ترجمة وتحرير: نون بوست
يتمتع الشرق الأوسط بقدرة كبيرة على جذب القوى الخارجية إلى صراعاته. كما أثبتت مغامرة الصين في المنطقة مدى صعوبة الحفاظ على مبدئها بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى. ويتجلى تخلي الصين عن مبدأ عدم التدخل في جهود الوساطة التي تكرسها في الصراع الدائر جنوب السودان وسوريا وأفغانستان، وفي وساطتها بين “إسرائيل” وفلسطين، وحتى بين السعودية وإيران.
لكن، يبدو تنكر الصين لوعدها بعدم تأسيس قواعد عسكرية خارج أراضيها واضحا من خلال بنائها لأول قاعدة عسكرية لها في جيبوتي، وفي التقارير التي تكشف أنها تنوي استخدام ميناء غوادر الباكستاني في المياه العميقة، كمنشأة عسكرية.
في الواقع، يعني هذا التناقض بين سياسة الصين ومبادئها قديمة العهد باتباع سياسة عدم التدخل، أن بكين في الغالب عاجزة عن تحقيق توقعاتها مع دول الشرق الأوسط. كما يعني أيضا أن الصين تخاطر بإقحام نفسها في العقد السياسية لدول مثل باكستان، موطن جوهرة التاج لمبادرة “الحزام والطريق”، الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان.
في المقابل، حاول المستبدون في الشرق الأوسط تبني النموذج الاقتصادي الليبرالي الصيني بالتزامن مع سيطرة سياسية مشددة. وهم يرون أن المبدأ المعلن للصين بعدم التدخل في شؤون الآخرين دعم للحكم الاستبدادي. وفي الحقيقة، يتشابه مبدأ هذه السياسية تماما مع سياسة الولايات المتحدة في العقود الماضية بتفضيلها الاستقرار على الديمقراطية في الشرق الأوسط.
سنة 2017، قررت الصين إعادة تطوير معاييرها لتمويل مشاريع البنية التحتية لمبادرة الحزام والطريق. ويبدو أن هذه الخطوة كانت محاولة لتعزيز حصة الجيش الباكستاني في اقتصاد البلاد
في الوقت الحالي، يبدو من الخطر على الولايات المتحدة والصين التدخل في شؤون المنطقة بالنظر إلى التاريخ اللاحق للربيع العربي مع الانتقالات الوحشية والعنيفة في الغالب. وإذا كان الأمر كذلك، فإنه عوض أن توفر الصين والولايات المتحدة الأمريكية شيئا من الاستقرار من خلال سياساتهما، فإن المنطقة لا تزال في بداية عملية الانتقال الذي قد يستغرق ربع قرن لبلوغ الاستقرار، ولا ضامن بأن يخرج المستبدون فائزين.
مقارنة بالولايات المتحدة الأمريكية، تمتلك الصين اليوم اليد العليا حيال التأثير في الشرق الأوسط. ولكن، تهدد سياسات الصين الحالية بأن تجعل هذه الميزة قصيرة المدى في أحسن الأحوال. فقد تبين أن المشاريع التي مولتها الصين في علاقة بمبادرة “الحزام والطريق” سلاح ذو حدين؛ حيث تتزايد المخاوف في بلدان مثل باكستان، من أن يكون الاستثمار الصيني الضخم مصيدة ديون مثل ما حصل في تجربة سريلانكا.
ستنجح السعودية حتما في إقحام الصين في الصراع السعودي الإيراني، وفي جعل منافستها مع الولايات المتحدة على أشدها
بناء على ذلك، تشير سياسة التسويف التي يتوخاها الصينيون في العديد من مشاريع البنية التحتية الباكستانية، إلى أن الصين تقوم بتعديل نهجها تجاه الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني الذي تبلغ تكلفته 50 مليار دولار أمريكي. ويعزى تردد الصين إلى التقلب السياسي الناجم عن سياسة باكستان ذاتية المصلحة واستمرار العنف السياسي، وخاصة في محافظة بلوشستان التي تقع في قلب مبادرة الحزام والطريق.
في تشرين الثاني/ نوفمبر من سنة 2017، قررت الصين إعادة تطوير معاييرها لتمويل مشاريع البنية التحتية لمبادرة الحزام والطريق. ويبدو أن هذه الخطوة كانت محاولة لتعزيز حصة الجيش الباكستاني في اقتصاد البلاد، في الوقت الذي يستعرض فيه عضلاته ردا على التقلبات السياسية. كما يشير قرار الصين إلى أنها لا تعارض تشكيل البيئة السياسية للدول الرئيسية وفق قالبها الاستبدادي.
بالمثل، كانت الصين على استعداد للتلاعب بباكستان ضد خصومها من أجل تحقيق مكاسبها الخاصة؛ إذ تواصل الصين حماية مسعود أزهر، الذي يُعتقد أن له علاقات وثيقة بوكالات المخابرات الباكستانية والقوات العسكرية، من تصنيف الأمم المتحدة له على لائحة الإرهابيين. وتعمل الصين على هذه المسألة، في الوقت الذي تشن فيه باكستان هجماتها على المسلحين ردا على تعليق الولايات المتحدة للمساعدات، وزيارة الرقابة التي يسلطها مجلس الأمن الدولي.
باتت الصين قاب قوسين أو أدنى من اكتشاف حقيقة أنه من المستحيل تجنب عثرات الشرق الأوسط الكبير
إلى جانب ذلك، إن استخدام باكستان للمسلحين، في نزاعها مع الهند حول كشمير، يخدم مصلحة الصين في الحفاظ على عدم التوازن في الهند، وهو الهدف الذي تعتبره بكين ذا قيمة على الرغم من أن المواطنين والأصول الصينية كانت هدفا ضئيلا للتمرد في بلوشستان.
بالنسبة للسعودية، تعتبر بلوشستان أيضا قاعدة انطلاق لزعزعة استقرار إيران. فمن خلال إثارة الاضطرابات العرقية في إيران، ستنجح السعودية حتما في إقحام الصين في الصراع السعودي الإيراني، وفي جعل منافستها مع الولايات المتحدة على أشدها، خاصة وأن واشنطن تساند الدعم الهندي المقدم لميناء تشابهار الإيراني، الذي يقع على بعد 70 كيلومترا من غوادر.
من هذا المنطلق، باتت الصين قاب قوسين أو أدنى من اكتشاف حقيقة أنه من المستحيل تجنب عثرات الشرق الأوسط الكبير؛ على الرغم من أن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، وولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، يركزان بشكل فردي على مواجهة إيران والمسلحين الإسلاميين.
بينما تتحرك الصين بين الألغام الأرضية في المنطقة، من المحتمل أن تجد نفسها على خلاف مع كل من الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية. ولكن، سيكون لها على الأقل مصلحة مشتركة في السعي إلى تحقيق الاستقرار السياسي على حساب التغيير. وأيا كان تصرفها حيال هذا الشأن، فسيكون ذلك انتهاك صارخا لالتزامها المعلن بعدم التدخل.
المصدر: مودرن دبلوماسي