بعد الأزمة الأوكرانية وما نتج عنها من صراع هيمنه على جزيرة القرم وقرار الروس ضم الجزيرة إلى روسيا بعد إستفتاء شعبي جرى بالجزيرة وافق فيه السكان على الإنضمام إلى روسيا وما تبع ذلك من غضب أمركي و أوربي بالأساس و بدايات تصعييد من الجانبيين.
فهل يمكن أن يؤدى الطمع الروسي إلى أن تدخل في حرب مع الولايات المتحده من أجل عودتها مرة أخرى كقوى عظمى؟
أو أن يؤدى ذلك بالولايات المتحده لشن حرب إستباقيه لتحجيم الدور الروسي العالمي ،خاصه بعد موقف روسيا من سوريا و إيقافها الضربة العسكرية الإمريكية على سوريا نتيجة الموقف المشترك بين روسيا و إيران؟
للإجابة على هذا السؤال فإننا يجب أن نفهم في البداية ( كيف يتم إنتقال القوة في النظام الدولى ) ، وكيف يمكن أن تنشأ قوى عظمى جديده و ما يتبع ذلك من بدء حروب هيمنه .
انتقال القوة
حاول عدد من علماء السياسة الدوليه تفسير ظاهرة إنتقال القوه داخل النظام الدولى عبر طرحين:
الأول يقول أن هناك ( توزازن قوى ) بين الأطراف الأسياسية في النظام الدولى يسمح لهذا النظام أن يستقر و يسمح في نقس الوقت لكل طرف فيه بان يحصل على القوة الملائمة له فتظل الأمور “مستقرة ” ، و إنه إذا حاول إى طرف أن يزيد من قوته قليلا فإن هذا يدفع النظام الدولى إلى عدم الإتزان و الإستقرار فتتغير الأمور عبر الضغط و الضغط المضاد وتتبدل إلى أن نصل إلى مرحله التوازن مرة أخرى بين القوى و الإستقرار مk جديد ،و هي فكرة تعتمد على أنه في حاله محاوله أحد القوى أن تحصل على قدر أكبر من القوة فإن باقي القوى مجتمعه لا تسمح لها بذلك ويعود الوضع مرة أخرى إلى ما كان عليه و كمثال على هذا الطرح يمكن تذكر فترة الحرب البارده بين الإتحاد السوقيتى و الولايات المتحدة.
لكن هناك طرح أخر ذكره جورج مودوليسكي George Modelski استاذ العلوم السياسية يركز على كيفيه تعامل (القوة المهيمنه الرئيسية ) تجاه بروز (قوة صاعده )جديده ، فالوضع ليس بهذه البساطة التي ذكرت في الطرح الأول لأنه في الأغلب فإن الوضع العالمي يكون تحت سيكرة قوة مهيمنة و من تحتها مجموعه أخرى من القوى الغير متكافئة التي تحاول الصعود.
القوة المهيمنه لن تسكت على بروز قوة صاعده جديده تنافسها في مكانتها ، وفي نفس الوقت فإن القوة الصاعده لن تقبل بأن تبقى على ما كانت عليه في السابق خاصه لو صاحب صعودها تطور إقتصادى و عسكرى .
في التاريخ كانت دائما هناك دورات من القوى المهيمنه :
البرتغال و الأسبان في القرن السادس عشر الميلادي ، تلاهم الهولنديين إلى أن إنتهينا بالإنجليز و الألمان في نهاية القرن التاسع عشر ، و الإمريكان و الإنجليز في بداية القرن العشرين ، ثم الأمريكان و السوفيت في النصف الثاني منه .
قي بداية هذه القرن كانت القوى المهيمنه ( الولايات المتحده ) وراهن البعض على أن ( الصين ) هو القوى الصاعده خاصة بمعدلات النمو الإقتصادى و العسكري الكبيرة ، و الآن مع هذه الأزمة تضاف روسيا إلى القائمة .
لكن المتأمل لكل أسماء هذه الدول في القرن العشرين فلن يجد أى حرب مباشرة قامت فيما بينهم :
الولايات المتحده أستلمت الهيمنة على العالم من بريطانيا بكل الود و المحبة المستمره إلى الآن ، وظلت العلاقات متوتره بين الأمريكان و الروس دون أن تصل إلى الحرب المباشرة أبدا . والآن تبدو العلاقات بين الصين و الولايات المتحده رغم توترها و صعودها وهبوطها إلا أنها مستقرة و لاتنذر بحرب.
فهل يمكن للروس أن يكسروا هذه القاعده :من التسليم السلمي للهيمنة على العالم؟
من يبدأ الحرب؟
لا توجد دوله تبدأ في الإنتقال من مرحله القوة الصاعده إلى القوة المهيمنه إلا و تبدأ في البحث عن الإنتشار و التوسع ( الجيوسياسي ) خارج حدودها و منطقتها ، وطالما أن هناك فائض قوة فإنها تبدأ في البحث عن مصارف لهذه القوة ، لكن هذا البحث عن مصارف لهذه القوة لا يعنى أبدا الحرب أو الدخول في صدام مباشر مع القوى المهيمنه لأنها تعلم أنه لازال هناك فرق قوة بينهم لصالح القوة المهيمنه ، لذلك فإنها تبدأ في الإنتشار و اكتساب مواقع جديده وتحدى القوى العظمى دون الدخول في صدام مباشر معها ،
ومايحدث أن القوة المهيمنه تقبل هذا الوضع الجديد وتحاول تحجيمه دون أن تدخل في حرب مع هذه القوة الصاعده و بدلا من ذلك تعمل على اختوائها و محاوله تقليص نفوذها الجديد .
ورغم أن هذا المنطق قد يبدو لك غريبا إلا أنه بالعودة إلى التاريخ نجد أن ذلك هو ما حصل فعلا
، و كمثال على ذلك فإن ألمانيا كانت قوة صاعده في نهاية القرن التاسع عشر ، في حين كانت إنجلترا قوة مهيمنه ، بدأت ألمانيا سلسله حروب مع دول مثل الدنمارك و النمسا و فارزت فيها ، و مثل ذلك تهديد غير مباشر لإنجلترا لكن في نهاية المطاف إنتهى الأمر بإتفاقيه بين إنجلترا و ألمانيا من أجل إعاده الإستقرار لأوربا مرة أخرى و إعاده توزيع القوى في المنطقة .
خلاصة الأمر :
أنه لا القوة الصاعده تريد الحرب لأنها تعلم أنها غير متكافئه ، و لا القوة المهيمنه تريد الدخول في صدام مع قوة جديده تحقق إنجازات ولديها فائض قوة …
وبالتالي يستمر الوضع بطريقه قوة صاعده تبحث عن أماكن نفوذ وهيمنه جديده ، و قوة أخرى تقبل بالوضع الجديد و تحاول أن تقلل الخسائر أو تحد من الإنتشار .
لكن يبقى لدينا حاله أخرى:
أنه ما من قوة عظمى تبدأ في الضعف إلا ويصاحب ذلك فرصه و رغبه لدى دول أخرى لكى تحل مكانها في الأماكن التي أصبحت فيها ضعيقه مستغله بذلك حاله الضعف الجديده و لكى تملأ الفراغ الجديد ،
لكن في نفس الوقت إذا ظهرت قوة جديده و بدأت الصعود ( بسرعه و تذكر هذه الجمله جيدا ) فإن القوة المهيمنه تبدأ بالقضاء عليها مبكرا في وقت يكون فيه فرق القوة فيه كبير و لصالحها لتقضى على الخطر من البداية ،
إذا في هذه الحالة : قوة مهيمنه تضعف ،وقوة صاعده تبدأ في الظهور مسرعه إلى أعلاء فإن هذه السرعة تدفع القوة المهيمنه لبدء حرب إستباقيه للقضاء عليها مبكرا .
لإنزال هذا الكلام على الصراع الدائر الان بين الولايات المتحده و روسيا يجب ان نجيب على الأسئلة التالية:
-هل الولايات المتحده قوة عظمى في أفول أم أنها لا تزال متماسكه ؟
؟ – هل الروس قوة صاعده ؟
؟ – هل يوجد فرق كبير في القوة بين البلدين (والقوة تشمل العسكرية و الإقتصادية ) ؟
؟ – هل تصعد روسيا مسرعه إلى أعلى أم أنها تجنى ثمار مجهود 10 سنوات من الصعود البطئ و المتزن في ميزان القوة و تحاول الآن أن تستفيد من فائض القوة الذي لديها ؟
وبناء على إجابه هذه الآسئله يمكن أن تعرف ما هو السيناريو المحتمل.