الصندوق خارج دمشق.. خطة التعافي المبكر لتمكين السوريين أم النظام؟

على مدى الأشهر الماضية، شكّل مفهوم التعافي المبكر في سوريا نقطة نقاش رئيسية في اجتماعات المنظمات الإنسانية والجهات المانحة، آخرها كان مؤتمر بروكسل بنسخته الثامنة آواخر الشهر الماضي، وسط تفسيرات متعددة حول ماهية المفهوم، ما فتح الباب أمام تأويلات مختلفة وزاد من حدة الجدل بين مؤيديه ومعارضيه.

وبينما يرى البعض أن مشاريع التعافي المبكر ضرورية لدعم الشعب السوري في تجاوز أزماته الاقتصادية والانتقال من مرحلة الاستجابة الطارئة إلى التنمية المستدامة، يخشى آخرون من استغلال هذه المشاريع لدوافع سياسية وأمنية.

وجاء هذا النقاش والجدل المتزايد، بعد إعلان مسؤول أممي من دمشق، في مارس/آذار الماضي، عن إنشاء صندوق لدعم مشاريع التعافي المبكر، الأمر الذي لاقى رفضًا واسعًا، خشية أن يكون مقر الصندوق في العاصمة السورية، وبالتالي تصبح أمواله بيد الأسد يستخدمها لتعزيز سيطرته وتحقيق مكاسب سياسية وأمنية، ويتيح له التفافًا على القرارات الأممية والعقوبات المفروضة عليه.

لكن منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في سوريا، آدم عبد المولى، أكد في تصريح خاص لـ”نون بوست” أن مقرّ الصندوق لن يكون في دمشق، وإنما في دولة مجاورة.

خلاف حول التعريف

رغم أن مصطلح التعافي المبكر يشير إلى الأنشطة الإنسانية وتحقيق تنمية مستدامة في مناطق الأزمات سواء كانت ناشئة عن نزاعات مسلحة أو كوارث طبيعية، إلا أنه حتى الآن لا يوجد تعريف دقيق وموحد من قبل الدول يحظى بقبول الجميع، فقد تباينت الآراء واختلفت التفسيرات.

ويعرف مكتب الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) التعافي المبكر بأنه “نهج يعالج احتياجات التعافي التي تنشأ خلال المرحلة الإنسانية لحالة الطوارئ؛ باستخدام الآليات الإنسانية التي تتوافق مع مبادئ التنمية. فهو يمكّن الناس من استخدام فوائد العمل الإنساني لاغتنام فرص التنمية، وبناء القدرة على التكيف، وإنشاء عملية مستدامة للتعافي من الأزمات”.

ويضيف التعريف أن التعافي المبكر “ليست مجرد مرحلة على الإطلاق، إنما عملية متعددة الأبعاد، تبدأ في الأيام الأولى للاستجابة الإنسانية، تركز على تعزيز القدرة على الصمود، وإعادة بناء القدرات أو تعزيزها، والمساهمة في حل المشاكل الطويلة الأمد التي ساهمت في حدوث الأزمة بدلًا من تفاقمها، وكذلك مجموعة من البرامج الهادفة لمساعدة الناس على الانتقال من الاعتماد على الإغاثة الإنسانية إلى التنمية”.

أما الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) عرفت التعافي المبكر بأنه “نهج يعالج احتياجات التعافي التي تنشأ خلال المرحلة الإنسانية لحالة الطوارئ، عندما لا يزال إنقاذ الأرواح حاجة ملحة وسائدة، وتدعم برامج التعافي المبكر المجتمعات المتضررة من الأزمات لحماية واستعادة الأنظمة الأساسية وتقديم الخدمات، والبناء على جهود الاستجابة ووضع الأسس الأولية للتعافي على المدى الطويل”.

بدوره يرى الباحث الاقتصادي في مركز عمران للدراسات مناف قومان، في حديث لـ”نون بوست” أن تعريف التعافي المبكر هو “مجموعة من الجهود والمشاريع المنفذة من قبل الأجسام الحوكمية والمنظمات غير الحكومية، الهادفة إلى إعادة بناء وتعزيز القدرات الاقتصادية والاجتماعية في أعقاب النزاع الذي أفرز في الحالة السورية تشظي الجغرافية وتوقف الخدمات الأساسية وانقطاع السلع وتهجير ونزوح نصف السكان والاعتماد على المساعدات الإنسانية، بغية تحقيق استقرار مستدام وتقليل الاعتماد على المساعدات الخارجية”.

وتشمل عملية الاستجابة للكوارث والأزمات مراحل أساسية، المرحلة الأولى هي الاستجابة الإنسانية العاجلة التي تبدأ فور وقوع الكارثة أو الأزمة، وتتميز هذه المرحلة بالتركيز على تلبية الاحتياجات الأساسية للمتضررين بهدف إنقاذ الأرواح وتخفيف المعاناة.

والمرحلة الثانية هي التعافي المبكر وتأتي بعد الاستجابة الإنسانية العاجلة، ضمن إطار زمني حدده باحثون بثلاث سنوات، قبل الدخول بالمرحلة الثالثة وهي مرحلة إعادة الإعمار التي تركز على بناء البنية التحتية وإعادة تأهيل المناطق المتضررة بشكل دائم.

الطرح الأول

يعود البدء بتنفيذ مشاريع التعافي المبكر في سوريا من قبل وكالات ومنظمات أممية إلى 2014، حسب ما ورد في بيان برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في 11 فبراير/ شباط 2014، الذي أكد “قيام البرنامج بزيادة عدد مشاريعه وتوسيع نطاقها، وذلك للتخفيف من المعاناة وتشجيع الاعتماد على الذات والتعافي المبكر في المجتمعات المتضررة”.

ورغم أن استخدام مصطلح التعافي المبكر كان محصورًا بشكل رئيسي في بيانات وبرامج الأمم المتحدة، إلا أنه اكتسب بُعدًا سياسيًا جديدًا في 2021 عندما برز على الساحة السياسية خلال المفاوضات في مجلس الأمن.

واستخدمت روسيا هذا المصطلح كجزء من استراتيجيتها للتفاوض والمساومة، وأصرت على وجود مرجعية قانونية له في البيانات الصادرة عن المجلس والخاصة بسوريا، حيث رفضت تمديد قرار إدخال المساعدات الإنسانية إلى الشمال السوري عبر المعابر مع تركيا، دون إدراج برنامج للتعافي المبكر في نص القرار.

وأدرج مصطلح التعافي المبكر لأول مرة في قرار مجلس الأمن رقم 2585 الصادر بتاريخ 9 يوليو/ تموز 2021، حيث تضمنت الفقرة الرابعة من القرار ما يلي: “يرحب مجلس الأمن بجميع الجهود والمبادرات الرامية إلى توسيع نطاق الأنشطة الإنسانية في سوريا، بما في ذلك مشاريع الإنعاش المبكر الهادفة إلى توفير المياه وخدمات الصرف الصحي والرعاية الصحية والتعليم والمأوى، والتي تضطلع بها اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومنظمات أخرى، ويهيب بالوكالات الإنسانية الدولية الأخرى والأطراف المعنية أن تدعم تلك الجهود والمبادرات”.

وجدد مجلس الأمن دعمه لمشاريع التعافي في القرارين 2642 لعام 2022 و2672 لعام 2023، لكن مع اختلاف أمرين اثنين عن القرار السابق، الأول حثه على تكثيف ما يتخذ من مبادرات إضافية من أجل توسيع نطاق الأنشطة الإنسانية في سوريا بما في ذلك مشاريع الإنعاش المبكر، أما الاختلاف الثاني هو إضافة قطاع الكهرباء إلى جانب القطاعات السابقة.

وفي 11 يوليو/ تموز 2023 فشل مجلس الأمن بتمديد قرار إدخال المساعدات الأممية من تركيا إلى شمال سوريا، بعد استخدام روسيا لحق النقض “الفيتو”، لينتهي بذلك التفويض المعمول به منذ 2014، ويبدأ فصل جديد من المفاوضات بين الأمم المتحدة ونظام الأسد للسماح للمساعدات بالدخول.

وبعد أربعة أيام من انتهاء التفويض، حدد نظام الأسد شرطين للسماح بدخول المساعدات هما “عدم تواصل الأمم المتحدة مع كيانات مصنفة إرهابية”، وأن “يكون هناك إشراف من اللجنة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر السوري على توزيع المساعدات” في الشمال.

إلا أن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (أوشا) وصف شروط النظام بأنها “غير مقبولة” ولا “تتوافق مع استقلالية الهيئة الأممية”.

وبشكل مفاجئ، أعلنت الأمم المتحدة في 9 من أغسطس/ آب 2023، التوصل إلى تفاهم مع نظام الأسد يتيح لها إدخال المساعدات من معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا إلى شمال سوري لمدة ستة أشهر.

خفايا التفاهم

لم تكشف الأمم المتحدة عن طبيعة التفاهم أو تفاصيله مع نظام الأسد، ما أثار حالة من القلق بين الناشطين والمنظمات الحقوقية والإنسانية، وكثرت التساؤلات حول المقابل الذي أخذه النظام مقابل السماح بدخول المساعدات، لتبقى خفايا التفاهم في نطاق التحليلات، التي أشارت جميعها إلى اشتراط النظام زيادة مشاريع التعافي المبكر في مناطقه.

في مارس/ آذار الماضي، أعلن منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في سوريا، آدم عبد المولى، عن وضع خطة أممية لبرنامج التعافي المبكر في سوريا تتضمن إنشاء صندوق مقره في دمشق، الأمر الذي أثار مخاوف وقلق جهات سياسية ومنظمات ومراكز أبحاث.

وأكد عبد المولى في تصريحات لصحيفة “الوطن” المقربة من النظام أن هدف صندوق هو تمويل مشاريع التعافي المبكر، وتوفير لمن وصفهم “المانحين غير التقليدين” كدول الخليج “آلية آمنة وشرعية تحت مظلة دولية بتقديم مساعدات للشعب السوري” دون تعرضها للعقوبات المفروضة على النظام.

هذه التصريحات دفعت الكثيرين إلى رفع مستوى خطورة ما تخطط له الأمم المتحدة، كونه خطوة في “تعويم النظام وتعطيل الحياة السياسية لصالح القضايا الإنسانية”، إلى جانب “تلاعب النظام بأموال المشاريع، وعودته إلى المناطق الخارجة عن سيطرته برعاية أممية”، حسبما ذكر الباحث قومان لـ”نون بوست”.

أما عضو الهيئة السياسية في الائتلاف الوطني السوري المعارض سليم الخطيب فأكد لـ”نون بوست” الاعتراض على مشروع تأسيس الصندوق، وقدم الائتلاف مقترحًا للمبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسون، يتضمن بنودًا تحافظ على استقلالية الصندوق، إلى جانب التأكيد على رفض وجود مقر الصندوق في دمشق.

وحدد الخطيب خطورة إنشاء الصندوق في دمشق كونه يسهم في “شرعنة النظام” و”التهرب من العقوبات المفروضة عليه”، إلى جانب إلغاء دخول المساعدات عبر الحدود وإدخالها إلى عبر الخطوط الداخلية من مناطق النظام.

وحسب الخطيب فإن أبرز المخاطر ما يتعلق بالشق الإنساني، وهو عدم وجود ضمانات حقيقة من قبل الأمم المتحدة لعدم سرقة نظام الأسد لأموال الصندوق، لا سيما في ظل تقارير إنسانية وحقوقية سابقة أكدت سرقة النظام للمساعدات الإنسانية وأموال الأمم المتحدة.

إضافة إلى خطورة توجيه المساعدات عبر النظام السوري وتحت سيطرته، مما يحول العمل من إنساني إلى سياسي، بالإضافة إلى ذلك، فإن المشكلة الكبيرة تتعلق بأن المنظمات التي ترغب في العمل في سوريا يجب أن تكون مرخصة من قبل النظام، وهو أمر يثير الكثير من القلق.

وكان تقرير صادر عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية “CSIS” في 2022 أكد أن نظام الأسد قام بسرقة 96% من المساعدات الإنسانية الأممية لمصلحة عناصره ومسؤوليه.

كما كشف تحقيق لصحيفة “فايننشال تايمز” العام الماضي أن نظام الأسد “أجبر الأمم المتحدة على تقديم تنازلات تفيد رئيس النظام وشركاءه”، إلى جانب توظيف الأمم المتحدة أقارب مسؤولين رفيعي المستوى، حيث جرى توظيف ابنة مديرة المخابرات حسام لوقا في مكتب الصندوق المركزي لمواجهة الطوارئ التابع للأمم المتحدة في دمشق.

أسباب الخطة الأممية

وللوقوف على تفاصيل خطة الأمم المتحدة وإنشاء صندوق لتمويل مشاريع التعافي المبكر، تواصل “نون بوست” مع منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في سوريا، آدم عبد المولى، الذي قال إن الخطة تعود إلى 21 تموز يوليو العام الماضي، عندما طلب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عبر توجيه خطي بإنشاء برنامج للتعافي المبكر في سوريا.

وحدد عبد المولى الأسباب التي دفعت إلى اقتراح الخطة، أولها تقلص تمويل خطط الاستجابة السنوية للاحتياجات الإنسانية في سوريا كل عام، حيث حصلت الأمم المتحدة في 2023 على أقل من 40% من التمويل اللازم.

وثانيها عدم مساهمة الأموال المنفقة على مشاريع التعافي المبكر، بشكل كاف في تقليص عدد الأشخاص الذين يعانون من الأزمات الإنسانية، بسبب أن “المنظمات وشركاءها لم يستثمروا هذه الموارد بطريقة استراتيجية”.

وأشار إلى أن قيمة الأموال بلغت في الفترة من يناير/ كانون الثاني 2022 حتى أكتوبر/ تشرين الأول 2023 حوالي 800 مليون دولار، وتم الحصول على أغلبها من المانحين الغربيين، وصرفها على كامل الجغرافيا السورية بغض النظر عن نطاق السيطرة”.

وأوضح عبد المولى أنه بناء على ما تقدم فقد جرى اقتراح تطوير برنامج التعافي المبكر الذي ينبني على الأسس التالية:

  • أن يكون برنامجًا إنسانيًا يركز على أربعة محاور إنسانية هي الصحة، التعليم، المياه والصرف الصحي، وسبل العيش الكريم. وقد قام وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية بإرشادنا، بأن هذه القطاعات تحتاج جميعها لإمداد كهربائي، لذا أضفنا الكهرباء كقطاع مساعد.
  • التعافي المبكر لابد أن يكون لجميع السوريين المقيمين في كامل الحدود السورية بغض النظر عن نوع السلطة المسيطرة.
  • يكون لمنظمات الأمم المتحدة وشركائها في كل موقع، الحق المطلق في تطوير برامج تلبي الاحتياجات المحلية بالتشاور المتواصل مع المنتفعين ضمن القطاعات آنفة الذكر.
  • بما أن أساس الخطة هو التفويض الإنساني المناط بالأمم المتحدة، فلن يتم عرضها على أي سلطة للموافقة أو الاعتراض عليها.

وأكد عبد المولى الوصول إلى مراحل متقدمة في المداولات الداخلية مع المنظمات الدولية والمحلية للاتفاق على الصيغة النهائية لاستراتيجية التعافي المبكر.

الصندوق خارج دمشق

وبهدف السيطرة على المبالغ المرصودة للتعافي المبكر من أجل صرفها بشكل تشاركي على القطاعات السابقة في مدى متوسط يمتد إلى خمس سنوات، تم اقتراح إنشاء صندوق لتمويل مشاريع التعافي، حسب عبد المولى، الذي اعتبر أنه دون تلك السيطرة ستظل المنظمات تصرف الموارد المتناقصة وفقًا لتعريف كل منها للتعافي المبكر على المنوال السابق.

وحدد عبد المولى خصائص الصندوق المقترح وخاصة مقر تواجده وهي:

  • تشكيل مجلس إدارة للصندوق يتكون من ممثلين للأمم المتحدة والمانحين والمنظمات غير الحكومية (المحلية والعالمية)، ويقوم هذا المجلس باتخاذ كافة القرارات الخاصة بالتمويل.
  • يضم مجلس الإدارة لجنة فنية تتألف من ممثلين عن الجهات التي يتكون منها المجلس، مهمتها دراسة المشروعات المقدمة للتمويل وتقديم المقترحات والتوصيات اللازمة بشأنها.
  • سيتم إنشائه كصندوق اعتماد لشركاء متعددين “Multi-Partner Trust” (مكتب الصندوق الاستئماني المتعدد الشركاء، وهو الجهة المسؤولة عن إدارة صناديق الاعتماد التابعة للأمم المتحدة، ويتولى إدارة الموارد المالية والتنسيق بين الجهات المانحة والمشاريع المستفيدة)، وبذلك تكون المسؤولية المالية عنه لدى المكتب المسؤول عن هذه الصناديق التي يتجاوز عددها 104 في مدينة نيويورك الأمريكية.
  • يحق لجميع المنظمات الإنسانية العاملة بأي جزء من سوريا، سواء كانت مسجلة لدى أي سلطة أو غير مسجلة، التقدم بطلب تمويل، وأن تتلقى ذلك التمويل إذا استوفت الشروط الخاصة بالأهلية التعاقدية المنصوص عليها في لوائح ” Multi -Partner Trust Fund Office”.

وفيما يتعلق بمكان مقر الصندوق، أكد عبد المولى لـ”نون بوست” أنه سيكون له سكرتارية مقرها في بيروت أو عمان ولن يكون في دمشق، لكي يتسنى لكافة العاملين بالحقل الإنساني في الجغرافيا السورية التواصل معها، وحجبها عن أي شبهة تتعلق بخضوعها لتأثير أي سلطة عليها.

وأشار إلى أن المشاورات مستمرة مع كافة الشركات من أجل تاريخ الإعلان عن إطلاق برنامج التعافي المبكر، واستكمال إجراءات تسجيل الصندوق لدى المكتب المختص بالجوانب المالية والإدارية للصندوق بنيويورك.

خطوط الاتحاد الأوروبي الحمراء

وأثار مقترح إنشاء صندوق التعافي المبكر، الذي يسعى لجذب تمويل من الدول الخليجية، نقاشًا واسعًا حول موقف الدول المعنية من هذه المبادرة، بينما لم تصدر أي تصريحات رسمية منها حتى الآن بشأن دعمها أو معارضتها لهذا الصندوق.

أوضح عضو الهيئة السياسية في الائتلاف سليم الخطيب أن إنشاء الصندوق ما زال فكرة قيد المناقشة ولم يُعلن بشكل رسمي بعد، لذلك، لا يمكن مطالبة الدول الخليجية بموقف واضح تجاه شيء لم يتم الإعلان عنه رسميًا حتى الآن.

من جانبه يرى عبد المولى أن “المانحين العرب يفضلون تقديم الدعم الإنساني أو الإنمائي للحكومات مباشرة دون إشراك الأمم المتحدة أو المنظمات غير الحكومية، هذا النوع من الدعم المباشر للحكومة غير ممكن في ظل نظام العقوبات القائم الآن”.

وأشار إلى أنه حتى دون العقوبات فهو نظام لا يعطي الأولوية للاحتياجات كما تحددها منظمات تقوم على المبادئ الانسانية (الحياد، الاستقلالية، الإنسانية)، وعليه فان الصندوق المقترح يعطي الدول العربية المانحة فرصة تقديم مساعدات للشعب السوري مباشرة تحت مظلة دولية شفافة.

من جانبه شدد المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي، لويس ميغيل بوينو، على دعم الاتحاد مشاريع التعافي المبكر في سوريا لكن دون العمل مع نظام الأسد.

وقال بوينو لـ”نون بوست” إن الاتحاد الأوروبي يدعم المدنيين في جميع أنحاء البلاد، ويعمل على تمكينهم في مجالات التعليم والتدريب المهني والصحة وسبل العيش والزراعة والتماسك الاجتماعي.

وأضاف: “لا يعمل الاتحاد الأوروبي من خلال النظام السوري، وإنما يتم تنفيذ جميع المساعدات من قبل منظمات المجتمع المدني ووكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، أو وكالات التنمية للدول الأعضاء”، مشيرًا إلى أنه بين عامي 2011 و2023 تم تخصيص معظم الميزانية غير الإنسانية البالغة 742 مليون يورو لأنشطة الإنعاش المبكر في سوريا لتلبية الاحتياجات على المدى المتوسط.

وحدد بوينو الخطوط الحمراء للاتحاد الأوروبي من أجل دعم مشاريع التعافي، وهي “العمل مع النظام السوري، فالاتحاد لا يعترف بالنظام ولا العمل معه في هذا المجال، وضد أي تطبيع معه طالما أنه لا ينخرط في عملية سياسية شاملة بموجب القرار الأممي 2254”.

وجدد المتحدث رفض الاتحاد الأوروبي أي “محاولة لاستغلال مشاريع الاتحاد الأوروبي أو المجتمع الدولي لتحقيق أهداف غير مرتبطة بالعمل الإنساني”، مؤكدًا أنه لم “تكن هناك أي مشاريع تم إنشاؤها في مجال التعافي المبكر في سوريا دون أن يكون هناك رابط مع عملنا الإنساني”.

كما حدد بوينو أربع ركائز رئيسية في اختيار مشاريع التعافي المبكر في سوريا، وهي:

  • الملاءمة: يجب أن يحلّ الصندوق مشاكل حقيقية وملحّة يواجهها الناس، سواء كانت تتعلق بنقص المياه النظيفة، أو الرعاية الصحية، أو الفرص التعليمية.
  • الجدوى: الفكرة الجيدة لا تكفي. يجب أن نكون واثقين بإمكانية تنفيذها بنجاح. وهذا يعني مراعاة السياق المحلي، فضلًا عن التحديات اللوجستية.
  • القيمة مقابل المال: يجب أن يكون للأموال التي يتم إنفاقها تأثير هادف. نحن بصدد الحديث عن أموال دافعي الضرائب ونحن ملتزمون باستخدامها بفعالية لإحداث تغيير ذي مغزى.
  • الاستدامة: نهدف إلى مشاريع لا تحدث فرقًا فوريًا فحسب، بل لها أيضًا تأثير إيجابي دائم.

ويعد التعافي المبكر في سوريا خطوة أساسية نحو إعادة بناء المجتمع وإعادة تأهيل البنية التحتية المتضررة جراء سنوات من الصراع، لكن أموال هذه المشاريع قد يستغلها نظام الأسد لتمويل ميليشياته وحربه ضد السوريين، في ظل عدم وجود ضمانات لمنع ذلك.