ترجمة وتحرير: نون بوست
تبلغ هيلين كيتانيا من العمر 27 سنة، وتعيش في أحد أحياء تل أبيب الجنوبية، حيث يتركز عشرات الآلاف من الأفارقة الذين طلبوا اللجوء السياسي في “إسرائيل”، غالبيتهم العظمى من الرجال. كما يوجد العديد من النساء أيضا مثل هيلين، التي كانت مجبرة أحيانا على مزاولة بعض الوظائف المحفوفة بالمخاطر وغير المستقرة، سواء في غسيل الملابس، أو تنظيف السيارات أو أي مكان آخر، التي لا يريد السكان المحليون العمل بها.
تزامنا مع بداية شهر شباط/ فبراير، شرعت وزارة الداخلية الإسرائيلية في نشر شعارات مكتوبة تهدف إلى إعلام اللاجئين بإلزامية اتخاذ القرار، مؤكدة أنها قد منحتهم أجلا للتفكير لمدة بضع أسابيع. وإذا كانوا لا يرغبون في دخول السجن، فيتعين عليهم مغادرة “إسرائيل” نحو أوغندا أو رواندا، وهما الدولتان اللتان تفاوضت معهما السلطات الإسرائيلية لاستضافة اللاجئين، على الرغم من عدم وجود مواطنين من هذين البلدين كلاجئين في “إسرائيل”.
وتجدر الإشارة إلى أن هيلين هي شابة مسيحية وافدة من إريتريا، البلد الذي لديه أكثر نسبة لاجئين في “إسرائيل”، وهي تقضي معظم وقتها في مساعدة النساء الأفريقيات الأخريات، منهم المعوقات، أو اللاتي عجزن عن مواصلة طريقهن. وفي هذا الصدد، قالت هيلين، وهي متزوجة وأم لطفلة تبلغ من العمر أربع سنوات، إن “النساء في إريتريا تتعرض للاضطهاد فقط لكونهن نساء، لاسيما اللواتي يعيش أزواجهن أو إخوانهن خارج البلاد”. وأضافت: “الوضع هناك معقد جدا، وأحيانا يتم سلب النساء أعضاءهن لبيعها”.
تقدم الحكومة الإسرائيلية لفائدة الإريتريين مبلغا تصل قيمته إلى ثلاثة آلاف دولار، عند المرور بمكاتب خدمات جوازات السفر في مطار تل أبيب، لكن هذه الأموال غالبا ما تتحول ضد المهاجرين فور وصولهم إلى أوغندا أو رواندا
في أوغندا ورواندا يعرفون أن الإريتريين يسافرون مقابل أموال وغالبا ما يتعرضون للسرقة
تواصل هيلين الحديث عن معاناتها قائلة: “أريد العودة إلى إريتريا، لكن قبل ذلك يجب تغيير الحكومة أولا، لأن العودة تعد أمرا مستحيلا في ظل بقاء الحكومة الحالية”. وما يبدو أن هذه الحجة مشتركة بين جميع الإريتريين الموجودين في “إسرائيل”، والحكومة تعلم ذلك جيدا، لذلك سعت إلى منحتهم إمكانية الذهاب إلى رواندا أو أوغندا وتجنبت إريتريا. في المقابل، يدرك بعض اللاجئين الإريتريين الذين اتخذوا هذا المسار مدى خطورة الهجرة نحو هذه البلدان نظرا لصعوبة الحياة هناك“.
من جهتها، تقدم الحكومة الإسرائيلية لفائدة الإريتريين مبلغا تصل قيمته إلى ثلاثة آلاف دولار، عند المرور بمكاتب خدمات جوازات السفر في مطار تل أبيب، لكن هذه الأموال غالبا ما تتحول ضد المهاجرين فور وصولهم إلى أوغندا أو رواندا، نظرا لأنهم على علم بأن الإريتريين يسافرون مقابل الأموال ما يجعلهم عرضة للسرقة.
في هذا الإطار، نقل ميخائيل تكليت، وهو شاب مسيحي آخر جاء من إريتريا منذ تسع سنوات ويبلغ من العمر 17 سنة، مدى معاناته في بلده قائلا “لقد احتجزوني في إريتريا ثم جنّدوني في الجيش. على إثر ذلك، تمكنت من الفرار واللجوء إلى السودان، لكن الحياة هناك لم تكن سهلة بالمرة، لذلك قررت الهرب إلى مصر. وسواء في السودان أو في مصر، كنت دائما عرضة لمطاردة أعوان الشرطة، فواصلت طريقي وصولا إلى “إسرائيل” عبر سيناء”.
لكن، لا يستبعد ميخائيل إمكانية دخوله إلى السجن في “إسرائيل” لأنه لن يقبل مسألة ترحيله نحو أي بلد أفريقي. وفي هذا الصدد، أكد ميخائيل أن “الحكومة الإسرائيلية أعلنت أن هذه العملية ليست عملية ترحيل، وإنما رحلة طوعية، إلا أنهم في الحقيقة يريدون إجبارنا على مغادرة أراضيهم. وأنا شخصيا أفضل البقاء في السجن”. كما أكد ميخائيل أن الغالبية العظمى من الإريتريين يشاطرونه نفس الرأي.
هذا الشاب (ميخائيل) مجبر على تجديد التأشيرة التي يتلقاها بصفة دورية، حيث اعترف بأنه “قبل أربع سنوات، قامت الشرطة باستجوابي وقمت بطلب اللجوء، لكن إلى حد الآن لم أتلق أي رد”
منذ وصوله إلى “إسرائيل”، عمل هذا الشاب في وظائف هشة، سواء في المطابخ أو التنظيف دون أن تكون هناك أي فائدة ترجى من الدولة. و في هذا السياق، صرح ميخائيل “لا أريد البقاء في “إسرائيل” إلى الأبد، وإنما فقط إلى حين أن تتحول إريتريا إلى بلد آمن بالنسبة لي، وهو أمر مستحيل في الوقت الحاضر بسبب افتقار المنطقة إلى أدنى مستويات الحرية. كما أنه من المؤسف أن تقوم الحكومة الإسرائيلية بتقديمنا أمام المجتمع على أننا مجرمون، في حين أننا نحلم جميعا بالعودة إلى إريتريا، لأننا لا نملك أسرة هنا”.
لا يمكننا استئجار غرفة في مكان آخر من “إسرائيل”، لهذا السبب فضلنا الاستقرار في جنوب تل أبيب
واصل الشاب ميخائيل حديثة قائلا “نحن ندرك أن العديد من اللاجئين يعيشون في جنوب تل أبيب، لأن الحكومة الإسرائيلية لا تمنحنا أي خيار آخر، فنحن غير قادرين على استئجار غرفة في أحياء أخرى من المدينة أو في المدن الإسرائيلية الأخرى، لهذا السبب نحن مجبرون على البقاء في جنوب تل أبيب“. بالإضافة إلى ذلك، إن هذا الشاب مجبر على تجديد التأشيرة التي يتلقاها بصفة دورية، حيث اعترف بأنه “قبل أربع سنوات، قامت الشرطة باستجوابي وقمت بطلب اللجوء، لكن إلى حد الآن لم أتلق أي رد”.
حيال هذه المسألة، عملت ميخال روزين، السياسية الإسرائيلية التي تشغل حاليا منصب عضو في الكنيست عن حزب ميرتس اليساري، على تركيز اهتمامها على قضية اللاجئين لمدة خمس سنوات. وبناء على ذلك، أوردت النائبة “لقد اقترحنا على الحكومة أن تمنح بعض الآلاف من اللاجئين فرصة العمل في جميع أنحاء البلاد، من أجل تخفيف العبء عن الأحياء الجنوبية في تل أبيب. لكن الحكومة لا تتحدث سوى عن الترحيل أو السجن، دون أي خيار آخر”.
تقدر وزارة الداخلية الإسرائيلية وجود حوالي 26 ألف لاجئ من إريتريا، إلى جانب 7500 لاجئ من جنوب السودان
ردا على بعض الاعتراضات التي أثارها اليمين، تعتقد روزين أنه “يتعين على اللاجئين البقاء في “إسرائيل” والتمتع بجميع حقوقهم الاجتماعية حتى يتمكنوا من العودة إلى موطنهم بسلام، ونحن نعتقد أيضا أنهم لا يشكلون أي تهديد بالنسبة لأمننا أو للطابع اليهودي الإسرائيلي”.
من جانبها، قالت جيل، وهي شابة إسرائيلية تعمل لدى إحدى المنظمات غير الحكومية التي تساعد اللاجئين الأفارقة، إن “مهمتنا تكمن في السعي إلى جعل “إسرائيل” تحترم القانون الدولي. ففي أوروبا، يتم استقبال حوالي 91.3 بالمائة من الإريتريين كلاجئين سياسيين، في حين أنه لم يتمكن أي لاجئ إريتري هنا من الحصول على حق اللجوء”.
وفقا لبيانات هذه المنظمة غير الحكومية، تقدر وزارة الداخلية الإسرائيلية وجود حوالي 26 ألف لاجئ من إريتريا، إلى جانب 7500 لاجئ من جنوب السودان. وبالتالي، فإن الخطة الحكومية الأولى تهدف إلى ترحيل جميع اللاجئين الإريتريين والسودانيين الذين ليس لديهم أسَر في “إسرائيل”.
المصدر: بوبليكو