في الوقت الذي يحتفل فيه ليبيون بالذكرى السابعة لثورتهم التي أطاحت بنظام معمر القذافي الذي حكمهم بالنار والحديد لمدة 42 سنة، تعمل فرق الإنقاذ في السواحل الليبية على انتشال جثث مهاجرين غير نظاميين غرقوا في البحر عند محاولتهم التوجه لدول أوروبا.
فيما تعمل الجماعات الإرهابية على رأسها تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” التي يتخذها اللواء المتقاعد خليفة حفتر وقواته سببًا لقصف المدن الليبية وتدميرها وقتل المدنيين المناهضين لسياسته، على لملمة صفوفها جنوب البلاد، في حين تتسابق القوى العالمية الكبرى وبعض الدول العربية في الوقت ذاته على الاستحواذ على النفط الليبي.
هذا المشهد يؤكد المعاناة التي تواجهها ليبيا، بعد سبع سنوات من ثورتها، جراء ثلاثية الهجرة والنفط والإرهاب، هذا الثلاثي الذي مهّد الطريق ومنح تأشيرة الدخول للدول الأجنبية إلى الأراضي الليبية والتحكم في مصير الشعب هناك.
الهجرة مطية الغرب لدخول ليبيا
عشية إحياء الذكرى السابعة للثورة الليبية، غرق نحو 80 شابًا يجهل إلى الآن جنسياتهم، قرب سواحل مدينة زوارة عقب غرق قاربهم المطاطي في عرض البحر المتوسّط، وأوضحت أنباء تناقلها ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، أن هؤلاء الشبان كانوا على متن قارب هجرة غير نظامية، وتوفوا في أثناء محاولتهم الوصول إلى السواحل الإيطالية.
هذه الحادثة ليست الأولى من نوعها، فغيرها كثير، فقد أصبحت السواحل الليبية البوابة الرئيسية للمهاجرين الساعين للوصول إلى أوروبا بحرًا، وبحسب الأرقام الأخيرة الصادرة عن منظمة الهجرة الدولية، وصل نحو 115 ألف مهاجر ولاجئ إلى سواحل إيطاليا عبر البحر خلال سنة 2017، وخلال السنة الحاليّة وإلى غاية 11 من فبراير الحاليّ وصل إيطاليا 4730 مهاجرًا غير نظامي.
تمثل تجارة البشر أخطر الأنشطة التي تطورت بسرعة في ليبيا في السنوات التي أعقبت سقوط نظام معمر القذافي
ويرجع ارتفاع أعداد المهاجرين من السواحل الليبية إلى تفكك الدولة الليبية ومؤسساتها وانتشار السلاح والفوضى في كامل أنحائها وغياب سلطة مركزية تحكم سيطرتها على البلاد، حتى إن بعض ساحات البلاد أصبحت “أسواقًا للإتجار بالبشر”، حيث يباع المهاجرون بشكل علني قبل أن يحتجزوا مقابل فدية ويكرهوا على العمل دون أجر أو يتم استغلالهم جنسيًا.
فمع بدء غلق الطريق البحرية بين ليبيا وإيطاليا وصعوبة وصول المهاجرين من ليبيا إلى سواحل القارة العجوز، وقع هؤلاء ضحايا للمهربين تجار البشر، وللتخلص منهم، يجلبون إلى الأسواق لبيعهم أجراء ولمن يرغب في شرائهم، وبالتالي امتلاكهم تمامًا كما يمتلك المشتري أي قطعة أثاث أو قماش أو سيارة أو جرار زراعي أو حيوان أليف.
غرق العشرات أمس في انقلاب زورق مطاطي في سواحل ليبيا
تمثّل تجارة البشر أخطر الأنشطة التي تطورت بسرعة في ليبيا في السنوات التي أعقبت سقوط نظام معمر القذافي، حتى أضحت الأكثر ربحًا من بين أنشطة الإتجار في هذا البلد العربي الذي أصبح مرتعًا لسماسرة بيع البشر المحليين والدوليين بموارد مالية مهمة ووسائل متطورة جدًا، من آليات النقل المتطور ومعدات الاتصال وأجهزة التواصل الدائم، وسهلت هذه الشبكات على عناصر الجماعات الإرهابية أو الجريمة المنظمة حصولهم على المال.
وتعتبر ليبيا، حسب عديد من الخبراء، ضحية للهجرة غير النظامية وليست سببًا فيها، وتستعمل الدول الغربية خاصة فرنسا وإيطاليا مسألة الهجرة كذريعة للتدخل السياسي والعسكري في ليبيا، للحد من موجات المهاجرين الوافدين من السواحل الليبية إليها، وتخليصهم من العبودية.
خطر الإرهاب
إلى جانب خطر الهجرة، يواجه ليبيا خطر الإرهاب وتنظيم داعش الذي يسعى إلى رصّ الصفوف وتنظيم نفسها، في ظل تواصل الأزمة هناك وانتشار السلاح وعدم قدرة السلطات المركزية على بسط نفوذها على كامل البلاد.
فبعد طرده في ديسمبر/كانون الأول 2016 من مدينة سرت الساحلية، انكفأ العديد من أعضاء التنظيم إلى الجنوب وحول سرت مستفيدين من الامتداد الصحراوي وأحزمة جبلية في المنطقة كستار لتنقلاتهم، وها هو الآن يحاول الرجوع، ويمثل تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” وباقي التنظيمات الإرهابية المسلحة هناك خطرًا على ليبيا وعلى نجاح عمليتها السياسية وعلى أمن واستقرار الدول المجاورة لها والدول الأوروبية.
تنتشر في جنوب ليبيا عناصر مسلحة تابعة لحركة العدل والمساواة السودانية ومجموعات تشادية مسلحة
وكانت تقارير إعلامية محلية ودولية قد حذّرت من وجود تحركات يقوم بها عناصر تنظيم داعش لتعزيز حضوره في ليبيا، خلال العام الحاليّ، وذكرت التقارير أن محاصرة عناصر تنظيم الدولة الإسلامية داعش، وإجبارهم على الخروج من جبال وصحاري العراق وسوريا، تزامن مع تكهنات بأن ليبيا، يمكن أن تصبح محور عمل التنظيم في المستقبل، واستخدام المنطقة الجنوبية في ليبيا والصحراء الواسعة كمركز جديد لأنشطته.
وقد سبق أن جعَل التنظيم من ليبيا في الفترة خلال سنوات 2015 و2016، قلعةً له في شمال إفريقيا، حيث استولى على مدينة سرت في 2015، ومن أهم مميزات ليبيا بالنسبة للتنظيم امتلاكها ثروةً نفطية هائلة توفّر لهم – حال السيطرة عليها – موارد ماليّةً ضخمة، وإذا كانت ليبيا قد نجحت في دحر التنظيم في “سرت”، إلّا أنه ما زال له خلايا في الصحراء.
ارتفاع خطر التنظيمات الإرهابية في ليبيا
فضلاً عن تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، تنتشر في جنوب ليبيا عناصر مسلحة تابعة لحركة العدل والمساواة السودانية ومجموعات تشادية مسلحة تتخذ من الصحراء الليبية مقرًا لها، وتتميز الصحراء الليبية بعدم الاستقرار، حيث تشهد فراغًا أمنيًا واضطرابات متكررة منذ سقوط نظام معمر القذافي في فبراير 2011، وتسيطر عليها عصابات تهريب النفط والبشر، وتعتبر هذه المنطقة البوابة الرئيسية للمهاجرين الأفارقة الذين يتخذون من ليبيا محطة للهروب لأوروبا.
النفط الليبي
بعد أن كان نعمة للبلاد، أضحى النفط الليبي نقمة، فللحصول عليه أصبحت ليبيا مرتعًا للمخابرات وعساكر الدول الأجنبية والعربية (مصر والإمارات)، فكل طرف يسعى للحصول على النصيب الأكبر من النفط الليبي، دون النظر إلى سيادة البلاد.
وتعدّ حقول النفط إحدى أهم بؤر الصراع بين الفصائل المتنازعة في ليبيا منذ الإطاحة بمعمر القذافي في 2011، والأطراف الخارجية التي تدعمها، ويعتبر النفط مصدر الدخل الأساسي للبلاد الذي مثّل قبل اندلاع الثورة الليبية 95% من عائدات الصادرات الليبية.
تحتوي ليبيا على ثروات هائلة من النفط وتقدر احتياطاتها بنحو 46.6 مليار برميل، وهي الأكبر في إفريقيا
وتقع منطقة الهلال النفطي التي تحتوي على أربعة مواني نفطية تغذيها عدد من الحقول والآبار المنتجة للنفط الخام، تحت سيطرة قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، الذي يحظى بدعم مصر والإمارات وروسيا وفرنسا.
وتعرف هذه المنطقة توترات كبرى بين سرايا الدفاع عن بنغازي، وحرس المنشآت النفطية (قوة دفاع برقة سابقًا)، وقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، تصل في أغلب الوقت إلى صراع مسلّح بدعم خارجي يتوقف على إثره إنتاج النفط وتخسر ليبيا موارد مالية في أمس الحاجة إليها، وتحتوي ليبيا على ثروات هائلة من النفط وتقدر احتياطاتها بنحو 46.6 مليار برميل، وهي الأكبر في إفريقيا.