عادة ما تتباهى المؤسسة الإسرائيلية أنها واحة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط القائمة على النزاهة والشفافية والخالية من الفساد، مستخدمة في ذلك أجهزة إعلامية ضخمة لبث وتسويق نفسها أمام المواطن وكذلك على المستوى العالمي.
والمدقق والمتابع للشأن الإسرائيلي الداخلي يستطيع أن يصل وبسرعة إلى زيف وكذب هذه المؤسسة وأن الفساد بكل أنواعه ينخر فيها، فكفاك أن تتصفح أرشيف المحاكم والنيابات الإسرائيلية لترى حجم هذا الفساد ونوعية المسؤولين المتورطين فيه، فهم من ذوي الياقات البيضاء من كبار المسؤولين ومن النخبة على المستوى العسكري.
جرائم الفساد تتنوع بين جرائم الرشوة والمحسوبية واستغلال النفوذ والرشوة الجنسية والسرقة والتحرش الجنسي والاغتصاب، ولعله من حقنا أن نتساءل ما الذي يدفع هؤلاء المسؤولين للتورط في قضايا الفساد خاصة أنهم من نخبة المجتمع الإسرائيلي والوضع الاقتصادي للكيان الصهيوني ومستوى المعيشة مرتفع جدًا.
تاريخ الكيان حافل بقضايا الفساد التي هزت عروش مسؤولين كبار ومنذ بدايات تكوين هذا الكيان طالت قضايا الفساد رؤساء ووزراء “إسرائيل” على مر تاريخها
من وجهة نظرنا فإن هناك مجموعة من الأسباب وراء انتشار ظاهرة الفساد وهي أسباب معنوية ومادية: أما الأسباب المعنوية فتتمثل في اعتقاد المسؤولين الفاسدين بأن كيانهم زائل وأنه يتوجب عليهم الاستفادة من مواقعهم الاستفادة العظمى وعند حدوث أي هزات سياسية أو اجتماعية في كيانهم فإنهم يستطيعون القفز من المركب قبل الغرق، أما الأسباب المادية فهي أن المجتمع الإسرائيلي مجتمع طبقي وعنصري مما يدفع المسؤولين بهذا الكيان إلى الانحراف واقتناء العقارات والمصانع والمشاريع، فالمال لدى هذه الفئة شهوة تضعهم في قمة المجتمع الرأسمالي.
وتاريخ الكيان حافل بقضايا الفساد التي هزت عروش مسؤولين كبار ومنذ بدايات تكوين هذا الكيان طالت قضايا الفساد رؤساء ووزراء “إسرائيل” على مر تاريخها، فبدءًا من دافيد بن جوريون أول رئيس وزراء استغل منصبه للدفاع عن نجله “عاموس” المتهم بقضايا فساد ودفع تعويضات له، إلى موشيه وشاريتة وليفي أشكو ووجولدا مائير وإسحق رابين الذي تورط في فضيحة الدولارات التي لحقت به خلال فترة رئاسته الأولى إلى قضية حسابات زوجته في بنوك واشنطن، عدا ايهود باراك وقضية الفساد المتعلقة بمؤسسة “عموتوت” الخيرية ودعم حزب العمل الذي يقوده.
وعند تولي آرئيل شارون رئاسة الوزراء تورط بقضية فساد الجزيرة اليونانية مع نجله وعدد من المقاولين الذين قدم لهم بعض التسهيلات الاقتصادية مقابل خدمات معينة، كما أن إيهود أولمرت أول رئيس وزراء تقدم ضده لائحة اتهام ويسجن على إثرها في عدة قضايا.
الفساد في “إسرائيل” يؤدي إلى إمكانية تعزيز ابتزاز السياسيين الفلسطينيين وهذا الابتزاز يضغط على السلطة الفلسطينية لتحقيق مكاسب ومصالح سياسية
وصولاً إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ولكن الأمور اختلفت في ظل حكم نتنياهو، حيث تضج وسائل الإعلام بفضائح الرئيس نتنياهو وزوجته، إذ إن الفساد في “إسرائيل” أصبح أشبه بخيوط العنكبوت تنتشر في كل مكان حتى تحكم وتجهز على الضحية، إذ يتهم رئيس الحكومة بقضايا عدة منها تلقيه وزوجته في شكل غير قانوني هدايا من أثرياء بينهم الملياردير الأسترالي جيمس باكر والمنتج في هوليود أرنون ميلشان، عدا قضية الاتفاق السري بين نتنياهو مع ناشر صحيفة “يديعوت أحرنوت” الإسرائيلية من أجل تغطية إيجابية لأنشطته مقابل مساعدته على الحد من عمليات صحيفة “يسرائيل هايوم” المنافسة لـ”يديعوت أحرنوت”.
ولكن مثل هذا الفساد المتسرطن في وسط المؤسسة الإسرائيلية يدفع إلى انهيار الحصانة الاجتماعية لليهود بها، ويشجع على هجرة اليهود خارج “إسرائيل”، وكدفاع أولي يستخدمه المسؤول الإسرائيلي الفاسد في المؤسسة الإسرائيلية وأيضًا لتلهية المجتمع الإسرائيلي بقضايا تجعله أكثر ثقة في رؤسائه وكسابق للأحداث والخروج من مأزق الفساد يعمل على إشعال جبهات خارجية تبعد ملفاته وفضائحه عن الأنظار هو شن الحرب على قطاع غزة كالحروب الثلاث التي شنها الجيش الإسرائيلي على غزة.
فالفساد في “إسرائيل” يؤدي إلى إمكانية تعزيز ابتزاز السياسيين الفلسطينيين وهذا الابتزاز يضغط على السلطة الفلسطينية لتحقيق مكاسب ومصالح سياسية، ولا يظهر هذا الابتزاز إلا في أوقات التوتر في “إسرائيل” وهروب المسؤولين من فسادهم بشن حروب خارجية لتصويب أنظار المجتمع الإسرائيلي نحوها ونسيان فساد زعمائهم، فهنا يجب أن يدرك المسؤولون الإسرائيليون أن معادلة الحرب على غزة ليست بالأمر السهل. وصدق الله العلي العظيم حينما قال في كتابه العزيز {وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ}.