يشن النظام المصري منذ 8 من فبراير الحاليّ حربًا شعواء ضد حزب مصر القوية، بدأت باعتقال محمد القصاص نائب رئيس الحزب، ثم اعتقال رئيس الحزب الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، ثم التحفظ على مقر الحزب، والآن القضاء المصري ينظر دعوى – قدمها محامٍ موالٍ للنظام – تطالب بحظر وحل الحزب. كل هذه الانتهاكات تعرض لها الحزب في أقل من 10 أيام، فلماذا يشن النظام حربًا شرسة على حزب سياسي قانوني؟
2012.. البداية
قبل ست سنوات، انطلقت حملة الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح الرئاسية، بمناسبة انتخابات الرئاسة المصرية 2012، التي حلّ فيها أبو الفتوح في المركز الرابع بما يزيد على 4 ملايين صوت من إجمالي 23 مليون ونصف صوت تقريبًا، خلف محمد مرسي مرشح جماعة الإخوان المسلمين، والفريق أحمد شفيق آخر رئيس وزراء في عهد مبارك، والسياسي اليساري حمدين صباحي.
لم ينتهِ مشروع أبو الفتوح السياسي بخسارته الانتخابات، فالتنوع السياسي والاجتماعي الذي تميزت به حملته بمشاركة أشخاص ذات خلفيات إسلامية ويسارية وليبرالية وثورية، دفع شركاءه إلى التفكير في استثمار هذا التنوع، وسعوا لإنشاء حزب سياسي يعبر عن الكتلة التصويتية التي آمنت بمشروعهم السياسي، وبالفعل وافقت لجنة شؤون الأحزاب السياسية على الحزب رسميًا برئاسة أبو الفتوح في 12 من نوفمبر 2012.
ثم 3 من يوليو
تفاعل حزب “مصر القوية” منذ ذلك الحين مع الأحداث والقضايا التي شهدتها مصر حتى جاءت لحظة التحول السياسي، حيث مظاهرات 30 من يونيو 2013 التي دعت إليها حركة “تمرد” لإجبار الرئيس الأسبق محمد مرسي على عدم استكمال فترته الرئاسية وإجراء انتخابات مبكرة، وقد أعلن الحزب مشاركته في هذه المظاهرات.
في 3 من يوليو 2013، وبعد تظاهر عدة ملايين في شتى محافظات مصر، أعلن عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع آنذاك، عزل الرئيس محمد مرسي وتعطيل الدستور، ورغم مشاركة حزب مصر القوية في مظاهرات 30 من يونيو، فإن أبو الفتوح، أعلن رفضه للطريقة التي تم بها عزل محمد مرسي، وأكد منذ اللحظة الأولى أن ما حدث في 3 من يوليو “انقلاب عسكري”، وأن مظاهرات 30 من يونيو كانت يجب أن تتوقف عند الضغط على مرسي بالدعوة لإجراءات انتخابات رئاسية مبكرة، مشيرًا إلى أن التدخل العسكري أدى إلى احتقان الأزمة.
على كل حال، تم عزل مرسي، ومنذ ذلك الحين ومصر تشهد صراعًا سياسيًا واجتماعيًا كبيرًا، تصاعدت على إثره إجراءات السلطة الجديدة الاستثنائية ضد قوى الثورة والمعارضة، ولم يُستثنى منها بالطبع حزب مصر القوية بعد موقف أبو الفتوح الصريح ضد ما حدث في 3 من يوليو من جانب، وبعد السياسة التطهيرية التي اتبعها النظام الجديد ضد القوى الثورية والإسلامية من جانب آخر.
السيسي يخشى أبو الفتوح
في أكتوبر 2013، تداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي تسريبًا لحوار جمع بين السيسي – كان ما زال وزيرًا للدفاع – وياسر رزق رئيس تحرير صحيفة المصري اليوم آنذاك، هاجم فيه السيسي بقوة أبو الفتوح، ووصفه بـ”الإخواني المتطرف”.
لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل أبدى السيسي قلقه مما سيفعله به صاحب المركز الرابع في انتخابات 2012 الرئاسية إذا ما وصل إلى سدة الحكم، ليعلق “رزق” قائلًا: “هيعلقنا زي الدبيحة”.
https://www.youtube.com/watch?v=6R-w9hru-tY
الحزب يقاطع النظام
لم يكن إعلان الحزب مقاطعة الانتخابات الرئاسية، المزمع إجراؤها في مارس المقبل، أول تحدٍ لنظام ما بعد 3 من يوليو، فسبق وأن قاطع جميع المناسبات الانتخابية، بداية من استفتاء الدستور يناير 2014، حيث أصدر بيانًا، حينذاك، جاء فيه: “كان حزب مصر القوية منذ البداية جزء لا يتجزأ من حراك 30 من يونيو، وداعمًا لمطلبه الأساس الذي خرجت الجماهير من أجله بانتخابات رئاسية مبكرة وفق آليات دستورية منضبطة ونزيهة لحسم الخلاف السياسي المتزايد يومًا بعد يوم”.
وأضاف البيان: “الأجواء التي صاحبت ما قبل عملية الاستفتاء من شحن جماهيري وتوجيه إعلامي فج، وكذلك استغلال المال العام والموارد من السلطة التنفيذية، والتخوين لكل رافضي المشروع لأسباب موضوعية، ثم أخيرًا حملة اعتقالات والانتهاكات الأمنية التي تعرض لها أعضاء الحزب خلال ممارسة حقهم الدستوري والقانوني في دعوة المواطنين للتصويت بـ”لا” على الدستور، كل ذلك جعل من إعادة تقييم موقفنا من المشاركة في هذه العملية أمرًا منطقيًا بل وواجبًا”.
قاطع حزب مصر القوية أيضًا انتخابات 2014 الرئاسية، وأشار متحدثه الرسمي آنذاك أن موقفهم بعدم المشاركة في تلك الانتخابات جاء بعد استطلاع آراء الهيئة العليا واتفاق المكتب السياسي للحزب على دعم موقفهم السابق بعدم الدفع لمرشح في الانتخابات، ولم يتغير شيء في المشهد السياسي والظروف المحيطة به”.
الموقف الحزبي ذاته تكرر مع الانتخابات البرلمانية في 2015، حيث أعلن الحزب مقاطعته لها، واصفًا إياها بـ”الهزلية”، في بيان، فند فيه “كيف تسعى الدولة لأن يكون البرلمان مفصلًا يلبي رغباتها وتطلعاتها ولا يراقبها أو يحاسبها”.
التنكيل بأعضاء “مصر القوية”
لم يقاطع حزب مصر القوية الاستحقاقات الانتخابية بعد 3 من يوليو من فراغ، فالمناخ العام الذي شهد عصفًا غير مسبوق بحقوق وحريات المواطنين بدعوى محاربة الإرهاب، شكّل أحد أسباب المقاطعة، هذا المناخ السالب للحقوق والحريات طال أعضاء الحزب أكثر من مرة، ففي يناير 2014، وبمناسبة دعوة النظام المصريين للتصويت على استفتاء الدستور، دعا ثلاثة من أعضاء حزب مصر القوية، المواطنين بمنطقة حدائق القبة بالقاهرة، إلى التصويت بـ”لا” على استفتاء الدستور، فاعتقلتهم الشرطة بتهمة تحريض المواطنين على رفض الدستور! وهو ما دفع النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، آنذاك، لتدشين حملة “دستوركم خانة واحدة”، احتجاجًا على ذلك.
مع وصول السيسي لقصر الاتحادية، منتصف 2014، زادت أجهزة الدولة من تحرشها بالحزب، فمنعت بعض قياداته من السفر وأضافتهم على قوائم الإرهاب، وتحفظت على أموالهم
فيما نددت عدة منظمات حقوقية دولية بالواقعة، من ضمنها منظمة “هيومن رايتس ووتش“، حيث قال جو ستورك نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المنظمة: “ينبغي للمواطنين المصريين أن يكونوا أحرارًا في اختيار التصويت مع الدستور الجديد أو ضده، لا أن يخافوا من الاعتقال لمجرد إقامة حملة للتصويت بلا، إن حماية الحق في التصويت تستلزم ضمان الحق في حرية التعبير”.
بعد شهر واحد، أي في فبراير 2014، حُكم على “معتقلي الدستور” بالسجن 3 أعوام.
ومع وصول السيسي لقصر الاتحادية، منتصف 2014، زادت أجهزة الدولة من تحرشها بالحزب، فمنعت بعض قياداته من السفر وأضافتهم على قوائم الإرهاب، وتحفظت على أموالهم.
ولم يدخر النظام جهدًا في التضييق على الحزب، فبعد تشويهه إعلاميًا ومنع بعض قياداته من السفر، اتجه إلى مصادرة ومنع فعالياته، على سبيل المثال، في يناير 2015، أبدى عبد المنعم أبو الفتوح استياءه من عدم تمكن الحزب من حجز قاعة في فندق أو مؤسسة حكومية لعقد المؤتمر العام للحزب، وهو اجتماع إجرائي تنظيمي تقليدي.
دعا أبو الفتوح، 29 من يناير الماضي، برفقة عدد من الشخصيات السياسية المعارضة، إلى “وقف الانتخابات باعتبارها فقدت الحد الأدنى من شرعيتها”
يقول أبو الفتوح: “على مدار 3 أشهر، واجه الحزب صعوبات لعقد هذا المؤتمر، حيث يتم إلغاء الحجز بعد يومين بناءً على تعليمات الأمن الوطني، هكذا تم إلغاء 27 حجزًا”!
وأضاف رئيس حزب مصر القوية: “نحن أمام سلطة تمنع الاجتماعات الإجرائية للأحزاب المعارضة، هذا هو النظام البوليسي السري الذي يحكم مصر”، لافتًا إلى أن هذا “لم يحدث في عهد مبارك”.
وفي يناير 2017، ألقت قوات الأمن القبض على حسام النجار أمين الحزب بالإسكندرية، بتهمة الانضمام لجماعة محظورة وحيازة منشورات تحرض ضد الدولة وتهدد السلم العام.
الدعوة لوقف انتخابات 2018
في 24 من يناير الماضي، دعا أبو الفتوح إلى مقاطعة انتخابات 2018 الرئاسية، بعد تعدد وسائل تنكيل النظام بالمرشحين من اعتقال وتهديد، قائلًا: “حفاظًا على كرامة الوطن الذي نعتز بالانتماء إليه، وصونًا لقيمة الإرادة المصرية الحرة، التي تم العدوان عليها من النظام الحاليّ، أدعو المصريين الشرفاء لمقاطعة مهزلة الانتخابات الرئاسية الحاليّة ترشيحًا وتصويتًا”.
وفي بيان مشترك، دعا أبو الفتوح، 29 من يناير الماضي، برفقة عدد من الشخصيات السياسية المعارضة، إلى “وقف الانتخابات باعتبارها فقدت الحد الأدنى من شرعيتها، ووقف أعمال الهيئة الوطنية للانتخابات وحل مجلسها لأنه تستر على تدخل أمني وإداري في الانتخابات المفترضة”، بحسب البيان، وأخيرًا دعا الموقعون على البيان “كل قوى المعارضة الفاعلة لتشكيل جبهة تدرس الخطوات والخيارات القادمة وتستدعي الشراكة الشعبية فيها”.
كانت هذه الدعوة بمثابة القشة التي قسمت ظهر البعير، فبعدها بأيام قليلة شن النظام حربه الشعواء الشاملة على حزب مصر القوية.
اعتقال القصاص
بدأت هذه الحرب مساء 8 من فبراير الحاليّ، باعتقال أجهزة الأمن لمحمد القصاص نائب رئيس الحزب، واقتحام منزله ومصادرة أغراضه ومنع أسرته من دخوله، ثم عرضه على نيابة أمن الدولة العليا وحبسه 15 يومًا على ذمة التحقيق في اتهامه بالتخطيط لاغتيالات سياسية خلال فترة الانتخابات.
من جانبه رد حزب مصر القوية على اعتقال القصاص في بيان رسمي، جاء فيه: “يؤكد الحزب التزامه بمعارضة سياسات النظام الحاكم بالأدوات السياسية المدنية السلمية، ويحمل الحزب النظام الحاكم مسؤولية استهداف السياسيين المعارضين؛ الأمر الذي يؤدي إلى الإجهاز على ما تبقى من الحياة السياسية أو أي فرص مستقبلية للتداول السلمي للسلطة، ومصادرة الحقوق والحريات العامة، وهو ما يتهدد السلم الأهلي لأي مجتمع”.
بعد اعتقال القصاص، ظهر أبو الفتوح على شاشة “الجزيرة مباشر” في لقاء تليفزيوني مطول، هاجم فيه النظام الحاليّ وعلى رأسه عبد الفتاح السيسي، مؤكدًا أنه يحكم مصر بمنطق “يا أحكمكم يا أقتلكم”، وقال أيضًا إنه يدرك أن ثمنه لدى النظام “مجرد رصاصة”.
اعتقال أبو الفتوح.. والحزب يعلق نشاطه
بعد لقاء أبو الفتوح التليفزيوني، تحركت أذرع النظام الإعلامية وهاجمته بضراوة، وطالبت باعتقاله، وبالفعل اعتقلت أجهزة الأمن، مساء الأربعاء الماضي، عبد المنعم أبو الفتوح، عقب عودته إلى مصر، برفقة أعضاء المكتب السياسي للحزب، قبل أن تفرج عن الجميع باستثناء أبو الفتوح الذي قررت نيابة أمن الدولة العليا حبسه 15 يومًا على ذمة عدة تهم منها “نشر وإذاعة أخبار كاذبة من شأنها الإضرار بالمصالح القومية للبلاد، تولي قيادة بجماعة أنشئت على خلاف أحكام القانون، الغرض منها الدعوة إلى تعطيل أحكام الدستور والقوانين ومنع مؤسسات الدولة والسلطات العامة من ممارسة أعمالها والاعتداء على الحرية الشخصية للمواطنين والإضرار بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي، وشرعية الخروج على الحاكم، وتغيير نظام الحكم بالقوة، والإخلال بالنظام العام وتعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر”.
لم يكتفِ النظام باعتقال رئيس “مصر القوية” ونائبه، بل وضع الحزب ذاته تحت الحراسة
الغريب أن اتهام النظام لأبو الفتوح بالاشتراك مع جماعة الإخوان المسلمين في تنفيذ تلك التهم يتنافى مع حقيقة فصله بقرار من مجلس الشورى العام للجماعة، 19 من يونيو 2011، على خلفية إعلان نيته في الترشح لانتخابات الرئاسة مخالفًا قرار الجماعة، آنذاك، بعد ترشيح أي من أعضائها.
وفي أول رد فعل له، أصدر حزب مصر القوية بيانًا أعلن فيه تعليقه المؤقت لكل الأنشطة والمشاركات السياسية، والبدء في اتخاذ الإجراءات اللازمة لدعوة المؤتمر العام للحزب لاتخاذ قرار نهائي بشأن وضع الحزب في ضوء التطورات الأخيرة. وقد وصفت منظمة العفو الدولية اعتقال أبو الفتوح بالتعسفي، وقالت إنه ضربة لما تبقى من حق المصريين في المشاركة بالحياة العامة.
الحزب في قبضة الأمن
لم يكتفِ النظام باعتقال رئيس “مصر القوية” ونائبه، بل وضع الحزب ذاته تحت الحراسة، مساء السبت الماضي، حيث اقتحمت قوة من قسم شرطة قصر النيل مقر الحزب الرئيسي بجاردن سيتي، ومنعت العاملين من الدخول إليه، وأكد الحزب، في بيان له، أن قوات الأمن أبلغت العاملين أنه تم التحفظ على مقر الحزب ووضعه تحت الحراسة.
وفي سياق الحرب الشاملة على الحزب، تكفل محامٍ موالٍ للنظام برفع دعاوى قضائية تطالب بتجميد وحظر الحزب، وهي الدعوى التي تنظرها حاليًّا محكمة القضاء الإداري.