يكثر الحديث واللغط، هذه الأيام، حول إجراء الامتحانات الرسمية لصفوف الشهادات، التي على ما يبدو ستجرى بشكل طبيعي وعادي، كما لو كان لبنان يعيش ظروفًا عادية روتينية، لا يواجه تهديدًا إسرائيليًا وحرب مشتعلة تطال جنوبه.
ورغم شائعات إلغاء الثانوية العامة، أجريت امتحانات التعليم المهني والتقني في موعدها وفي مراكز قريبة من الحدود، ما يدحض تلك الشائعات ويؤكد إجراء امتحانات الثانوية العامة في موعدها دون إلغاء.
قرى الجنوب متضررة وخالية من سكانها ووهجر أهلها وأفرغت مدارسها من الطلاب، العام الدراسي مرّ ولم تتوقف “إسرائيل” عن هجماتها، عانى الطلاب كثيرًا من صعوبة وصول المعلومات “أونلاين” وحتى صعوبة إتمام المناهج، بسبب انقطاع الإنترنت من جهة ومرارة النزوح وصعوبة ظروف العيش من جهة أخرى، وبعد أشهر خرج القرار بإجراء الامتحانات الرسمية دون الأخذ بعين الاعتبار تلك ظروف.
نزوح وواقع دراسي صعب
يعيش أغلب سكان القرى الجنوبية واقع نزوح شاق، يسكنون خلالها في بيوت تجمع 3 أو 4 عائلات، ناهيك بالوضع المعيشي الصعب والغلاء والأزمة الاقتصادية التي لم تنته حتى الآن، أصوات القذائف وطائرات التجسس والضرب مسموع في جميع مدن الجنوب حتى التي لم ينلها نصيب وافر من القصف. ففي مدينتَي صيدا وصور يسمع يوميًا تقريبًا جدار الصوت والطائرات الحربية والغارات الوهمية، وكلها ظروف جعلت حياة طلاب الثانوية العامة القاطنين في تلك المناطق صعبة في ظل انعدام الجو الدراسي.
لم يدرس طلاب القرى الجنوبية بشكل حضوري سوى شهرين منذ بداية العام، بعدها تابعوا الدراسة عبر الإنترنت، حيث يتلقى أغلبهم تسجيلات صوتية على الهاتف مع صور وملفات مضغوطة.
اليوم يدخل طلاب الجنوب في حالة من القلق والخوف، القلق من الامتحانات في ظل عدم استكمال دراستهم كما يجب، والخوف من غدر “إسرائيل” التي تقتل بوحشية دون حسيب أو رقيب، فأغلب طلاب الجنوب غير مستعدين للامتحانات خاصة أن تلامذة قد سبق وأصيبوا في غارة إسرائيلية خلال ذهابهم إلى المدرسة، ناهيك بمقتل تلميذ وثلاثة من الأساتذة نتيجة القصف.
الامتحانات اليوم تواجه حركة اعتراضية من الطلاب وذويهم، حيث يطالبون بعدم مقارنتهم بباقي طلاب لبنان الذين درسوا في صفوفهم، ويصر أغلب الطلاب الذين تهدمت بيوتهم وتهجروا على عدم ذهابهم إلى مراكز الامتحانات الملاصقة للحدود كمركز امتحانات قرية تبنين والتي اعتمدت كمركز للامتحانات دون مراعاة موقعها الخطر.
فرض الامتحانات وقرارات رسمية
في المقابل، أكد وزير التربية والتعليم العالي، عباس الحلبي، أن الامتحانات الرسمية ستجرى في مواعيدها المحددة، مع مراعاة الظروف السائدة في البلاد، خصوصًا في المناطق الحدودية.
وأعلن الحلبي أن الامتحانات الموحدة للشهادة الثانوية ستشمل جميع طلاب لبنان، مؤكدًا عدم فصل الجنوب عن باقي المناطق وعدم التسبب بالتمييز، وجرى التأكيد على الحرص الشديد على إجراء الشهادة الرسمية بأمان والحفاظ على مستواها، ووضعت خطة طوارئ محكمة لضمان سير الامتحانات بأمان.
حيث ستقوم جميع الأجهزة بتوفير الأجواء الملائمة للطلاب وسيتم استنفار جيش وعناصر أمن، ومن المضحك المبكي محاولة إصدار ما يسمى بـ”هدنة تربوية” مع “إسرائيل” بحسب صحيفة النهار اللبنانية والتي علمت أنّ الرئيسَين نبيه بري رئيس مجلس النواب، ونجيب ميقاتي رئيس الحكومة، أجريا سلسلة من الاتصالات لتأمين أجواء هادئة نسبيًا في الجنوب لتلامذة الشهادتين المهنية والثانوية.
وشملت الاتصالات المنسقة الخاصة للأمم المتحدة، جنين بلاسخارت، وسفراء وقوّة “اليونيفيل” لتجري الأخيرة اتصالات مع الجيش الإسرائيلي في محاولة لضمان ظروف أمنية هادئة لمراكز الامتحانات في محافظتَي الجنوب والنبطية، وعدم الإقدام على إطلاق مسيّرات أو القيام بأعمال عسكرية طوال أيام الامتحانات.
وسيوفّر الجيش الحماية المطلوبة للمراكز وتأمين سير وصول التلامذة من بلداتهم إلى هذه المراكز.
هي تصريحات أثارت استهزاء اللبنانيين خاصة بعد الإصرار الكبير على إجراء الامتحانات رغم المخاطر، كأن “إسرائيل” ترحم وكأن هناك من يردعها، وهي التي لها باع طويل في قتل الأطفال والنساء وتدمير مراكز الإيواء والمستشفيات والمدارس، فوساطات دول ورؤساء فشلت في عمل هدنة! حتى يستأذنوها اليوم في لبنان بكل سذاجة بهدنة لأجل امتحانات ثانوية في بلد متهالك! في النهاية يعد إجراء الامتحانات تهورًا خاصة في ظل التصعيد بين “حزب الله” و”إسرائيل” خلال الأيام الأخيرة!
وفيما يخص نموذج الامتحانات، ففضلت الوزارة تقليص المناهج لمراعاة الطلاب الذين لم يكملوا المنهج الدراسي، واعتماد نماذج جديدة مخففة فيها طابع الاختيار بين الأسئلة، كالإجابة عن 4 أسئلة من أصل 7 والاختيار بين المواد غير الأساسية كالاختيار بين مسابقة الجغرافيا والتاريخ والتربية الوطنية.
واقع معيشي متناقض رغم التهديدات
عاش طلاب لبنان سنة دراسية عادية درسوا فيها داخل صفوفهم، أجروا الامتحانات ثم المهرجانات الرياضية والفعاليات الثقافية حتى حفلات التخرج وما يوازيها من مناسبات، لا يشعر أغلب هؤلاء بوجود حرب إطلاقًا خاصة في بيروت والشمال، ورغم قصر المسافة بينهم وبين الجنوب ورغم صغر حجم لبنان لا يربطهم بالجنوب سوى صور ومشاهد يشاهدونها على التلفاز أو على الهواتف رغم أن الخطر ليس بعيدًا عنهم.
أما في الجنوب وقرى الحدود تحديدًا يختلف الأمر بين الطلاب، ففي مدن الجنوب الرئيسية وحتى البعيدة عن الحدود يعيش الأهالي قلقًا دائمًا وترعبهم الأصوات، فيذهبون إلى المدارس مترددين ولسان حالهم يقول هل ستبدأ الحرب غدًا؟ لكن رغم التوترات، فإن حياتهم تعد شبه عادية ودرسوا داخل صفوفهم، ويكون الوضع أكثر مأساوية في القرى الحدودية التي دمر أغلبها كعيترون وعيتا وكفر كلا، ولحق الضرر بالكثير من المباني والمدارس وقتل وشرد أهلها وتضررت معها السنة الدراسية خاصة الطلاب الذين عانوا التهجير والضيق المادي والحرمان من التعليم.
يعيش لبنان حالة من التناقض، فرغم الحرب التي تتزايد في الجنوب والتهديدات اليومية، هناك وافدون بالآلاف إلى لبنان يوميًا عبر مطارها، فنادق مكتظة، مطاعم ومنتجعات محجوزة، وأسواق تشهد عملية بيع وشراء عالية، لا هم خائفون ولا كأن الحرب قريبة منهم، فهل ملوا من القلق أم اعتادوا المشهد؟ وبين مقولة “اللبناني يصنع الحياة” ومقولة “تهذبوا في حضرة الموت” نلاحظ الهجرة والخوف من الجانب الإسرائيلي التي ارتفعت هجرتهم من البلاد حتى وصلت بحسب مصادر إلى نصف مليون.