رغم نفيه وقوعها، يعمل رئيس الحكومة المغربية سعد الدين العثماني، جاهدًا لتطويق الأزمة التي خلفتها تصريحات الأمين العام السابق لحزبه عبد الإله بنكيران، بين الأحزاب المكونة للائتلاف الحاكم في البلاد، خاصة أن هذه الأزمة تسبب عرقلة عمل الحكومة الأمر الذي انعكس سلبًا على المواطنين، فهل ينجح العثماني في هذه المساعي؟
ميثاق الأغلبية
هذه الأزمة الصامتة، عجلت بتوقيع الأحزاب المشكلة للائتلاف الحكومي، ميثاق الأغلبية مساء أمس الإثنين، ويقوم ميثاق الأغلبية على خمس مرتكزات أساسية، تتعهد الأحزاب المشكلة للأغلبية بالعمل على تحقيقها، وهي: التشاركية في العمل والنجاعة في الإنجاز والشفافية في التدبير والتضامن في المسؤولية والحوار مع الشركاء.
ونص هذا الاتفاق على أن تعمل الأحزاب المكونة للأغلبية الحاكمة في البلاد على حل خلافاتها من داخل آليات الميثاق، وأن تلتزم بمستوى عالٍ من التنسيق والانسجام والدفاع المشترك والتضامن في تحمل الأغلبية لكامل مسؤولياتها الدستورية والسياسية لتدبير الشأن العام، وتحقيق ما التزمت به أمام المواطنات والمواطنين عند التنصيب النيابي، والمساهمة في الرفع من نجاعة وإنتاجية المؤسستين التشريعية والتنفيذية بما يعزز مكانتهما الدستورية ومصداقيتهما.
يهدف ميثاق الأغلبية الحكومية إلى “تأطير عمل ومرجعية اشتغال الحكومة خلال فترتها الحاليّة”
وقّع على هذا الميثاق، الأمناء العموم للأحزاب الست المكونة للحكومة، وهم سعد الدين العثماني الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، وعزيز أخنوش رئيس التجمع الوطني للأحرار، وإدريس لشكر الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وأمحند لعنصر الأمين العام لحركة الشعبية، ومحمد ساجد الأمين العام للاتحاد الدستوري، ونبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية.
ويهدف ميثاق الأغلبية الحكومية إلى “تأطير عمل ومرجعية اشتغال الحكومة خلال فترتها الحاليّة” ويشكل الميثاق بالنسبة للأحزاب المشاركة بالحكومة قيمة معنوية وأخلاقية وسياسية كبيرة لدى كل الأحزاب المشكلة للائتلاف الحكومي”، حسب مصطفى الخلفي، الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، الناطق الرسمي باسم الحكومة.
وقال العثماني إن الميثاق يبلور رؤية مشتركة وموحدة لحسن سير العمل الحكومي، وتعزيز التضامن والتشاور بين مكونات الأغلبية، وأوضح في تصريح له أن ذلك لا يعني عدم وجود الاختلاف، معتبرًا الميثاق تطورًا إيجابيًا لدى الأحزاب ووعيًا به وبضرورة وجوده، مؤكدًا أن ما يجمع أحزاب الأغلبية أكثر مما يفرقها.
تصريحات بنكيران
توقيع هذا الميثاق يأتي في فترة تعالى فيها الحديث عن أزمة بين الأحزاب المكونة لحكومة سعد الدين العثماني، وخاصة بين حزبي العدالة والتنمية الإسلامي والتجمع الوطني للأحرار الليبرالي والاتحاد الاشتراكي اليساري، نتيجة تصريحات رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران الأخيرة التي تخللتها رسائل قوية إلى خصمه السابق رئيس حزب “التجمع الوطني للأحرار” عزيز أخنوش، وإدريس لشكر زعيم “الاشتراكي”.
https://www.youtube.com/watch?v=Lf3yXFZYHl0
وكان بنكيران قال في الـ3 من فبراير الحاليّ أمام مؤتمر منظمة الشبيبة التابعة لـ”حزب العدالة والتنمية” المغربي: “السيد عزيز (أخنوش) يريد أن يفوز في انتخابات 2021، أود معرفة من هي البصارة التي أخبرته بذلك، السيد عزيز لن يتمكن من الفوز بالانتخابات العامة فقد فشل في الانتخابات داخل حزبه، عليه أن يعرف أن زواج المال والسلطة أمر خطير”.
وتابع بنكيران مخاطبًا رئيس التجمع الوطني للأحرار الذي يشغل منصب وزير الزراعة والصيد البحري: “عزيز أنصحك أن تتابع برنامجًا وثائقيًا أمريكيا عن إنقاذ الرأسمالية، فالأمريكيون يشتكون من تداخل الرأسمال والسياسة، إنكم معجبون بهم إذًا فلتقتدوا بهم”.
وجه بنكيران انتقادات حادة لأمين عام حزب “الاتحاد الاشتراكي” اليساري، إدريس لشكر
ويشغل أخنوش منصب وزير الفلاحة والصيد البحري في حكومة العثماني، وهو المنصب الذي كان يشغله في حكومة بنكيران، قبل أن يترأس “التجمع الوطني للأحرار”، عقب الانتخابات البرلمانية في أكتوبر/تشرين الأول 2016 التي تصدرها حزب “العدالة والتنمية” وحل فيها التجمع رابعًا.
كما وجه بنكيران انتقادات حادة لأمين عام حزب “الاتحاد الاشتراكي” اليساري، إدريس لشكر، وهو أحد الأحزاب المشاركة في الائتلاف الحكومي، مطالبًا إياه بالخجل وعدم فرض شروطه على العثماني القيادي الأول في حزب بنكيران.
ملامح الأزمة
ملامح الأزمة داخل الحكومة المغربية بدأت تتضح عقب التغيب الجماعي لوزراء حزب “التجمع الوطني للأحرار” عن اجتماع مجلس الوزراء الذي عقد في 8 من فبراير الحاليّ، مما اعتبره محللون سياسيون “مقاطعة” لأعمال الحكومة على خلفية تصريحات بنكيران، إلى جانب عدم مرافقة وزراء “الأحرار” رئيس الحكومة سعد الدين العثماني في زيارته لشرق المغرب التي تعيش على وقع احتجاجات ساكني “جرادة”، رغم أنه كان مقررًا مشاركة عدد منهم ضمن الوفد الحكومي الذي زار المنطقة نهاية الأسبوع المنصرم.
وقبل توقيعه على ميثاق الحكومة، قال نبيل بنعبد الله الأمين العام حزب التقدم والاشتراكية، “علينا تصفية الأجواء تمامًا داخل مكونات الأغلبية، لتجاوز الصورة التي لا تليق بما نطمح إليه بالنسبة للحكومة التي يترأسها الصديق والأخ العثماني”.
غياب وزراء “الأحرار” عن اجتماع الحكومة
ودعا بنعبد الله الذي بدا مناصرًا بشكل ضمني لما جاء على لسان بنكيران إلى تصفية الأجواء داخل الأغلبية الحكومية، مشيرًا إلى أن حزبه سبق وأن أكد في بلاغات كثيرة أنه يريد لهذه الحكومة أن تكون قادرة على إصلاح الأوضاع الاجتماعية والتفاعل مع القضايا الأساسية ودعم المسار الديمقراطي.
كما انتقد المكتب السياسي للحزب ضمن بلاغ له، ردود فعل حزبي “الأحرار” و”الاشتراكي” دون أن يسميهما، معربًا عن موقفه الرافض لما أسماه “الممارسة السياسية والحزبية التي تصل إلى حد عدم الاضطلاع بمهام دستورية”، وذلك في انتقاد لما بدر من وزراء الحزبين المشاركين في الائتلاف الحكومي.
واعتبر “التقدم والاشتراكية” ردود الفعل التي أدت إليها التفاعلات “غير مواتية ولا مسبوقة، وصلت إلى حد عدم الاضطلاع بمهام دستورية”، وهو ما يمثل رسالة مشفرة إلى وزراء الحزبين الذين “غابوا عن اجتماع المجلس الحكومي”، واتهامهم بـ”عدم الاضطلاع بمهام دستورية”.
تداعيتها
من شأن هذه الأزمة بين أطراف الائتلاف الحاكم في حال تواصلها أن تسبب حسب متابعين للشأن العام في المملكة زيادة تأزم الوضع في البلاد وارتفاع حدة الاحتقان الاجتماعي في مناطق مختلفة من المملكة، فمكونات الائتلاف مهتمة بمشاكلها والصراعات بينها، دون أن تولي أي اهتمام لمشاكل المواطنين.
ويتوقع خبراء، أن تمدد رقعة الاحتجاجات الشعبية أكثر هذه السنة، وخصوصًا أنها تتخذ مطالب اجتماعية محضة رافعة لها، من قبيل رفع التهميش وإرساء التنمية، أو المطالبة بالتحقيق في عدم تنفيذ مشاريع ملكية، أو الشكاوى من ارتفاع أسعار الماء والكهرباء، أو من ندرة الماء الصالح للشرب، وغيرها من المطالب.