إبان النكبة الفلسطينية، وتحديدًا يوم 26 من مايو1948 ، قررت الإدارة الصهيونية في فلسطين آنذاك إعلان تأسيس “الجيش الإسرائيلي”، ليكون الجيش الوحيد المعترف به في الكيان الوليد والمخول له حماية تلك الأرض تحت مسمى “جيش الدفاع الإسرائيلي”، وعلى إثر ذلك تم حل كل الجماعات المسلحة الموجودة في الساحة آنذاك .
الجيش الذي يُصنف الآن كأقوى جيش في الشرق الأوسط والتاسع عالميًا وفقًا لإحصاءات عام 2016 ويخدم فيه نحو176.500 مجند نظامي ويمتلك في ترسانته ما يقارب 681 طائرة 4170و دبابة و6 غواصات، وتبلغ ميزانيته السنوية نحو 70 مليار شيكل18) مليار دولار تقريبًا) التي تعتبر %16 من الميزانية العامة في “إسرائيل”، بالإضافة لدعم أمريكي بقيمة 10 مليارات دولار سنويًا.
.
شعار ما يعرف بـ”جيش الدفاع الإسرائيلي”
والسؤال.. من أين جاء هذا الجيش؟ خصوصًا أن “إسرائيل” لا تتمتع بتكوين ديموغرافي متناغم أو متشابه، وأغلب السكان مهاجرين من مناطق مختلفة من العالم .
الهاغاناه
تعتبر الهاغاناه الأصل الأول لتأسيس “جيش إسرائيل”، فهي أول جماعة مسلحة يتم تأسيسها من الصهاينة لهدف محدد وهو طرد الفلسطينيين من أرضهم وتوطين المهاجرين اليهود، تأسست عام 1920 في أثناء الانتداب البريطاني على فلسطين، وتعددت خدماتها في تلك الفترة فكان أبرز ما قدمته:
شعار “الهاغاناه”
– حماية المستوطنين اليهود وممتلكاتهم.
– الدفاع عن المستوطنات من خلال تدريب الشبان والفتيات اليهود على أعمال الحراسة.
– تأسيس نقاط عسكرية يتم فيها تجميع المؤن والسلاح من أجل الاستعداد لمواجهة الفلسطنيين لاحقًا.
الهاغاناه لم تضم مجرد مهاجرين يهود مدنيين تلقوا تدريبًا عسكريًا لفترة، وإنما كان من أعضائها أيضًا، نسبة كبيرة من الفيلق اليهودي الذي حارب بجوار بريطانيا إبان الحرب العالمية الأولى وقامت بحله في العام 1921. لذا فمن المفيد توقع أن تلك المؤسسات العسكرية لم تكن مجرد عصابات عادية، فبعضها اُعتبر جيوش كحالة الهاغاناه التي ضمت جنودًا وسلاح طيران ومدفعية وسلاح بحري أيضًا .
خلال مسيرتها العسكرية ارتكبت الهاغاناه العديد من الجرائم في حق الفلسطينيين على رأسهم مذبحة دير ياسين والتهجير الكبير في حيفا
تعاونًا ما تم بين سلطات الانتداب البريطاني والهاغاناه لقمع الفلسطينيين عام 1936، حيث كلفت سلطات الانتداب البريطاني الضابط أورد وينغيت بتشكيل سرايا ليلية من الصهيونيين للقضاء على الثورة الفلسطينية التي اندلعت ذلك العام، وسمحت للهاغاناه بتشكيل قوة من الشرطة عُرفت باسم “نوطريم” قوامها 22 ألف عنصر، وسلحتها بالبنادق والرشاشات.
لكن بعض سياسات الانتداب جعلت الهاغاناه تستهدفه ببعض عملياتها وخصوصًا بعد إصدار البريطانيين “الكتاب الأبيض” الذي حمل – ولو صوريًا – بعض الإجراءات المشددة على تقليص الهجرة اليهودية لفلسطين، الذي أرادت به بريطانيا أن تكسب العرب في فترة الحرب العالمية الثانية.
أرسلت الهاغاناه في أثناء الحرب العالمية الثانية عددًا كبيرًا من أفرادها إلى البلدان الأوروبية التي كانت واقعة تحت قوات الاحتلال النازي، لدعم حركات المقاومة اليهودية وتهجير اليهود إلى فلسطين، وعندما اقترب موعد “إعلان قيام إسرائيل“ في 15 من مايو/أيار 1948 كانت الهاغاناه قد بلغت حدًا من التنظيم والتسليح سمح لها بأن تتحول إلى “جيش الدفاع الإسرائيلي” الرسمي، خصوصًا وقد كافأتها بريطانيا بدعمها في إنشاء قوة البالماخ “وحدة الكوماندوز” لتكون أذرعها، فأصدرت “إسرائيل” قرارًا حلّ بموجبه الإطار التنظيمي للهاغاناه وغيرها من المنظمات العسكرية الصهيونية، وحولها جميعًا إلى “جيش الدفاع الإسرائيلي“.
خلال مسيرتها العسكرية ارتكبت الهاغاناه العديد من الجرائم في حق الفلسطينيين على رأسهم مذبحة دير ياسين والتهجير الكبير في حيفا، ونظرًا لما يعتبره الصهاينة إنجازات قامت بها الهاغاناه من أجل قيام دولة “إسرائيل” فقد تقلد الكثير من قادتها مناصب رفيعة كشيمون بيريز وإسحاق رابين ومناحم بيجن ومشيه ديان وإيجال آلون.
إرجون (إتسل)
تعد الإرجون منظمة منشقة عن الهاغاناه، وعناصرها من مناصري العنف ضد العرب، بدأت عملياتها ضد الفلسطينيين في العام 1937، واستعانت بها بريطانيا أيضًا في الحرب العالمية الثانية وأرسلت فرقًا منها للعراق، مما زاد من خبرة أفرادها القتالية.
شعار منظمة الإرجون
على الرغم من أن الهاغاناه كانت تصدر بيانات وتصريحات تستنكر فيها عمليات الإرجون؛ فإن زعيم هذا التنظيم بيغن أكد في كتاباته بكل وضوح وجود تنسيق عسكري بين المنظمتين وفقًا لخطة اقتسمتا فيها الأدوار والمهام. ومن أبرز عمليات جماعة الإرجون تفجير فندق الملك داوود عام1946 ، بعدها بعامين تم حل المنظمة وانضمت لـ”جيش الدفاع الإسرائيلي”.
)ليحي) شتيرن
عام 1940 حدث انشقاق في تنظيم الإرجون، فبعض السياسيات العامة للتنظيم لم توافق رغبات الأعضاء، فانشق “أبراهام شتيرن” مكونًا تنظيمًا منفصل عرف باسم (لحمي حيروت “إسرائيل”) أو المحاربون من أجل حرية “إسرائيل” وسُميت أيضًا شتيرن نسبة لمؤسسها.
شعار منظمة شتيرن
من أبرز العمليات التي نفذها التنظيم:
– اغتيال اللورد موين، على خلفية اغتيال أبراهام شتيرن، نفذت العملية عام1944 ضد الوزير المقيم في القاهرة والمدير لشؤون الشرق الأوسط.
– اغتيال الكونت برنادوت عام 1948، وهي العملية التي أثارت استياء حكومات العالم وجعلها تضغط على الحكومة الإسرائيلية من أجل ملاحقة أعضاء التنظيم ومعاقبتهم وهذا ما تم بالفعل.
– نسف سرايا يافا، وهي إحدى العمليات التخريبية في سلسلة استهداف العرب والبريطانيين.
في النهاية اعترفت الحكومة الإسرائيلية فيما بعد بأن الخدمة العسكرية في صفوف شتيرن خدمة خاضعة للتقاعد فصرفت لجميع الذين خدموا فيها رواتب التقاعد المستحقة لهم ومنحت بعضهم وسام محاربي الدولة، ثم ذابت تلك المنظمة داخل “الجيش الإسرائيلي” بمرور السنين.
البالماخ
تعتبر قوات كوماندوز عملت تحت لواء الهاغاناه، تشكلت البالماخ أصلاً في العام1941 ، عند اقتراب قوات المحور من فلسطين، كانت قوات خفيفة تدرب أعضاءها تدريبًا عنيفًا ومكثفًا على أعمال النسف والتخريب والهجوم الصاعق لترويع السكان الفلسطينيين وإجبارهم على مغادرة مدنهم وقراهم والقيام بأعمال ضد قوات الانتداب البريطاني إذا وقفت عقبة أمام تحقيق المطامع الصهيونية في فلسطين.
شعار منظمة البالماخ
المعنى الحرفي لكلمة البالماخ هو جند العاصفة واُعتبرت القوة الضاربة للهاغاناه لعدة أسباب منها احترافيتهم العالية في تنفيذ المهمام الصعبة وسرعة حركتها الهجومية وتمتع أفرادها بدرجة عالية من التثقيف السياسي الذي يركز على مبادئ الصهيونية العالمية.
تمتعت البالماخ بجهاز مخابرات قوي مكنها من التسلل لمعسكرات الأسرى الألمانيين من أجل التجسس والتنكر في زي عربي والتسلل لسوريا ولبنان لنفس الغرض، كما نفذت عمليات ضد الانتداب البريطاني في فلسطين ونفذت الكثير من العمليات في الجليل والنقب والقدس وسيناء بهدف ترويع الأهالي وإسراع تفريغ الأرض من سكانها.
المفارقة أن أغلب القادة في هذه التنظيمات حصلوا على مراكز حساسة في صنع القرار ونالوا العديد من الجوائز وأبرزها نوبل للسلام التي حصل عليها مناحم بيجن وشمعون بيريز وإسحق رابين
شكل ضباط البالماخ نواة قيادة “الجيش الإسرائيلي” بعد أن أصدر رئيس الوزراء الإسرائيلي ديفد بن غوريون قراره عام1948 عقب قيام دولة “إسرائيل” بحل البالماخ ودمج قواتها بجيش الدفاع.
التنظيمات التي مر عليها هذا المقال وُجدت بالأساس لتمارس التطهير العرقي في فلسطين، فارتكبت عشرات وربما مئات المجازر بحق المدنيين العزل، والعمليات العسكرية لم يكن فقط هدفها القتل وإنما بعضها شمل إرهاب السكان وتطويق القرى من ثلاث جهات وترك الرابعة مفتوحة ليهرب من لم تطله آلة القتل خلال تنفيذ الخطة “د” .
هذا الهروب ضمن بقاء القصص المروعة وتحولها لأساطير تتناقلها الأجيال عن الفرق المسلحة التي أصبحت بعد ذلك نواة “الجيش الذي لا يُقهر”، والمفارقة أن أغلب القادة في هذه التنظيمات حصلوا على مراكز حساسة في صنع القرار ونالوا العديد من الجوائز وأبرزها نوبل للسلام التي حصل عليها مناحم بيجن وشمعون بيريز وإسحق رابين.