ترجمة وتحرير: نون بوست
مرت سبع سنوات على اندلاع الحرب الأهلية، والوضع الآن يبدو معقدا أكثر من أي وقت مضى، بسبب الحروب بالوكالة التي تخوضها دول أخرى في سوريا. وفي هذا الصدد، إليكم خمس حقائق تفسر البعض من الصراعات الخارجية التي تدور رحاها داخل سوريا.
“إسرائيل” في مواجهة إيران
خلال نهاية الأسبوع الماضي، اعترضت “إسرائيل” طائرة مسيرة إيرانية، بعد أن حلقت في المجال الجوي الإسرائيلي، قادمة من الجوار السوري عبر الأردن. ولا تخفي إيران دعمها الكلي للنظام السوري والرئيس بشار الأسد منذ فترة طويلة (حيث قُدم أغلب هذا الدعم تم عن طريق ذراعها حزب الله)، فيما سعت “إسرائيل” بشكل عام للبقاء بمنأى عن هذا المستنقع السوري، على الأقل في العلن.
لكن بعد اختراق الأجواء الإسرائيلية من قبل العدو اللدود إيران، وجدت الدولة العبرية نفسها مضطرة لرد الفعل، حيث شنت غارة جوية على مواقع عسكرية سورية وإيرانية. وقد قام السوريون بإسقاط طائرة مقاتلة إسرائيلية (وهي أول مرة تسقط فيها مقاتلة إسرائيلية بنيران معادية منذ سنة 1982)، وواصل الإسرائيليون ضرب العديد من المواقع العسكرية.
في الواقع، تعد هذه الحادثة أكثر نقطة تقترب فيها إيران و”إسرائيل” من الدخول في حرب مباشرة، منذ الحرب ضد حزب الله سنة 2006، وهو ما يمثل سابقة جديدة في قواعد الاشتباك بين الطرفين في سوريا. وبعد مضي سبع سنوات، تواصل سوريا جذب المزيد من الأطراف المتدخلة، حاملة معها العنف والدماء، وهو أمر يبعث بالفعل على الإحباط، ويشكل خطرا إضافيا على مستقبل البلاد.
بالنسبة للحكومة التركية، فإن أي نجاح لأكراد سوريا في تحقيق غاياتهم، سوف يغذي النعرات الانفصالية الكردية داخل الحدود التركية، ولذلك قررت أنقرة التصدي للمليشيات الكردية داخل سوريا
تركيا في مواجهة الأكراد
لا تمثل سوريا مسرحا للحرب بالوكالة بين القوى الدولية فحسب، خاصة أنه تدور فيها أيضا معارك محلية من أهمها تلك التي تخوضها تركيا. فعندما التحقت تركيا لأول مرة بالنزاع السوري في صائفة 2015، كان ذلك في إطار رد على هجوم انتحاري نفذه تنظيم الدولة في بلدة سروج الحدودية. كما كان لمسألة تمكن القوات الكردية في شمال سوريا من تحقيق مكاسب هامة في معاركها ضد الأسد وتنظيم الدولة، تأثير كبير على مواقف أنقرة، حيث يعتقد كثيرون أن التحركات الكردية كانت الدافع الأساسي لدخول تركيا في هذه الحرب.
عموما، يمثل الأكراد أقلية عرقية لا يتجاوز عددها 30 مليون نسمة، أغلبهم يعيشون في تركيا، وإيران، وسوريا والعراق. وبالنسبة لملايين الأكراد، فإن إقامة دولة كردية مستقلة كان دائما هو الحلم والهدف النهائي، الذي لطالما فشلوا في تحقيقه.
وتجدر الإشارة إلى أن تركيا نفسها تضم أكبر نسبة من الأكراد، حيث يبلغ عددهم حوالي 15 مليون نسمة، أي أنهم يمثلون حوالي 18 بالمائة من إجمالي السكان. وفي حين قرر بعض الأكراد الاندماج والعمل داخل النظام السياسي التركي، لجأ آخرون للعنف، ومن أبرزهم منظمة حزب العمال الكردستاني. وقد سقط أكثر من 40 ألف قتيل في المعارك الدائرة بين الأكراد والدولة التركية خلال الأعوام الماضية. أما بالنسبة للحكومة التركية، فإن أي نجاح لأكراد سوريا في تحقيق غاياتهم، سوف يغذي النعرات الانفصالية الكردية داخل الحدود التركية، ولذلك قررت أنقرة التصدي للمليشيات الكردية داخل سوريا.
الولايات المتحدة في مواجهة تركيا
وضعت هذه الحسابات تركيا في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة، باعتبار أن واشنطن التي تخوض حربين بالتزامن في العراق وأفغانستان، كانت مترددة في توسيع الجبهة أكثر والتورط في المستنقع السوري. وحاليا، يتواجد في سوريا حوالي ألفا جندي أمريكي ضمن التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة، إلا أن المساهمة الحقيقية الأمريكية في الحرب تمثلت في أكثر من 11 ألف غارة جوية شنتها بالتعاون مع حلفائها على مواقع تابعة لتنظيم الدولة، إلى جانب تدريبها وتسليحها لمجموعات معادية لتنظيم الدولة، من بينها المليشيات الكردية السورية.
لطالما تسبب هذا الدعم الأمريكي للمليشيات الكردية في انزعاج أنقرة، إلا أن الأمور لم تتطور بشكل كبير إلا في الشهر الماضي، عندما أعلنت الولايات المتحدة أنها سوف تساهم في إنشاء قوة حدودية تعدادها 30 ألف مقاتل، في الشمال الشرقي السوري، سوف تتشكل أساسا من المسلحين الأكراد. لكن ذلك بالطبع لم يكن مقبولا في تركيا، التي أطلقت عملية عسكرية واسعة النطاق تحت اسم “غصن الزيتون”. وبشكل مفاجئ، ولأول مرة منذ نهاية الحرب الباردة، وجد اثنان من أعضاء حلف الناتو نفسيهما في حرب بالوكالة ضد بعضهما، ما يمكن أن تكون له تبعات طويلة المدى تتجاوز الحرب السورية نفسها.
روسيا في مواجهة الولايات المتحدة
من المؤكد أن هذا الخلاف داخل حلف شمال الأطلسي سوف يسر موسكو، إلا أن هذه الأخيرة منزعجة بالتأكيد من الارتفاع الواضح في عدد القتلى الروس في هذه الحرب. انضمت موسكو في هذا الصراع من أجل إنقاذ بشار الأسد، الحليف التاريخي لها. وفي الواقع، تتمتع سوريا بأهمية إستراتيجية كبرى بالنسبة لموسكو، لأنها تضم قاعدتها البحرية الوحيدة المفتوحة مباشرة على البحر الأبيض المتوسط.
أصبحت سوريا وبشكل صادم لروسيا، مأزقا دمويا محرجا، في ظل هذه المناوشة الخطيرة بين القوات الأمريكية والروسية، التي لم تحدث منذ الحرب الباردة.
إلى جانب إيران، لعبت روسيا دورا مصيريا في تثبيت نظام بشار الأسد وإبقائه في الحكم، وهو ما عزز من موقفها كطرف جدي في حسابات الشرق الأوسط. ومن أجل الحفاظ على شعبية واسعة، يعول بوتين على قدرته على استعادة مكانة روسيا في النظام الجغراسياسي العالمي، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. وتعد سوريا من بين أفضل الأمثلة التي يمكنه أن يفتخر بها.
في المقابل، حمل هذا الأسبوع أخبارا جديدة وغير سارة بالنسبة لروسيا، حيث سقط العشرات أو ربما المئات من المقاتلين الروس مؤخرا، خلال هجوم فاشل على قاعدة عسكرية مشتركة أمريكية كردية في منطقة دير الزور، لدعم قوات الأسد. وعند سؤاله عن هذه الأخبار، رد الكرملين أن الأشخاص المذكورين في هذه الحادثة هم مرتزقة وليسوا عناصر في الجيش الروسي. وفي كل الأحوال، أصبحت سوريا وبشكل صادم لروسيا، مأزقا دمويا محرجا، في ظل هذه المناوشة الخطيرة بين القوات الأمريكية والروسية، التي لم تحدث منذ الحرب الباردة.
العلمانيون (المدعومون من روسيا والولايات المتحدة والإمارات) في مواجهة الإسلاميين (المدعومين من تركيا وإيران وقطر)
إلى جانب كل هذه الحروب بالوكالة، تمصل سوريا تمثل أيضا نموذجا مصغرا من الصراعات الدائرة في كامل الشرق الأوسط بين التيار العلماني والإسلامي. ففي الجانب الأول، تتمركز القوى التي تدفع نحو إقامة نظام علماني في سوريا، وهي موسكو، وواشنطن، وأبوظبي بشكل خاص. وفي الجانب الآخر، نجد الأطراف التي تدعم الإسلاميين في سوريا، وهي أنقرة، وطهران والدوحة (وعلى الرغم من دعم إيران للشيعة وتركيا للإيديولوجيا السنية، إلا كلا الطرفين لا يمانعان من تزايد التأثير الديني على النظام السياسي السوري).
في الحقيقة، يحمل كل واحد من هذين الطرفين مصالحا سياسية مختلفة ويدعم أطرافا تابعة له في الداخل السوري، ما يعني أنهما يمثلان في المجمل نظرتين مختلفتين لمستقبل هذ البلد. وبناء على ذلك، سيلعب الطرف الرابح في هذا الصراع، دورا حاسما في تحديد مستقبل سوريا وسيوجهها نحو إحدى الإيديولوجيتين المذكورتين.
المصدر: تايم