ترجمة وتحرير: نون بوست
تم إعداد نوعين من الخطابات في مؤتمر إعادة إعمار العراق، الذي عقد في مدينة الكويت، سيتم توجيههما إلى رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، والأمين العام للأمم المتحدة. الأول، في حال بلوغ الرقم المتوقع لإعادة الإعمار، والآخر في حال فشل الوصول لهذا الرقم.
في الحقيقة، يحتاج العراق إلى مليارات الدولارات لإعادة إعماره مرة أخرى، وخاصة بعد هزيمة تنظيم الدولة. ولكن قبل بداية المؤتمر، كانت تصريحات الدول، التي كان من المفترض أن تقدم الدعم المالي لإعادة إعمار العراق، مشوشة وغير واضحة. كما كان من المتوقع أن لا يبلغ المؤتمر مقصده. نتيجة لذلك، برزت عدة اختلافات حول النتيجة النهائية للمؤتمر، وانخفضت التوقعات حول المبلغ المرصود لإعادة إعمار العراق من 20 مليار دولار إلى 10 مليارات دولار، وفي النهاية وصل إلى خمسة مليارات دولار. وحسب مصادر مطلعة على تحضيرات ما قبل المؤتمر، لم يكن من الواضح أي الخطابين سيلقى خلال المؤتمر.
حيال هذا الشأن، أكد البنك الدولي أن العراق يحتاج إلى 88 مليار دولار لإعادة إعمار البنية التحتية، والأحياء السكنية، والخدمات الحيوية المدمرة بالكامل. ويعد النفط أحد أهم المصادر التي ستعتمد عليها الحكومة العراقية لتمويل مشروع إعادة الإعمار. وفي النهاية، ارتفع المبلغ المرصود لإعادة الإعمار بصورة مفاجئة في مؤتمر الكويت إلى 30 مليار دولار. وكان السبب في هذا الارتفاع، مجموعة القروض المقدمة والوعود بالاستثمار، فضلا عن الاستثمارات المباشرة. ويعتبر ذلك الرقم أقل بكثير من المبلغ الذي حدده البنك الدولي، ولكنه كان أكثر من المتوقع.
قدرت مؤسسة التمويل الدولية أن الحكومة العراقية وحدها ستتحمل قرابة 50 مليار دولار من أموال إعادة الإعمار
لقد انعكست نتيجة المؤتمر على خطاب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، الذي وجهه خطابه للحضور قائلا “إن هذه الاستجابة مع المؤتمر، والوصول لهذا الرقم يعد دليلا استثنائيا على الثقة في الحكومة العراقية وفي شعب العراق”. وفي هذا السياق، أكد مسؤول عراقي أن الرقم بلغ بالفعل 30 مليار دولار، ولكن الحكومة العراقية لم تتلق أي وثائق رسمية حول هذه التعهدات المالية.
في الأثناء، تحوم الشكوك حول التزام بعض الدول بهذه التعهدات، وعلى رأسها الدول الخليجية التي تمر بأزمات مالية، خاصة وأن المبلغ المرصود كبير. فمن غير المؤكد ما إذا كانت شركات القطاع الخاص ستضخ استثماراتها في العراق بعد سنوات من الحرب. وفي شهر أيار/ مايو القادم، ستعقد الانتخابات العراقية، وعلى الحكومة القادمة أن تدرك أنها ستلعب دورا حاسما في إعادة الإعمار، وسيعتمد ذلك بصفة أساسية على أسعار النفط العالية والمستقرة في الوقت ذاته.
من جهتها، قدرت مؤسسة التمويل الدولية أن الحكومة العراقية وحدها ستتحمل قرابة 50 مليار دولار من أموال إعادة الإعمار. وفي هذا الصدد، أكد رئيس بعثة صندوق النقد الدولي للعراق، كريستيان جوز، أن الحكومة العراقية تستطيع توفير هذا المبلغ بالفعل، في حال بقيت أسعار النفط ثابتة نسبيا. كما أورد جوز أثناء خطابه يوم الثلاثاء أنه “في حال انخفضت أسعار النفط قليلا، فإنها ستحدث فجوة كبيرة في عملية التمويل”.
مع ذلك، ما زالت نتائج المؤتمر تتجاوز كل التوقعات. وحيال هذا الشأن، قالت الباحثة في شؤون الخليج لدى مجموعة الأزمات الدولية، إليزابيث ديكنسون، إن “في ذلك إشارة هامة للعراق وللعبادي نفسه قبل الانتخابات. فبهذه النتائج، يستطيع العبادي أن يعود لبغداد وفي جعبته ما يقدمه للناخبين حول عملية إعادة إعمار البلاد”. في المقابل، توقع العديد من المسؤولين الأجانب أن تكون المساعدات أقل من ذلك بكثير. وفي وقت مبكر من كانون الأول/ ديسمبر، أكد البعض أنه من الصعب الوصول إلى 20 مليار دولار، الذي رصدته الحكومة العراقية من خلال المنح الدولية.
أكد العديد من الدبلوماسيين الغربيين أن السعودية شعرت بالقلق إزاء التحالف بين العبادي، ورئيس منظمة بدر الموالي لإيران هادي العامري
في سياق متصل، أفاد أحد الدبلوماسيين الغربيين لمجلة فورين بوليسي “إننا نشجع على إعادة التفكير في هذا الأمر مرة أخرى، فكيف سنفسر للعراقيين أننا بصدد تنفيذ مشروع مارشال بعد هذا المؤتمر، من خلال مجموعة من القروض والنوايا الحسنة، دون ضمانات حقيقية؟” وبالفعل، مارست الحكومة العراقية ضغوطا كبيرة من أجل الحشد لهذا المؤتمر، كما أعيدت تسمية المؤتمر “مؤتمر المانحين” إلى “مؤتمر إعادة إعمار العراق”، في محاولة منها للحصول على المزيد من التعهدات المالية.
بناء على ما ذكر آنفا، يرجع جزء كبير من مخاوف نقص التمويل إلى أن تعهدات بعض الدول كانت أقل من المتوقع، على غرار المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. ففي البداية، كان من المنتظر أن تساهم دول الخليج بمبلغ كبير في جهود إعادة إعمار العراق، مقابل عدم تورطها بصورة مباشرة في محاربة تنظيم الدولة، إلا أن كلا من السعودية والإمارات وقطر والكويت قدمت مجتمعة قرابة خمسة مليارات دولار، وهو أقل بكثير من المأمول.
في هذا الصدد، أكد العديد من الدبلوماسيين الغربيين أن السعودية شعرت بالقلق إزاء التحالف بين العبادي، ورئيس منظمة بدر الموالي لإيران هادي العامري. وعلى الرغم من أن هذا التحالف لم يستمر إلا لأيام معدودات، بيد أن المسؤولين في الحكومة الأمريكية والسعودية اعتبروه دليلا على النفوذ الإيراني الممتد داخل العراق.
نتيجة لذلك، كان هناك مخاوف من دعم دولة تسيطر عليها إيران في ظل النقص الذي تعاني منه ميزانية دول التعاون الخليجي التي تعتمد بالأساس على النفط. فالحرب الدائرة رحاها في اليمن، أفقدت السعودية والإمارات الكثير من طاقتهما العسكرية والدبلوماسية، فضلا عن الخسائر التي منيت بها هذه الدول نتيجة الهبوط الحاد في أسعار النفط.
لم تقدم الولايات المتحدة أي تعهدات أو أموال مباشرة لإعادة الإعمار
من المخاوف الأخرى التي انتابت الوفود الدبلوماسية في مؤتمر الكويت، عدم اليقين من إجراء الانتخابات في العراق في شهر أيار/ مايو القادم. وفي هذا الإطار، أكد مسؤول أمريكي كبير لمجلة فورين بوليسي، أن “الكثيرين ينتظرون إجراء الانتخابات، لأنهم يريدون معرفة شكل الحكومة القادمة أولا”. وفي الحقيقة، تعتبر التعهدات التي حصل عليها العراق حتى الآن دليلا على تغير نظرة دول الخليج. ومن جانبها، قالت ديكنسون، “إن دول الخليج، وخاصة السعودية والكويت والإمارات، يرون في العبادي شخصا يمكن التفاهم معه”.
إلى جانب ذلك، من الواضح أن العديد من الجهات المانحة المحتملة والمستثمرين، وخاصة شركات القطاع الخاص، التي كان المؤتمر يهدف بالأساس إلى استقطابها، مازالت تشعر بالخوف حيال الوضع الأمني في البلاد. وعلى الرغم من أن تنظيم الدولة لم يعد يسيطر على أي منطقة في العراق، إلا أن الوضع الأمني غير مطمئن بالمرة.
على الرغم من كل هذه المخاوف، مازالت الحكومة العراقية تأمل في مستوى عال من الدعم التجاري من أجل إعادة إعمار البلاد، ما يعكس جزئيا التأثير الأمريكي في سياسة إعادة الإعمار في العراق. فمن جانبها، لم تقدم الولايات المتحدة أي تعهدات أو أموال مباشرة لإعادة الإعمار، على الرغم من أنها ساهمت من قبل في إعادة استقرار البلاد، وقدمت العديد من المساعدات الإنسانية. وبدلا من ذلك، ركزت الولايات المتحدة جهودها على تسهيل دخول الاستثمارات التجارية إلى السوق العراقية.
في المقابل، تتسم هذه الاستراتيجية بالعديد من أوجه القصور. فوفقا لمحللين واستشاريين أمنيين في المؤتمر، غالبا ما تدفع الشركات ما يصل إلى 10 آلاف دولار يوميا مقابل خدمات الحماية، وعندما تكون بصدد تنفيذ عمليات ما في مناطق معينة من البلاد. وفي الأثناء، لا يمكن لكل الشركات تحمل هذه التكلفة، باستثناء الشركات الكبرى متعددة الجنسيات.
في شأن ذي صلة، أقر الكثير من الممثلين عن القطاع الخاص الذين شاركوا في مؤتمر الكويت، بهذا الأمر، في حين أشاروا إلى أن حضورهم في المؤتمر، وفي جزء كبير منه، يهدف إلى القيام بنوع من الدعاية، والترويج لعلاقة التضامن مع العراق والعبادي بشكل خاص، كما أن ذلك يمثل فرصة لخلق شبكة علاقات. في هذا الصدد، صرحت المستشارة الإدارية التي تعنى بمسائل المنطقة، طيف الجبوري، بأن “المؤتمر يفتقر إلى محتوى فعلي، خاصة أنه نظمت العديد من المؤتمرات المماثلة على امتداد السنوات العشر الماضية”.
في إطار المسار السياسي، قُدمت دوافع ومحفزات مماثلة. وفي ظل انخفاض سقف التوقعات فيما يتعلق بعملية تأمين التبرعات بشكل مباشر، كانت الشفافية الركيزة الرئيسية لهذه “اللعبة”. ومن جانبه، أفاد دبلوماسي غربي، بأن “مسرح العمليات السياسية في هذا الإطار يمثل الجانب الأهم، حيث يعزز الدور العراقي باعتباره المركز الحساس في منطقة الشرق الأوسط”.
المصدر: فورين بوليسي