سمح الاحتلال الإسرائيلي بالتنسيق مع منظمة الصحة العالمية، لأول مرة بإجلاء 6 أطفال مرضى إلى مستشفى العريش بمصر عن طريق “ممر ديفيد” من معبر كرم أبو سالم التجاري، وذلك بعد إغلاق وتدمير معبر رفح الحدودي في 7 مايو/أيار الماضي، في محاولة فرض سياسة الأمر الواقع الجديد الذي ترسمه “إسرائيل” للمساس باتفاقية كامب ديفيد وتعزيز احتلالها لغزة، ما يتطلب موقفًا دوليًا جادًا يحمّلها نتائج وتداعيات تلك الخطوة حتى وإن كان طابعها إنسانيًا مؤقتًا لمرور المرضى، فالتجربة مع الاحتلال أن المؤقت يصبح دائمًا.
خلال فترة اجتياح وتدمير الجيش الإسرائيلي معبر رفح والسيطرة على محور فيلادلفيا، كانت “إسرائيل” تتفاوض مع السلطة الفلسطينية ومصر ودول عربية ومنظمات دولية لإعادة فتحه وإدارته بدلًا من حركة حماس، لكنها لم تلق ردًا فشقت ممر ديفيد، وحتى اللحظة لم يصدر أي موقف رسمي أو تعقيب من حركة حماس التي تدير قطاع غزة، بشأن الطريق الجديد.
ووفقًا لإذاعة الجيش فإنه بمجرد تجهيز “ديفيد” حرق جيش الاحتلال الإسرائيلي معبر رفح ومرافقه بالكامل، ولم يعد صالحًا للاستخدام في عمليات العبور، لذا جرى تحويله إلى ثكنة عسكرية للجنود.
وتفيد إذاعة جيش الاحتلال بأن المؤسسة الأمنية لديها خطط لتغيير مكان معبر رفح أو إلغاء المنفذ كليًا وخلق ممر سفر جديد سيكون في شارع “ديفيد” وأيضًا ملاصقًا للحدود الإسرائيلية وقريبًا من معبر كرم أبو سالم، ليسهل التحكم به بصورة دائمة حتى لو جرى الانسحاب من قطاع غزة.
ما هو طريق ديفيد الجديد؟
يمتد ممر ديفيد بطول 14 كيلومترًا في مدينة رفح، من معبر كرم أبو سالم وحتى شاطئ رفح على البحر الأبيض المتوسط، ليعزل جنوب قطاع غزة بالكامل عن مصر، وهو موازٍ لمحور فيلادلفيا.
أنشأ الاحتلال ممر ديفيد على مرحلتين: الأولى بعد عمليته العسكرية برفح في 7 مايو/أيار 2024، والثانية بعد إعلانه السيطرة على كامل الخط الحدودي لرفح مع مصر في أواخر مايو/أيار 2024.
بدأ العمل على هذا الخط وفق الأقمار الصناعية منذ منتصف مايو/أيار 2024، أي بعد نحو أسبوع من بدء الاحتلال عدوانه العسكري على رفح والسيطرة على معبر رفح في 7 من الشهر ذاته.
كما بدأت عمليات التجريف هذه وشق الطريق كمرحلة أولى بين معبري كرم أبو سالم ومعبر رفح حتى 23 مايو/أيار 2024، وبدأت المرحلة الثانية بعد ذلك، بين معبر رفح والبحر الأبيض المتوسط، لينتهي الاحتلال من إقامة الممر في 20 يونيو/حزيران 2024.
ويأتي شق ممر دافيد في رفح، على غرار ممر نتساريم في وسط غزة، إذ قام جيش الاحتلال بنسف المنازل وتسويتها بالأرض كما فعل هناك، وجرف الأرض لإقامة الممر بشكل موازٍ لخط الشاحنات ومحور فيلادلفيا.
ولم يُعرف بعد سبب تسمية الطريق بهذا الاسم، إن كان إشارة إلى اتفاقية كامب ديفيد أم لا، لا سيما أن وسائل الإعلام العبرية وجيش الاحتلال تجاهلوا الحديث عنه حتى الآن.
لكن تعد المنطقة التي أقيم عليها طريق ديفيد، جزءًا من المنطقة الحدودية داخل الأراضي الفلسطينية الخاضعة لسيطرة الاحتلال وفقًا لاتفاقية كامب ديفيد عام 1979 بين مصر و”إسرائيل”، قبل انسحاب الأخيرة منها عام 2005، ضمن خطة “فك الارتباط”.
من سيُسمح له بالسفر عبر طريق ديفيد؟
تسبب تدمير وحرق معبر رفح على أيدي جنود الاحتلال باستشهاد عشرات الجرحى وأصحاب الأمراض المزمنة والسرطان نتيجة انتظارهم لتلقي العلاج في الخارج، عدا عن تفاقم المجاعة لعدم إدخال البضائع التجارية والمساعدات الإنسانية.
واليوم سيتم إجلاء أصحاب الأمراض الخطرة والمزمنة والحالات المستعجلة، كما سيخول بمرور أصحاب جوازات السفر الأجنبية والطواقم الطبية الأجنبية، وذلك بالتنسيق مع منظمة الصحة العالمية، كما تمكن من الدخول إلى قطاع غزة قبل أيام قليلة عبر ممر ديفيد عدد من الأجانب العاملين في المؤسسات الإغاثية.
في ذات الوقت هناك حالة من القلق لدى الغزيين لا سيما الراغبين في الهروب من الحرب بأن يكون طريق ديفيد مصيدة جديدة لاعتقالهم. وتعزز هيئة البث العبرية “كان” مخاوف الغزيين، فتقول إن “ديفيد” شارع أمني بالدرجة الأولى وشيد ليعزل جنوب غزة كاملًا عن مصر، وهذه خطط الجيش الإسرائيلي لبناء منطقة عازلة حول القطاع لكن الإدارة الأمريكية تعارضها.
ووصفت “ديفيد” بأنه الحل العجيب لـ”إسرائيل”، فبعد تدشينه تكون تل أبيب قد أخرجت محور فيلادلفيا ومعبر رفح البري من الخدمة بصورة نهائية، وكذلك قضت على منطقة سراديب تحت أرضية لـ”حماس” ومنعت التهريب وأنشأت طريقًا موازيًا يمكنها من المراوغة قانونيًا وأمنيًا وعسكريًا، ويسهل عليها ضبط الحدود.
مدير المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، إسماعيل الثوابته، رفض التعقيب مباشرة على طريق ديفيد البري، وأدان عبر “نون بوست” إحراق وإغلاق معبر رفح، مؤكدًا أنه “لا يوجد طريق آخر غير معبر رفح أمام الغزيين”.
وذكر أن معبر رفح مهم لحركة المواطنين، وهو معمول به وفق القانون الدولي، وأي انتهاك له يعد انتهاكًا لسيادة القانون الدولي، مطالبًا بفتحه للسماح لأكثر من 25 ألف جريح ومريض بالسفر لتلقي العلاج في مستشفيات الخارج.
وشدد الثوابته على أن معبر رفح فلسطيني ويربط غزة بمصر وفق الاتفاقيات الدولية، وبالتالي لا يجوز للاحتلال الإسرائيلي السيطرة عليه وإغلاقه والالتفاف عليه بأي حال من الأحوال.
ما علاقة طريق ديفيد بالمقاومة الفلسطينية؟
رغم حاجة قطاع غزة إلى إدخال المساعدات الإنسانية والكوادر الطبية لمساعدة الجرحى من الشمال إلى الجنوب، فإن لطريق ديفيد الجديد مآرب للاحتلال منها ما هو معلن وأخرى خفية ستضح خلال الأيام المقبلة.
في هذا السياق يقول حسام الدجني الكاتب والمحلل السياسي: “لا يمكن أن يكون هناك أي منفذ للسفر بديلًا عن معبر رفح”، موضحًا أن “إسرائيل” تحاول عبر طريق ديفيد فرض سياسة أمر واقع للضغط على المقاومة الفلسطينية في العملية التفاوضية.
وذكر لـ”نون بوست” أن من مخاطر الطريق الجديد أن “أغلب سكان قطاع غزة لن يستطيعوا العودة والخروج من القطاع بفعل إجراءات إسرائيل التي يعرفها الجميع فيما يتعلق بالعقاب الذي تمارسه وسياسة الحصار والاعتقال على المعابر والاستجواب والإسقاط وغيرها من السياسات التي تنتهجها”.
ويرى أن طريق السفر الجديد يعد خطوة اضطرارية قبلتها مصر من أجل تسهيل خروج جزء من المرضى أو الجرحى بفعل تدهور القطاع الصحي الذي استهدفه الاحتلال بشكل كبير في قطاع غزة.
ويؤكد الدجني أن وجود “إسرائيل” على محور فيلادلفيا، وطريق ديفيد هو انتهاك لاتفاقية كامب ديفيد، مشيرًا إلى أنه يجب التعاطي معه مؤقتًا وألا يكون دائمًا.
ويرى أنه في حال كان طريق ديفيد أمرًا واقعًا، فذلك يعني أن غزة تحت الاحتلال المباشر، والمقاومة لن توقف ضرباتها أو استهدافها للاحتلال، كون إنشاؤه جاء بالدرجة الأولى جاء في إطار الضغط عليها من “إسرائيل”.
هل سيكون ممر ديفيد مصيدة لاعتقال الغزيين؟
يجيب الدجني: “إسرائيل عندما تسيطر على معبر يكون مكانًا للاعتقال والاستجواب وجمع المعلومات، وكذلك للإسقاط الأمني، ولن يستطيع أن يسافر أو يخرج جزء كبير من أبناء قطاع غزة سواء من له علاقة بالمقاومة أم المناصرين لها والرافضين للاحتلال”، لافتًا إلى أن المطلوب هو فتح معبر رفح وضغط دولي لانسحاب “إسرائيل” من محور فيلادلفيا لانتهاكها اتفاقية كامب ديفيد.
ويرى أن وجود الطريق الجديد “ديفيد” هو محاولة لتقسيم قطاع غزة وعزله عن العالم الخارجي، مشيرًا إلى أن الوضع لن يستمر طويلًا، كون استمراريته تعني استنزافًا للجيش الإسرائيلي، تمامًا كما هو أوراق للضغط على المقاومة للوصول إلى اتفاق – على أقل تقدير – يضمن أمن “إسرائيل” لفترة طويلة ويحقق بعض مطالب الفلسطينيين.