نسمع كثيرًا عن رياضة الملوك أو رياضة النبلاء، وفي كل حقبة أو حضارة تتميّز رياضة عن أخرى باعتبارها الأكثر متابعة من الطبقة العليا من المجتمع، فقد عرف عن الحضارة الرومانية عشقها للمصارعة حتى صارت مدرجة في عصرنا هذا باسم “المصارعة الرومانية”، فتقام المباريات في تلك الحلبات الشهيرة وبحضور علية القوم وعلى رأسهم القيصر، وينطبق الأمر ذاته على ملوك الهند وفارس الذين ولعوا بلعبة الشطرنج حد الشغف، لتُطلق على حركة الانتصار في لعبة الشطرنج “كش ملك” التي تعتبر تحريفًا للكلمة الفارسية الأصل: “شاه ملك”.
كل هذا في الماضي، لكن الحاضر لم يتغيّر كثيرًا، وصارت الرياضة بمعنى أو آخر، أسيرة المال والرأسمالية، إذا لا حاجة لنا لذكر الميزانيات التي تسيَّر بها فرق الكرة القدم أو رواتب اللاعبين، أو عالم “تشفير القنوات” التي تنقل كبرى الدوريات العالمية، بعدما كان المشاهد العربي قبل نحو خمس عشرة سنة فقط، يشاهد مباريات الليغا ودوري الأبطال وغيرها مجانًا.
قد يُتفهم الأمر قليلًا في عالم كرة القدم، باعتبارها الرياضة الأكثر شعبية في العالم، لكن في الولايات المتحدة الأمريكية عالم آخر ومعطيات تختلف على تنوع الرياضات، شعب أمريكا لا يأبه كثيرًا لكرة القدم إلا أنه استبدلها برياضات استطاعت على الصعيد المحلي فقط، أن تقارع كرة القدم في حجم الأموال التي تضخ، وأحيانًا تتفوق عليها، ولنا في لقاء “السوبر بول” المثال على حجم الأموال التي تصرف، وكذا المداخيل التي تجنيها رابطة كرة القدم الأمريكية من لقاء واحد فقط في الموسم.
لقاء السوبر بول Super Bowl هو اللقاء النهائي الذي يجمع بين بطل المؤتمر الوطني لكرة القدم الأمريكية (NFC)، وبطل المؤتمر الأمريكي لكرة القدم الأمريكية (AFC)، من أجل تحديد الفريق المتوج بلقب بطل الدوري الأمريكي لكرة القدم الأمريكية
“السوبر بول” موعد ينتظره الملايين من عشاق هذه اللعبة لمشاهدته، لكن إن كنت من ذوي الدخل المحدود فستضطر لمشاهدة مثل هذه التظاهرات على شاشات التلفاز فقط، أما الحضور من قلب الحدث، فهو حكر على الطبقة البورجوازية من القادرين على تحمل مصاريف ولوج واحدة من أغلى المباريات، إنها لعبة النبلاء، لكن بمنطق رأسمالي حديث.
ما مباراة السوبر بول؟
فيلاديلفيا إيغلز، بطل السوبر بول لسنة 2018
لقاء السوبر بول Super Bowl هو اللقاء النهائي الذي يجمع بين بطل المؤتمر الوطني لكرة القدم الأمريكية (NFC)، وبطل المؤتمر الأمريكي لكرة القدم الأمريكية (AFC)، من أجل تحديد الفريق المتوج بلقب بطل الدوري الأمريكي لكرة القدم الأمريكية، فكرة المباراة بدأت منذ سنة 1967 (نسخة 2017 شهدت الذكرى الخمسينية للقاء)، ويحتل فريق “بيترسبرغ ستيلرز” الرقم القياسي في عدد مرات التتويج بالبطولة، برصيد 6 ألقاب.
المباراة تقام شهر فبراير من كل سنة، ويشهد يوم اللقاء عطلة غير رسمية في أمريكا، حيت لا حديث إلا عنه، أما إحصائيًا فيعد لقاء السوبر بول من الأكثر مشاهدة على شاشات التلفاز في أمريكا على مدار السنة، بمعدل مشاهدات يفوق الـ114 مليون متابع، اللقاء أصبح عالميًا ثاني أكثر حدث رياضي متابعة، بعد نهائي مسابقة دوري أبطال أوروبا، ومن المنوعات كذلك فإن يوم لقاء السوبر بول هو اليوم الأكثر استهلاكًا للطعام من طرف الأمريكيين بعد عيد الشكر، وفيما يلي، أرقام متعلقة بحجم المصاريف والمداخيل التي تنتج عن هذا اللقاء:
التذاكر
مباريات السوبر بول لها طقوس خاصة عند المجتمع الأمريكي
إن أردت مشاهدة لقاء السوبر بول من الملعب، فالأمر لن يكون سهلًا، حينما يتعلق الأمر بالأيام الأخيرة لموعد المباراة، فإن أرخص تذكرة تبلغ 2.500 دولار، أما عرض الـ30 شخصًا (جناح خاص بكل المتطلبات من قلب الملعب) فيبلغ ثمنه 900 ألف دولار، النسخة الأخيرة من المباراة، شهدت بيع 30 جناحًا، والطريف في الأمر أن أغلى تذكرة لأول نسخة من مباراة السوبر بول سنة 1967، كانت تبلغ 12 دولارًا فقط.
الإعلانات والفنادق
إن كنت صاحب شركة وترغب في وضع إعلان خاص بك على شاشة التلفاز خلال فترة توقف المباراة، فالأمر ليس بالهين، الإحصاءات تتحدث عن مبلغ 4 ملايين دولار من أجل إعلان مدته 30 ثانية، وبالتأكيد فالمبلغ أعلى بكثير إذا كان الإعلان ذا مدة أطول.
أما الفنادق المحيطة بملعب المباراة، ففي الأيام العادية يمكنك حجزة غرفة عادية بها بمبلغ 100 دولار، لكن فترة اللقاء، يرتفع سعر نفس الغرفة لأكثر من ألف دولار، وقد يتطوع بعض أصحاب المنازل لاستضافتك خلال أيام المباراة، بمبلغ قدره 1200 دولار فقط.
الوجبات الخفيفة
معروف عن الشعب الأمريكي عشقه للوجبات الخفيفة، خاصة في مباريات كهذه، حيث أعلنت الإحصاءات أن الشعب الأمريكي ينفق ما يزيد على المليار دولار من أجل أمسية السوبر بول، موقع TurboTax الأمريكي يتحدث عن 184 مليون دولار ينفقها الأمريكيون على “التشبيس”، 40 مليون دولار على “البريتزلز” (نوع خاص من الخبز المحمص)، و12 مليون دولار على كعك الأرز.
الفريق الفائز والفريق الخاسر
بخلاف درع السوبر بول الشهير وكأس اللومباردي، يحصل كل لاعب من الفريق الفائز على مبلغ 88 ألف دولار، خلاف الإعلانات والجوائز التحفيزية التي يحددها النادي، أما الفريق الخاسر، فيحصل لاعبوه على مبلغ 44 ألف دولار.
الاقتصاد العام
مع كل هذه الأرقام، فمن الطبيعي أن تشهد المدينة المحتضنة لهذه المباراة العظيمة طفرة في الاقتصاد المحلي، حيث يقدر حجم مداخيل مباراة السوبر بول أكثر من 900 مليون دولار، كما الحال لمدينة نيوريورك في آخر نسخة استضافتها من البطولة.
وكل هذه الأرقام غيض من فيض، فلقد غدا يوم السوبر بول مشهودًا في الاقتصاد الأمريكي لانتعاشه وحركيته، شأنه شأن مجموعة من الأحداث الرياضية الأخرى كنهائيات دوري كرة السلة الأمريكية أو نهائيات دوري البيسبول وغيره من الرياضات الشعبية بالولايات المتحدة الأمريكية، فصناعة الرياضة في أمريكا باتت جد متطورة، حتى أجادوا مزجها والنظام الاقتصادي، فيفوز الشعب بمتعة مشاهدة ما يعشق، ويفوز الاقتصاد كذلك بانتعاش وتحفيز وسيولة مهم جدًا.