تم رسميًا تعيين البريطاني مارتن غريفيث مبعوثًا أمميًا خاصًا إلى اليمن خلفًا للموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد، ليكون بذلك ثالث وسيط خلال سبع سنوات يُكلف بإدارة ملف النزاع اليمني.
غريفيث يدير المعهد الأوروبي للسلام في بروكسل وله من الخبرة السياسية ما تؤهله أن يتولى مهمة وسيط أممي، لكن ليس في اليمن، ولن نكون متفائلين بنجاح مهمته إلى اليمن وفي نفس الوقت لن نفرط في التشاؤم، وسنحاول في هذا الموضوع تشخيص المرحلة المقبلة لا سيما بعد دعوة الحوثيين المتكررة إلى الحوار مع السعودية من أجل إنهاء الصراع.
قبل أيام من تعيين البريطاني مارتن غريفيث الذي بات يعرف لدى الوسط اليمني بأنه الصديق الدولي الوحيد للحوثيين، نتيجة لتصريحاته السابقة عندما كان برفقتهم في صنعاء متفقدًا الأخطاء القاتلة للتحالف العربي التي تقوده المملكة العربية السعودية في حربها باليمن، قالت وحدة الاستخبارات التابعة لمجموعة الإيكونومست البريطانية – وهي أكبر شركات الاستخبارات التابعة للقطاع الخاص في العالم – في أحدث تقاريرها إن الحرب في اليمن من المتوقع استمرارها حتى 2022.
ومع النشاط العسكري المتواصل والحشد المستمر ومقتل علي عبد الله صالح وانحصار الحوثيين في زواية واحدة، توافق ما ذهبت إليها وحدة الاستخبارات التابعة لمجموعة الإيكونومست، بأن الحرب في اليمن ستمتد لأبعد مدى، ويلوح الأمر إلى انسداد الأفق أمام أي حلول قريبة لها، ليس بفعل المتحاربين اليمنيين فقط، وإنما بسبب الأطراف الخارجية التي تتحكم بمسار المعركة.
ترحيب حكومي وحوثي
على مستوى الحوثيين، فهم يأملون أن تنتهي الحرب في أقرب وقت، بعد أن أدوا دورهم خلال الفترة الماضية في القضاء على علي عبد الله صالح وتمزيق اليمن، إضافة إلى تأهيل الشعب اليمني أن يكون مستعدًا للحكم الحوثي والتشييع، بعد أن عجز أيضًا التحالف في القضاء عليهم خلال فترة الثلاث سنوات الماضية، ولم يستغل الثوران الشعبي والقبلي ضدهم لتسجيل أي اختراق عسكري في جدارهم الذي يتصلب كلما تمكن الحوثيون من الصمود أكثر في وجه الآلة العسكرية المتطورة التي يمتلكها التحالف العربي.
رحبت الحكومة اليمنية بقرار أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بتعيين مارتن غريفيث مبعوثًا خاصًا إلى اليمن خلفًا لإسماعيل ولد شيخ أحمد الذي ينتهي عقده مع نهاية فبراير الحاليّ
ولهذا كانت الجماعة الحوثية المدعومة من إيران، أول من رحبت بمارتن غريفيث كمبعوث أممي لليمن، وأعربت عن تفاؤلها بالمبعوث الجديد للأمين العام للأمم المتحدة، وقالت بأنه سيكون عاملاً إيجابيًا للوصول للتسوية السياسية المنشودة باتجاه السلام المستدام والعمل بشكل حيادي ومهني.
وتتحدث الجماعة الحوثية عن الشكل الحيادي، خشية من أن ينحاز فيما بعد المبعوث الجديد إلى قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بالشأن اليمني، التي تلزم الحوثيين بالاستسلام الكامل إما سياسيًا أو بالعمل العسكري، وتلك من الأسباب التي جعلت الحرب تمتد حتى يومنا هذا.
فلا التحالف أو القوات الموالية للرئيس عبد ربه منصور هادي اعتزموا مواصلة التحرير بالهمة نفسها، ولا الحوثيون استطاعوا استعادة مناطق خسروها أو التقدم نحو العمق السعودي أكثر، لا سيما بعد أن قضوا على شريكهم في التحالف الداخلي الذي كان يبعث الطمأنينة أحيانًا للمقاتلين ويزرع العزيمة في روحهم ليستمروا في القتال، وأصبح الحوثيون في الوقت الحاليّ في حالة انهزام وتراجع عسكريًا وشعبيًا.
في المقابل، رحبت الحكومة اليمنية بقرار أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بتعيين مارتن غريفيث مبعوثًا خاصًا إلى اليمن خلفًا لإسماعيل ولد شيخ أحمد الذي ينتهي عقده مع نهاية فبراير الحاليّ.
وقال مندوب اليمن الدائم لدى الأمم المتحدة خالد اليماني في رسالة بعثها إلى الأمين العام: “لا يمكن تحقيق السلام والحل السياسي المستدام في اليمن إلا عبر الالتزام بمرجعيات السلام الثابتة في الأزمة اليمنية والمتمثلة في المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية ومخرجات الحوار الوطني وقرارات مجلس الأمن ذات الصِّلة وعلى وجه الخصوص القرار 2216 الذي يعكس إدراك المجتمع الدولي لجوهر المشكلة في اليمن التي ترتبت عن انقلاب المليشيا الحوثية المدعومة من إيران على الدولة اليمنية”.
ودعا اليماني في رسالته مجلس الأمن أن يعمل على إنفاذ قراراته ذات الصِّلة بالشأن اليمني وأن ينصاع الحوثيون للقرارات الدولية وألا يكافأوا على جرائمهم ضد الإنسانية حتى لا تتمادى العصابات والمليشيا المسلحة في العالم ضد الكيانات الشرعية وحتى لا ينتشر الإرهاب والفوضى.
كان المبعوث الأممي السابق إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ، لا يتمتع بالكاريزما التفاوضية والشخصية القوية في فرض رؤية سياسية موحدة
ومع تصريحات الحوثي المرحبة والمتفائلة بالمبعوث الأممي الجديد إلى اليمن، وتصريحات الحكومة اليمنية بحذر، يكشف أن الصراع في اليمن عاد إلى مرحلة الصفر مجددًا، وهو ما يعني استمرار الصراع أعوام أخرى، إلى أن ترضى الرياض أو تؤمن بأهمية الحسم العسكري السريع، وعندما تعلم يقينًا، أن بقاء سيطرة الحوثيين على صنعاء، يؤصل لجماعة أخرى على حدودها الجنوبية شبيهة تمامًا بجماعة حزب الله اللبناني التي تمتلك القرار السياسي والأمني والعسكري للشعب اللبناني، ولن يكون ذلك بعيدًا بالنسبة للشعب اليمني، مع فارق التطرف بين الجماعتين.
فالشيعة في اليمن، يرون أن عدوهم الإسلام المعتدل، ويأملون بالوصول إلى مكة، على عكس حزب الله الذي يرى أن أعداءه هم الإسرائيليون، ويأمل بالوصول إلى القدس، فبالتالي الخطر الحوثي يبدو أكبر وأشد على المملكة العربية السعودية، وربما المنطقة، لكونه عامل إيراني أخطر لطمس هوية الإسلام المعتدل والمتسامح.
لماذا فشل ولد الشيخ أحمد في إيجاد توافق يمني؟
كان المبعوث الأممي السابق إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ، لا يتمتع بالكاريزما التفاوضية والشخصية القوية في فرض رؤية سياسية موحدة، رغم أن كل الإمكانات كوسيط أممي كانت متاحة لديه، لكنه فشل في إدارة الملف اليمني، لأسباب عديدة، أولها استماعه لتوجيهات الرياض، إضافة لطبيعة الأزمة اليمنية المعقدة والصعبة، والسبب الآخر هو القدرات الشخصية والتفاوضية التي اتسم بها المبعوث الدولي، وكثير من التقارير تتحدث عن أن هذه أول مهمة سياسية تولاها ولد الشيخ، بعكس المهمات الإنسانية والاقتصادية التي كانت يتولاها في اليمن وإفريقيا وأماكن أخرى في العالم.
كما أن الطبيعة التفاوضية التي يتسم بها الحوثيون التي عقّدت الموقف وقدرة المبعوث الدولي أن يصل بها إلى حل الذي اختلف معهم في مفاوضات الكويت في الوصول إلى حل يعطيهم فيه غطاءً سياسيًا يريدونه، وهو أن يتجاوز المرجعيات الدولية.
خلال ثلاث سنوات من الجهود غير المكتملة التي تقودها الأمم المتحدة بواسطة مبعوثها لإنهاء الحرب لم تسفر عن نجاحات مؤثرة
كان ولد الشيخ في مباحثات الكويت قريب جدًا من إبرام صفقة مفاوضات كبيرة تصل إلى حل شامل لليمنيين، لولا انحيازه حينها في آخر المطاف للاقتراحات للسعودية وتهميش الأطراف السياسية اليمنية، ودعت باستفزاز أطراف التحالف الداخلي في اليمن للانتقال إلى المملكة العربية السعودية لاستكمال الاتفاق هناك والقبول بالحل السعودي، ورفضها علي عبد الله صالح حينها بقوة.
ومنذ أبريل 2015، قاد المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد الجهود الدبلوماسية الأممية في اليمن، بما في ذلك ثلاث جولات مفاوضات فاشلة جرت بوساطة الأمم المتحدة في كل من الكويت وسويسرا.
وخلال ثلاث سنوات من الجهود غير المكتملة التي تقودها الأمم المتحدة بواسطة مبعوثها لإنهاء الحرب لم تسفر عن نجاحات مؤثرة، وحقيقة فإن اليمنيين لا يرون حاليًّا أن مجلس الأمن لديه إمكانية معقولة في رسم خيارات واضحة للمضي قدمًا بعملية السلام، بسبب التغيرات السياسية التي طرأت عليها مؤخرًا، وتمثلت بمقتل علي عبد الله صالح الحليف العسكري والغطاء السياسي لجماعة الحوثيين، ولهذا سترفض الحكومة أي حوار قادم.
ومنذ تعيين إسماعيل ولد الشيخ في 25 من أبريل 2015 بديلاً لجمال بنعمر، كانت لديه الكثير من الفرص لتحقيق اختراق في جدار الأزمة اليمنية، ليسجل في تاريخه نجاحات شخصية في حل أزمة معقدة في اليمن، لولا تراجعه أكثر من مرة عن مواقفه في حلها.
ففي 21 من أبريل 2016 بدأت المباحثات اليمنية بين المكونات المتصارعة على السلطة (حكومة الرئيس هادي والحوثيين والمؤتمر الشعبي العام) في الكويت من أجل الوصول إلى صيغة سياسية مشتركة برعاية دولية للخروج من الحرب الأهلية الطاحنة التي اندلعت في البلاد منذ اجتياح الحوثيين العاصمة اليمنية صنعاء في 21 من سبتمبر 2014.
آخر المبادرات التي أعلنها المبعوث الأممي إلى اليمن، تسليم محافظة الحديدة لطرف ثالث يقال إنه “محايد”، وتسليم الرواتب كذلك، لكن هذه المبادرة يبدو أنها فشلت قبل أن يتم إعلانها رسميًا لعدم منطقيتها
ومن خلال الحوار في الكويت، قال ولد الشيخ إنه استمع لوجهات نظر المشاركين ومخاوفهم، واستخلص من ذلك خريطة طريق تتضمن تصورًا عمليًا لإنهاء النزاع وعودة اليمن إلى مسار سياسي سلمي، بحيث يتضمن إجراء الترتيبات الأمنية التي نص عليها القرار الأممي رقم 2216 وتشكيل حكومة وحدة وطنية تعمل على إعادة تأمين الخدمات الأساسية وإنعاش الاقتصاد اليمني، إضافة إلى الإعداد لحوار سياسي شامل لا يستثني أحدًا بما في ذلك المرأة والشباب، يحدد الخطوات الضرورية لتثبيت الحل السياسي الشامل ومنها قانون الانتخابات وتحديد مهام المؤسسات التي ستدير المرحلة الانتقالية وإنهاء مسودة الدستور.
وبدأ المجتمع الدولي بالضغط على الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، وكانت هناك موافقة مبدئية من الحوثيين للقبول بهذه المقترحات، غير أن الرئيس اليمني زار في 10 من يوليو 2016 محافظة مأرب لأول مرة منذ هروبه إلى الرياض، وخلالها شن هجومًا على الأمم المتحدة، واعتبرها تشرعن لانقلاب الحوثيين وترفض أي عملية سياسية وفقًا للمرجعيات الثلاثة (القرار الأممي 2216 والمبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية والحوار الوطني اليمني)، وسحب المتفاوضين من الكويت، وكان هذا أول فشل لمباحثات السلام.
تراجع المبعوث الأممي عن خريطة الطريق التي قدمها، وبدأ يعمل مجددًا على خطة أخرى اقترحتها المملكة العربية السعودية، كانت تدعو إلى استسلام الحوثيين أولًا، ومن ثم الذهاب إلى مكة المكرمة من أجل حوار سياسي يرعاه الرئيس هادي، إلا أن الحوثيين وصالح لم يقبلا الخوض فيها أو نقاشها، وهو ما جعل المبعوث الأممي يتراجع عنها.
في 25 من أغسطس 2016 أعلن جون كيري وزير الخارجية اﻷمريكي في مؤتمر صحفي مع نظيره السعودي عادل الجبير في الرياض، خريطة طريق جديدة تشمل خريطة المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ التي قدمها في الكويت (المبادرة السعودية)، لكنه جعلها متزامنة وتنفذ في وقت واحد، إلا أن المملكة العربية السعودية أوعزت إلى هادي بالرفض المطلق لذلك على اعتبار أنها تهمش دور الرئيس وتنهي مستقبله السياسي، مما جعل المبعوث الأممي يتراجع عنها.
آخر المبادرات التي أعلنها المبعوث الأممي إلى اليمن، تسليم محافظة الحديدة لطرف ثالث يقال إنه “محايد”، وتسليم الرواتب كذلك، لكن هذه المبادرة يبدو أنها فشلت قبل أن يتم إعلانها رسميًا لعدم منطقيتها.
المبعوث الأممي الجديد إلى اليمن في مهمة شبه مستحيلة لتقريب وجهات النظر
تراجع ولد الشيخ في تقريب وجهات النظر وفاعليته بالضغط على الأطراف المتصارعة للقبول بالتسوية السياسية، لا يدل على أنه شخصية يمكن الاعتماد عليها باستكمال دور الوسيط لتقريب وجهات النظر، إذا تحول من عامل وسيط لتقريب وجهات النظر بين الأطراف المتخاصمة إلى وسيط لإقناع الحوثيين بتسليم المدن والمحافظات التي يسيطرون عليها إلى طرف ثالث، بدلاً من الضغط عليهم ودفعهم إلى طاولة الحوار.
وهذه المواقف كفيلة بأن تخرجه من دور الوسيط لحل النزاع إلى دور المفاوض بالنيابة، وأعلنت فشله، وهو ما أدى لاستبداله بشخصية مارتن غريفيث، لكن هل يكون قادرًا على فرض تأثيره على الأطراف المتصارعة للقبول بتسوية سياسية من خلالها يمكن إنقاذ ما يتبقى من اليمن وشعبه، أم أن الوقت قد فات؟
يبدو أن المبعوث الأممي الجديد إلى اليمن في مهمة شبه مستحيلة لتقريب وجهات النظر، فالمؤتمر الشعبي العام الذي أنحاز في غالبيته لحكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، والبعض الآخر عكف على إنشاء تحالفات عسكرية وقبلية، بدعم لوجستي إماراتي، إضافة إلى اليمنيين الذين عانوا من الاضطهاد الحوثي، لم يعد لديهم ما يخسرونه، فهم لا يبغون السلام دون الثأر من الحوثية في الوقت الحاليّ، وهناك إصرار رغم أن الحرب في اليمن أتعبت المواطن اليمني، على اجتثاث الحوثية، لكن ليس بمقدورهم شيئًا يمكنهم من التحرك ضد الحوثية.
في المقابل تبدو عملية السلام صعبة، لكون الحوثيون فقدوا مصداقية السلام والحوار معهم، فهم غالبًا ما يمكثون وينقضون الاتفاقيات السياسية والعسكرية، منذ حروبهم السابقة مع علي عبد الله صالح إبان حكمه لليمن.
نقض الحوثيين اتفاقيات مع الحكومة اليمنية في 2003 و2006 و2009، ومع السلفيين في اليمن عام 2012، ومع القبائل اليمنية في عمران 2014، ومع حكومة الرئيس هادي مرتين في 2014، وكانت الاتفاقيات التي يبرمونها مع خصومهم السياسيين، هي بمثابة تمهيد الطريق للوصول إلى دار الرئاسة والسيطرة علي اليمن.
فأي حوار قادم، هو بمثابة تمهيد طريق أخرى ربما للوصول إلى أبعد من اليمن، فبعد سيطرتهم على اليمن، فهم يحلمون بالتوسع الخارجي لتحقيق حلم الهلال الشيعي!
وعلى كل، فإن الحالة تشير إلى انسداد الأفق السياسي في ظل تشبث كل الأطراف بمواقفه وحرص أمراء الحرب وجماعاتها على استمرارها لاستمرار المصالح والمنافع المكتسبة منها وتعيين مبعوث جديد لن يغير من الواقع شيئًا، وتقرير الخبراء أعطى مؤشرات قوية على حالة الانحدار لليمن وعدم حسم الوضع فيه سلمًا أو حربًا إن لم يكن المشهد السياسي يشير إلى حالة من تعميق الانقسام والتشرذم.