوبتا، لضغوط كبيرة خلال الأشهر القليلة الماضية، بعد تصريحات أدلى بها أعضاء نافذين في حزب المؤتمر الوطني الحاكم، عن تدخلات العائلة الهندية في اختيار رؤساء الحكومة في جنوب إفريقيا، وكان آخرها تصريح نائب وزير المالية الذي ادعي أن العائلة عرضت عليه تولي منصب وزارة المالية.
يذكر أن عائلة “غوبتا” وصلت إلى جنوب إفريقيا عام 1993 قادمة من ولاية “أوتار براديش” الهندية، وبحلول عام 2000 استقر جميع أعضاء العائلة هناك وأقاموا سلسلة من المؤسسات الاقتصادية العملاقة والمشروعات الضخمة.
أبرز الأسباب التي دفعت حزبه لطلب استقالته
يواجه الرئيس المستقيل زوما، جملة من الاتهامات المتعلقة بالفساد، وسبق أن أمر القضاء الجنوب إفريقي جاكوب زوما في شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي بتشكيل لجنة تقصي حقائق خلال شهر للتحقيق في سلسلة قضايا فساد منسوبة إليه.
يحمّل الحزب الحاكم والمعارضة في البلاد زوما مسؤولية تعثر الاقتصاد، نتيجة سياساته الخاطئة
وقبل ذلك، وجّهت المحكمة الدستورية في جنوب إفريقيا تهمة انتهاك الدستور للرئيس جاكوب زوما في القضية المعروفة باسم “نكاندلا” المرتبطة بتبذير المال العام في إصلاح منزله، وأمرت المحكمة زوما بدفع مبلغ من المال تحدده وزارة المالية، ودفعت الدولة رسميًا نحو 20 مليون يورو، لتحسين الإجراءات الأمنية حول المنزل الواقع في شرق البلاد، وشملت الأعمال خصوصًا بناء مسبح ومزرعة دواجن وحظيرة للماشية ومسرح ودار للضيافة.
فضلاً عن ذلك، يحمّل الحزب الحاكم والمعارضة في البلاد زوما مسؤولية تعثر الاقتصاد، نتيجة سياساته الخاطئة، ففي مارس/آذار الماضي، عزل زوما 10 وزراء بينهم وزير المالية برافين جوردهان الذي يحظى بالاحترام مما أدى لتخفيض التصنيف الائتماني للبلاد وأضر بفرص تحقيق انتعاش للاقتصاد المتعثر.
مظاهرة تطالب زوما بالاستقالة
تسعى المحكمة العليا في البلاد لإعادة ما يقرب من 800 اتهام بالفساد ضد زوما – التي أسقطت عام 2009 – قبل وقت قصير من توليه منصب الرئاسة، وشملت الاتهامات اتفاقية الأسلحة التي وقعت عام 1999 عندما كان زوما نائبًا للرئيس، واتهم زوما بقبول رشاوى من مصنعي الأسلحة الدوليين للتأثير على اختيار الأسلحة.
ويواجه زوما أيضًا تهمًا أخلاقية، وفي عام 2006 برأته المحكمة العليا في جوهانسبرج من تهمة اغتصاب امرأة تبلغ من العمر 31 سنة وتحمل فيروس الإيدز، ودافع زوما عن نفسه قائلاً: “العلاقة الجنسية جرت برضى متبادل مع المرأة”، وادعى أنها أغوته من خلال ارتدائها تنورة قصيرة وجلوسها بطريقة مثيرة.
استقالة جاكوب زوما وتخليه عن منصب الرئيس بعد اتهامه بتهم تتعلق بالفساد، وقبلها استقالة نظيره الزيمبابوي روبرت موغابي من منصبه هو الآخر بعد ضغوط من الجيش نتيجة “فساده”، من شأنها أن تعطي أملاً لسكان القارة الإفريقية في العيش في ظل دول ديمقراطية.