ترجمة وتحرير: نون بوست
سنة 1839، اخترع الكيميائي تشارلز غوديير أول اللدائن في العالم بعد أن اكتشف إمكانية تصنيع المواد انطلاقا من المطاط. في ذلك الوقت، لم يكن غوديير يدرك أن اختراعه سيحدث ثورة تقنية، ليقترن اسمه فيما بعد بأحد أنواع الإطارات المنتشرة في الأسواق.
في الواقع، يعتبر البلاستيك المصنوع من المطاط، الذي اخترعه غوديير، من بين أنواع البوليمرات الاصطناعية، علما وأن المطاط يعد إلى جانب السيلوليز من بين أشهر أنواع اللدائن. وفي الوقت الراهن، تسُتخدم اللدائن في العديد من مجالات الحياة، لكن هذه المواد تتسبب في إحدى أكبر المشاكل، ألا وهو التلوث. لكن، قد تحل اللدائن القابلة للتحلل البيولوجي هذا المشكل البيئي.
سنة 1920، وضع الكيميائي الألماني، هرمان شتاودنغر، فرضية مفادها أن البوليمرات تتكون من سلاسل طويلة من الجزيئيات الصغيرة المتطابقة. وعلى خلفية هذه النظرية، أصبح شتاودنغر محل سخرية من قبل زملائه الذين يعتقدون أن البوليمرات مجرد مجموعات صغيرة من الجزيئات. في نهاية المطاف، تبين أن فرضية الكيميائي الألماني صحيحة لينال جائزة نوبل للكيمياء سنة 1953.
قدر باحثون لدى جامعتي جورجيا وكاليفورنيا سانتا باربرا كمية الإنتاج العالمي من اللدائن إلى غاية سنة 2015 بحوالي 8.3 مليار طن
البلاستيك في كل مكان
تنتشر البوليمرات الاصطناعية في كل مكان، حيث يتم إنتاج حوالي 300 مليون طن من هذه المواد بشكل سنوي. وتستخدم هذه البوليمرات في تعليب مختلف المنتجات والثياب والألوان، فضلا عن المواد العازلة والآلات الطابعة ثلاثية الأبعاد.
في الحقيقة، يعادل وزن المواد المركبة المصنوعة من البوليمرات الاصطناعية نصف وزن طائرة “بوينغ 887”. ولعل ما يميز هذه البوليمرات تعدد مجالات استخدامها. في المقابل، تسببت لنا اللدائن شديدة المقاومة في العديد من المشاكل، حيث تراكمت النفايات البلاستيكية في البر والبحر. وحيال هذا الشأن، أفاد مدير مركز البوليمرات المستدامة، مارك هيلمير، أن “اللدائن تتميز بصلابتها خلال استخدامها، لكنها في الوقت نفسه تتسبب في التلوث عند إلقائها في القمامة”.
أكثر من 6 مليار طن من النفايات البلاستيكية
قدر باحثون لدى جامعتي جورجيا وكاليفورنيا سانتا باربرا كمية الإنتاج العالمي من اللدائن إلى غاية سنة 2015 بحوالي 8.3 مليار طن، حيث ألقي قرابة 6.3 مليار طن منها في القمامة، في حين تم رسكلة 10 بالمائة فقط من هذه النفايات البلاستيكية. وفي حين تم إحراق 12 بالمائة من هذه النفايات، ألقي 79 بالمائة من اللدائن في مكبات النفايات أو في الطبيعة. وفي حال استمر الوضع على حاله، قد تفوق كمية النفايات البلاستيكية الملقاة في المكبات أو في الطبيعة 13 مليار طن بحلول سنة 2050، وذلك وفق توقعات الباحثين الأمريكيين.
اللدائن القابلة للتحلل البيولوجي المُستخرجة من المواد الخام المتجددة، يمكن أن تكون حلا للمشاكل الناتجة عن النفايات البلاستيكية
على هذا النحو، ستكون انعكاسات النفايات البلاستيكية كارثية على الإنسان والحيوان على حد سواء وخاصة في صورة التخلص منها بشكل غير قانوني أو تراكمها في البحر بمفعول الرياح. وفي غالب الأحيان، يتم صيد الدلافين والسلاحف البحرية في أكياس وشباك تسبب الاختناق لهذه الكائنات البحرية، بينما تنفق العديد من الطيور البحرية نتيجة تناولها للنفايات البلاستيكية.
بعض المواد الإضافية تؤدي إلى الإصابة بالسرطان
ينتقل البلاستيك إلى طعامنا بعد أن يتحلل إلى جزيئات صغيرة بمفعول المياه المالحة أو الأمواج أو الأشعة فوق البنفسجية. وفي وقت لاحق، تتناول صدفيات البحر وحيوانات سرطان البحر والأسماك هذه الجزيئات، ومن ثم تصل إلى طعامنا. ولعل الأمر المثير للقلق هو أن البلاستيك يحتوي على مواد إضافية على غرار الملدنات، التي تؤدي إلى الإصابة بالسرطان.
وتجدر الإشارة إلى أن اللدائن القابلة للتحلل البيولوجي المُستخرجة من المواد الخام المتجددة، يمكن أن تكون حلا للمشاكل الناتجة عن النفايات البلاستيكية، علما وأن البوليمرات الطبيعية منتشرة في الأسواق. إلى جانب ذلك، يتوفر متعدد حمض اللبنيك الاصطناعي في الأسواق في عدة منتجات، مثل أكياس الشاي، كما يستعمل في عمليات زراعة الأعضاء.
وفقا لمدير مركز البوليمرات المستدامة هيلمير، لا تتجاوز نسبة البوليمرات الحيوية 10بالمائة من سوق اللدائن العالمية بسبب ارتفاع تكلفة إنتاجها. علاوة على ذلك، تحتوي وحدات المونومور، التي تشكل البوليمرات الطبيعية، على ذرات أكسجين أكثر من الكربوهيدرات الأحفورية المتأتية من النفط الخام.
يرغب الكيميائي لدى جامعة تكساس في أوستن، بيني فريمان، في استخدام أغشية البوليمرات لمعالجة مياه الصرف الصحي المتأتية من عمليات التكسير الهيدروليكي
البوليمرات القابلة للتحلل البيولوجي لا تخلو من السلبيات
تتميز البوليمرات الطبيعية بصلابتها، كما أنه لا يمكنها أن تحل محل اللدائن التقليدية على غرار البولي إيثلين والبولي بروبلين. لهذا السبب، تم دمج البوليمرات المستدامة مثل متعدد حمض اللبنيك الاصطناعي مع البوليمرات التقليدية. في المقابل، لا تخلو هذه اللدائن من السلبيات خاصة وأنها ليست شفافة. من جهة أخرى، يعتمد بعض الباحثين على البوليمرات الطبيعية، حيث تشكل جزيئات الجلوكوز السليلوز، الذي يمكن أن يتحول إلى ألياف قوية الذي يعتبر مكونا كيميائيا مهما لنمو النباتات.
والجدير بالذكر أن الألياف السليولوزية تشكل بلورات صغيرة تعالج في رغوة عازلة، وذلك بهدف تقوية المواد المركبة أو استخدامها في المجال الطبي كسقالة لإصلاح الأنسجة، فضلا عن ذلك يمكن استخدام هذه الألياف في مجال الموسيقى. وإلى حد الآن، يمكن استخدام هذه الألياف في صناعة الورق المتين وتكثيف السوائل.
يمكن للدائن استخراج الهيدروجين من الغاز الطبيعي
يمكن استخدام البوليمرات كمناخل جزيئية، حيث تساهم هذه البوليمرات في تحلية مياه البحر وفصل الغازات عن بعضها البعض أو الحفاظ على انقسام الجزيئات داخل خلايا الوقود. وفي الوقت الراهن، يمكن استخراج الهيدروجين وثاني أكسيد الكربون من الغاز الطبيعي بفضل تقنية الأغشية. كما تحتوي أحذية الأطفال على أغشية مستقرة كيميائيا قادرة على التأقلم مع درجات الحرارة المرتفعة. وغالبا ما تكون هذه الأغشية قادرة على فصل ثاني أكسيد الكربون عن بقية غازات العوادم الساخنة.
يواجه الباحثون المختصون في البوليمرات تحديا مهما، ألا وهو إنتاج بوليمرات اصطناعية مصممة بشكل يتيح تحديد الخصائص الإلكترونية والفيزيائية للمنتجات المنبثقة
بناء على ذلك، يرغب الكيميائي لدى جامعة تكساس في أوستن، بيني فريمان، في استخدام أغشية البوليمرات لمعالجة مياه الصرف الصحي المتأتية من عمليات التكسير الهيدروليكي. ولكن في هذه الحالة، ستصبح المياه المنحسرة في الصخور ملوثة، مما يؤدي إلى انسداد أغشية الترشيح بشكل سريع.
لحل هذه المعضلة، عمل الكيميائي فريمان على طلاء الأغشية بمادة البولي دوبامين. وقد كشفت تجارب أجريت في محطة معالجة مياه الصرف الصحي بالقرب من مدينة فورت وورث بولاية تكساس أن عملية طلاء الأغشية ضاعفت مدة صلوحية أغشية الترشيح. ووفقا لفريمان، ستلعب أغشية البولميرات دورا هاما في عمليات تحلية مياه البحر في المستقبل.
بوليمرات اصطناعية مصممة بشكل خاص
يواجه الباحثون المختصون في البوليمرات تحديا مهما، ألا وهو إنتاج بوليمرات اصطناعية مصممة بشكل يتيح تحديد الخصائص الإلكترونية والفيزيائية للمنتجات المنبثقة عنها بشكل دقيق. من هذا المنطلق، نجح فريق من الباحثين لدى معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بإشراف الكيميائي، جيريميا جونسون، في تشكيل بوليمر نهائي مصمم بشكل خاص انطلاقا من بعض الجزيئات الفردية. ولعل ما يميز هذا النوع من البوليمرات هو تعدد مجالات استخدامه، حيث يمكن استعماله في صناعة الأدوية التي تحمي الجهاز المناعي، إلى جانب تكوين ذاكرة بيانات غير مكلفة.
البلاستيك كذاكرة بيانات رقمية
مبدئيا، يمكن استخدام جزيئيتين مختلفتين داخل البوليمر بهدف تسجيل المعطيات الرقمية في شكل أصفار وآحاد، مع العلم أن الباحثين لدى جامعة ستراسبورغ أكدوا أن هذا الأمر ممكن. في الأثناء، تمكن الباحثون من الاطلاع على المعطيات المسجلة عن طريق مطياف الكتلة، حيث تمكنوا من تفكيك شفرات رسالة سعتها 32 بيت وقراءتها.
مقارنة بوسائل التخزين المتاحة في الوقت الراهن، تبدو إمكانيات البلاستيك متواضعة. وعموما، لا زال مجال البحث في البوليمرات في مراحله الأولى. ولو كان باستطاعة مخترع المطاط، تشارلز غوديير، الاطلاع على الإضافة التي قدمتها اللدائن للبشرية، لكان سيندهش حتما من النجاح منقطع النظير الذي حققه اكتشافه.
المصدر: فيلت