أخيرا، بعد طول انتظار، لحقت المملكة المغربية بتونس، حيث صادق برلمانها بالأغلبية على مشروع قانون محاربة العنف ضد المرأة، سعيا منها للحدّ من ظاهرة العنف ضدّ النساء، ليسجّل المغرب بذلك خطوة تاريخية في هذا المجال، غير أن العديد من المراقبين، أكّدوا أن هذا القانون لن يكون له فائدة إذا لم يصاحبه وعي مجتمعي يغلّب الحوار على العنف.
تفاصيل القانون
بعد انتظار دام أكثر من 15 عاما، وتجميد في الغرفة الثانية من البرلمان، امتد لقرابة الخمس سنوات، صادق مجلس النواب (الغرفة الأولى) أول أمس الأربعاء 14 القانون المتعلق بمكافحة العنف ضد النساء، بـ 168 مقابل 55 صوتا معارضا، بعد أن حظي بموافقة 23 مستشارا، مقابل معارضة 15.
ووصفت بسيمة الحقاوي وزيرة الأسرة والتضامن عملية التصويت بـ”اللحظات التاريخية البارزة في مسلسل بناء دولة الحق والقانون”، مشددة على أنها “لحظة فاصلة في تاريخ تعاطينا المؤسساتي مع قضية محاربة العنف ضد النساء”.
يمثل العنف ضد المرأة، انتهاكًا لحقوق الإنسان التي أقرتها المواثيق والمعاهدات الدولية وعائقًا أمام التنمية الاقتصادية والاجتماعية،
هذا القانون الجديد الذي ومن المنتظر أن ينشر قريبا في الجريدة الرسمية ليدخل بعد ذلك حيز التنفيذ وفق المقتضيات القانونية المنظمة لذلك، يشدّد عقوبة ممارسة العنف على المرأة بسبب جنسها، كما ينص على “تجريم بعض الأفعال باعتبارها عنفا يلحق ضررا بالمرأة، كالامتناع عن إرجاع الزوج المطرود من بيت الزوجية، والإكراه على الزواج، وتبديد أو تفويت الأموال بسوء نية بقصد الإضرار، أو التحايل على مقتضيات مدونة الأسرة المتعلقة بالنفقة والسكن”.
وتضمن القانون “تجريم بعض الأفعال باعتبارها صورا من صور التحرش الجنسي، وتشديد العقوبات إذا ارتكب التحرش في ظروف معينة ومن طرف أشخاص محددين، كزميل في العمل، أو شخص مكلف بحفظ النظام، أو أحد الأصول أو المحارم”. وأقر “اعتماد تدابير وقائية لضمان عدم تكرار العنف، كمنع المحكوم عليه من الاتصال بالضحية أو الاقتراب من مكان تواجدها أو التواصل معها، إخضاع المحكوم عليه لعلاج نفسي ملائم”.
مظاهرة تطالب بوقف الاعتداءات على المرأة في المغرب
ينص القانون أيضا على اعتماد تدابير حمائية جديدة، كمنع الشخص المتابع من الاتصال بالضحية أو الاقتراب من مكان وجودها أو التواصل معها، وإرجاع المحضون مع حاضنته إلى السكن المعين له، وإشعار المعتدي بأنه يمنع عليه التصرف في الأموال المشتركة للزوجين، وإحالة الضحية على مركز الاستشفاء قصد العلاج.
ويمثل العنف ضد المرأة، انتهاكًا لحقوق الإنسان التي أقرتها المواثيق والمعاهدات الدولية وعائقًا أمام التنمية الاقتصادية والاجتماعية، حسب عديد من الخبراء، كما يحد من تطور المجتمعات اجتماعيًا واقتصاديًا وسياسيًا، ويحتفل العالم في 25 من نوفمبر من كل عام باليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، حيث تدعو الأمم المتحدة الحكومات والمنظمات الدولية والأهلية إلى تنظيم أنشطة ترفع من وعي الناس بشأن هذه القضية.
الثاني في الدول العربية
يعتبر هذا القانون الثاني من نوعه في الدول العربية، حيث سبقت تونس المغرب وسنت مثل هذا القانون وصادقت عليه في يوليو الماضي، وتعد تونس من أهم الدول العربية وأكثرهم إنصافًا واهتمامًا بالمرأة وذلك منذ عام 1956، فقانون الأحوال الشخصية وإلغاء تعدد الزوجات والسماح للمرأة بطلب الطلاق هو قانون لا يزال حتى الآن يشكل استثناءً في العالم العربي.
تصدر العنف النفسي قائمة أشكال العنف ضد النساء بالمغرب
لطالما كان لتونس سياسيات إيجابية ومنصفة في المساواة بين الجنسين، حيث أمسكت تونس بزمام المبادرة في العالم العربي في مجال حقوق المرأة كانعكاس مباشر للتيار المنبهر بالغرب الذي قاد تونس عقب الاستقلال سنة 1956.
واقع مؤلم للمرأة المغربية
هذا القانون ترمي من خلاله المملكة المغربية إلى الحدّ من ظاهرة الاعتداء على النساء، وسبق أن أكّد مكتب الأمم المتحدة للمرأة بالمغرب في تقرير له سنة 2016 وجود 2.4 مليون امرأة مغربية تتعرض للتعنيف والتحرش في الأماكن العامة، الأمر الذي دفع بالمكتب الأممي إلى إطلاق حملة لمناهضة العنف ضد النساء في المغرب تحت شعار “مناهضة العنف ضد النساء في الأماكن العامة”.
وفي شهر نوفمبر الماضي، قالت ليلي رحيوي، ممثلة هيئة الأمم المتحدة للمرأة بالمغرب، إن نحو 6 ملايين امرأة وفتاة مغربية تعرضن للعنف، بما يمثل 62% من مجموع نساء المغرب. وأوضحت المسؤولة الأممية أن “أكثر من نصف المعنفات المغربيات متزوجات، ويصل عددهن إلى 3.7 مليون امرأة.”
ارتفاع عدد النساء المعنفات في المغرب
تصدر العنف النفسي قائمة أشكال العنف ضد النساء بالمغرب (4.6 ملايين امرأة)، تلاه انتهاك الحريات الفردية (ثلاثة ملايين)، ثم العنف الجسدي ومنها الاعتداء بأداة حادة وحرق (1.4 مليون)، والعنف المرتبط بتطبيق القانون (1.2 مليون)، ثم العنف الجنسي (827 ألفا) ثم العنف الاقتصادي (181 ألفا).
وتعرف الجمعية العامة للأمم المتحدة العنف ضد النساء بأنه أي اعتداء ضد المرأة مبني على أساس الجنس والذي يتسبب بإحداث إيذاء أو ألم جسدي، جنسي أو نفسي للمرأة، ويشمل أيضًا التهديد بهذا الاعتداء أو الضغط أو الحرمان التعسفي للحريات، سواء حدث في إطار الحياة العامة أو الخاصة.
وترجع تقارير دولية ارتفاع أرقام النساء اللاتي تتعرضن للعنف في المغرب، إلى تفشي ظاهرة الزواج المبكر للفتيات، وانقطاعهن عن الدراسة، ونهاية مسارهن المهني وحقهن في توجيه حياتهن كما يرغبن، وكانت إحصائيات سابقة للمندوبية السامية للتخطيط، قد أقرت أن 35 ألف قاصر مغربية تزوجت في العام 2013.
هذا الواقع المرير للمرأة المغربية، جعل عديد الجمعيات والمنظمات النسوية في البلاد، تؤكّد ضرورة مصاحبة التشريعات القانونية التي تهدف للحدّ من ظاهرة العنف ضدّ النساء، وعي مجتمعي يغلّب الحوار على العنف، وينتصر لقضايا المرأة في المملكة.