ترجمة تحرير: نون بوست
قبل 14 عامًا، كان إبراهيم العرجاني يقبع في أحد السجون المصرية باعتباره واحدًا من البدو الذين تم اعتقالهم خلال حملة قمع حكومية في سيناء المضطربة خلال فترة احتجاجات قبلية. واليوم، أصبح العرجاني من رُوّاد الأعمال المفضّلين للنظام المصري ويُدير إمبراطورية أعمال من قطاع البناء إلى الرعاية الصحية ازدهرت كحليف موثوق لنظام الرئيس عبد الفتاح السيسي.
منحته علاقاته بالنخب العسكرية والأمنية في مصر تأثيرًا خاصًا في شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة المجاور. لم يكن أمام الذين يريدون إدخال البضائع إلى القطاع عبر الحدود المصرية لسنوات سوى خيار رئيسي واحد: ألا وهو العمل مع شركات العرجاني. ولم يكن هذا الدور الذي عمل على اكتسابه على مدى عقد من الزمان محل أنظار بشكل كبير، إلا أنه منذ هجوم حماس على إسرائيل في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، أصبحت مصالح العرجاني تحت الضوء لا سيما بالنظر إلى المداخيل الكبيرة التي جنتها شركة “هلا” من خلال مساعدة الفلسطينيين اليائسين على الهروب.
حيال هذا الشأن، قال رجل أعمال من غزة “إنهم يجمعون منا الملايين والملايين للخروج من غزة.. ويفرضون رسومًا كبيرة لتأمين ونقل البضائع إلى غزة”، مضيفًا “إنه الرجل الكبير” [في إشارة إلى العرجاني]. ومقدمةً نفسها على أنها شركة “سياحية” تسهّل السفر بين مصر وغزة، مثّلت شركة “هلا” طريق هروب حيوي للفلسطينيين. ولكن ضمان المرور الآمن عبر معبر رفح يكون بتكلفة باهظة: 5000 دولار للبالغين و2500 دولار للأطفال دون سن 16 عامًا، وذلك حسب ما أفاد به فلسطينيون.
خلال العقد الماضي، تمكّنت الشركات الأخرى التابعة لمجموعة العرجاني من تكوين ما يشبه الاحتكار في مجال توصيل البضائع إلى القطاع المحاصر عبر رفح، المكان الوحيد في غزة الذي كان حتى الشهر الماضي لا يخضع لسيطرة إسرائيل. لكن أدى الهجوم الإسرائيلي على رفح إلى إغلاق المعبر إلى أجل غير مسمى مما أعاق الشحنات ووجّه ضربة إلى مصالح العرجاني التجارية. والأهم من ذلك، أغضب هذا الأمر نظام السيسي لأنه قلّل من نفوذه في غزة في وقت يخشى فيه اتساع نطاق الحرب عبر الحدود.
في إشارة إلى مخاوف القاهرة، أعلن العرجاني – زعيم الترابين أكبر قبيلة في سيناء – الشهر الماضي تشكيل “اتحاد القبائل العربية” للعمل إلى جانب الدولة المصرية في مجال الأمن. اعتبر الخبراء هذه الخطوة إشارة إلى قلق الحكومة المصرية وسعيها للحصول على دعم البدو – وهم قبائل رُحّل يعيشون في شبه جزيرة سيناء – وسط مخاوف من أن يدفع الهجوم الإسرائيلي في النهاية الفلسطينيين نحو مصر. وحسب الخبير في مجموعة الأزمات مايكل هانا “فإن هناك عينًا على رفح والمخاوف طويلة الأمد بشأن تهجير (الغزاويّين)”. لهذا السبب، “توجّهت حكومة السيسي التي يهيمن عليها الجيش إلى زعيم قبلي موثوق – موالٍ للسلطة في سيناء”.
يُقدّم دور العرجاني في كل من سيناء وغزة لمحةً على ديناميكيات القوة تحت حكم السيسي، الرئيس السابق للقوات المسلحة الذي لا يسمح بأي احتجاج ولا يثق في القطاع الخاص، وعمّق دور الجيش داخل الدولة والاقتصاد. ويرى المحللون أنه دون مباركة النظام المصري لكان من المستحيل لشركة “هلا” العمل في غزة – وينطبق الأمر ذاته على بقية أنشطة العرجاني في سيناء.
قال الصحفي المصري المقيم في المملكة المتحدة مهند صبري، ومؤلف كتاب سيناء: عماد مصر، حياة غزة، كابوس إسرائيل: “كما يقولون في سيناء، لا يستطيع أحد أن يتنفس أو يفعل أي شيء دون أخذ إذن عسكري”. ويرى نائب مدير معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط تيموثي كالداس أن طبيعة الاقتصاد السياسي في عهد السيسي “تعني تقريبًا أنه لا يمكن لأحد أن يكون لاعبًا كبيرًا في مجال الأعمال دون تنسيق ونوع من التبعية إلى النظام”.
وأضاف أن “هذا الأمر يكون أكثر أهمية في صحراء سيناء نظرًا لأهميتها بالنسبة لجهاز الأمن. وبإضافة عمليات التهريب والأنشطة غير المشروعة في سيناء إلى ذلك، يصبح أي شخص يريد القيام بأعمال تجارية كبيرة مضطرًا غالبًا إلى التعاون مع مختلف مراكز القوة”.
وفي سنة 2022، استشهدت منظمة “هيومن رايتس ووتش” بمصدرين أفادا بأن شركة “هلا” لها روابط قويّة مع المؤسسة الأمنية في مصر، وأن موظّفيها إلى حد كبير من ضباط الجيش المصري السابقين، مما أتاح للشركة تقليل أوقات الانتظار والتأخير عند نقاط التفتيش. وتجدر الإشارة إلى أن مجموعة العرجاني لم تردّ على طلب للتعليق أرسِل بالبريد الإلكتروني، علمًا بأن رقم الهاتف المذكور على موقعها لم يعمل.
وقبل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، كان بإمكان سكان غزة الأغنياء دفع حوالي 700 دولار للشخص لاستخدام خدمة المسار السريع لشركة “هلا” للخروج من القطاع عبر رفح بدلاً من قضاء أشهر في تأمين التصاريح من وزارة الداخلية التي تسيطر عليها حماس، وذلك وفقًا للفلسطينيين. لكن الرسوم ارتفعت بشدة بعد أن شنّت إسرائيل هجومها على غزة وفرضت حصارًا على القطاع.
عندما سُئل وزير الخارجية المصري سامح شكري في آذار/ مارس عما إذا كانت الحكومة قد وافقت على أن تتقاضى شركة “هلا” 5000 دولار أمريكي من الفلسطينيين مقابل مغادرة قطاع غزة، أجاب “بالطبع لا”. وأخبر قناة سكاي نيوز “سنتخذ أي إجراءات نحتاجها.. للقضاء عليها تمامًا”. مع ذلك، بعد أسابيع واصلت شركة “هلا” تقديم خدماتها.
لا توجد معلومات شخصية كثيرة متاحة عن العرجاني، ولكن بداية صعوده كانت تقريبًا مع استيلاء السيسي على السلطة في انقلاب مدعوم شعبيًا في سنة 2013 والتوسّع شبه المتزامن لتمرّد الإسلاميين المتطرفين في المنطقة البدوية في شمال سيناء.
بعد تولي الرئاسة، تعهّد السيسي باستعادة الأمن وكانت سيناء التي لطالما عانت من المهربين والبلطجية مصدر قلق رئيسي. كان تمرد الإسلاميين الذي بدأ وسط الفوضى الناجمة عن الانتفاضة الشعبية لسنة 2011 التي أطاحت بالرئيس المخضرم حسني مبارك يتصاعد خصوصًا في شمال سيناء، حيث استهدف المسلحون الشرطة والجنود. وفي سنة 2014، بايع المسلّحون تنظيم الدولة ولجأ السيسي إلى البدو لدعمه بينما أصبح العرجاني قائدًا لمليشيا قبليّة تسمى “اتحاد قبائل سيناء”. وفي سنة، قام المسلحون بتفجير عقار مملوك للعرجاني متهمين إياه بأنه مخبر للجيش.
في مقابلة مع التلفزيون المصري في تلك السنة، تحدّث العرجاني عن دور التحالف القبلي في محاربة تنظيم الدولة قائلاً: “هؤلاء الناس سيستيقظون ليجدوا نعالنا فوق رؤوسهم. لن نتركهم حتى آخر واحد منهم. كل شيء [نفعله] في سيناء تحت إشراف القوات المسلحة”.
وخلال تلك الفترة، بدأ العرجاني نقل البضائع إلى غزة. وقد أخبر وسائل الإعلام الحكومية في كانون الأول/ ديسمبر 2014 أن شركته نقلت مئات الأطنان من البيتومين وآلاف الليترات من الوقود إلى القطاع عبر رفح. كان ذلك بعد أربعة أشهر من خوض إسرائيل وحماس حربًا استمرت ستة أسابيع وكانت غزة بحاجة ماسة إلى مواد لعملية إعادة الإعمار.
قال صبري إن العرجاني كان لديه روابط مع الأجهزة الأمنية تقريبًا منذ خروجه من السجن. ولكن بعد وصول السيسي إلى السلطة، بدأ العرجاني يتدخّل في “كل شيء في سيناء”. وأضاف “بعد حرب 2014 [في غزة]… وُضعت خريطة جديدة، وضمن هذه الخريطة الجديدة كان العرجاني الذي نعرفه اليوم الرجل الذي نظّم وموّل الميليشيات تحت إشراف الجيش ورجل الأعمال الأول لأي شيء يحدث في سيناء”. وعلى مر السنين، ازدهر عمله لدرجة أن “أي شيء يدخل أو يخرج عبر رفح كان يتم من خلاله”، وذلك حسب ما قاله رجل الأعمال الغزاوي، الذي أضاف “عليّ أن أتواصل مع رجاله لأتمكن من تسليم بضائعي عبر رفح”.
لم تكن التجارة مع غزة النشاط الوحيد الذي توسّع. يعطي إعلان مجموعة العرجاني على يوتيوب لمحة عن الجزء المصري المتوسّع من الشبكة. وقد ورد في الإعلان شركته الأمنية التي توظّف 25 ألف شخص و17 مستشفى وفنادق ومعرض سيارات ومشاريع أخرى في مجال الإنشاءات والتصنيع ومؤسسة خيرية. ويقول الإعلان باللغة العربية “مهما قيل، لن يوقفنا شيء. هدفنا أمامنا ومعًا سنصل إليه. مجموعة العرجاني، أكبر كيان اقتصادي في جمهورية مصر الجديدة”.
أصبحت روابط العرجاني بالدولة أكثر عمقًا من خلال الأعمال التجارية. ففي سنة 2014، تداولت الصحافة المصرية تصريحات له أفاد فيها بأن الجيش – الذي أصبح قوة مهيمنة في الاقتصاد تحت حكم السيسي – سيمتلك 51 في المئة من شركة “مصر سيناء”، وهي واحدة من كيانات مجموعة العرجاني المتخصصة في التنقيب عن الرخام.
وقبل سنتين، وتحديدا في سنة 2022، عيّنه السيسي في مجلس إدارة الجهاز الوطني لتنمية شبه جزيرة سيناء التي يهيمن عليها الجيش وتتولى مسؤولية المشاريع التنموية في شبه الجزيرة، حيث تقول الحكومة إنها أنفقت ما لا يقل عن 600 مليار جنيه مصري (12.8 مليار دولار) منذ تولى السيسي السلطة.
من غير الواضح ما الذي سيتضمنه دور العرجاني الأخير كرئيس للتحالف القبلي الذي تم إنشاؤه حديثًا. ولكن هذا يشير إلى أنه سيظل طرفًا فاعلا في الجانب المصري من الحدود مع غزة حتى لو ظلّ معبر رفح مغلقًا. وذكر صبري أنه لا يرى أي علامات على إعادة تشكيل المليشيات، لكن من الأرجح أن الجيش “يحاول تنظيم شبكة واسعة من الجواسيس والمخبرين المحليين” لمراقبة الأحداث على الجانب السيناوي من الحدود مع غزة.
ووفق المتحدث باسم الاتحاد مصطفى بكري فإن التحالف لن يكون مسلحًا وأن الأسلحة جُمِعت من الاتحاد القبلي السابق قبل ثلاث سنوات. ولكنه أخبر قناة تلفزيونية سعودية بأن التحالف “يأتي في لحظة مهمة للغاية”. وأكّد بكري: “نحن محاطون بدائرة من النار. نحن نواجه مؤامرة تهجير والرئيس كان واضحاً جداً من البداية، لن نسمح بتهجير [الغزاويّين]”.
المصدر: فاينانشيال تايمز