مع بداية شهر فبراير/شباط الحاليّ أطلقت قوات النظام حملة عسكرية واسعة باتجاه قرى وبلدات غوطة دمشق الشرقية، ليشن الطيران الحربي عشرات الغارات مستهدفًا المدنيين وموقعًا العديد من المجازر، كل ذلك مع وجود اتفاق وقف التصعيد الذي شمل الغوطة الشرقية.
وقد تصاعدت الأعمال العسكرية خلال اليومين الماضيين وبمشاركة قوية للطيران الروسي حيث شاركت مقاتلاته في قتل أكثر من 130 مدنيًا يوم أمس الثلاثاء 20 من فبراير/شباط 2018، في حين عمل النظام على حشد قوات كبيرة في محيط الغوطة تمهيدًا لاقتحامها، حيث استقدم تعزيزات عسكرية كبيرة إلى مطار الضمير العسكري والفوج الـ16 والطريق الدولي دمشق – حمص بهدف البدء بعملية برية بالتزامن مع التصعيد الجوي.
وفيما يخص الموقف الروسي فقد صرح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن تجربة تحرير مدينة حلب من الإرهابيين قابلة للتطبيق في الغوطة الشرقية جنوب دمشق ضد مسلحي “جبهة النصرة” الإرهابية، على حد تعبيره.
في حين كان موقف الأمم المتحدة التي تعبر دائمًا عن قلقها، موافقًا للموقف الروسي، حيث حذر المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان ديمستورا في تصريح لوكالة رويترز من تحول الغوطة إلى حلب ثانية مضيفًا: “آمل أن نكون قد استخلصنا العبر من تلك التجربة”، فماذا يقصد ديمستورا بأنه يأمل أن يكون الشعب السوري قد استخلص العبر من تجربة حلب؟ يعني بكل بساطة سلموا الغوطة حفاظًا على أرواحكم!
نعم إنها المواقف الدولية التي تضرب بعرض الحائط جميع الاتفاقيات التي تبرمها في حال تعارضت مع مصالحها، فما زال اتفاق خفض التصعيد مطبقًا من طرف واحد بضمانة تركية، بينما طرف النظام ومعه الضامن الروسي يسرحون ويمرحون على الأرض السورية كيفما شاءوا، ويبدأون الأعمال العسكرية في المنطقة التي يريدون ويقتلون بلا رادع أمام تخاذل بل تواطؤ المجتمع الدولي.
إن تمكن النظام من السيطرة على الغوطة وإخراج أهلها بـ”الباصات” الخضر كما هو مخطط له، سيكون له آثار كارثية على الثورة السورية برمتها
هذا وقد استشاط الشارع السوري غضبًا لما يحصل في الغوطة من أهوال، فخرج الناس إلى الشوارع شمال وجنوب البلاد ليعبروا عن تضامنهم مع أهالي الغوطة، مطالبين بتحرك فوري لفصائل المعارضة لنصرة المحاصرين والمنكوبين، مؤكدين وجوب فتح الجبهات والبدء بمعارك حقيقية مع النظام لتخفيف الضغط على أهالي الغوطة.
ولكن تفاجأنا بنشوب فتيل اقتتال داخلي جديد بين فصائل المعارضة في الشمال وذلك بُعيد اندماج فصيلي “أحرار الشام” و”حركة نور الدين الزنكي” في تشكيل جديد يحمل اسم “جبهة تحرير سوريا“، حيث بدأت الاشتباكات بين التشكيل الجديد و”هيئة تحرير الشام” الذي من أبرز مكوناته فصيل جبهة النصرة سابقًا.
هذا الاقتتال الذي يعتبره الشارع السوري لا يخدم أهداف الثورة بل يضر بها ويضر بسمعة من تصدر الساحة لحماية الشعب السوري ولتحقيق مطالبه في إسقاط النظام، إذ به ينحرف عن الهدف الذي وُجد من أجله وهو ما زاد الطين بلة وكان ضغثًا على إبالة.
إن تمكن النظام من السيطرة على الغوطة وإخراج أهلها بـ”الباصات الخضر” كما هو مخطط له، سيكون له آثار كارثية على الثورة السورية برمتها، فإن هذا الأمر سيتسبب بكارثة إنسانية سيعاني من تبعاتها نحو 400 ألف مدني من أهالي الغوطة المحاصرين، فكثير منهم سيتم نقله إلى الشمال الذي لم يعد لديه القدرة أصلًا على استيعاب مزيد من البشر، كما سيتم ملاحقة الآلاف وسجن الآلاف من الذين لن يخرجوا من أرضهم التي أحبوها.
والأهم من ذلك كله سيكون طوق العاصمة مؤمنًا بشكل كامل ولم يعد النظام مهددًا في عقر داره، إذ لا يسقط النظام إلا بسقوط العاصمة وهذا ما اتفق عليه الجميع بغض النظر عن اختلاف توجهاتهم ومشاربهم الفكرية.
من المرجح أن سيناريو حلب يتكرر في الغوطة بتواطؤ دولي وصمت لقادة الفصائل الملتزمين باتفاق خفض التصعيد، ويظهر أن الأمور تسير باتجاه تهجير أهالي الغوطة الشرقية وتسليم المنطقة للنظام، لكن قد يحدث ما لا يوجد بالحسبان، وتتطور الأمور في الغوطة ومعها المناطق المحررة الأخرى لتخلط الأوراق وتوقف زحف النظام، بسبب زخم الحراك الشعبي الذي تتجدد جذوته كلما تعرض الشعب السوري المكلوم لمأساة جديدة في خضم أحداث الثورة التي دخلت الآن عامها السابع.