عصفت بشركة فيسبوك في الآونة الأخيرة مجموعة من التغيرات الجذرية أدت إلى تغيير ظهور المحتوى على المنصة، مما أدى إلى انخفاض في عدد زيارات المستخدمين لمنصة فيسبوك بحوالي 50 مليون ساعة، حيث اعترف بذلك الرئيس التنفيذي للشركة “مارك زوكيربيغ” بأن الشركة قامت بالفعل بتحديثات لتواجه عاصفة التهديدات التي واجهت فيسبوك بأنه منصة للبروباجندا والأخبار المزيفة و تصيب المستخدمين بالإدمان.
أوضح “زوكيربيغ” ذلك في بيان رسمي قائلًا “لقد كانت عام 2017 عامًا عظيمًا على شركة فيسبوك، إلا أنه كان عامًا صعبًا في الوقت ذاته، ولهذا يجب أن يكون تركيزنا في عام 2018 في أن نضمن أن فيسبوك ليس منصة للتسلية فقط، بل منصة مفيدة للمستخدمين وذلك من خلال تشجيع التواصل المفيد بينهم بدلًا من الاستهلاك السلبي للمحتوى على المنصة، نحن نحاول أن نضمن أن المستخدمين لا يضيعون وقتهم على المنصة، ولهذا قررنا أن نقوم بـ “تصفية” أو “Filter” للمحتوى المعروض لعرض أقل ما يمكن من الأخبار المزيفة و الفيديوهات “الفيروسية” أي المنتشرة بشكل سريع، وبهذا قللنا عدد زيارات المستخدمين إلى 50 مليون ساعة أقل بشكل إجمالي، وبهذا تكون منصتنا ويكون عملنا عملًا مفيدًا على المدى الطويل”.
ربما يبدو كلام “زوكيربيرغ” متناقضًا في بيانه الرسمي في نهاية عام 2017 لموظفي الشركة جميعًا، فقلة عدد زيارات المستخدمين لمنصة هو بالتأكيد خبرًا سيئًا على كل من يعمل في المنصات الرقمية مثل فيسبوك و تويتر وإنستجرام، إلا أن زوكربيرغ اعتبر الأمر خبرًا سعيدًا لمنصته ومن يعمل فيها، واعتبره علامة جيدة في طريق المنصة لمواجهة الانتقادات التي عصفت بشركة فيسبوك في الآونة الأخيرة تحديدًا منذ الانتخابات الأمريكية 2016 و اتهام فيسبوك بالتلاعب بنتائج الانتخابات.
من أجل مزيدًا من المصداقية: فيسبوك يصنف الأخبار
“آدم موسيري” رئيس نشر الأخبار يشرح ميكانيكة فيسبوك من أجل تصنيف المحتوى على فيسبوك
كانت مسألة تصنيف الأخبار “ranking“، وهي اختيار فيسبوك للمحتوى الأكثر أولوية للظهور على المنصة، والتخلص من محتويات أخرى تراها المنصة أقل أولوية فيمنعها من الظهور على الصفحات الرئيسية للأخبار أو “News feed” في خطوة يراها “زوكيربيغ” خطوة أساسية تواجه بها فيسبوك الانتقادات اللاذعة حول تحوّل المنصة إلى منصة تنشر الأحبار الكاذبة والمزيفة وتروج للمحتويات المشجعة على البروباجندا أو الصور ومقاطع الفيديو الفيروسية (Viral) على حساب المنشورات والأخبار التي تُهم بالفعل.
فيسبوك يختار بالفعل المحتوى الذي يرغب في كونه فيروسي (viral) أو المحتوى الذي يرغب في كونه أكثر الأخبار المُتصدرة (trend) التي يشاركها كل من يستخدم المنصة في نفس الوقت على حسب رغبة الشركة
قال “آدم موسيري” رئيس نشر الأخبار (newsfeed) على منصة فيسبوك في إحدى لقاءاته من قبل أن لوغاريتميات فيسبوك ستعتمد بشكل أساسي على المستخدم ومدى ثقته في بعض شركات النشر أو مواقع الأخبار التي يحب أن يرى منشوراتها على منصة فيسبوك، وأن تصنيف محتوى الأخبار لن يعتمد بشكل أساسي على رغبة فيسبوك في نشر أخبار معينة بشكل أولي و فيروسي و رغبته في التخلص من أخبار أخرى ومنعها تمامًا من الظهور.
يبدو الأمر مثاليًا حتى الآن، لقد تعرضت الشركة لموجة عاصفة من التهديدات وتصنيف الأخبار يبدو الحل المثالي لحل هذه الأزمة، إلا أن ما حدث في الواقع يشير إلى عكس ما قاله رئيس نشر الأخبار على منصة فيسبوك وعكس ما أشار إليه مارك زوكيربيغ في بيانه الرسمي الخاص بتغييرات فيسبوك 2018، وذلك لأن فيسبوك يختار بالفعل المحتوى الذي يرغب في كونه فيروسي (viral) أو المحتوى الذي يرغب في كونه أكثر الأخبار المُتصدرة (trend) التي يشاركها كل من يستخدم المنصة في نفس الوقت على حسب رغبة الشركة في المقام الأول، فكلمة المحتوى الأكثر “مصداقية” لا تعني بالضرورة أنه المحتوى الصحيح أو الدقيق.
أكّد الرئيس التنفيذي للشبكة في بيانه أن تناقص محتوى الصفحات العامّة ومقاطع الفيديو التي كانت تظهر لنسبة كبيرة من المُستخدمين أدّى لإنقاص الوقت الإجمالي الذي يقضيه المُستخدمون على الشبكة بمقدار 50 مليون ساعة يوميا، أي ما يُعادل 2.14 دقيقة تقريبا بالنسبة لكل مُستخدم، حيث يكون شعار فيسبوك الحالي هو البساطة والتركيز على الوظيفة الرئيسية التي جاءت من أجلها الشبكة وتطبيقاتها المُختلفة، وهي التواصل الهادف ونشر المحتوى “الدقيق”.
شهادات موظفي فيسبوك السابقين: كيف تحول فيسبوك لكارثة
لقد استطاع مارك زوكيربيغ أن يقنع العامة و جزء كبير من موظفينه أنه يقوم بتغييرات جديدة لعام 2018 من أجل محاربة الانتقادات اللاذعة للمنصة و محاربة الاتهامات الحكومية لفيسبوك بالتلاعب بالأخبار ونشر البروباجندا، إلا أن في واقع الأمر لا تكون تحديثات 2018 التي أعلن عنها فيسبوك إلا وسيلة من وسائل زوكيربيرغ لإنقاذ منصته التي تحولت إلى “كارثة” بحسب إجماع الكثير من موظفي فيسبوك السابقين على ذلك.
تحدثت مجلة التكنولوجيا “weird” لأكثر من خمسين موظفًا من شركة فيسبوك، من بينهم موظفين حاليين و موظفين تركوا الشركة وآخرين تم طردهم منها لأسباب مختلفة، عرض تقرير المجلة الطويل الأسباب الأساسية ما هو وراء كواليس بيانات فيسبوك الرسمية، والأسباب الحقيقة خلال العامين الماضيين التي دفعت فيسبوك، المنصة التي تحرك الإنترنت، إلى التغيير من أجل إنقاذ الوضع الكارثي الذي وصلت إليه.
لم يسبق أبدًا لفيسبوك الحديث عن ميكانيكة نشر الأخبار المتصدرة (Trending News) للجمهور العام أو حتى لصحافة التكنولوجيا، إلا أن ما حدث في انتخابات الولايات المتحدة 2016 لم يترك خيارًا للمنصة أن تتكتم طويلًا على ميكانيكية نشر الأخبار الفيروسية، وذلك لأن المنصة واجهت لأول مرة اتهامات حكومية لتخوض صراعًا جديدًا من نوعه بين القوانين والحكومات وبين المنصات الإلكترونية التي أقحمت نفسها في السباق الإنتخابي.
لقد ذكر “بينجامين” في التسريبات أنه هو وخمسة وعشرون آخرون من فريق قسم الأخبار المتصدرة تم تدريبهم على استخدام لوغاريتميات تساعد على جعل بعض الأخبار بعينها أخبارًا متصدرة على منصة فيسبوك
لنلق نظرة سريعة على أهم القرارات الجذرية التي اتخذتها المنصة خلال العام الماضي وصولًا ببداية عام 2018 لنرى ما الذي حاول مارك زوكيربيغ تغطيته من كوارث حقيقة تحول إليها فيسبوك، بينتها شهادات من موظفي فيسبوك السابقين أو المطرودين.
كانت البداية في شهر مايو/آيار عام 2016 حينما طردت شركة فيسبوك أحد الموظفين في قسم نشر الأخبار المتصدرة ( trend news) اسمه “بينجامين فييرناو”، صحافي في هذا القسم، بعد اتهامه بتسريبات لمجلة تكنولوجية “Gizmodo” لمحادثات داخلية بين مارك زوكيربيغ و موظفي الشركة بعدما التقط صور للمحادثات وقام بتسريبها لصديق له يعمل في تلك المجلة.
ذكر “بينجامين” عدم حيادية فيسبوك في نشر الأخبار المتصدرة، واستبعاده كل الأخبار المتصدرة بين حزب المحافظين الأمريكي، على الرغم من أنها كانت مُتصدرة على المواقع أو الصفحات الخاصة بأعضاء من المحافظين في الولايات المتحدة الأمريكية أثناء الانتخابات.
في واقع الأمر لا تكون تحديثات 2018 التي أعلن عنها فيسبوك إلا وسيلة من وسائل زوكيربيرغ لإنقاذ منصته التي تحولت إلى “كارثة”
لقد ذكر “بينجامين” في التسريبات أنه هو وخمسة وعشرون آخرون من فريق قسم الأخبار المتصدرة تم تدريبهم على استخدام لوغاريتميات تساعد على جعل بعض الأخبار بعينها أخبارًا متصدرة على منصة فيسبوك حتى لو لم تكن متصدرة في الأساس، وجعل أخبار بخصوص فيسبوك نفسه متصدرة على المنصة لتغطي بذلك على الأخبار المتصدرة في العالم بالفعل.
يستبعد فيسبوك أي أخبار متصدرة ويعرض المحتوى الذي يقرره هو أن يكون مُتصدرًا، إلا لو عرضت أكثر من منصة إخبارية مثل “نيويورك تايمز” أو “واشنطن بوست” الأخبار المتصدرة نفسها، حينها يجد فيسبوك نفسه مُجبرًا على نشر نفس الأخبار المتصدرة التي نشرتها المنصات أو الصحف الأخرى.
بحسب رواية “بينجامين”، موظف فيسبوك السابق، فإن التعليمات الموجهة لقسم الأخبار المتصدرة كانت كالتالي “لو تم انتشار أخبار متصدرة لها علاقة بشركة فيسبوك نفسها، فلا يجب على أعضاء فريق الأخبار أن ينشرها على أنها أخبار متصدرة (Trending)، لكي لا يتم وصولها لأكبر عدد من الجمهور.
تهديد لفيسبوك بالمقاضاة الحكومية
مارك زوكيربيرغ أثناء حديثه المباشر عن سياسة فيسبوك الجديدة نحو الشفاهية والمصداقية في الانتخابات
هدد “روبرت ميردوش”، الذي امتلك يومًا ما منصة كادت تتحول لمنصة مثل فيسبوك وهي “ماي سبيس” بأن تعامل المنصة مع منصات نشر الأخبار بهذا الشكل المتحيز والمتلاعب سيعرض المنصة لمسائلة الناشرين أولًا وانسحاب بعضهم من عرض محتوياتهم على فيسبوك بعدما هزم فيسبوك كل من تويتر و جوجل في نشر الأخبار، أو سوف يعرضه لمسائلة قانونية من قبل الحكومات، كان ذلك في عام 2016، وعلى الرغم من أن حينها كلام “روبرت ميردوش” بدا شديد الخيالية، إلا أن هذا لم يمنع أنه يحدث الآن لفيسبوك الذي تعرض لانتقادات حكومية وانتقادات دولية فرضت عليه وضع آلية عمل خاصة للتعامل مع الانتخابات الرئاسية وغيرها.
“بحسب ما ورد من اعترافات موظفي فيسبوك السابقين في التقرير، كان تويتر وسيلة لأعضاء الحملات السياسة لكي يتواصلوا مع الجمهور، أما فيسبوك فكان منصة لإدارة أكبر حملة تسويق مباشرة في التاريخ”
أعلن زوكيربيرغ بعد ذلك في نهاية عام 2016 حربه “الجادة” مع الأخبار الكاذبة، ويُعين ضمن فريقه مجموعة من الصحفيين والناشرين لتعقب الأخبار المزيفة والكاذبة على منصته، ليحاول فيسبوك تدارك الكارثة التي أوقع نفسه فيها بعد دخوله كمحور مهم في نشر الأخبار وهزيمته لجوجل وتويتر في ذلك، معتمدًا أنه منصة تكنولوجية حديثة، ولم يفكر جيدًا في توابع هيمنته على قطاع النشر والأخبار، وذلك بعد اعتراف الشركة بتدخل الحسابات الروسية في الانتخابات الأمريكية بشرائها إعلانات على منصة فيسبوك تُقدر بـ 100 ألف دولار أمريكي.
ذلك ما دفع فيسبوك أن يُسلم الكونجرس الأمريكي 3000 إعلان و مئات من الصفحات والحسابات المزيفة التي ربما تعود لأشخاص روسيين حاولوا التلاعب بالانتخابات الأمريكية من خلال الترويج لوجهات نظر تتعلق بالهجرة والعرق الأمريكي لاستمالة الشعب الأمريكي للتصويت لترامب، ليعلن مارك زوكيربيغ في النهاية آلية الحيادية التامة لفيسبوك والشفافية من أجل الحد من تلاعب المنصة بالانتخابات.
فيسبوك لديه الكثير من الأسباب لكي يُبقى رأسه في التراب
روجر ماكنيمي
“أنا حزين للغاية بشأن فيسبوك، لقد شاركت في نمو هذه الشركة منذ عقد من الآن، وشعرت بالفخر حين رؤيتي نجاح هذه الشركة، ولكن خلال مراقباتي لما يفعله فيسبوك خلال الأشهر الماضية، أشعر الآن بخيبة الأمل، والإحباط والإحراج”
– روجر ماكنيمي، مستشار ومعلم “ماركزوكيربيرغ “الخاص في خطاب له
حاولت لوغاريتميات فيسبوك التلاعب بالكثير من الأحداث، مثل محاولة استبعاد ظهور محتوى حملة بيرني ساندرز، المرشح للرئاسة الأمريكية السابق، على المنصة والتلاعب المنظم بالمحتوى غير المنطقي المنشور منها، وتأييد بل والترويج للمحتويات الخاصة بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي “بريكست” وأخيرًا بالترويج لحملة ترامب الانتخابية، كل هذا بالإضافة إلى تلاعبه بالأخبار المتصدرة، مما جعل لفيسبوك الكثير من الأسباب لكي يحاول إنقاذ ما آلت إليه منصته لوضع كارثي وسط الانتقادات غير المنتهية.
تمامًا كما يتلاعب المستثمرين بأسعار الأسهم في الأسواق المالية، تتلاعب منصات التواصل الاجتماعي، وأولها فيسبوك، بالمحتوى الرقمي على نطاق واسع، وهو نطاق المنصة الكبير، الذي يسمح لها بإدارة تدفق المعلومات السريع والفيروسي الذي صُممت أساساً من أجله، والذي سمح لها بالقدر ة على خلق نشاط جماهيري واسع النطاق مبني على أوهام أو أخبار مزيفة، التي لا تحتاج منهم سوى بضعة لوغاريتميات.