يميل كثيرٌ من الأشخاص في الآونة الأخيرة للتوجه إلى القراءة في علم النفس أو لمشاهدة الدروس والفيديوهات المنتشرة على الشبكة العنكبوتية بكثرة في هذا المجال والتي قد تكون لتعدّدها وعدم ترابطها أو اتصالها سببًا في تكوين لُبس فيما يخصّ ما تتم قراءته. لذلك فالمهتمّ بهذا المجال دومًا بحاجة لمراجع تضع خطواته على الطريق بسهولة، ثمّ يستكمل بعدها بعد أنْ يكتسب القدرة على الفهم تدريجيًّا بشكلٍ مرتب وعلميّ موثوق.
تكمن المشكلة الأساسية في مجال العلوم الإنسانية بشكلٍ عام وعلم النفس بشكلٍ خاص، في شحّ الموارد والمصادر المنتشرة باللغة العربيّة، إذ أنّ الإنجليزية هي لغة هذه العلوم، ومن يرغب بالغوص فيها عليه بدايةً كسر حاجز اللغة حتى يستطيع التمتّع بما كُتب في هذا المجال كما ينبغي، لكنّ هذا لا يعني انعدام مكتبتنا العربيّة من بعض المراجع والمصادر التي قد تفيدك وتمتعك.
يُعتبر عبد الستار إبراهيم واحدًا من أشهر أساتذة علم النفس في الوطن العربيّ، وأحد أعضاء الجمعية النفسية الامريكية وأكاديمية العلوم والفنون والأداب بولاية ميشيجان، وجمعية الصحة العقلية التابعة لمنظمة الصحة الدولية. وقد ألّف قاسم العديد من الكتب والأطروحات في مجال علم النفس باللغة العربية، متميّزًا بسلاسة أسلوبه وبساطة عرضه، ما يجعل كتبه سهلةً للقارئ العامّ الذي يرغب باستكشاف علم النفس وفهمه.
قد يكون كتاب “أسس علم النفس” مدخلًا جيّدًا لمن يرغب بالغوص في هذا المجال باللغة العربية، إذ يشرح المعالم المنهجية لعلم النفس وأهم موضوعاته التي يبحث فيها، كما يتناول آثار النموّ السلوكية للإنسان، والعوامل الاجتماعية التي تؤثر على الفرد، ثمّ يتطرّق للحديث عن علم نفس الشخصية وأهم جوانبها ومعالمها.
أمّا ثاني كتبه المهمّة فهو “الإنسان وعلم النفس“، ويحاول من خلاله إبراهيم تأليف مادة سيكلوجية حديثة ومشوّقة ومثيرة للفضول بحدّ وصفه، دون التخلي عن الالتزام بذكر الوقائع التي ساهم في تكوينها هذا العلم الذي يأخذ بالموضوعية وقواعد المنهج العلميّ. ترتكز الفلسفة المنهجية لهذا الكتاب على عدة نقاط أهمها؛ التطوّر والارتقاء، العالم الداخلي والخارجي للإنسان، وشخصيته وما ينطوي تحتها من خصائص ومميزات وتعقيدات.
وفي “العلاج النفسي الحديث قوة للإنسان“، يحاول الكاتب نقد الخرافات القديمة والمزاعم الخاطئة فيما يتعلّق في تفسير الأمراض النفسية وعلاجها، لا سيّما بين أوساط المتخصصين. فيسرد بدايةً تاريخ العلاج النفسيّ ثمّ يعرض جوانب التقدم في النظريات السيكولوجية الحديثة فيما يتعلّق باضطرابات سلوك الإنسان وأساليب علاجها مبيّنًا أساسها العلميّ وطرق تطبيقها.
إضافةً لذلك، ألّف إبراهيم العديد من الكتب في مجالات علم النفس المتنوعة والمتعددة الأخرى، منها في مجال “العلاج النفسي السلوكي المعرفي الحديث” محاولًا إسقاط الضوء على مسرح “العلاج السلوكي المعرفي” في الوضع الراهن بكونه أحد أهم طرق علاج اضطرابات سلوك الإنسان ومشاكله النفسية أو العقلية. ويتميز هذا الكتاب بلغة واضحة وبسيطة مع استخدام كثير من الأمثلة والحالات الشارحة والتركيز على طرق الممارسة وتنفيذها، مما يجعله قادرًا على مخاطبة المتخصص وغير المتخصص، وذلك دون إخلال بمتطلبات المنهج العلمي وإمكانيات تطويع مفاهيمه في فهم القضايا المعقدة من السلوك البشري وضبط اضطراباته.
ولفهم مرض “الاكتئاب” أكثر، بعيدًا عن الخرافات والأقاويل المتناقلة بين الناس بخصوصه، فقد كتب إبراهيم “الاكتئاب: اضطراب العصر الحديث فهمه وأساليب علاجه“، محاولًا من خلاله تقديم بعض الحقائق العامة عن مفهوم الاكتئاب وآثاره على الفرد والحياة الاجتماعية، وشرح أهم التفسيرات والأسباب ومختلف النظريات العلمية في تفسيره، إضافةً لشرح التيارات المعاصرة في العلاج النفسي السلوكي لهذا المرض.
قد تكون الكتب والمراجع التي ألّفها عبد الستار إبراهيم بالفعل من أهمّ ما كُتب في مجال علم النفس باللغة العربية، والأهمّ من ذلك كلّه أنّها تستطيع مخاطبة القارئ العامّ أو المبتدئ الذي يرغب باستكشاف هذا المجال واكتساب المعرفة الأولية فيه. عدا عن ذلك، فهناك الكثير من الكتب بالإنجليزية، المترجمة أو غيرها، والتي تعدّ حجر أساس لكلّ راغبٍ بالإبحار في علم النفس.
ولمن يرغب بالقراءة باللغة الإنجليزية، فلعلّ كتاب ديفيد مايرز “Psychology” بطبعته الأخيرة، واحدٌ من أوسع كتب “مقدمة في علم النفس” انتشارًا، لسهولة عرض المواضيع فيه بطريقة موجزة جدًا وجذابة، وسردٍ من السهل قراءته وفهمه من قبل جميع أنواع المتعلمين والقارئين.
أمّا في مجال “علم النفس التطوري”، والذي يجمع ما بين دراسة البيولوجيا من منظور علم النفس، فكتاب دافيد باس “علم النفس التطوّري: العلم الجديد للعقل” سيكون بدايةً جيّدة لمن يرغب في فهم علم النفس التطوّري بكونه واحدًا من أحدث مذاهب علم النفس نشأةً وصعودًا. يقدّم الكتاب منظورًا جديدًا لتفسير ظواهر الحياة الإنسانية المعروفة على الصعد العقلية والمعرفية والإنفعالية والعلائقية والسلوكية، الفردية منها والجماعية.
يطرح الكتاب في فصوله المختلفة أهم النظريّات في محاولة فهم العقل البشريّ في سياق التطوّر ويتناول القضايا البشرية الكبرى في كل زمان ومكان والمتمثلة في مشكلات: البقاء، الاقتران، التكاثر، التنشئة الوالدية والقرابة، ونهج الحياة في الجماعة في أبعادها التعاونية والغيرية والتحالفية كما في صراعاتها وعدوانيتها، ويدرس في كل منها الحلول التكيفية التي طورتها لها البشرية من خلال تكون الآليات النفسية المتطورة.
كما أنّ دراسة أيّ مجالٍ لا يمكن أنْ تُفهم تمامًا بمعزلٍ عن تاريخه وحيثيات نشوئه وتطوّره وصعوده، وبدايات مدارسه والقصص الكامنة وراء نظرياته، فننصحك بقراءة كتاب ” تاريخ علم النفس الحديث” لمؤلفيه دوان شولتز وسيدني إلن شولتز، والذي يتناول فيه نشأة علم النفس في بدايات القرن التاسع عشر وما يليه، والأحداث الكبرى المتعلّقة بالعلماء والمنظّرين وأفكارهم الخاصة ومناهجهم وأساليبهم. كما تتطرّق الطبعة الحديثة من هذا الكتاب إلى المجالات الحديثة في علم النفس والتي ظهرت في منتصف أو أواخر القرن الماضي مثل علم النفس التطوري، علم الأعصاب الإدراكي، وعلم النفس الإيجابي.
ومن يرغب بالاطلاع أكثر عن تاريخ علم النفس، فثمة أيضًا كتاب “مقدمة لتاريخ علم النفس” أو ” An Introduction to the History of Psychology“، والذي يصل علم النفس بقديم التاريخ حيث فلاسفة الإغريق والرومان، ويحاول أنْ يربط بين الفلسفة والدين وكيفية تأثيرهما في بروز علم النفس كعلم. يبدأ كل فصل في الكتاب بسرد أهمّ التغيرات الاجتماعية الكبرى التي تحدث في مجالات التكنولوجيا والاقتصاد والدين والسياسة في أوروبا، ويشرح نظريات الفلاسفة وعلماء النفس في لغة مبسّطة سلسة ليقرأها القارئ العادي ويستوعب أفكارها، بالرغم من كثافتها واحتياجها للوقت الطويل لقراءتها.
وبالمحصلة، قد ينبغي التركيز مجدّدًا على أنّ اللغة تشكّل حاجزًا حقيقيًّا في وجه المعرفة والاطّلاع، ومن يهتمّ بهذا المجال فعليه محاولة كسر ذلك الحاجز والتعامل بجديّة تجاه ما يقرأ أو ما يرغب بمعرفته.