رغم مضي 7 سنوات على الثورة الليبية والإطاحة بنظام معمر القذافي الاستبدادي، لم يتمكن الليبيون بعد من إصدار دستور جديد يضمن لهم الانتقال إلى دولة مدنية ديمقراطية، مبنية على التعددية الفكرية والسياسية والثقافية، تستجيب لطموحهم وتطلعاتهم، ويضمن لهم العدالة الاجتماعية والمشاركة في الحياة السياسية، مما يوحي بوجود أطراف داخلية تسعى إلى عرقلة هذا الأمر، حسب عديد من المتابعين للشأن العام في ليبيا.
نواب في طبرق يرفضون
مرّة أخرى يعود الجدل بخصوص الدستور في ليبيا، بعد أن أعلن أعضاء بمجلس النواب الليبي، يمثلون شرق البلاد، عدم اعترافهم بهيئة صياغة الدستور، وطالبوا بتشكيل لجنة من الخبراء تجري تعديلاً على دستور عام 1951، وقال 18 نائبًا في برلمان طبرق، في بيان مشترك: “الحكم الصادر من طرف المحكمة العليا في العاصمة طرابلس غير فاصل في موضوع هيئة الدستور، لذلك قررنا نحن النواب عدم الاعتراف بهيئة صياغة الدستور”.
وطالب النواب زملاءهم في مجلس النواب بـ”سرعة تعديل الإعلان الدستوري لتشكيل لجنة من الخبراء قصد إجراء تعديل محدود على دستور الاستقلال”، كما عبّروا عن رفضهم إصدار قانون الاستفتاء على مشروع الدستور، إلى حين تشكيل لجنة من الخبراء، للتأكد من عدم تزوير الهوية الليبية.
أوقف مجلس النواب النظر في مشروع الدستور منذ أغسطس/آب الماضي على خلفية جدل واسع أثارته شخصيات فاعلة شرق ليبيا
وكان المتحدث باسم مجلس النواب عبد الله بليحق، أكد خلال تصريحات صحفية أن المجلس ناقش في جلسته المنعقدة يوم أمس الثلاثاء مشروع الدستور المحال لمجلس النواب، دون أن يحدد نتائج هذا النقاش، وسبق أن أوقف مجلس النواب النظر في مشروع الدستور منذ أغسطس/آب الماضي على خلفية جدل واسع أثارته شخصيات فاعلة شرق ليبيا اعترضت على شكل مشروع الدستور، ومنذ تلك الآونة دخل مشروع الدستور الليبي الدائم مرحلة سجال جديدة وسط استقطابات سياسية حادة في البلاد.
والأربعاء الماضي أعلنت المحكمة العليا قرارها بعدم اختصاص دائرة القضاء الإداري بالنظر في القضايا المرفوعة ضد هيئة صياغة الدستور الليبي، على سند أن أعضاء الهيئة التأسيسية منتخبون من الشعب بشكل مباشر، وقراراتهم تخرج عن ولاية القضاء، وذلك على خلفية طعن تقدم به أحد أعضاء الهيئة لإبطال إجراءات إحالة مشروع الدستور إلى مجلس النواب.
يحاول أعضاء في البرلمان عرقلة الدستور
وكانت هيئة صياغة الدستور قد صوتت في يوليو/تموز الماضي، على إقرار مسودة الدستور بواقع 43 صوتًا من أصل 44 حاضرين (عدد الأعضاء 60) وأحالته إلى البرلمان الليبي المنعقد في طبرق، إلا أن عددًا من أعضاء الهيئة تقدّموا بطعن بشأن عدم مشروعية جلسة تصويتها أمام محكمة البيضاء وقد رفض الطعن، قبل أن يقدم عدد من الشخصيات العامة من مدينة بنغازي، بطعن آخر في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي أمام محكمة القضاء الإداري بدعوى عقد الهيئة التأسيسية جلسة التصويت في يوم عطلة رسمية في البلاد.
تعطيل العملية السياسية في البلاد
هذا الرفض الصادر عن بعض نواب طبرق لمسودّة الدستور وللهيئة لصياغته، يضعه عديد من المراقبين، ضمن المحاولات المتكرّرة لمعسكر الشرق لتعطيل العملية السياسية في البلاد، رغبة منهم في تواصل حالة الانفلات الأمني في ليبيا وسيادة الفوضى والعنف فيها.
ويسعى هؤلاء إلى عرقلة عملية الاستفتاء على الدستور، بغية عرقلة العملية الانتخابية برمتها، وخاصة أن الإعلان الدستوري، وهو عبارة عن “دستور مؤقت” لتسيير شؤون ليبيا عقب الثورة التي أطاحت بحكم معمر القذافي عام 2011، يفترض أن تعرض هيئة صياغة مشروع الدستور المسودة التي أقرها أعضاؤها على مجلس النواب المنعقد في طبرق، إثر ذلك، يقوم المجلس بإصدار قانون للاستفتاء تعمل من خلاله مفوضية الانتخابات على عرض المسودة على الشعب، والتصويت عليها بالقبول أو الرفض.
سيسدل هذا الدستور الستار على المرحلة الانتقالية ويبدأ في مرحلة دستورية دائمة تضع حدًا للميليشيات المنتشرة في ليبيا
فيما يرى آخرون، أن الهدف من الرفض هو الذهاب إلى انتخابات دون دستور، بسبب فقدان العديد من القيادات في الشرق على رأسهم اللواء المتقاعد خليفة حفتر لحق الترشح للمناصب السياسية المقبلة بسبب نصوص بالدستور تحدد صراحة الشروط اللازم توفرها في متقلدي المناصب، وأقلها ألا يكون المترشح عسكريًا وألا تكون له جنسية أخرى، وينص البند الثامن من المادة 111 لمسودة الدستور التي تتضمن شروط الترشح لرئاسة الجمهورية أن “تمضي سنتان على الأقل على انتهاء خدمته قبل تاريخ ترشحه، في حال كون المترشح عسكريًا أو منتميًا للأجهزة الأمنية”.
ويعتبر هذا الدستور “كارثة” بالنسبة لدعاة الانقسام في ليبيا، ذلك أنه سينهي كل الأجسام الحاليّة التي جاءت نتيجة الانقسام في البلاد وتضارب المصالح والنفوذ، وسيدلي الستار على المرحلة الانتقالية ويبدأ في مرحلة دستورية دائمة تضع حدًا للميليشيات المنتشرة في ليبيا التي تتغذى من الانقسام الحاصل في هذا البلد العربي.
إصرار على الاستفتاء
في المقابل تصرّ الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور الليبي، على إنفاذ استحقاق التصويت على الدستور الليبي وتسعى بكل جهودها من أجل إقناع أطراف المشهد السياسي بجدوى ذلك، كونه السبيل لإنهاء الخصومات والانقسامات في البلاد.
وطالب رئيس الهيئة نوح عبد الله، الخميس الماضي مجلس النواب بإصدار قانون الاستفتاء، وقال عبد الله في بيان صحفي: “نهيب بمجلس النواب الإسراع في إنجاز التزامه الدستوري وتمكين الشعب من هذا الاستحقاق عبر إصدار قانون الاستفتاء”.
من شأن الدستور الجديد أن ينهي مظاهر الفوضى في البلاد
في غضون ذلك، طالب عبد الله، بعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا بضرورة تقديم الدعم اللازم لإنهاء الاستحقاق الدستوري، بعد أن قضت الدائرة الإدارية بالمحكمة العليا في الـ14 من فبراير بعدم اختصاص القضاء الإداري بالنظر في الدعاوى المتعلقة بعمل هيئة الدستور.
وانتخبت الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور في 20 من فبراير/شباط 2014 في اقتراع عام، يعد الاستحقاق الانتخابي الثاني بعد الانتخابات الأولى التي أجريت في 7 يوليو/تموز 2012 لاختيار أعضاء المؤتمر الوطني العام.
وتتألف الهيئة التي يناط بعهدتها صياغة دستور للبلاد من 60 عضوًا، وزعوا بالتساوي بين المناطق الشرقية والغربية والجنوبية، بواقع 20 مقعدًا لكل منطقة، فيما خصصت 5 مقاعد للمرأة و6 للمكونات الثقافية واللغوية (الأمازيغ والتبو والطوارق).
إنهاء المرحلة الانتقالية
من شأن إقرار هذا الدستور، حسب خبراء، أن ينهي مرحلة الفوضى في البلاد ويساهم في جهود بسط الاستقرار فيها، خاصة أنه يمهّد لإنهاء الخلاف الحاليّ بشأن مرحلة الانتخابات المقبلة، حيث تأمل الأمم المتحدة في إجراء انتخابات بنهاية العام الحاليّ.
وبحسب مشروع الدستور فسيتم تقسيم ليبيا إلى أربع دوائر انتخابية، هي طرابلس وبرقة وفزان والليبيون في الخارج، ويرى المشروع بأن الدستور لا يكون نافذًا إلا في حالة حصوله على موافقة ثلثي المقترعين في كل دائرة من الدوائر الأربعة، فإن صوتت دائرة بأقل من الثلثين لصالح الدستور فيعد ذلك رفضًا للدستور من كل الشعب وتعاد صياغته من جديد.
يتولى مجلس الشورى سلطة سن القوانين وإقرار السياسة العامة والموازنة العامة، ويمارس الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية
ويتكون مشروع الدستور من 12 بابًا يندرج تحتها 197 مادة، حيث يعتبر الباب الثالث الذي يتحدث عن نظام الحكم والمادة رقم (99) التي تتحدث عن شروط الترشح للرئاسة، إضافة إلى الباب التاسع الذي يتحدث عن الثروات الطبيعية أهم ما يلتفت إليه المواطنون والساسة.
الجديد في نظام الحكم هو إنشاء ثلاثة مجالس، هي مجلس الشورى الذي يتكون من غرفتين، ومجلس النواب ومجلس الشيوخ، ويتولى مجلس الشورى سلطة سن القوانين وإقرار السياسة العامة والموازنة العامة ويمارس الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية.