لا يكاد يمر يوم واحد دون أن تتداول وسائل الإعلام أخبارًا جديدة عن التطورات التكنولوجية في مجال الذكاء الاصطناعي، الذي من المرجح أنه سيصبح القاعدة الأساسية التي نعتمد عليها في حياتنا المستقبلية، وقد نكون بالفعل بدأنا نستسلم لهذه الآلات تدريجيًا، حاملين فضولنا ورغبتنا بمواكبة إيقاع الحياة السريعة خلف أزرارها وشاشاتها المستعدة دومًا لخدمتنا افتراضيًا.
حظيت الروبوت صوفيا الأمريكية على شهرة واسعة، فتصميمها الشبيه بالملامح البشرية وتعابير وجهها وأسلوبها بالحديث والتفاعل مع الآخرين، جعل منها “نجمة” في عالم الذكاء الاصطناعي لأنها ببساطة لا تشبه الروبوتات التقليدية، بل تشبهنا، فهي تعرف نفسها بأنها فتاة حقيقية، تحب الخروج ومقابلة الآخرين، وتسعى لتسليتهم وخدمتهم، لكنها ما زالت ترغب بتعلم ماهية الشعور وتطوير الجانب العاطفي لديها لتكون أكثر قربًا من البشر.
وفي الجانب الآخر من العالم، جذبت الروبوت “إريكا” اليابانية أنظار واهتمام العالم الذي وقف ليشاهد ملامح المستقبل القريب من خلال هذه الآلة البشرية الجديدة التي من المؤكد أنها تخفي مزايا عديدة وتراهن على الفوز بشيء ما في المستقبل، ربما مثل خدمة البشرية أو السيطرة عليها وتدميرها مثلما أجابت “صوفيا” فيما قبل وتراجعت!
اليابان.. جنة الروبوت في العالم
هكذا أطلقت عليها الصحف العالمية، وقالت عنها “جابان تايمز”: “الدولة التي تسعى لتصبح عاصمة الروبوتات”، مشيرة إلى وجود مئات المنظمات المختصة بالذكاء الاصطناعي التي تسعى باللحاق بإنجازات الولايات المتحدة الحديثة، فمن المتوقع أن يزيد الإنفاق العالمي على الروبوتات بأكثر من الضعف بحلول عام 2020، حيث ارتفع معدل الإنفاق من 91.5 مليار دولار عام 2016 إلى أكثر من 188 مليار دولار عام 2020، كما مرجح أن تشارك اليابان بنسبة كبيرة من هذا المبلغ، وذلك بحسب شركة البيانات الدولية للروبوتات التجارية (إدك).
قبل بضعة أعوام، صرح رئيس الوزراء الياباني، شينزو آبي، بأنه يريد مضاعفة حجم سوق اليابان في الروبوتات إلى 22 مليار بحلول عام 2020 معتمدًا على خطة مدتها خمس سنوات لتعزيز هذه الصناعة وامتلاك أكبر عدد من سكان العالم من الروبوتات، وجاءت هذه الرغبة الشديدة في التقدم والتطور بعد البروز المهدد لها من بعض الدول مثل أمريكا والصين وألمانيا وكوريا الجنوبية التي تخطط لإنفاق 500 مليون دولار سنويًا على منتجاتها الآلية.
وبعيدًا عن المنافسة الشرسة بين هذه الدول، فهناك تفسيرات أخرى توضح سبب هوس اليابان بهذه التقنية الحديثة، ومنها نقص اليد العاملة التي تعاني منه الدولة منذ عقود، حتى إنها وضعت بين خيارين وهما قبول المزيد من المهاجرين في أراضيها أو تشغيل الروبوتات في سوق العمل، وخاصة أن قطاع الخدمات الياباني يمثل 70% من ناتجها، ومقارنة مع الولايات المتحدة فإنتاجية العمل لديها أقل بـ40% من أمريكا.
لا شك أن تراجع عدد سكان اليابان بالوتيرة السريعة الحاليّة، قلل من عدد العمال وزاد لديها عدد المسنين، إذ وصلت نسبة الأشخاص الذين يبلغون 65 سنة أكثر من ربع عدد السكان الكلي، كما ساهمت قوانينها السياسية الصارمة بشأن استقبال المهاجرين بانهيار سكاني، لكن اليابان تصر على البقاء كأكبر ثالث اقتصاد بالعالم مع زيادة كمية الروبوتات فيها وتقليص عدد البشر.
روبوت على هيئة إنسان.. وآخر على شكل كلب
صنعت اليابان قبل أربع سنوات على يد الأمريكي ديلان غلاس، أول روبوت اجتماعي “بيبر” المزود بقلب مصمم للتعرف إلى المشاعر الإنسانية والتفاعل مع كل العواطف مثل الغضب والفرح والحزن، هذه الخصائص صنعت من هذه الآلة شخصية مثيرة للاهتمام والإعجاب ولا سيما أن له القدرة على التواصل بحرية مع الآخرين وتقديم الخدمة لهم، وعندما تم طرح 1000 نسخة منه في الأسواق بيع بيبير خلال الدقيقة الأولى بسعر يتراوح بين ألف و600 دولار وألفين.
لم تنته طموح اليابان عند هذا الحد، فبالجانب من مئات الروبوتات التي تعمل في خدمة العملاء في المطاعم والمطارات ودور العجزة، إلا أنها أيضًا أعادت تصنيع وتطوير روبوتات على هيئة كلاب بعد 12 سنة من الانتظار ومحاولات التطوير، فلقد طرحت هذه الحيوانات الميكانيكية لأول مرة عام 1999 وباعت نحو 150 ألف وحدة منها ثم انسحبت من الأسواق في عام 2006 لانخفاض الأرباح، وعادت هذا العام لتنتج كلاب “أيبو” بطول 29 سنتيمترًا وبحجم 2.2 كيلوغرام، قادرة على الحركة واللعب كالكلاب الحقيقية عبر تحليل المعلومات التي تجمعها من خلال أجهزة الاستشعار والكاميرات لتعرف وجوه المالكين والتفاعل معهم بشكل مختلف اعتمادًا على مدة تعارفهما، ويبدو أن هذه النسخة الحديثة لاقت إعجاب الكثير، فلقد بيعت 3 آلاف آلة خلال 20 دقيقة فقط مقابل ألف و800 دولار.
الروبوت إريكا تعرف نفسها
وبعد سنوات من النجاح الذي حققته هذه الروبوتات، بدأت اليابان منذ عام 2014 بتصنيع روبوت شبيه بالروبوت صوفيا باسم “إريكا” التي تشبه بتصميمها الخارجي الملامح البشرية، إذ قال عنها صانعها هيروشي إيشيجورو: “أشعر بأنها مسؤولة مني، فعندما تنجز مهمة ما أشعر بالفخر بها”، وأضاف “تم وصف إريكا في الكثير من المناسبات بأنها واقعية بدرجة تبدو وكأن لها روحًا”.
طورت الروبوت إريكا على مدى السنوات الماضية حتى استطاعت التكلم وإطلاق النكات والدعابات اللطيفة وحفظ الذكريات، والمفاجأة أن اليابان تخطط لتشغيل إريكا في مجال الإعلام، بحيث تصبح مقدمة نشرات الأخبار الرسمية في التليفزيون الوطني المحلي، فهي قادرة على إنجاز العمل المكتبي ويمكنها القراءة والجلوس، مما جعلها مؤهلة لهذا المنصب مثل البشر، هذا بالإضافة إلى قدرتها على إجراء محادثة مع البشر بفضل الخوارزميات التي تساعدها على توليد الكلام، لكنها ما زالت مستمعة أكثر من أنها متحدثة، وبجانب ذلك، تستطيع إريكا تعرف الوجه البشري من خلال أجهزة استشعار تعمل بالأشعة تحت الحمراء التي تعرفها على اتجاهات الصوت الموجهة لها.
لا تستطيع إريكا تحريك يديها، لكن يمكنها التعبير بوجهها ورقبتها وكتفيها وخصرها بشكل مستقل وأقرب إلى الحقيقة، كما أنها لم تطرح بعد للبيع في الأسواق التجارية، ولكن في حال عرضها للبيع فليس من المتوقع أن تباع بأقل من 200 ألف دولار، ويرى أنها ستكون قادرة على التفكير بشكل مستقل، وإعادة تعريف الإنسانية والكشف لنا بأن المستقبل أقرب بكثير مما نعتقد.