ترجمة حفصة جودة
قصفت المدفعية والطيران السوري الغوطة الشرقية، آخر معاقل الثوار التي تقع شرق دمشق، وأفادت الأنباء عن مقتل 127 شخصًا يوم الإثنين فقط، وبحلول مساء الثلاثاء تضاعف هذا الرقم، كانت كثافة الهجوم بالصورايخ والقنابل وقذائف الهاون أشد من أي شيء قد حدث في المنطقة منذ سنوات، مما يشير إلى إمكانية حدوث هجوم بري شامل، أو كما حدث في شرق حلب منذ عام، قد يكون هناك محاولة في اللحظة الأخيرة للتفاوض على الجلاء الجماعي.
قد يكون هذا الحصار للغوطة الشرقية آخر حصار كبير في الحرب السورية المستمرة منذ 5 أو 6 سنوات الذي يجعله صراعًا مدمرًا، في بداية هذه الحرب؛ اتبعت القوات الحكومية إستراتيجية تجاهل معاقل المعارضة وتطويقها، وحشد القوات الحكومية للدفاع عن المناطق الموالية والطرق الرئيسية والمناطق الحضرية المهمة، في الوقت نفسه أغُلقت المناطق المعارضة بنقاط تفتيش بينما تعرض السكان داخلها إلى القصف المنتظم.
فيما مضى كانت هذه المناطق تحيط بدمشق ويبلغ عدد سكانها نحو 5 ملايين نسمة، بعض المناطق مثل داريا جنوب العاصمة أفُرغت مبكرًا من أهلها ورغم أن مبانيها ما زالت قائمة فإنها لم تعد مأهولة على الإطلاق، هناك مناطق معارضة أخرى في شمال دمشق؛ هذه المناطق كانت تتعرض دائمًا لإطلاق النار أو تدخل فرق الهدم فلا تجد فيها أي مبنى يرتفع عن الأرض أكثر من عدة أقدام.
صمدت الغوطة الشرقية طويلاً بسبب مساحتها الكبيرة وقوة المعارضة بها
أما الغوطة الشرقية التي تبعد عن شرق العاصمة عدة أميال وتعد منطقة حضرية وزراعية واسعة ويقدر عدد سكانها بنحو 400 ألف نسمة؛ فقد تعرضت لحصار شامل بعد عام 2013، أدى الحصار إلى نقص إمدادات الأدوية وقطع غيار الآلات والكثير من الأشياء عالية القيمة، رغم ذلك لم يحدث أي نقص في المواد الغذائية الأساسية، لكن في العام الماضي شددت الحكومة من حصارها وأغلقت نظام الأنفاق غير الرسمي الذي كان يأتي الطعام والوقود من خلاله، ومع بداية هذا العام أصبحت تكلفة سلة المواد الغذائية الأساسية في الغوطة الشرقية أعلى بنسبة 780% عن سعرها في المناطق الموالية للحكومة التي تبعد عنها عدة أميال فقط.
تمكنت الحكومة من التقدم في جميع أنحاء سوريا منذ التدخل العسكري الروسي عام 2015، وتساقطت المناطق المعارضة واحدة تلو الأخرى، بينما اتجه المقاتلون والمتعاطفون معهم من المدنيين إلى إدلب شمال غرب سوريا، أما في داريا فقد غادرها أهلها في صيف 2016 وفي نهاية العام نفسه سقطت حلب الشرقية.
أما الغوطة الشرقية فقد صمدت طويلاً بسبب مساحتها الكبيرة وقوة المعارضة بها، كما أنها كانت تزرع جزءًا من غذائها بنفسها، لكن الفصائل المعارضة انقسمت داخلها وتقاتلوا فيما بينهم، إضافة إلى ذلك لم يكن لديهم أي خطة لمواجهة تقدم القوات السورية الثابت والمستمر، فضلًا عن إطلاق قذائف الهاون على الأحياء الموالية للحكومة مثل باب توما في مدينة دمشق القديمة.
قامت الحروب السورية وكذلك العراقية – بدرجة أقل – على مبدأ الحصار
تدهورت الظروف المعيشية بسبب نقص السلع وارتفاع أسعارها للغاية في حال وجودها، ولم يعد لدى السكان المال الكافي للشراء بهذه الأسعار، كانت المواد الغذائية التي يُسمح بدخولها يُفرض عليها رسوم عالية لكل كيلوغرام، ويقول موظفو الإغاثة إنه لا توجد أي حالات وفاة بسبب الجوع لكن هناك العديد من الناس الذي يعانون من سوء التغذية، ومع اشتداد القصف في الشهر الماضي، أغلقت جميع المدارس.
ومع انتصار القوات السورية في معظم المعارك أو عدم اشتباكها في القتال على نطاق واسع في معظم المناطق، أصبح عدد الجنود كبيرًا وكذلك السلاح الجوي، مما ساعدها على التركيز مع من تبقى من القوات المعارضة في الغوطة الشرقية وإدلب.
لكن هناك الآن مواجهة متزايدة بين قوات الأسد والقوات التركية في المقاطعة الكردية الشمالية عفرين، حيث أطلقت المدفعية التركية قذائف الهاون على القوات الحكومية المتمركزة في مدخل عفرين؛ هذه القوات الموالية للحكومة كانت مسلحة بالرشاشات الثقيلة كجزء من تحالفها الجديد مع الأكراد.
قامت الحروب السورية وكذلك العراقية – بدرجة أقل – على مبدأ الحصار، حيث تشارك فيها القليل من القوات البرية لكنها مدعومة بقوة جوية هائلة، هذه هي حقيقة القتال السوري والروسي ضد داعش والقاعدة والجماعات الجهادية المعارضة، كما أنها حقيقة ما فعلته قوات حماية الشعب الكردية المدعومة من القوات الجوية للولايات المتحدة؛ في حصارها للرقة لمدة 4 أشهر.
هذا ما فعله الجيش العراقي المدعوم من القوات الجوية والمدفعية الأمريكية في حصاره للموصل الذي دام 9 أشهر، وربما كان هذا الحصار هو الأكثر دموية من بين كل هذه الحصارات بسبب حجم المدينة ووحشية الصراع وعدم سماح تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” للمدنيين بالهرب من غرب الموصل ومن المدينة القديمة.
المصدر: الإندبندنت