هل تحاول “النهضة” التونسية كسب رهان الانتخابات قبل إجرائها؟

533670360

قبل شهرين من موعد الانتخابات المحلية في تونس المقرر إجراؤها في الـ6 من مايو المقبل، سلطت حركة النهضة الإسلامية الأضواء عليها، بعد اختيارها ترشيح مواطن تونسي من أصل يهودي ضمن إحدى قوائمها الانتخابية، في حركة تؤكد حسب عديد من المتابعين للشأن التونسي قدرة “النهضة” على إعطاء الدروس لمن يزايدون على مدنية الحزب وفي قلب الموازين وتفوقها على جميع منافسيها.

فصل النشاط السياسي عن الدعوي

ترشيح حركة النهضة للمواطن اليهودي سيمون سلامة (55 عامًا)، يؤكد مبدأ فصل النشاط السياسي عن الدعوي للحركة، وتحولها لحزب يعمل في الحقل السياسي فقط وترك الشأن الدعوي للجمعيات المدنية، وكانت حركة النهضة أعلنت في مؤتمرها العاشر في شهر مايو سنة 2016، قرارها فصل الأنشطة الدعوية عن البرامج السياسية للحزب في خطوة تهدف إلى طمأنة شركائها في الحكم لاحترام مدنية الدولة وإعلاء قيم الجمهورية.

وسبق أن ظهر نواب من حركة النهضة الإسلامية الشريك في الائتلاف الحكومي، يتقدمهم القيادي البارز نائب رئيس البرلمان عبد الفتاح مورو، في الاحتفالات السنوية بمعبد الغريبة الشهير بجزيرة جربة وسط الزائرين اليهود في خطوة لترسيخ انفتاح الحزب.

تعتبر هذه الانتخابات، الانتخابات المحلية الأولى التي تشارك فيها حركة النهضة

ويرى القائمون على حركة النهضة أن ترشيح تونسي يهودي ضمن قائماتها الحزبية للانتخابات البلدية القادمة أمرًا عاديًا في الحركة باعتبار أنها حزب وطني منفتح على كل التونسيين، وقال الناطق باسم حركة النهضة عماد الخميري في تصريح صحفي: “الحركة قررت منذ الانطلاق في تشكيل القوائم الانفتاح على جميع التونسيين والكفاءات المستقلة وكانت إرادة الحركة في هذا التوجه، انطلاقًا من أسس التعايش والمواطنة لكل التونسيين”.

ولفت القيادي بالحركة إلى أن “النهضة” قد ترشح يهود آخرين في المحطات الانتخابية المقبلة، مشيرًا إلى أن بعض اليهود في تونس كانوا قد صوتوا لصالح قوائم حركته في الانتخابات التشريعية السابقة، وتعتبر هذه الانتخابات، الانتخابات المحلية الأولى التي تشارك فيها حركة النهضة، التي كانت حزبًا معارضًا لنظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي ومحظورًا طيلة فترة حكمه حتى عام 2011.

سيمون: النهضة منفتحة على الحداثة

المرشح اليهودي للانتخابات البلدية في قائمة حركة “النهضة” التونسية سيمون سلامة، قال في حوار لوكالة الأناضول التركية إن ترشحه كمستقل في دائرة المنستير مسقط رأس الرئيس الأول لتونس بعد الاستقلال (1956)، الحبيب بورقيبة، على قائمة الحركة جاء في إطار التعامل مع “حزب مدني”، فتح قوائمه أمام المرشحين المستقلين، و”منفتح على الحداثة”، وأصبح سيمون أول يهودي ينضم مستقلاً إلى قائمة الحركة الإسلامية.

سيمون سلامة المرشح اليهودي للانتخابات البلدية في قائمة حركة “النهضة” التونسية

عن سبب اختياره الترشح ضمن قائمات “النهضة”، قال سلامة: “دين حركة النهضة هو الإسلام، وهي منفتحة على الحداثة، واعتبرها حزبًا مدنيًا”، ومضى قائلاً: “لا تشعر داخل الحركة بأنك في منظومة إسلامية منغلقة، بل نراها منفتحة على الحداثة والتقنيات الحديثة، ولفت ذلك انتباهي خلال لقاء تحضيري مع قيادات جهوية ووطنية في إحدى نزل الجهة، ورأيت منهم أفكارًا مبهرة”.

وسبق لرئيس الحركة الشيخ راشد الغنوشي أن أكد في مناسبات عدة أن تونس تتسع لجميع مواطنيها بمن فيهم اليهود والمسيحيين واللادينيين، كما عبرت الحركة في وقت سابق عن استعدادها لاستقطاب جميع التونسيين بغض النظر عن معتقداتهم، ويوجد في تونس بين 1500 و2000 يهودي يعيش أغلبهم في جزيرة جربة.

“فشل” المنافسين

في الوقت الذي أكدت حركة النهضة قدرتها على تصدر المشهد السياسي في البلاد، وضم مختلف الفئات في تونس إليها، عجزت عديد من الأحزاب التي أكدت في وقت سابق قدرتها الفوز على “النهضة” في الانتخابات، على تشكيل قوائم انتخابية.

وإلى غاية أمس الثلاثاء، أي بعد ستة أيام من فتح أبواب الترشح، تقدمت 1039 قائمة انتخابية بترشحها لخوض الانتخابات المحلية، ومن بينها 665 قائمة حزبية و349 مستقلة و25 قائمة ائتلافية، وهو ما يؤكد فشل الائتلافات السياسية خاصة منها تحالف “الجبهة الشعبية” اليساري وتحالف “الائتلاف المدني” في تشكيل قوائم انتخابية.

لم يفلح تحالف الاتحاد المدني الذي يضم 11 حزبًا سياسيًا وبرمج عند تشكيله التقدم في نحو 100 بلدية، حتى الأحد، في تقديم أي قائمة انتخابية

لم ينجح تحالف الجبهة الشعبية الذي يجمع 11 حزبًا معظمها يسارية، حتى يوم الأحد الماضي، في التقدم سوى في بلدية واحدة بمنطقة قفصة جنوب غرب البلاد، إضافة إلى قائمة بمحافظة بن عروس في المنطقة القريبة من العاصمة التونسية، فيما لم ينجح تحالف الاتحاد المدني الذي يضم 11 حزبًا سياسيًا وبرمج عند تشكيله التقدم في نحو 100 بلدية، حتى الأحد، في تقديم أي قائمة انتخابية، ويضم بالأساس الحزب الجمهوري وحركة مشروع تونس وحزب آفاق تونس وحركة تونس أولاً، واختارت هذه الأحزاب تقديم قوائم انتخابية حزبية.

يشار إلى أن يوم 22 من فبراير/شباط الحاليّ هو آخر أجل لتقديم ملفات المرشحين للانتخابات البلدية المقبلة ليتم إثر ذلك، وفق الرزنامة التي ضبطتها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، إعلان القوائم المقبولة في أجل أقصاه يوم الـ3 من مارس/آذار المقبل، على أن يتم لاحقًا إعلان القوائم المقبولة نهائيًا من الهيئة وبعد انقضاء الطعون في أجل أقصاه الـ4 من أبريل/نيسان المقبل.

أهمية هذه الانتخابات

تعد الانتخابات المحلية القادمة، حسب متابعين للشأن التونسي، امتحانًا حقيقيًا ستخوضه الأحزاب نحو تحقيق الحكم المحلي وتخفيف الضغط على السلطة المركزية، وينص الفصل 131 ضمن الباب السابع من الدستور التونسي على أن “السلطة المحلية تقوم على أساس اللامركزية التي تتجسد في جماعات محلية تتكون من بلديات وجهات وأقاليم، يغطي كل صنف منها كامل تراب الجمهورية وفق تقسيم يضبطه القانون”.

وتتمتع الجماعات المحلية استنادًا إلى الفصل 132 من الدستور بالشخصية القانونية والاستقلالية الإدارية والمالية وتدير المصالح المحلية وفقًا لمبدأ التدبير الحر، وتمكن للجماعات المحلية، في إطار الميزانية المصادق عليها، حرية التصرف في مواردها بحسب قواعد الحوكمة الرشيدة وتحت رقابة القضاء المالي.

ينتظر التونسيون هذه الانتخابات لتكريس اللامركزية

ويراهن التونسيون على هذه الانتخابات وما ستفرزه من مجالس بلدية وجهوية لتركيز مؤسسات حكم محلي حقيقية نادى بها التونسيون في يناير 2011، تكون حلقة وصل بين المواطن والسلطة المركزية، وتمكنهم من المشاركة في إدارة شؤونهم بأنفسهم وتخفف من وطأة السلطة المركزية.

وكان من المقرر إجراء هذه الانتخابات التي طال انتظارها لتعزيز عملية الانتقال الديمقراطي، في الـ30 من شهر أكتوبر سنة 2016، ثم تأجلت إلى 26 من مارس 2017، ثم إلى 17 من ديسمبر من نفس السنة، تزامنًا مع ذكرى انطلاق الثورة، وتم تأجيلها إلى 25 من مارس 2018 نظرًا لأن البرلمان لم يوفق في سد الشغور الحاصل في هيئة الانتخابات بعد استقالة رئيسها وأعضاء منها، قبل أن تؤجل إلى الـ6 من مايو 2018، بناءً على طلب الأحزاب الكبرى.