الممرات التجارية ومحاولات احتكار أسواق الحاضر

تمثل الطرق التجارية بمختلف مساراتها البرية والجوية والبحرية حجر الزاوية في الحياة البشرية منذ القدم، فكانت أغلب التجارة العالمية تمرّ من طريق الحرير وطريق البخور وطريق العنبر وطريق الخيول والشاي وطريق الكهرمان، ومن كان يسيطر عليها فقد امتلك مفاتيح النفوذ والقوة للخريطة الجيوسياسية العالمية، وهو ما يفسر حجم الحروب والصراعات الدائرة حولها.

تسعى الدول الكبرى من خلال السيطرة على الممرات والطرق التجارية، إلى تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية وعسكرية مختلفة في مجالات التكنولوجيا والتجارة والنفوذ الإقليمي والعالمي، وبرزت في السنوات الأخيرة مشروعات مختلفة في هذا السياق، كان منها “مبادرة الحزام والطريق” و”الممر الاقتصادي” و”طريق التنمية”.

نظرًا لأهمية هذه الطرق التجارية ودورها في إعادة تشكيل التحالفات السياسية والمصالح الاقتصادية، خصصنا ملفًا بعنوان “بوابات النفوذ” لرصد أبرز تلك الممرات وأهميتها للأطراف الفاعلة الرئيسية وتأثيرها على المنافسين ونتائجها في الميزان التجاري والساحة السياسية.

التجارة العالمية

في السنوات الـ5 الأخيرة عرفت سلاسل الإمداد العالمية مشكلات وصعوبات كثيرة، متأثرة بجائحة كورونا التي دفعت دول العالم إلى غلق حدودها واتباع سياسات حمائية، ومتأثرة أيضًا بالحرب الروسية الأوكرانية التي هددت الأمن الطاقي العالمي.

نتيجة ذلك تراجع الاقتصاد العالمي وتباطأت التجارة، ففي سنة 2023، حققت التجارة العالمية نموًا بنسبة 0.2% فقط، وهي أبطأ وتيرة منذ 50 عامًا، وكان لهذا الأمر تأثيرات سلبية على مستوى معيشة الناس في أنحاء العالم.

لكن توقعات المؤسسات الدولية الكبرى ومنها منظمة التجارة العالمية كانت أكثر إشراقًا بالنسبة لعام 2024، ورأت بعض التقديرات أن معدل النمو التجاري العالمي سيرتفع إلى ما يتراوح بين 2.7% و3.5%، إلا أن هذه المؤسسات عادت مرة أخرى لتعديل توقعاتها وخفضها مجددًا نتيجة تأثيرات الحرب الإسرائيلية على غزة.

إذ أدت الحرب الهمجية إلى تعطل سلاسل الإمداد على مستوى البحر الأحمر وتحديدًا باب المندب، ومن المتوقع أن تزيد الضغوط على الاقتصادات العالمية والإقليمية، إذا استمرت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وفق رئيسة منظمة التجارة العالمية نجوزي أوكونجو إيويالا.

وكرد فعل على المجازر الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، بدأت جماعة الحوثي في اليمن بشن هجمات ضد سفن تجارية في البحر الأحمر وبحر العرب لها ارتباط بالكيان الإسرائيلي، وهو ما أدى إلى تعطل حركة التجارة العالمية في مضيق باب المندب وقناة السويس.

وتفيد تقارير صندوق النقد إلى ارتفاع كلفة الشحن المار بمضيق باب المندب بنسب وصلت إلى 170% نتيجة هجمات جماعة الحوثي، حيث دفع هذا التوتر السفن التجارية المتجهة إلى أوروبا إلى تغيير مسارها لرأس الرجاء الصالح جنوب القارة الإفريقية، ما أدى إلى زيادة أوقات التسليم بمعدل 10 أيام وأكثر.

الإضرابات لم تقتصر على البحر الأحمر وبحر العرب فقط، وإنما شملت أيضًا البحر الأسود نتيجة تواصل المواجهات بين روسيا وأوكرانيا، وأيضًا قناة بنما التي تأثرت بفعل الجفاف وانخفاض منسوب المياه في بحيرة غاتون التي تعتمد عليها القناة، وتستحوذ هذه الأخيرة على 5% من حجم التجارة العالمية.

كما أن بحر الصين الجنوبي معني أيضًا بهذه الإضرابات والتوترات، بسبب المناوشات الصينية الفلبينية التي تحدث بين الفينة والأخرى، وذلك في إطار النزاع بين مانيلا وبكين بشأن منطقة توماس شول الثانية.

تُسيطر الممرات المائية على 61% من إنتاج العالم من البترول والسوائل النفطية الأخرى، أي ما يعادل 58.9 مليون برميل يوميًا.

تبرز تلك المعطيات أهمية الممرات والطرق التجارية في الاقتصاد العالمي، فإن استقرت استقر الاقتصاد بدرجة كبيرة، ونتيجة لذلك تبنت القوى الكبرى والإقليمية استراتيجيات للحفاظ على سلامة هذه الممرات الحيوية وضمان التدفق السلس والآمن لحركة التجارة العالمية وسلاسل الإمداد ومنع حدوث أي إضراب قد يؤثر على عمل هذه الممرات، ما يُعزز الاستقرار الاقتصادي والسياسي على المستوى الدولي.

حتى إن كان يستدعي ذلك اللجوء إلى القوة العسكرية، فمؤخرًا أرسلت الولايات المتحدة الأمريكية تعزيزات عسكرية إضافية للبحر الأحمر، وبالتوازي مع ذلك أطلقت عملية متعددة الجنسيات لحماية التجارة في البحر الأحمر، في أعقاب سلسلة الهجمات الصاروخية التي شنها الحوثيون على السفن المرتبطة بالكيان الإسرائيلي.

أهمية الممرات التجارية

تعد المضايق والممرات البحرية بشكل عام شرايين التجارة والاقتصاد العالمي، وأي تهديد يؤثر في أمنها يؤثر بالتبعية وبشكل مباشر في الأمن القومي لكل دول العالم بما يمثله من تأثير كبير في حركة التجارة العالمية وسلاسل الإمداد.

ويتقاطع أمن الممرات التجارية مع العديد من أبعاد الأمن القومي والعالمي، أهمها: أمن الطاقة، والأمن الغذائي، وهو ما يفسر اهتمام الدول الكبرى بها، فمن الطبيعي أن تصوب كل قوة أنظارها نحو تلك الممرات لتأمينها بالشكل الذي يؤمِّن مصالحها ومصالح حلفائها.

ووفق بيانات صادرة عن المنظمة البحرية الدولية، فإن 90% من السلع المتداولة عالميًا يتمّ شحنها عبر البحار، بينما تُسيطر الممرات المائية على 61% من إنتاج العالم من البترول والسوائل النفطية الأخرى، أي ما يعادل 58.9 مليون برميل يوميًا.

وفي إطار التنافس والصراع، اضطرت بعض القوى لإنشاء طرق تجارية جديدة تُغنيها عن استعمال طرق منافسيها، وقادت هذه المحاولات أطراف كثيرة على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية والصين والاتحاد الأوروبي وتركيا والهند، فضلًا عن روسيا وبعض الدول العربية على غرار العراق.

الأطراف الفاعلة

الولايات المتحدة

تعد الولايات المتحدة الأمريكية أبرز الأطراف الرئيسية الفاعلة في ملف الممرات التجارية رغم أن هذه الممرات لا تمر عبر أراضيها، إلا أنها تصب جل اهتمامها على هذه الطرق لضمان نفوذها الدولي وسيطرتها على التجارة العالمية.

تنشر الولايات المتحدة جنودها وآلياتها العسكرية حول العالم لتأمين سيطرتها على هذه الممرات، إذ تقوم مثلًا بحماية وتأمين قناة السويس عن طريق قطع الأسطول السادس الأمريكي المنتشر في البحر المتوسط، وقواعدها العسكرية، البحرية والجوية، المنتشرة بكثافة بشرق المتوسط في كل من اليونان وتركيا وقبرص وشرق أوروبا، كما انخرطت في عملية حلف الناتو للمراقبة الدائمة للممرات البحرية الحيوية في البحر المتوسط.

وتقود واشنطن أيضًا القوات البحرية المشتركة (سي.إم.إف) من البحرين التي تستضيف مقر الأسطول الخامس الأمريكي، وتحاول بذلك تأمين حرية التنقل في البحر الأحمر وبحر العرب، ويضم البحر الأحمر مضيق باب المندب الذي يعدّ أحد أهم المسارات المائية في العالم لشحنات السلع العالمية المنقولة بحرًا، وخاصة النفط الخام والوقود.

لا تقتصر الولايات المتحدة على إحكام سيطرتها على هذه الممرات المائية فقط، إنما تمتد أيضًا لأغلب الممرات التي تمر عبر أراضي حلفائها، إذ ترى أن حرية التنقل في هذه الممرات مصلحة أمنية ووطنية حيوية، وأن حماية هذه الممرات جزء أساسي من الدور الذي تلعبه في العالم، وهو الدور الذي غالبًا ما تلعبه القوة المهيمنة العالمية.

ومؤخرًا، رأت واشنطن أن سيطرتها على الممرات التجارية الرئيسية في العالم مهددة نظرًا لسعي بعض القوى الإقليمية والدولية إلى إنشاء ممرات جديدة تُغنيها عن الممرات القديمة، فبادرت هي الأخرى إلى إنشاء ممرات جديدة لإثبات قوتها وسيطرتها.

الصين

تعد الصين المنافس الأبرز للولايات المتحدة في أغلب المجالات بما في ذلك ملف الممرات التجارية، ففي سنة 2013 أطلقت بكين مبادرة “الحزام والطريق”، ويسمى أيضًا طريق الحرير الجديد، نسبة إلى طريق الحرير القديم الذي كان يربط بين وسط وشرق وجنوب وجنوب شرق آسيا وبين الشرق الأوسط وشرق إفريقيا وجنوب أوروبا.

تقول السلطات الصينية إنها وقّعت وثائق تعاون تتعلق بمبادرة الحزام والطريق مع أكثر من 150 دولة، وأكثر من 30 منظمة دولية، وتشمل المبادرة بناء موانئ ومطارات وطرقات وسكك حديدية ومناطق صناعية لتكون أكبر مشروع بنية تحتية في تاريخ البشرية.

يعتبر هذا المشروع، المبادرة الصينية الأبرز لنشر النفوذ الاقتصادي والجيوسياسي، فبكين تطمح أن تصبح قوة عالمية تتفوق على الولايات المتحدة، ورأت في إنشاء ممر تجاري جديد يسيطر على التجارة العالمية أبرز وسيلة لذلك.

وقد تمكنت بكين بالفعل بفضل مبادرة الطريق والحزام من زيادة علاقاتها السياسية والتجارية مع دول الشرق الأوسط وإفريقيا وأوروبا، كما زاد نفوذها في العالم بشكل ملحوظ، ويتوقع أن يزداد هذا النفوذ أكثر بمرور الوقت.

إيران

من جهتها، تولي إيران أهمية خاصة للممرات التجارية الدولية لموقعها الاستراتيجي والمفيد في هذه الممرات، فهي تجاور 15 دولة، ما يسهل الوصول إلى أسواق آسيا الوسطى والقوقاز ودول جنوب الخليج العربي، كما أنها توجد جغرافيًا على تقاطع 3 قارات (آسيا وأوروبا وإفريقيا)، أي أنها تربط بين شمال وجنوب وشرق وغرب العالم.

ميزة إيران لا تقتصر على موقعها الجغرافي، وإنما أيضًا على امتلاكها ثروة طاقية هائلة وقدرتها على الوصول إلى مصادر الطاقة في الشمال والجنوب من جانب، والمياه الإقليمية من الجانب الآخر، أي أنها تقتصر على مسافات كبيرة، فضلًا عن امتلاكها موانئ عديدة وكبيرة وشبكات للنقل البري والسكك الحديدية الممتدة إلى حدود دول الجوار.

وفي ظل العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها من القوى الغربية، ترى طهران إمكانية أن يكون “الترانزيت” بديلًا مناسبًا للعائدات النفطية، لذلك تعمل على تفعيل جميع خطوط النقل التي تمر بأراضيها، فأكثر من 5 ممرات دولية تمر عبرها.

وتعتبر إيران حاليًا عنصرًا فاعلًا في العديد من الممرات الدولية الناشئة، ومنها طريق الحرير الذي أطلقته الصين عام 2013، وممر شمال – جنوب الذي يربط بين الهند وروسيا، وممر تراسيكا الذي يمثل جسرًا بين دول آسيا الوسطى والقارة الأوروبية، إلى جانب ممرات أخرى لم تفعل بالكامل.

كما يمنح تحكم إيران بمضيق هرمز قوة كبيرة لطهران، ويربط المضيق الواقع بين عمان وإيران، الخليج العربي بخليج عمان وبحر العرب، ويعد أهم ممر للنفط في العالم، ففي عام 2022، بلغ متوسط تدفق النفط 21 مليون برميل يوميًا عبر المضيق، أو ما يعادل نحو 21% من الاستهلاك العالمي للسوائل البترولية، بحسب بيانات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، كما يُشكل ممرًا مهمًا لنقل السلع الأساسية في العالم مثل الحبوب والحديد الخام والأسمنت.

وتستغل طهران هذه الإمكانيات والخصائص للخروج من العزلة الدولية وإنعاش اقتصادها، إذ تخلق لها ثقلًا سياسيًا واقتصاديًا وتجاريًا مهمًا في وقت تتزايد فيه العقوبات الغربية المفروضة ضدها.

الاتحاد الأوروبي

قديمًا كانت الدول الأوروبية المسيطرة على أغلب الممرات التجارية في العالم، إلا أن دورها في العقود الأخيرة وخاصة منذ الحرب العالمية الثانية بدأ في الانحسار لصالح الولايات المتحدة وقوى دولية وإقليمية أخرى على غرار الصين.

وحاليًا يشرف الاتحاد الأوروبي على دوريات مشتركة في البحر المتوسط لتأمين عبور السفن التجارية هناك، كما يقود عملية “أكتيف إنديفور” التي انطلقت سنة 2003 وتشمل إجراءات خاصة تسمح للقوات المسلحة باعتلاء البواخر المختلفة، بما في ذلك المدنية منها.

ورغم أن أغلب السلع والبضائع وجهتها أوروبا، فإن الدول الأوروبية مجرد مشارك في أغلب الممرات ولا تمتلك السيطرة والتحكم فيها، لعجزها عن بلورة موقف موحد وتباين مصالحها، ما يجعلها ضعيفة أمام أخطار تهددها في قلب جغرافيتها.

مصر

تستمد مصر أهميتها من أهمية قناة السويس – التي افتتحت عام 1869 – ويحتل هذا الممر المائي الاصطناعي مكانة استراتيجية في حركة الشحن البحري، إذ تعد قناة السويس من أهم القنوات والمضايق حول العالم، وهي أقصر طرق الشحن بين أوروبا وآسيا، ويبلغ طولها 193 كيلومترًا بدءًا من ميناء بورسعيد ووصولًا إلى السويس، ما يجعلها أطول ممر مائي في العالم.

وتؤمّن القناة عبور 10% إلى 15% من حركة التجارة البحرية الدولية، وتعتبر مصدر دخل حيوي لمصر والمصدر الأول للعملة الأجنبية، وبلغت إيراداتها في العام المالي 2022-2023، 9.4 مليار دولار، وهي أعلى إيرادات سنوية تسجلها، وبزيادة قدرها نحو 35% عن العام السابق.

وخشية الاضطرابات والتوترات المتواصلة في المنطقة عملت الدول الكبرى على رأسها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على إيجاد ممرات جديدة أكثر أمنًا، إلا أن مصر تشكك في هذه الجهود وتصر على عدم وجود أي ممر تجاري يمكن أن ينافس قناة السويس ويأخذ مكانها.

تركيا

تركيا رقم صعب في خريطة الممرات التجارية العالمية، إذ يمر منها “الممر الأوسط” بين الصين وأوروبا الذي يعد أحد الممرات الرئيسية الـ6 لمبادرة الحزام والطريق الصينية، وبرز هذا الممر عقب الحرب الروسية ضد أوكرانيا وفقدان الممر الشمالي المار عبر روسيا أهميته في نقل البضائع من الصين إلى أوروبا.

ويعد الممر الأوسط المار عبر تركيا، أقصر مسافة وأقل وقتًا وتكلفة إذا ما قورن بالممرين الشمالي والجنوبي، إلا أن بحر قزوين يعد عائقًا طبيعيًا أمام هذا الممر، ويتطلب من تركيا وحلفائها القيام بالعديد من الاستثمارات الجديدة حتى يكون لهذا الممر جدوى أكبر.

كما تسعى تركيا لإحياء ممر زنغزور الواقع بينها وبين أذربيجان مرورًا بأرمينيا، لتعزيز مكانتها الإقليمية وتطوير علاقتها مع العالم، ومن شأن هذا الممر إن تم فتحه، أن يجعل تركيا مركزًا لوجستيًا مهمًا في المنطقة، ولاعبًا أساسيًا في التجارة العالمية التي تمر عبر الأراضي الأوروآسيوية.

وتحرص أنقرة على الانضمام لأغلب الممرات التجارية في المنطقة، لأهميتها في تقوية نفوذها الإقليمي، وتستغل في ذلك جغرافيتها المميزة وامتلاكها شبكة نقل بحري وبري وجوي متطورة وقدراتها الإنتاجية المهمة.

الهند

فاعل جديد انضم خلال السنوات الأخيرة إلى الدول المنافسة على الممرات التجارية العالمية، الهند التي تسعى الولايات المتحدة لضمها إلى صفها في صراعها المتواصل ضدّ الصين.

تقود الهند ممر النقل الدولي شمال – جنوب الذي تم إنشاؤه بموجب الاتفاقية الموقعة بين روسيا وإيران والهند في 12 سبتمبر/أيلول 2000، وفي السنوات التالية، انضمت 10 دول أخرى، بما في ذلك أذربيجان وتركيا، إلى هذا المشروع.

وقبل نحو سنة أعلنت واشنطن من نيودلهي عن مشروع ممر جديد يبدأ مساره من مومباي بالهند ويصل الشرق الأوسط وأوروبا، بهدف زيادة التجارة وتوفير موارد الطاقة وتحسين الاتصال الرقمي، ووقع على الاتفاق إلى جانب الهند والولايات المتحدة، فرنسا وألمانيا وإيطاليا والسعودية والإمارات.

ويختصر هذا المسار في حال تنفيذه طريق التجارة بين الهند وأوروبا بنسبة 40%، أي أنه سيكون له شأن كبير في خريطة الممرات التجارية العالمية، وسيساهم في تنامي نفوذ الهند ويمنحها أوراق ضغط إضافية.

العراق

من جانبه يطمح العراق في أن يكون فاعلًا مهمًا في خريطة الممرات التجارية، خاصة أنه يعد نقطة تواصل بين القارة الأوروبية وأسواق الخليج وآسيا، وقديمًا كان العراق مركزًا لممرات التجارة الدولية التي تسير عبره برًا من قلب أوروبا إلى أسواق الجوار وآسيا بحرًا عبر الخليج وبالعكس.

ويأمل العراق في استعادة أمجاد الماضي، حتى يكون مجددًا نقطة جذب تجاري مثالية، وهو ما يفسر اهتمامه بإقامة مشروعات عملاقة تخص التجارة العابرة للحدود والانفتاح أكثر نحو الأسواق المفتوحة، والاندماج في الاقتصاد العالمي، وتوسيع قطاعات الخدمات.

ويسوق العراق حاليًا لمشروع ممر تجاري تحت اسم مشروع “طريق التنمية”، وسيتضمن المشروع ميناء الفاو الكبير وطرقًا سريعة وسككًا حديدية، وخطوطًا لنقل الطاقة تمتد من أقصى الجنوب العراقي وصولًا إلى الحدود العراقية التركية في فيشخابور، بتكلفة تبلغ 17 مليار دولار، على أن يتم إنجاز المشروع على 3 مراحل تنتهي الأولى عام 2028، والثانية عام 2033، والثالثة عام 2050.

روسيا

من أبرز الأطراف الفاعلة في ملف الممرات التجارية، نجد روسيا التي يمر عبرها ممر شمال – جنوب، الذي يمكن موسكو من الوصول الدائم إلى المياه الدافئة، عبر شبكة من الطرق البرية والسكك الحديدية وخطوط الملاحة البحرية.

زاد هذا الممر من قوة العلاقات بين روسيا وإيران والهند ودول آسيا الوسطى والقوقاز، حيث يربط الممر عبر الأراضي الإيرانية بين عاصمة روسيا الشمالية، مدينة وميناء سان بطرسبورغ، والعاصمة المالية والتجارية للهند بومباي.

ونتيجة العقوبات الغربية المفروضة عليها، شرعت روسيا في بناء مسارين تجاريين جديدين للنقل يربطان آسيا وأوروبا، وذلك سعيًا منها لإضعاف هذه العقوبات، لذلك تعمل على تقوية تحالفاتها مع الصين وإيران وتركيا، وبدرجة أقل مع الهند التي يبدو أنها اختارت الاصطفاف إلى جانب الغرب.

نتيجة اهتمام الدول بإنشاء مشروعات عملاقة عبر تسخير الحدود والممرات لمصالحهم الاقتصادية والسياسية والأمنية، نمت العديد من الصراعات بين القوى الإقليمية والعالمية، ما يفسر تعطل العديد من تلك المشروعات، رغم أنها كانت في نفس الوقت فرصة لفتح آفاق وأبواب الازدهار الاقتصادي والتوازن الجيوسياسي في العالم.