كلما زاد عدد المستثمرين في عملة الإنترنت المُشفرة “البيتكوين”، زادت معهم طلباتهم، ولأن البيتكوين عملة افتراضية يتم تداولها من خلال عملية التعدين على الإنترنت بشكل مباشر بين أجهزة الحاسوب المختلفة، لم يكن هناك وسيط مثل البنوك يساعد “العملاء الرقميين” على إتمام عملياتهم سواء كانت شراء أو بيع أو تحويلات، تطور من هنا مفهوم “مصانع البيتكوين” التي تعزز العملاء بالبنية التحتية اللازمة من الكهرباء والحماية لضمان نجاح صفقاتهم التجارية على الإنترنت.
تُبنى فكرة “مصنع البيتكوين” على شراء كمية ضخمة من أجهزة التعدين أو “mining rigs”، وهي أنظمة كمبيوتر خاصة بتعدين عملات البيتكوين، التي تكون مخصصة فقط لعملية التعدين أو جهاز كمبيوتر له قدرة على التعدين وأداء مهمات أخرى مثل برمجة أنظمة الألعاب على سبيل المثال، حيث يعمل جهاز التعدين هذا من خلال جمع بضعة مئات من المعاملات التجارية بالبيتكوين (Block) كل عشر دقائق، ومن ثم يحولها إلى لغز رياضي، ويحصل الجهاز الذي يصل إلى الحل على 25 عملة بيتكوين كمكافأة وذلك بعدما يتم إضافة 99 كتلة أخرى، هذا هو تعريف التعدين بشكل مُبسط.
ربما اشترى البعض من المستثمرين في البيتكوين جهازًا خاصًا للتعدين إن كان يستثمر مبالغ طائلة ويقوم بمعاملات تجارية بشكل مستمر يوميًا وبشكل سريع، وربما اشترى البعض أكثر من جهاز إن كان استثماره في البيتكوين أكثر، ولكن كلما زاد عدد الأجهزة احتاج المرء بنية تحتية تساعد على عمل هذه الأجهزة، وأهمها الكهرباء والحماية من الاختراق، ولهذا تولت بعض الشركات التجارية هذه المهمة، ليكون عندها مجموعة كبيرة من الأجهزة في مكان واحد يُسمى “مصنع البيتكوين”.
عرض تقرير على صحيفة “ووال ستريت جورنال“ تجربة شخصية لأحد المستثمرين في البيتكوين الذي بدأ بالتفكير في شراء أجهزة التعدين، وهو مايكل بوتيت طالب هندسة قرر شراء 20 صندوقًا من أجهزة التعدين ليُسهل عملية إنتاج العديد من معاملات البيتكوين في وقت واحد، إلا أن البنية التحتية لمنزله لم تكن كافية لتشغيل العشرين جهازًا، ولهذا قرر مايكل الانتقال إلى مكان أوسع ومُجهز أكثر لتحمل عمل 20 جهازًا للتعدين في وقت واحد.
أكبر مصانع تعدين البيتكوين في أمريكا الشمالية
من داخل مصنع بيكاوس في الولايات المتحدة الأمريكية
هذا المكان الأكثر وسعًا يُطلق عليه في عالم البيتكوين “خدمات الاستضافة” أو خدمات “الانتظام والتجميع” أو في سياق آخر أكثر شمولة يُطلق عليه مصطلح “مصنع البيتكوين”، وهو المكان الذي يوفر البنية التحتية لمعاملات طائلة من صفقات البيتكوين التجارية، وهذا ما نقل إليه مايكل معداته إلى شركة “بيكاوس” التي تُخطط لبناء أكبر مصانع تعدين البيتكوين في أمريكا الشمالية.
“بيكاوس” أولى الشركات الأمريكية التي تُخطط لبناء أول وأكبر نظام متكامل لخدمات تعدين العملات المُشفرة بحسب تعريفها على موقعها الرسمي، ليكون مصنع للتعدين الرقمي ونقطة مركزية لسوق العملات الرقمية، ووسيط للتبادل التجاري وغرف المقاصة كالتي تكون موجودة في البنوك، لتوفر لجمهور البيتكوين كل ما يحتاجه في مكان واحد، تمامًا مثلما يفعل البنك.
تحتوي الشركة على شبكة من الموظفين المحترفين في مجال تكنولوجيا المعلومات، وخبرة في مجال العملات الرقمية وعملية التشفير والتجارة الإلكترونية، وموظفين أشرفوا وعملوا في أكثر مشروعات المنظمات التكنولوجية تعقيدًا مثل مشروعات في مؤسسة ناسا.
تتلقى شركات مثل بيكاوس وغيرها المزيد من الطلبات من مستثمري البيتكوين بشكل يومي، وذلك لأن عملية التعدين قد تبدو صعبة ومُكلفة على الكثير من المستثمرين ممن لا يمتلكون البنية التحتية الكافية، ولكن ما زالوا يرغبون بالاستثمار في العملة الرقمية التي وصل سعرها الآن إلى 10 آلاف دولار أمريكي، ولهذا فإن الخدمات التي تُقدمها شركات خدمات العملات المشفرة تبدو فرصة ذهبية لكل مستثمر وكل محترف تجارة إلكترونية.
“بيكاوس” أولى الشركات الأمريكية التي تُخطط لبناء أول وأكبر نظام متكامل لخدمات تعدين العملات المُشفرة
وعلى الرغم من انخفاض سعر البيتكوين بنسبة 40% مما كانت عليه في شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، فإن الطلب على خدمات التعدين من مصانع البيتكوين في زيادة مستمرة وملحوظة من قبل خبراء السوق، وبناءً عليه فإن مقدمي مثل تلك الخدمات في زيادة مستمرة لبناء شبكة خاصة بمصانع البيتكوين، حيث يحصل كل من يقدم خدمة التعدين على مكافأة من عملات البيتكوين بالإضافة إلى رسوم التحويلات.
لدى شركة أو مصنع بيكاوس 5000 جهاز للتعدين بالفعل، وتأمل أن ترفع ذلك العدد إلى 60 ألف جهاز للتعدين “Mining Rigs”، حيث بدأ المصنع بدعم مالي قدره 5 ملايين دولار من مجموعة سي بي آي اليابانية، كدفعة أولى للدعم المالي، إلا أن الرئيس التنفيذي للشركة يعد الربح الأساسي هو الطلب الهائل على خدمات الشركة، بحسب ما ذكر في تقرير صحيفة “ووال ستريت جورنال”.
مصنع أمريكا ليس المصنع الوحيد
من داخل مصنع “بيتماين” الصيني
على بُعد 600 كيلومتر من العاصمة الصينية بيكين، يقع أكبر مصانع تعدين البيتكوين في العالم الذي تمتلكه شركة “بيتماين“ الصينية، المتخصصة في إنتاج أجهزة التعدين القادرة على توفير مليارات من عمليات التعدين في الثانية الواحدة وفك شفرتها لتنتج مزيدًا من عملات البيتكوين كمكافأة.
يحتوي المصنع الصيني على ما يقرب من 25 ألف جهاز للتعدين، يستهلكون ما يقرب من 40 ألف دولار قيمة فواتير الكهرباء، ويراقبهم موظفو المصنع في أثناء حلهم الشفرات بشكل مستمر طوال الأربعة وعشرين ساعة، حيث يعيش الموظفون داخل المصنع، فهو مزود بسكن لهم وكامل الخدمات التي يحتاجونها، حتى إنه مزود بملاعب للكرة لكي يستمتعوا باللعب في أوقات راحتهم.
تبيع شركة “بيتماين” أجهزة التعدين (Mining Rigs) كذلك بسعر يتراوح بين 2500 – 5000 دولار أمريكي، كما توفر خدمة تأجير الجهاز الذي تصل تكلفته إلى ما يقارب الـ5000 دولار رسوم التأجير لمدة سنة كاملة، بينما تختلف الأسعار في الأسواق في البلاد المختلفة وذلك لعدم اعتراف العديد من الحكومات بمعاملات البيتكوين بعد.
من مصانع البيتكوين إلى مزارع البيتكوين
تطلق روسيا اسمًا مختلفًا على مصانع البيتكوين، حيث تُطلق عليها مزارع البيتكوين، وهي المزارع التي تربح ملايين من الدولارات شهريًا من توفير خدمات التعدين لمستثمري البيتكوين، ولكن لا تكون التكلفة سهلة أبدًا، إذ تصل تكلفة الكهرباء التي تُغذي هذه الكمية الضخمة من المعاملات اليومية بالبيتكوين إلى 120 ألف دولار شهريًا لإحدى أكبر المزارع في روسيا التي تحتوي على 3000 جهاز للتعدين.
جولة داخل مزرعة للبيتكوين في روسيا
يعتبر النظام الروسي البيتكوين غير قانونية، وعليه فإن أصحاب مزارع البيتكوين يبقين هوياتهم سرية كما يبقون على أماكن “مزارع البيتكوين” سرية كذلك حماية لهم من أعين الشرطة، في هذا الفيديو تعرض قناة سي إن إن جولة داخل إحدى تلك المزارع، التي تم استثمار 10 ملايين دولار فيها بالفعل كبداية فقط للمشروع، حيث يأمل أصحاب المزرعة أن يزيدوا خمسة أضعاف عدد الأجهزة الموجودة بحلول نهاية العام.
على الرغم من الانخفاض الحاد في سعر البيتكوين خلال الشهور القليلة الماضية، فإن شركات خدمات التعدين لم تجد ذلك عذرًا كافيًا لتوقف استثماراتهم في مزيد من المصانع أو مزارع البيتكوين، وعلى الرغم من القلق المستمر الذي لا يجيب أبدًا سؤال: إلى متى ستستمر فقاعة البيتكوين؟ يبدو أن أصحاب المصانع في طريقهم لإثبات أنهم الوجه الجديد للبنوك في الاقتصاد الرقمي الجديد.