لا يمكن لثورة لا تقوم على تغيير الإنسان تغييرًا لا رجعة فيه في نفسيته ونمط فكره وسلوكه أن تصل إلى هدفها، يجب على الثورة أن تصنع أفكارها وأيديولوجيتها الأصيلة وتحافظ على قاموس كلماتها حتى تحتفظ بقدرتها على تغيير الإنسان العظيم التحرير، لذلك على الساعين لتحرير الأوطان والمقدسات أن يضعوا جملة من السنن الاجتماعية السوسيولوجية التي تمكنهم من فقه عملية بناء مجتمع التحرير، الذي من دونه لن يكون.
تحتاج كل ثورة تحرير إلى تمهيد روحي تربوي وتهيئة فكرية تنتج أمة ربانية واعية عارفة قوية وتشكل ثوارًا محررين حامين لثورتهم سباقًا من الغاوين المشككين وسياقًا من الخونة البائعين ولحاقًا من السراق الطامعين لأن لكل مشروع ثورة تحرير ضعيف الفكر ثورة مضادة.
إن مقياس نجاح ثورة من فشلها وتحولها إلى لا ثورة أو انقلابها لثورة مضادة هي مدى حفاظ الثورة بمبادئها وتمسكها بقيمها وتشبثها بثوابتها ورقابتها الفكرية من خلال نبذ للمكيافيلية في الوسائل والمادية في التصور والطفيلية في الأهداف، فلذلك يجب أن نعي أن التحرير لا يصنعه إلا المحررون كما أن الثورة لا يصنعها إلا الثوار.
لأن التحرير ليس عملية عسكرية تحشد لها العدة والعتاد فقط فذلك حتمية واجبة لسنة التدافع، بل على الأمة أن تصنع رجالاً ربانيين يملكون دوافع التحرير النفسية وقوة الثورة الفكرية ووسائل التمكين العملية حتى تصل للتحرير، فيكون بذلك طريق التحرير بناء الإنسان المحرر ابتداءً وميلاد مجتمع حامل لروح الثورة وعبير التحرير.
مجتمع التحرير هو مجتمع الإصلاح والتغيير الدائم
ثورة التحرير لا ترتجل، فهي بناء تراكمي عملي سائر على سنن الكون ونواميسه من خلال تهيئة تربوية قبلية وتمهيد فكري ثقافي، فالتحرير عملية تركيبية تصقل القلوب على حسن الاتصال بالله، وتربط الأبدان في مجتمع واحد مبني على المؤاخاة، وتصنع ثورة اجتماعية أصيلة من دون ركود ومتجددة دون استلاب.
التحرير إطراد مدروس قبل الثورة وفي نفسها وبعدها، فهي المراحل الثلاثة لا تعبر تسلسلاً زمنيًا بقدر ما هي بذرة تنمو نموًا عضويًا وتكبر في تطور تاريخي متسلسل إن لم يحترم كانت ثمرة شجرة التحرير زهيدة.
دورنا هو صناعة ميلاد مجتمع التحرير، مجتمع فكري تاريخي يبنى بمواد جديدة في الوسائل أصيلة في الأفكار والقيم، مجتمع يصنع تاريخًا جديدًا ويعيد الأمة لكتابة العظمة بعد أن كانت على هامش الحضارة، لن يسمى التجمع البشري الذي ننشد قيامه ونشأته “مجتمعًا” إلا إن سلك طريق تطوير علاقاته الداخلية واستقامة مكوناته المشكلة من خلال التزام النهضة الأخلاقية والسير وفق منطق الحركة والعمل للوصول إلى الهدف المشترك “التحرير” تمهيدًا لخلافة الإسلام على الأرض وإلا سمي التجمع فقط “نوع بشري”.
مجتمع التحرير هو مجتمع الإصلاح والتغيير الدائم، مجتمع التحرير ليس كمية من الأفراد بل كتلة بشرية سائرة في اتجاه واحد، صانعة لحركية تاريخية جديدة لا تجمعها العواطف الآنية العفوية بل تحركها الأسباب النفسية والمبررات الفكرية الأيديولوجية الناتجة عن القوة الروحية العظيمة المستمدة من اللدن الرباني من وحي الإسلام النظام الرباني للنوع البشري، منطلقة نحو غاية عظيمة تحرير المسجد الأقصى تمهيدًا لتحقيق الاستخلاف في الأرض.
كتابة التاريخ (تحرير بيت المقدس) تحتاج للثلاثة معالم التالية:
1- حركية المجتمع (المنهج الاجتماعي الحركي منهج التغيير والإصلاح).
2- الأسباب والدوافع المحركة للمجتمع (القوة الإيمانية الروحية والبأس الفكري).
3- غايات الحركة (تحقيق المهمة الربانية الاستخلاف في الأرض).
التحدي الذي ينقل تجمعات أمتنا البدائية إلى نشأة مجتمع التحرير هو الاحتلال الصهيوني للمقدسات والإجابة الفاعلة هي تحرير المسجد الأقصى المبارك
الطبيعية تصنع نوعًا بشريًا يتشكل من جمع من الأفراد يربط بينهم فقط الجبلة والفطرة على الاجتماع ككل الأنواع الحيوانية الأخرى، هذه هي طبيعة التجمعات البشرية في أمتنا، التحدي هو في رسم التاريخ بكتابة ميلاد مجتمع يصنع حركية تاريخية بتوفيرالأسباب العقلية والمبررات النفسية والدوافع الحركية من أجل الاستخلاف في الأرض ويتأتى لنا بتغيير الإنسان من “فرد” إلى “شخص” بقدح شرارة قوته الروحية وتغيير تركيبته النفسية وغرس بعده الاجتماعي الحضاري.
(لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)
إن التجمعات البشرية ستظل بدائية بقدر ما كانت غايتها الوحيدة البقاء فقط وأقصى مناها الحفاظ على النوع البشري، في حين يبدأ تاريخ نوع بشري ما من اللحظة التي يقرر فيها ميلاد مجتمع جديد يكون أول حدث تاريخي له بناء علاقات اجتماعية صلبة تكون شرطًا لفعالية العوالم الثلاث (الأشخاص والأشياء والأفكار) غايته صناعة حركية تنقل كل البشر إلى أرقى درجات الإنسان المادية الحضارية (الخليفة على الأرض) والروحية الجوانية (العبودية لله).
إن الخط الفاصل بين التجمعات البدائية التي تصنعها الطبيعة، وميلاد مجتمع وإخراج أمة تصل لهدفها الأرضي وتبلغ غايتها السماوية، نقطة بداية التاريخ بحدوث نقلة قويمة من البداوة المعتمدة على الغرائز إلى الحضارة المبنية على العقل والوجدان.
ما زال العامل الذي يدفع بنوع بشري للتحول إلى مجتمع جديد هو استجابة العلاقات الاجتماعية لتحدي (كما يقول البريطاني #تويني) أو كإجابة عن تناقض حادث (كما يقول هيجل).
إن التحدي الذي ينقل تجمعات أمتنا البدائية إلى نشأة مجتمع التحرير هو الاحتلال الصهيوني للمقدسات والإجابة الفاعلة هي تحرير المسجد الأقصى المبارك، فبقدر استجابتنا لهذا التحدي كنا أقرب لتشكيل مجتمع يصنع التاريخ ويصل للمبتغى.