لا تزال جمهورية مصر العربية، تُجري لقاءات سرية مع وفود رفيعة المستوى من حركتي “حماس” و”فتح”، في محاولة جديدة منها لإنقاذ المصالحة الفلسطينية الداخلية، والابتعاد عن طريق الفشل الذي اقترب كثيراً بعد أشهر من توقيع آخر اتفاق للمصالحة مطلع أكتوبر الماضي.
وعلى ضوء التطورات الحاصلة بملف المصالحة الشائك وعودة عرض حلقات مسلسل التراشق الإعلامي والاتهامات على الساحة الفلسطينية، استدعت القاهرة بشكل عاجل قيادات رفيعة المستوى من “فتح” و”حماس”، لمناقشة الأوضاع الراهنة وإيجاد حلول رغم العقبات والاتهامات التي تحوم حول دور مصر.
لكن حتى هذه اللحظة لا يزال الغموض هو سيد الموقف، فلم يصدر أي بيان أو تصريح رسمي من مصر أو فتح وحماس، يكشف فيه تفاصيل اللقاءات التي جرت بالقاهرة ونتائجها، في ظل حديث عن غضب مصري كبير من الرئيس الفلسطيني محمود عباس لعدم الالتزام ببنود الاتفاق والاستمرار بفرض العقوبات على غزة.
وبدأت مصر، في أكتوبر/تشرين الأول، رعاية المصالحة بين فتح وحماس وبحث ملفات تمكين حكومة الوفاق الوطني الفلسطيني من العمل في قطاع غزة، وأبرزها الانتخابات، القضاء، الأمن، السلاح، منظمة التحرير، والرؤية السياسية، وسيتوجه لغزة وفد من المخابرات المصرية الأسبوع المقبل لاستكمال تلك الملفات.
ماذا جرى بالقاهرة؟
عضو في اللجنة المركزية لحركة “فتح”، كشف لـ”نون بوست”، أن القاهرة كانت غاضبة خلال استقبالها وفد حركة “فتح” الذي ترأسه عزام الأحمد، وإنها حملت الأخير رسالة “شديدة اللهجة” لإيصالها للرئيس عباس.
أشار القيادي في حركة فتح على وجود “تعاون وتفاهم” كبيرين بين “حماس” والقاهرة، بعكس تماماً العلاقات المتوترة بين القاهرة وحركة “فتح”
وأكد القيادي الفتحاوي، أن القاهرة حملت في رسالة احتجاجاها الرئيس عباس المسؤولية الكبيرة عن فشل تطبيق بنود اتفاق المصالحة الأخيرة الذي جرى توقيعه في الـ12 من شهر أكتوبر من العام الماضي، بعدم رفعه العقوبات التي فرضها على سكان غزة مطلع شهر أبريل الماضي.
وقال لـ”نون بوست” إنه “يمكننا القول أن لقاء الأحمد بالمسئولين المصريين كان سلبياً للغاية، فالقاهرة حملت الرئيس عباس المسؤولية، وطالبته بشكل عاجل بان يتخذ خطوات لدعم جهودها في إتمام المصالحة الداخلية، ورفع كافة العقوبات عن قطاع غزة”.
وأوضح أن المسئولين المصريين استقبلوا قيادة حركة “حماس”، وبحثوا معهم الكثير من الملفات المتعلقة بالمصالحة ومصير قطاع غزة”، مشيراً إلى وجود “تعاون وتفاهم” كبيرين بين “حماس” والقاهرة، بعكس تماماً العلاقات المتوترة بين القاهرة وحركة “فتح”.
وذكر أن الأجواء السلبية المحيطة بملف المصالحة، وتجاهل القاهرة الضغط لتنفيذ بنود الاتفاق خلال الشهور الأربعة الماضية، قد يعجل في إعلان فشل جهود مصر والعودة من جديد لمربع الانقسام الأول، مؤكداً أن “الأوضاع لا تطمأن كثيراً، فيما لا تزال مصر تبحث عن حلول رغم صعوبتها”.
وطال الشهور الماضية، لم تنجح حركتا فتح وحماس في تنفيذ بنود ما تم الاتفاق عليه في القاهرة، وما تم انجازه حتى الان قضايا لا تتجاوز عودة الحكومة والوزراء إلى غزة فيما بقيت قضايا الخلاف الجوهرية سيدة الموقف فلا ملف الموظفين ولا تمكين الحكومة ولا تسلم الجباية جرى حلها حتى اللحظة. وحتى على مستوى الشارع الفلسطيني الذي أبدى تفاؤلا وترحيبا واسعا بتوقيع اتفاق المصالحة في القاهرة، عادت آماله إلى التلاشي شيئا فشيئا.
كشف القيادي في “حماس” أن الوسيط المصري قد غادر غزة مؤخرا غاضبا من بعض الملاحظات التي استشفوها من قبل تصرفات بعض المسئولين في السلطة بأنهم أصبحوا غير مرغوب بهم
تبادل الاتهامات
ويقول عاطف عدوان، القيادي في حركة “حماس”، إن “المصالحة تسير ببطء شديد وان حركته عملت كل شيء من أجل المصالحة”، مشيرا إلى أن الكرة الان في ملعب القيادة السياسية في رام الله.
وبخصوص الجمود الذي يخيم على إدارة الجانب المصري لملف المصالحة، ارجع عدوان هذا الركود إلى أمور داخلية مصرية تتعلق بانشغالهم في مرحلة الانتخابات الرئاسية المقبلة، لافتا إلى أن إقالة اللواء فوزي المشرف على ملف المصالحة لعبت دورا في تراجع الدور المصري خاصة مع تعيين رئيس جديد لجهاز المخابرات العامة قد يحتاج إلى وقت إضافي لدارسة ملف المصالحة من جديد لتحديد كيفية إدارته.
وكشف القيادي في “حماس” أن الوسيط المصري قد غادر غزة مؤخرا غاضبا من بعض الملاحظات التي استشفوها من قبل تصرفات بعض المسئولين في السلطة بأنهم أصبحوا غير مرغوب بهم.
خرجت بعض التسريبات عن عروض مصرية تقدم للجانب الفلسطيني باستخدام “ميناء العريش” للتخفيف والتنفيس عن سكان غزة المحاصرين، وذلك بتوجيه من الحكومة الإسرائيلية
من جانبه اعتبر مسؤول ملف المصالحة في حركة فتح عزام الأحمد، أن” حماس” هي المسئولة الأولى عن عدم تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في القاهرة، مشيرا إلى أن اللجنة الإدارية التابعة لها ما زالت قائمة على الأرض في الوزارات، والقائمون عليها ما زالوا يعملون عكس تعليمات الوزراء.
وكان وفد حماس برئاسة رئيس مكتبها السياسي، إسماعيل هنية وصل القاهرة الجمعة الماضية، فيما وصل القاهرة كذلك وفد فتح برئاسة الأحمد، لمناقشة تطورات المصالحة ومخاطرها مع المسئولين المصريين، دون عقد أي لقاءات ثانية بين الحركتين حتى اللحظة.
وفي 12 أكتوبر الماضي، وقعت حركتا “فتح” و”حماس” اتفاق مصالحة برعاية مصرية، اتفقتا بموجبه على “تمكين” حكومة الوفاق الوطني بغزة بالتوازي مع الضفة المحتلة، وجاء توقيع الاتفاق بعد أن شهد ملفّ المصالحة تطوّرات مهمة في الفترة الأخيرة، فعقب قرار “حماس” حلّ اللجنة الإدارية الحكومية بغزة، في 17 سبتمبر الماضي، قرر عباس إرسال حكومته إلى القطاع لعقد اجتماعها الأسبوعي، وهو ما تم فعلياً في الثاني من شهر أكتوبر الماضي.
مشاريع خطيرة
وعلى ضوء تطورات ملف المصالحة وجهود القاهرة الأخير، خرجت بعض التسريبات عن عروض مصرية تقدم للجانب الفلسطيني باستخدام “ميناء العريش” للتخفيف والتنفيس عن سكان غزة المحاصرين، وذلك بتوجيه من الحكومة الإسرائيلية.
صحيفة “معاريف” كشفت النقاب عن أن الأمريكيين والإسرائيليين والمصريين يدرسون توسيع ميناء العريش، بحيث يكون بديلا عن مشروع تدشين الميناء العائم قبالة سواحل، غزة، الذي يروج له كاتس ويدعمه جميع الوزراء الإسرائيليين باستثناء ليبرمان.
وقد لا يكون ما كشفته “معاريف” مفاجئا في ظل وجود الكثير من المؤشرات التي تدلل على أن سياسة نظام السيسي تجاه قطاع غزة تأخذ بعين الاعتبار المصالح الإسرائيلية. فقد كان لافتا أنه لم يصدر أي رد من القاهرة على إعلان ليبرمان خلال المقابلة التي أجرتها معه صحيفة “ميكور ريشون” قبل أسبوعين، التي أعلن فيها بشكل واضح بأن نظام السيسي يقوم بفتح معبر “رفح” أمام الغزيين بالتنسيق المسبق مع إسرائيل.
النعامي: فخوفا من إمكانية أن يتخذ ليبرمان قرارا بانسحاب حزبه (إسرائيل) بيتنا” من الائتلاف الحاكم، يحاول نتنياهو تجنب هذا السيناريو من خلال تجنيد إدارة الرئيس الأمريكي للضغط على نظام السيسي للتعاون من أجل التخفيف عن القطاع
وهنا يقول صالح النعامي، الخبير في الشؤون الإسرائيلية، إن “إسرائيل تعي طابع التداعيات الخطيرة لتدهور الأوضاع الاقتصادية في قطاع غزة، وعلى الرغم من أن معظم المستويات السياسية وجميع القيادات الأمنية في (تل أبيب) تحذر من أن مصالح إسرائيل ستتضرر في حال انهار اقتصاد القطاع، إلا أن هناك ما يؤشر إلى أن القيادة الإسرائيلية معنية بأن تتولى مصر لعب الدور الرئيس في احتواء تدهور الأوضاع الاقتصادية”.
وأضاف: ” نتنياهو وجد أنه من المناسب أن يتولى نظام السيسي القيام بخطوات للتنفيس عن القطاع وذلك لتجنب المس باستقرار ائتلافه الحاكم بسبب الخلاف حول الأفكار التي طرحها وزير الاستخبارات والمواصلات الليكودي يسرائيل كاتس والقاضية بأن تبادر إسرائيل لحل الأزمة الاقتصادية في القطاع من خلال بناء مشاريع ضخمة، على رأسها تدشين مطار وميناء عائم، وهي الأفكار التي يؤيدها قادة الأمن الإسرائيلي وجميع وزراء الحكومة باستثناء وزير الحرب أفيغدور ليبرمان”.
وتابع بالقول: ” فخوفا من إمكانية أن يتخذ ليبرمان قرارا بانسحاب حزبه (إسرائيل) بيتنا” من الائتلاف الحاكم، مما يعني خسارة الحكومة أغلبيتها البرلمانية، يحاول نتنياهو تجنب هذا السيناريو من خلال تجنيد إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للضغط على نظام السيسي للتعاون من أجل التخفيف عن القطاع”.