ترجمة وتحرير: نون بوست
حسب منظمة “بتسيلم” الإسرائيلية غير الحكومية، أسست “إسرائيل” 15 منشأة لإعادة تدوير ومعالجة النفايات الصناعية والطبية في الضفة الغربية، لكن هذا النشاط يشكل خطرا على صحة السكان ويضر كثيرا بمواردهم الطبيعية، ليكون بذلك انتهاكا إسرائيليا جديدا لحرمة القانون الدولي.
يبدو أن “إسرائيل” التي تحتل الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية منذ سنة 1967، لم تكتف بعد من طرد 700 ألف مواطن من الضفة الغربية بما في ذلك مستوطنات القدس الشرقية، في غضون نصف قرن. وبقدر أكبر من التكتم مع الحفاظ على السياسة ذاتها في تجاهل القانون الدولي، حولت “إسرائيل” أيضا هذه المنطقة المحتلة إلى مكب للنفايات المنزلية والصناعية. ويعد ذلك تجاهلا لحقوق السكان المحليين، خاصة أن هذه النفايات تشكل خطرا على الإنسان والبيئة.
خلال شهر كانون الأول/ ديسمبر من سنة 2017، نشرت المنظمة الإسرائيلية التي تدافع عن حقوق الإنسان “بتسيلم” تقريرا تحت عنوان “صنع في “إسرائيل”: استغلال الأراضي الفلسطينية لمعالجة النفايات الإسرائيلية”، الذي سلط الضوء على التجاوزات الإسرائيلية. وعلى الرغم من أن هذا التقرير قد نُشر منذ أكثر من شهر، إلا أنه لم يحظ سوى باستجابة ضئيلة داخل “إسرائيل” وخارجها، الأمر الذي يثير الدهشة أكثر حتى من محتوى التقرير في حد ذاته.
كتب آدم ألوني من منظمة بتسيلم، في تقريره أنه “بصفة عامة، لا زالت المعلومات المتعلقة بكميات مختلف أنواع النفايات المصنعة في الضفة الغربية، وأثار هذا النشاط، غير متاحة للعموم”
حسب ما ذكر في هذه الوثيقة، تم تركيز 15 منشأة لمعالجة النفايات في “المناطق التي تم التضحية بها” من الضفة الغربية من أجل تخزين أو إعادة تدوير جزء هام من 350 ألف طن من الفضلات السامة، التي تطرحها “إسرائيل” سنويا. وتشكل الفضلات العضوية 60 بالمائة من إجمالي النفايات، على غرار المواد المذيبة والمشحمة. فيما تشكل نسبة 10 بالمائة منها من المعادن خاصة من المراكم والبطاريات (الرصاص والليثيوم والألومنيوم والنحاس والزنك). أما باقي النفايات، فتتمثل في تربة ملوثة، ومياه الصرف الصناعي والتعبئة وتغليف المنتجات السامة.
في الحقيقة، تتأتى هذه النفايات الخطيرة من جميع قطاعات النشاط الاقتصادي الإسرائيلي، على غرار الكيمياء، والصيدلة، والتكنولوجيا العالية، والتعدين معالجة المعادن، فضلا عن الزراعة، والصناعة العسكرية، والمحروقات والوقود. وتكون باقي النفايات الخطيرة من المستشفيات، ومراكز التمريض والمستوصفات، بالإضافة إلى الشركات أو محلات تصليح السيارات.
حيال هذا الشأن، كتب آدم ألوني من منظمة بتسيلم، في تقريره أنه “بصفة عامة، لا زالت المعلومات المتعلقة بكميات مختلف أنواع النفايات المصنعة في الضفة الغربية، وأثار هذا النشاط، غير متاحة للعموم. كما أن المطالب التي قدمناها في إطار الاستجابة للأحكام القانونية المتعلقة بحرية الإعلام، لا زالت بدورها دون إجابة. كما أن الأسئلة التي طرحها النائب في البرلمان، دوف حنين، على وزارة حماية البيئة والإدارة المدنية لم تلق بدورها إجابة إلى حد الآن على الرغم من أنها طُرحت منذ شهر آذار/ مارس من سنة 2017”.
في السياق ذاته، أكد آدم ألوني لصحيفة “ميديابار”: “لقد تلقينا مكالمة هاتفية من وزارة حماية البيئة، التي أكدت لنا أن قانون حماية البيئة لا يشمل الضفة الغربية، وبالتالي ليس لديها أية معلومات في خصوص نقل المواد الملوثة إلى هذه المنطقة. ويبقى إخفاء المعلومات جزءا كبيرا من المشكلة، حيث وفرت “إسرائيل” ظروفا تمكنها من العمل دون شفافية، ودون قيود أو محاسبة”.
وفقا لمنظمة الصحة العالمية، تحتوي هذه النفايات على كائنات دقيقة قد تشكل خطرا على صحة السكان
في هذا الإطار، ركزت منظمة “بتسيلم” في دراستها على خمس منشآت تتوزع في شمال ووسط الضفة الغربية. وتكشف أنشطة هذه المنشآت عن مدى تنوع المواد التي يتم شحنها إلى الأراضي الفلسطينية لتخزينها أو معالجتها أو إعادة تدويرها، وهي في معظمها أنشطة تنتهك القوانين الدولية وحتى الاتفاقيات التي وقعتها “إسرائيل”. كما تكشف أنشطتها عن مدى استغلال “إسرائيل” للضفة الغربية لصالحها، وعدم الاكتراث باحتياجات الفلسطينيين، ولا للمخاطر التي يتعرضون لها، أو الأضرار التي لحقت بمحيطهم البيئي.
على سبيل المثال، تقوم شركة “إيكو ميديكال”، التي تعد أكبر شركة متخصصة في القطاع الطبي، والوقاع مقرها في منطقة “معلي أفرايم” الصناعية شرقي القدس، بمعالجة ثلاثة آلاف طن من النفايات البيولوجية والطبية كل سنة. ويشمل ذلك معالجة الدم البشري وغيره من السوائل البيولوجية. وسواء كانت ملوثة أو غير ملوثة، تتخلص المختبرات من هذه السوائل، علاوة على بقايا الحيوانات التي تجرى عليها البحوث المخبرية، والنفايات الناتجة عن علاج المرضى المصابين بأمراض معدية داخل غرف العزل، وبقايا المعدات المستخدمة لرعايتهم من قبل الطاقم الطبي للمستشفى.
وفقا لمنظمة الصحة العالمية، تحتوي هذه النفايات على كائنات دقيقة قد تشكل خطرا على صحة السكان، ويتسبب نقلها ومعالجتها في تزايد الأخطار الناجمة عن التلوث. فقد تبين أن هذه المواد السامة والمعالجة تحتوي على المستحضرات الصيدلانية مثل المضادات الحيوية أو المنتجات المعدة لعلاج السرطان. ونوهت منظمة “بتسيلم” في تقريرها بأن “هذه المخاطر تعد أكبر من القوانين الإسرائيلية المتعلقة بإدارة النفايات الطبية، نظرا لأنها لا تستجيب بشكل جدي وإلى حد كبير للأخطار التي تشكلها هذه النفايات”.
نفايات المذيبات والمواد الكيميائية الأخرى، التي تصل كميتها إلى قرابة 50 ألف طن سنويا، تمثل قرابة 15 % من النفايات الخطرة التي تنتجها مختلف القطاعات الصناعية الإسرائيلية
لا ينطبق التشريع البيئي الإسرائيلي على الضفة الغربية
تأسست شركة “كمبوست أور” في شرق مستوطنة “أريئيل” الشاسعة، وهي متخصصة في إعادة تدوير الحمأة الناتجة عن معالجة مياه الصرف الصحي. ووفقا للأرقام الصادرة عن وزارة البيئة، تم إعادة تدوير 65 بالمائة من هذه الحمأة، أي ما يعادل 387 ألف طن سنة 2015، في إنتاج الأسمدة الزراعية، فيما ألقي 32 بالمائة في البحر الأبيض المتوسط مع دفن ثلاثة بالمائة المتبقية. كما أعيد تدوير ما يقارب 60 بالمائة من الحمأة (ما يعادل 225 ألف طن) من قبل مصنع “كمبوست أور” الذي يستقبل الحمأة من 25 مركزا مختصا في معالجة مياه الصرف الصحي في جميع أنحاء “إسرائيل”، من إيلات إلى حيفا، مرورا ببئر السبع، والقدس، وهرتسليا، أو كرميئيل.
إلى جانب ذلك، تنتشر في “إسرائيل” بعض المرافق الأخرى المماثلة، وفي هضبة الجولان المحتلة منذ سنة 1967 قبل أن تضمها “إسرائيل” رسميا سنة 1981. ولكن قدرتها الإنتاجية السنوية لا تتجاوز عشرات الأطنان. وعلى الرغم من أن الحمأة الناتجة عن مياه الصرف الصحي لا تعتبر نفايات خطيرة، إلا أن عملية معالجتها تفرز رائحة لا تطاق بالنسبة للأهالي الذي يقطنون بالقرب من مراكز المعالجة. كما أن أدنى حادث في تشغيل المحطة يمكن أن يسبب في تلوث كارثي للتربة والمياه والغلاف الجوي، وفي نشر إفرازات مسببة للأمراض.
وتجدر الإشارة إلى أن نفايات المذيبات والمواد الكيميائية الأخرى، التي تصل كميتها إلى قرابة 50 ألف طن سنويا، تمثل قرابة 15 بالمائة من النفايات الخطرة التي تنتجها مختلف القطاعات الصناعية الإسرائيلية. ويتم إعادة تدوير قرابة 40 بالمائة من هذه الفضلات في خمسة مصانع. أما الباقي، فلا يُعاد تدويره بل يُحول إلى طاقة في مرفقين بنيا في أراضي تابعة “لإسرائيل”، حيث يتمثل المرفق الأول في محرقة النفايات في “رمات حوفاف” شمال النقب، والثاني مصنع إسمنت في مدينة “نيشر” الواقعة جنوب شرق حيفا.
تعتبر “إي إم إس” الشركة الإسرائيلية الوحيدة التي تحظى بترخيص عالمي لمعالجة النفايات الإلكترونية، حيث عالجت 55 طنا من البطاريات المستخدمة خلال سنة 2015 وأكثر من ضعف هذه الكمية خلال سنة 2017.
أما مصنع “ميتا ريسايكلينغ تكنولوجيز” فيقع في مستوطنة “معاليه أدوميم” تحديدا بين القدس والبحر الميت، الذي يعد واحدا من خمسة مراكز مختصة في إعادة التدوير. وهو متخصص في تحويل المذيبات التي تترتب عن إنتاج الدهانات والغراء والطلاء وأحبار الطباعة وغيرها من المنتجات الثانوية للصناعات الدوائية والكيميائية. ويشمل هذا التدوير مرحلة التقطير التي تفرز مواد ملوثة في الغلاف الجوي، والتي يمكن تحويلها أيضا إلى مبيدات الآفات، والدهانات، والمستحضرات الصيدلانية، وكل هذه المواد تشكل خطرا على البشر والبيئة.
من بين المرافق الأخرى التي درستها منظمة “بتسيلم”، ذُكر مرفقان آخران يشكلان خطرا مماثلا: هما “غرين أويل إنرجي” الواقعة في المنطقة الصناعية لمستوطنة “أريئيل” جنوبي نابلس، و”أي إم إس”، الواقعة على مقربة من مستوطنة “شيلو” جنوب نابلس. وتختص الأولى في معالجة الزيوت الصناعية من صناعات السيارات والطيران والبحرية ومواد التشحيم والسوائل المستخدمة في الأنظمة الهيدروليكية. ويتم تحويل هذه الزيوت والمستحلبات إلى وقود للتدفئة. وقد يؤدي نقلها وإعادة تدويرها إلى إلحاق أضرار جسيمة طويلة الأمد بالموارد المائية، كما يشكل خطرا كبيرا على الحياة البرية والنباتات وعلى صحة الإنسان.
أما المرفق الثاني، الذي أنشئ سنة 1989، فهو متخصص في إعادة تدوير البطاريات والمراكم وغيرها من المنتجات الثانوية لصناعة الإلكترونيات المدنية والعسكرية أو قطاع الاتصالات. وتعتبر “إي إم إس” الشركة الإسرائيلية الوحيدة التي تحظى بترخيص عالمي لمعالجة هذه النفايات الإلكترونية، حيث عالجت 55 طنا من البطاريات المستخدمة خلال سنة 2015 وأكثر من ضعف هذه الكمية خلال سنة 2017.
فلسطيني يجمع النفايات البلاستيكية في قرية كفر راي
على ضوء هذه المعطيات، لسائل أن يسأل: لماذا تحتل “إسرائيل” هذه الأراضي (الضفة الغربية) وتجعل منها مكبا لفضلاتها السامة؟ تعرف الدولة العبرية نفسها عن طيب خاطر بأنها “دولة ناشئة”، كما يعتقد العديد من السياسيين أن أراضي الضفة الغربية قد منحها إياهم الكتاب المقدس تحت مسمى “يهودا والسامرة”، على الرغم من أن الضفة الغربية تعد أصغر بأربع مرات من “إسرائيل”. كما يبدو أن السبب الرئيسي يتمثل في التشريع الذي يدير هذا النشاط في “إسرائيل”، الذي لا يشمل الضفة الغربية التي يعيش سكانها تحت الإدارة العسكرية ولا يتمتعون بأي صوت، حتى عندما يتعلق الأمر بالصحة.
في “إسرائيل”، يتطلب نقل ومعالجة المنتجات الخطرة تصريحا خاصا. ويتطلب قانون “الهواء النقي” الذي أقر سنة 2008 دراسة منتظمة لكشف مدى تأثير المرافق الملوثة على البيئة في “إسرائيل”. أما بالنسبة لاتفاقية بازل لسنة 1989، التي صادقت عليها “إسرائيل” خلال سنة 1994، فهي تتطلع إلى تنظيم حركة نقل النفايات الخطرة “العابرة للحدود”.
ينص القانون الدولي على أنه “لا يجوز للسلطة القائمة بقوة الاحتلال أن تستخدم الأراضي المحتلة ومواردها لتلبية احتياجات التنمية الاقتصادية للمحتل”
وفقا للمسؤولين الإسرائيليين، لا تُطبق هذه الاتفاقية على الضفة الغربية، باعتبار أنها منطقة منفصلة عن الأراضي الإسرائيلية. ومن جهته، أشار آدم ألوني إلى أنه “نتيجة لذلك، تخضع المصانع المسببة للتلوث في “إسرائيل” لتشريعات صارمة لمكافحة التلوث، في حين أن المرافق المسببة للتلوث في المناطق الصناعية الاستيطانية لا تخضع لأية قيود”.
والجدير بالذكر أن “إسرائيل” تتعامل مع الضفة الغربية، وخاصّة الأراضي التي صُنّفت في اتّفاقيّات أوسلو كمنطقة “سي” وبقيت تحت سيطرتها التامّة، على أنّها وُجدت لخدمة مصالحها فقط وكأنّما هي تقع ضمن حدودها السياديّة.
بناء على ذلك، قدمت “إسرائيل” تدابير محددة في شكل تسهيلات مالية، وتخفيضات ضريبية، وإعانات حكومية، لتشجيع الصناعيين على بناء وتشغيل محطات معالجة النفايات في الضفة الغربية دون رقابة فعلية. وذلك من أجل تحسين ربحية الاستثمارات والإفلات التام من العقاب، على الرغم من أن “إسرائيل” تنتهك، بكل وقاحة، في هذا المجال أيضا القانون الدولي. وينص هذا القانون على أنه “لا يجوز للسلطة القائمة بقوة الاحتلال أن تستخدم الأراضي المحتلة ومواردها لتلبية احتياجات التنمية الاقتصادية للمحتل”.
الصحيفة: ميديابار