ترجمة حفصة جودة
يقولون إنه لا شيء أسوأ من أن ينتهي بك الأمر في المركز الرابع في دورة الألعاب الأولمبية، كان هناك الكثير من الرياضيين الذين قدموا أفضل العروض وفازوا بالميداليات في أولمبياد شتاء بيونغتشانغ، لكن من بين هؤلاء الذين حازوا ميداليات ذهبية وفضية وبرونزية، كانت هناك قصص للنكسات الشخصية للاعبين لم يصعدوا أبدًا على منصة الميداليات.
بالنسبة للكثير منهم، يعد الخروج من الأولمبياد بعد فترة قصيرة من أصعب التجارب العاطفية في مهنتهم، عندما يواجه الرياضيون الفشل والنكسات فإنهم لا ينتقدون أنفسهم فقط ويتعاملون بقسوة، لكن الأمر له عواقب أخرى؛ فقد يخسرون التمويل وأنظمة الدعم، كما أن الخوف من الفشل يمنعهم من تقديم أداء أفضل عندما يحتاجون إلى ذلك.
من الضروري العثور على ما يمكن أن يساعد الرياضيين في تجاوز التجارب العاطفية الصعبة التي يمرون بها سواء بعد أو قبل أو في أثناء الحدث؛ ليتمكنوا من تحقيق النجاح.
تعلُّم التعاطف الذاتي
إحدى هذه الوسائل التي يستطيع أن يستخدمها الرياضيون هي التعاطف الذاتي، أن يتمكن الرياضيون من التعاطف مع أنفسهم يعني أن يعترفوا بأنهم يمرون بوقت عصيب عاطفيًا ويرغبون في مساعدة أنفسهم.
تشير الأبحاث إلى أن التعاطف الذاتي قد يكون مفيدًا كوسيلة للتعامل مع الفشل والنكسات إذا تمكن الرياضيون من التعامل مع أنفسهم بلطف دون قسوة وانتقاد للذات، وأن يتمكنوا من تحقيق التوازن بين أفكارهم وعواطفهم ويدركون أن منافسيهم يواجهون أيضًا صعوبات مماثلة.
التعاطف الذاتي يتطلب ببساطة أن تعترف بمعاناتك ورغبتك في مساعدة نفسك لتجاوز تلك المعاناة
هناك مصطلحان ذاتيان شائعان أيضًا في عالم الرياضة، وهما “الثقة بالنفس” و”احترام الذات”، تشير الثقة بالنفس إلى اعتقاد الرياضيين العام بأنهم يستطيعون النجاح، أما احترام الذات فيشير إلى تقييم شامل للقيمة الذاتية، ويرتبط المصطلحان ببعضهما البعض، فإذا كان الرياضيون يشعرون بالكفاءة في رياضة ما فهذه الكفاءة جزء مهم من تقديرهم لذاتهم.
من ناحية أخرى، التعاطف الذاتي لا يتطلب الشعور بالكفاءة والاستحقاق، إنه يتطلب ببساطة أن تعترف بمعاناتك ورغبتك في مساعدة نفسك لتجاوز تلك المعاناة.
يعمل الباحثون في علم النفس الرياضي على اكتشاف طرق جديدة لتعليم الرياضيين التعاطف الذاتي، وقد حاولت أمبر موسويتش – أستاذ مساعد بجامعة ألبرتا – تطوير تدخل رياضي للتعاطف الذاتي لمدة 7 أيام متعلق بالنقد الذاتي في لاعبي الرياضة من الإناث.
حصل الرياضيون في بحث موسويتش على جلسة تقديمية للتعاطف الذاتي يليها 5 اختبارات كتابة تتعلق بالتعاطف الذاتي وانتهت في الأسبوع الذي يليها، في أحد الاختبارات طلبوا من الرياضيين كتابة مذكرة لأنفسهم يعبرون فيها عن إداركهم وقلقلهم وتعاطفهم بنفس الطريقة التي قد يتحدثون بها إلى صديق يعاني من نفس الموقف، ذكر الرياضيون الذين شاركوا في هذا التدخل بأنهم حققوا تقدمًا في التعاطف الذاتي بالإضافة إلى انخفاض ملحوظ في القلق بشأن الأخطاء واجترار الحزن ونقد الذات.
يعمل الباحثون على أن يتمكن الرياضيون من التعاطف الذاتي مع أنفسهم وبذلك يمتلكون مهارات النجاح في إدارة الفشل والنكسات قبل أن تحدث
تقول الأبحاث التي أجريت على مجموعة من الرياضيين من مختلف الرياضات ومختلف المستويات إن أنواع الفشل والانتكاس تتضمن الشعور بالمسؤولية في حال هزيمة الفريق أو الإصابة أو الفشل في تحقيق الأهداف والتوقعات الشخصية وارتكاب الأخطاء والمقارنة الاجتماعية.
السلامة العاطفية
بدلاً من التعامل مع هذه التحديات بالنقد القاسي للذات، يقدم التعاطف الذاتي وسيلة توفر للرياضيين السلامة العاطفية والقوة العقلية للتعامل مع تلك التجارب السلبية المحتملة بطريقة صحية وفعالة، وربما تتساءل متى يكون التعاطف الذاتي مفيدًا للاعبين: هل هو قبل أم في أثناء أم بعد المنافسة؟
تساعد آلية التدخل الرياضيين على تشجيعهم لتذكر النكسات التي تعرضوا لها مؤخرًا وكيفية الاستجابة لهذا الموقف بطريقة التعاطف الذاتي، وفي البحث المتعلق بالرياضيين الإناث، اتضح أنه من المفيد أيضًا أن يحدث التعاطف الذاتي في أثناء النكسة مثل أن تتذكر الأخطاء التي وقعت بها وتدرك في نفس اللحظة أنك تتعامل بقسوة ونقد للذات.
العداء الكندي صامويل جيرارد يحصل على المركز الرابع في نهائي سباق 1500 متر للرجال
فيما يتعلق باستشارات المهارات العقلية، يعمل الباحثون على أن يتمكن الرياضيون من التعاطف الذاتي مع أنفسهم وبذلك يمتلكون مهارات النجاح في إدارة الفشل والنكسات قبل أن تحدث، وقم تم تطوير بعض تمارين التعاطف الذاتي مثل أنشطة الكتابة والتأمل الموجه وغيرهم، بعض هذه التمارين تعلم الناس كيف يصبحون عطوفين تجاه أنفسهم من خلال زيادة الوعي بأفكارهم الحاليّة وتغيير الخطاب الداخلي مع النفس، وذلك من خلال تحويل أصوات النقد الذاتي إلى أصوات أكثر إيجابية وحميمية.
ما بعد احترام الذات
رغم أن الأبحاث ما زالت في بدايتها إلا أنها تقول إن التعاطف الذاتي يرتبط ارتباطًا واضحًا بحياة الرياضيين وله فوائد تتجاوز احترام الذات، فقد أظهر الرياضيون الذين لديهم مستوى عالٍ من التعاطف الذاتي أنهم يمتلكون قدرًا أكبر من الاستقلالية (حرية الاختيار والتصرف الفردي) وتقديرالجسد، بالإضافة إلى قدر أقل من الخوف من الفشل والخجل والتقييم الذاتي السلبي.
يبدو أن التعاطف الذاتي يساعد أيضًا في زيادة مثابرة اللاعبين ويقلل من مشاعرهم السلبية عندما يواجهون بعض الفشل والنكسات، وأكبر العقبات التي تواجه الرياضيين في أن يصبحوا أكثر تعاطفًا مع ذاتهم عند مواجهة الفشل هي مقاومتهم لذلك.
بالنسبة للرياضيين من الإناث فقد عبرن عن مخاوفهن من التعاطف الذاتي خوفًا من أن يؤدي إلى التسامح مع النفس والتقاعس عن تحقيق الأهداف الرياضية، أما في الذكور فقد كان التعاطف الذاتي يمثل تهديدًا لرجولتهم.
تشير الأدلة إلى أن مخاوف الرياضيين من التعاطف الذاتي ليس لها ما يبررها، وبالنسبة للعديد من الرياضيين الذين سيواجهون الفشل حتمًا، فمن الضروري الاهتمام بالتعاطف الذاتي لأنه سيكون جزءًا مهمًا من تجربة أوليمبية إيجابية وناجحة.
المصدر: ذي كونفرسايشن