نستكمل الجزء الثاني من مقالة: “المرأة المسلمة والتحديث العلماني في كتابات ما بعد الكولونيالية” ، حيث تتحدث الكاتبة في هذا الجزء عن واقع المرأة المسلمة في المجمتع العربي والتحديث العلماني المعاصر
نظرة على واقع المرأة المسلمة في المجتمع العربي اليوم
سجلت المجتمعات العربية أسوأ تقديرات في تقارير التمييز بين الرجل والمرأة بحسب تقرير “الفجوة بين الجنسين” الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي أواخر عام 2016.
هذا التقرير الذي يسلط الضوء على التمايز القائم على أساس النوع الاجتماعي في 144 دولة، منها 15 عربية، ويقدّم التقرير بيانات خاصة عن الفجوات والتمايز بين الذكور والإناث في أربعة مجالات أساسية هي: الصحة والتعليم والاقتصاد والسياسة.
فقد احتلت قطر المركز الأفضل عربيًا بترتيب 119 عالميًا وتليها الدول العربية الأخرى في أدنى القائمة، فينما احتلت اليمن المركز الأسوأ عالميًا وسجلت مصر المركز 132.
ولكن السؤال هنا هو: أي قانون يحكم العلاقة غير المتساوية بين الجنسين في المجتمع العربي؟ أهي قوانين تضعها الدولة أم تعاليم الدين أم أنها قوانين العرف والتقليد؟
في كتاب منى الطحاوي السابق ذكره وبعيدًا عن أن عنوان الكتاب كما الصورة المنشورة تحت المقال التي عرضت الطحاوي للانتقاد، حيث تم توجيه الاتهامات إليها بأنها ترسم صورة استشراقية تهاجم فيها الإسلام وتدعو إلى انتشار الرذيلة في المجتمع العربي والتخلي عن القيم العربية، ولكن لو قرأت المقال بتأنٍ أو حتى تصفحت الكتاب لوجدت أن الطحاوي تشرح بالتفصيل الأساليب المختلفة التي تستخدم في المجتمع العربي للتمييز بين الرجل والمرأة، وتصف سيطرة الثقافة الذكورية وقمع المرأة في ظل غياب القوانين المنصفة التي تحمي المرأة العربية وتساوي بينها وبين الرجل في الحقوق والواجبات.
انتقدت الطحاوي بصفة خاصة التمييز ضد المرأة العربية بسبب ما يعرف أنه “العرف والتقاليد” واللذين استخدما/يستخدمان الغطاء الديني وبدعم سياسي لبقاء المجتمع كما هو عليه، قوبل كتاب الطحاوي بالهجوم الشديد والإنكار الوقح لوضع المرأة العربية المخزي حتى من بعض النساء أنفسهن، رغم أن الطحاوي قد دعمت آراءها بالإحصاءات والتقارير عن التمييز الواضح بين الذكور والإناث في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وإن اختلفت درجات التمييز وأشكاله من بلد عربي إلى آخر.
فها هي إحدى الشابات المصريات اللواتي حضرن لقاءً للطحاوي تقول: “ما تقولينه يخالف حقيقتي وحقيقة صديقاتي، فأنا لم أكن يومًا ما مقهورة، عندما يطلب مني أبي أن أعود للمنزل مبكرًا فهو يحميني لا يكرهني”، هنا سألتها الطحاوي: كم عمرك، ومما يحميك أبوك الذي يحبك؟ وهل يطلب أبوك هذا أيضًا من أخيك؟
من الجدير ذكره هنا أن نسبة تمثيل الإناث في القضاء في مصر 1% تقريبًا، بينما في الأردن 18%، وفي تونس 40% وفي لبنان تصل إلى 50% حسب ما جاء على لسان الدكتورة مايا مرسي رئيس المجلس القومي للمرأة في جريدة الوطن 2016
لن أتطرق هنا لما ورد، ولكني أريد هنا أن أطلع القارئ على رأي الشاب العربي اليوم وبعد مرور أكثر من خمس سنوات على نشر مقال الطحاوي في المساواة بين الرجل والمرأة، فبحسب استطلاع الرأي لفئة من الشابات والشباب المتعلمين ممن تتراوح أعمارهم بين 20 و35 في كل من الشارع الأردني والمصري، بينهن محجبات وغير محجبات، قامت به إحدى القنوات التليفزيونية الناطقة بالعربية، كانت الأسئلة الموجهة لكل من الشباب والشابات هي: هل ترى تعارضًا بين الدين الإسلامي والاتجاه الليبرالي؟ أما السؤال الذي وجه للفتيات فكان: لماذا أنت ليبرالية؟
وفي النهاية تم توجيه السؤال التالي للشباب: هل توافق أن تكون زوجتك ليبرالية؟
إجابات الشباب والفتيات في معظمها كانت أنه لا يوجد تعارض بين الإسلام و/أو الإيمان وتبني الفكر الليبرالي، فكلاهما يدعم حق المساواة بين كل أفراد المجتمع، والليبرالية خير ضامن لمجتمع مدني حديث يرغب في تحقيق العدالة الاجتماعية للجميع، ولكن يبدو أن هذا “الجميع” لا يشمل بالضرورة المرأة، وبالأخص إن كانت “زوجة” كما جاء في التقرير.
فقد جاءت إجابات هؤلاء الشباب المتعلمين خريجي الجامعات متطابقة إلى حد مُذهل، فمعظم (جميع) هؤلاء الشباب يرفضون أن تكون الزوجة ليبرالية بمعنى أن لها نفس الحقوق والواجبات مثل الرجل كالعمل والمشاركة في صنع القرار.
ولكن اللافت للنظر في هذه الإجابات اليوم، على عكس الماضي، أنها لم تربط رفض المساواة في الحقوق بين الرجل والمرأة خاصة الزوجة هنا، بآيات قرآنية أو أحاديث نبوية، ففي الأردن يقول أحدهم: “أنا ضد أن تكون ليبرالية ليس لعدم التزامها بالدين ولكن بسبب مفهوم الليبرالية الذي يدعو لتفوق الشخص على حساب الآخرين”، أما آخر فأجاب: “إذا كنت مغتربًا وخارج الوطن نعم، أما في داخل الوطن لا، بسبب انتقادات الأهل…”، وقال ثالث: “أنا لا أقبل، لأنني أعتقد أن المرأة إن طالبت بحقوقها والمساواة مع الرجل سوف تفقد الكثير من حقوقها أو التعامل معها كمرأة”.
أما في مصر فلم تختلف الردود كثيرًا، فمثلًا أجاب أحدهم قائلًا: “لا، فهذا سوف يخلق الكثير من المشاكل، فسوف تعارض رأيي، فهي سترى نفسها مساوية لي”، وتابعه آخر: “أنا لا أقبل، لزوجتي الحق في المطالبة بحقوقها ولكنها ليست مثلي وإلا شعرت كأنني متزوج من صديق لي”.
التقاليد والأعراف لها تاثير يفوق تأثير الدين نفسه، وخاصة إذا تم الخلط بين ما هو تقليد وما هو دين لعقود بل ولقرون
من تعاليم الدين إلى تعاليم العرف والتقاليد
“كل تقاليد الأجيال الميتة تجثم ككابوس على عقول الأحياء” (كارل ماركس)، رغم التناقض الواضح الذي جاء في آراء كل الذكور هنا، فمن دعموا اعتناق المبادئ الليبرالية كأساس لبناء مجتمع عادل منتج رفضوا المساواة مع زوجاتهم، إلا أننا نلاحظ الفرق بين آراء العينة التي تمثل المجتمع الأردني عن تلك التي مثلت الشارع المصري، فنرى في الأولى أن هذا التمييز يرجع بصورة كبيرة لسيطرة الثقافة العشائرية الجماعوية على حساب استقلالية الفرد واختياراته بصورة أكبر منها في المجتمع المصري.
فالأول لا يرفض قيم المساواة بين الجنسين بالضرورة لأنها خطأ في رأيه ولكنه يخشى مواجهة المجتمع في حال خرج على ما اتفق عليه عرفًا، أما في المجتمع المصري الذي يعد مجتمعًا منفتحًا إلى حد كبير بالمقارنة مع مجتمع سعودي أو كويتي مثلًا، حيث استحال أخذ عينة من آراء الشابات والشباب في استطلاع الرأي هذا، فيبدو لي من تلك الآراء، أن التقاليد قد تسلطت بطريقة أكثر عمقًا وتجذرًا، وطبعت في مخيلة الرجل المصري أن له الحق في الأفضلية، وهو وحده من يستطيع القيادة دون شراكة مع زوجته فقط لكونها “أنثى”.
ولعل هذا الاختلاف هنا بين آراء المجتمعين عن المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق تذكرنا بالنقاش الحامي الذي دار في الشارع المصري بشأن تعيين المستشارة تهاني الجبالي في منصب قاضية عام 2003، رغم أن شيخ الأزهر أفتى قبل تعينها أن تولي النساء منصب القضاء أمر مقبول من الناحية الشرعية.
ومن الجدير ذكره هنا أن نسبة تمثيل الإناث في القضاء في مصر 1% تقريبًا، بينما في الأردن 18%، وفي تونس 40% وفي لبنان تصل إلى 50% حسب ما جاء على لسان الدكتورة مايا مرسي رئيس المجلس القومي للمرأة في جريدة الوطن 2016.
لكي ألخص هنا ما سبق ، يبدو لي من تلك الصورة أن التقاليد والأعراف (وكما وضحت العديد من النسويات المسلمات أمثال ليلى أحمد وفاطمة المرنيسي وغيرهن في نقدهما للتمييز بين الجنسين في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا)، لها تاثير يفوق تأثير الدين نفسه، وخاصة إذا تم الخلط بين ما هو تقليد وما هو دين لعقود بل ولقرون، وهو ما يصعب من عملية التغيير في اتجاه ثقافة مجتمعية تشجع المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة في المجتمعات الشرقية، إلا أن هذا كله يعني أن تلك الصورة عن التمييز ضد المرأة في المجتمع العربي اليوم تدعو للتشاؤم.
الديمقراطية الأوروبية التي يدعو إليها الليبرالي العربي أجبرت المحجبة على نزع حجابها
فالتعليم والفضاء المفتوح الذي أتاح ويتيح للشاب العربي الاطلاع على تفسيرات وقراءات متعددة للنص الديني اليوم لم تكن متاحة لأجيال سابقة اعتمدت على مناهج مدرسية أو دعاة ذوي ثقافة متحيزة ضد المرأة المسلمة/العربية، مدعين أن ما يقولونه هو ما أراده الله، يستطيع أيضًا تحدي تلك الأعراف المجحفة بحق المرأة، ولكن يتطلب من المرأة العربية/المسلمة أيضًا الاستمرار برفع صوتها عاليًا مطالبة بحقوقها، والمكافحة لانتزاع الحقوق التي منحها الله إياها وسلبها إياها المجتمع باسم العرف والتقاليد.
ثانيًا: على الليبرالي العربي/المسلم ألا يجرنا إلى خطاب عنصري زائف، يربط فيه الحجاب بالتمييز ضد المرأة وأن يساعدنا على معالجة جذور المشكلة وليس قشورها، فالمساواة بين الجنسين لن تحل إن خلعت المرأة المسلمة حجابها في الشرق الأوسط، وإلا كانت قد انتهت تلك المشكلة حين دعمت المجتمعات العربية خلع الحجاب في بعض الدول، وحظرت ارتداءه في بلاد أخرى، أو كنا لسنا بحاجة الآن للحديث عن تلك المشكلة بين غير المحجبات مثلًا في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فتونس التي حُظر فيها ارتداء الحجاب لعقود احتلت المركز 126 عالميًا فيما يخص النساء.
كما أن الديمقراطية الأوروبية التي يدعو إليها الليبرالي العربي أجبرت المحجبة على نزع حجابها، الليبرالية حق الجميع في الاختيار الحر، ودعم الاختلاف دون الرجوع لجنس أو عرق أو دين، وليست أن تختار كل النساء ما تعتقد أنت عزيزي العربي الليبرالي أنه يمثل الاختيار الوحيد الحر، إما أن تساعدني على خلق قوانين وثقافة اجتماعية تحقق العدالة للجميع ولا تدعم فرض هيمنة للرجل العربي على المرأة المسلمة في الشرق وهيمنة الرجل الأوربي وعنصريته عليها في الغرب أو أفضل لك أن تصمت/ي ولا تتحدث/ي المرأة المسلمة “المحجبة”.