رغم مرور سبع سنوات على الإطاحة بنظام معمر القذافي الذي حكم ليبيا 42 عاما باستبداد، مازال الحلّ السياسي في البلاد الذي يرنو من خلاله الليبيين إلى رؤية دولة ديمقراطية مستقرّة، يواجه عراقيل داخلية وخارجية كبرى.
تعدد مبادرات السلام
طيلة السنوات السبع الماضية، ما فتئت الأمم المتحدة ودول الجوار (تونس، الجزائر، مصر) والاتحاد الأوروبي وبعض الدول الإقليمية والدولية، تقدم مبادرات لحل الأزمة الليبية التي تشهدها البلاد منذ ثورة فبراير 2011 وسقوط نظام العقيد معمر القذافي، إلا أن مصير جميعها كان الفشل ورف الطاولات.
ويرى خبراء أن تعدّد المبادرات والوسطاء الإقليميين والدوليين في الأزمة الليبية عرقل مسار المحادثات للتوصل إلى حل تفاوضي بين الفرقاء الليبيين، فكل طرف يقدّم مبادرة يهدف من خلالها إلى أهدافه الخاصة دون التفكير في الليبيين، ما أضعفت فرص نجاح عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة.
تسعى هذه الأطراف الخارجية إلى تأزيم الوضع الليبي أكثر ودفعه نحو مزيد من التعقيد
فعديد الأطراف المتدخّلة في الشأن الليبي من ذلك فرنسا ومصر وروسيا، تؤكّد علنيا دعمها العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة في البلاد، لكنها في الواقع وعلى الأرض تدعم أحد الأطراف المتنازعة في البلد ضدّ الأخرين، ما يؤثّر على موازين القوى والعملية السياسية بأكملها.
بدروها اعترفت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بالتهديد الذي تمثله مسارات التفاوض المتعددة تلك على العملية السياسية التي تقودها، إذ قال المبعوث الأممي الجديد إلى ليبيا غسان سلامة في سبتمبر الماضي عقب قمة باريس إن «تعدد الطهاة يفسد الطبخة» أي أن تعدد الوسطاء يفسد المفاوضات.
وتسعى هذه الأطراف الخارجية إلى تأزيم الوضع الليبي أكثر ودفعه نحو مزيد من التعقيد، وإطالة أمد الازمة هناك والاستفادة منها قدر المستطاع، فالسلام في ليبيا ووجود دولة قوية تبسط سلطتها على كامل البلاد لا يخدم مصالحها وأجنداتها المشبوهة.
حفتر.. حجر العثرة
فضلا عن هذه الأطراف الخارجية التي تسعى لإفشال الحل السياسي في البلاد، برز اللواء المتقاعد خليفة خفتر كأحد أبرز الوجوه المقوضة لجهود السلام في ليبيا، فما إن يبرز خيط أمل يتشبث به الليبيون للخروج من أزمتهم المتواصلة منذ قرابة السبع سنوات، حتى يقفز حفتر ويضع حدا له.
يستعمل حفتر ميليشياته لعرقلة جهود السلام في ليبيا
في ظلّ فشله في كسب المعركة عسكريًا، وإنهائها لصالحه رغم الدعم الذي يتلقاه من العديد من القوى الخارجية والداخلية، يسعى حفتر إلى إطالة أمد الأزمة في ليبيا، ذلك أنه ما فتئ يستعمل الخيار العسكري لتقويض جهود السلام الرامية لإخراج البلاد من الأزمة التي تعيش على وقعها منذ سنوات.
ويستخدم حفتر مليشياته لزعزعة أمن واستقرار ليبيا، يقينا منه بخسارته في أي انتخابات رئاسية قادمة، وقد استفد حفتر كثيرا من حالة الانهيار الأمني والاحتقان الشعبي في البلاد خاصة مناطق الشرق التي عرفت استمرار الاغتيالات والتفجيرات، لفرض سلطته إلا أنه فشل في تطويع كامل الأراضي الليبية تحت إمرته.
التكيّف مع وضع “اللا دولة”
بعد سبع سنوات من سقوط معمر القذافي، تأكّد تكيّف الليبيين مع وضع “اللادولة”، التي سبق أن عاشوا فيه خلال حكم القذافي الذي سقط في شهر فبراير 2011، إذ لم يعش المجتمع الليبي ظاهرة الدولة في الجزء الأكبر من تاريخه، حيث وجدت في ليبيا تنظيمات صغرى حلتّ محلّ ما يعتبر عادة من وظائف الدولة، وأبرزها الأمن.
الانقسام مهّد لغياب أجهزة ومؤسسات الدولة واحكام الميليشيات المسلحة سيطرتها على البلاد ومدخراته الطبيعية والمالية
وتعود أسباب تسليم الليبيين بالأمر الواقع وتكييفهم بوضع “اللادولة” الذي تكون فيه الغلبة للقوي، إلى الانقسام بين الشرق والغرب، وحتى داخل الجهة الواحدة والقبيلة والعشيرة الواحدة، وانتشار السلاح والفوضى في البلاد وعدم وجود بوادر أمل للخروج من الأزمة في الوقت الراهن أو حتى في القريب المتوسّط.
فبعد فشل اتفاق الصخيرات الموقع في ديسمبر 2015 في إحلال السلام في البلاد، عرفت ليبيا انقساما سياسيا كبيرا، حيث أصبحت تدار بثلاث حكومات منفصلة، واحدة في الشرق يقودها عبد الله الثني، في حين تدار العاصمة طرابلس بحكومتين هما حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج المدعومة دوليًا، وحكومة الإنقاذ الوطني التي يقودها خليفة الغويل، الأمر الذي مهّد لغياب أجهزة ومؤسسات الدولة واحكام الميليشيات المسلحة سيطرتها على البلاد ومدخراته الطبيعية والمالية.
انتخابات برلمانية ورئاسية
للخروج من هذا الوضع، يرى عديد الخبراء، ضرورة اجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في أقرب وقت في البلاد، تمنح شرعية للدولة يعترف بها الجميع، وللتوصل الى ذلك، خطط مبعوث الامم المتحدة لليبيا غسان سلامة لتنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية في ليبيا في 2018.
ومن المنتظر أن تجرى في ليبيا ربيع هذه السنة انتخابات تشريعية ورئاسية مثلما نصت عليه الخطة الأممية لحل الأزمة الليبية، ويؤكد متابعون للشأن الليبي أهمية إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في أقرب الآجال لإخراج البلاد من الأزمات التي تعيش على وقعها منذ سنوات.
يمكن للانتخابات أن تخرج ليبيا من أزمتها
يمكن لهذه الانتخابات، حسب خبراء، أن توفر قدرًا من الحكم يمكن أن يقطع شوطًا طويلًا في إنشاء المؤسسات القابلة للحياة اللازمة، لتحقيق النظام والأمن والازدهار للسكان الذين يعانون سلسلة طويلة من المشاكل، فالمنتخبون الجدد لهم أن يطلبوا الدعم الدولي لمساعدتهم على القيام بالمهام الموكلة إليهم، ذلك أنهم يتمتعون بالشرعية الكاملة المستمدة من الشعب والتي تفتقر إليها الآن كل الأطراف الليبية دون استثناء.
توحيد مؤسسات الدولة، ووضع حدّ للانقسام
يرى متابعون للشأن العام الليبي أن إجراء الانتخابات في 2018 والذهاب مباشرة إلى الشعب لانتخاب رئيس ومن يمثلهم في برلمان جديد، من شأنه تجاوز جميع التناقضات القانونية، والتناقضات عن شرعية مجلس النواب، وبناء وخلق هيكل مؤسسي واحد يمكن أن تتعامل الجهات الفاعلة الإقليمية والمجتمع الدولي معه، كونه يستند إلى الشرعية.
نتيجة هذا الانقسام في المؤسسات، حرمت ليبيا من من حق التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وكان المتحدث باسم الجمعية العامة للأمم المتحدة، بريندن فارما، قد صرح، الثلاثاء، بأن ليبيا فقدت تصويتها في المنظمة العالمية التي تضم 193 عضوا كما هو الحال مع 14 دول منها، الصومال، واليمن، وجزر القمر بسبب تأخر سداد اشتراكاتها المالية في المنظمة. ويرجع هذا التأخّر إلى الانقسام في المؤسسات ووجود حكومات وبرلمانات متعدّدة في البلاد.