ينتظر أن يقوم الرئيس التركي طيب رجب أردوغان الأسبوع المقبل بزيارة إلى الجزائر يلتقي خلالها بكبار المسؤولين في الدولة، بهدف بعث علاقات التعاون التي يظل شقها الاقتصادي رغم الخطوات التي قطعها البلدان في هذا المجال دون التوقعات بالنظر إلى تاريخهما المشترك ومكانتهما الإستراتيجية في المنطقة.
وقالت تقارير إعلامية جزائرية إن أردوغان سيحل بالجزائر يوم 26 من فبراير/شباط الحاليّ، ضمن جولة إفريقية تشمل أيضًا موريتانيا ومالي جارتي الجزائر إضافة إلى السنغال.
الزيارة الثانية
وتعدّ هذه الزيارة الثانية من نوعها لأردوغان كرئيس لتركيا بعد تلك التي قام بها عام 2014 ، لكنها الرابعة له للجزائر، فقد سبق له أن زارها مرتين عندما كان رئيسًا للوزراء قبل التعديل الدستوري الذي قام به في البلاد.
وبحسب ما تسرب، فإن الرئيس التركي سيستقبل من طرف نظيره الجزائري عبد العزيز بوتفليقة كما ستكون له لقاءات مكثفة مع الوزير الأول أحمد أويحيى ورئيسي غرفتي البرلمان السعيد بوحجة وعبد القادر بن صالح، إضافة إلى مسؤولين سامين آخرين.
ومن المتوقع أن يدشن أردوغان مسجد كتشاوة التاريخي بالقصبة وسط العاصمة الجزائر، الذي يعود تاريخه إلى الفترة العثمانية في الجزائر، وأغلق في السنوات الماضية ليعاد ترميمه بدعم تركي، وفي 2016، أحيا البلدان الذكرى الـ500 لبدء العلاقات بينهما، التي كانت في أوجها خلال فترة الحكم العثماني.
عرف التعاون الاقتصادي بين البلدين في السنوات الأخيرة تطورًا ملحوظًا، إلا أنه يبقى حسب مراقبين دون مستوى الإمكانات التي يتوفر عليها البلدان
وقبل الزيارة المنتظرة لأردوغان، حل الخميس وزير الخارجية الجزائري عبد القادر مساهل بأنقرة لبحث مختلف القضايا ذات الاهتمام المشترك بين البلدين، وأفاد بيان للخارجية الجزائرية، أن زيارة مساهل إلى تركيا ستكون فرصة لإعطاء دفع جديد للتشاور السياسي بين الجانبين، وتعزيز التعاون الثنائي في مختلف المجالات.
وأضاف البيان أنّ مساهل سيلتقي خلال زيارته مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ونظيره التركي مولود جاويش أوغلو الذي سيبحث معه مختلف الملفات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.
تعزيز الشراكة الاقتصادية
عرف التعاون الاقتصادي بين البلدين في السنوات الأخيرة تطورًا ملحوظًا، إلا أنه يبقى حسب مراقبين دون مستوى الإمكانات التي يتوفر عليها البلدان، رغم تصدر الجزائر قائمة الشركاء الأفارقة لتركيا تجاريًا.
وبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين في 2014 أكثر من 5 مليارات دولار، في حين قدرت الاستثمارات التركية في الجزائر أكثر من ملياري دولار، لكن هذه الاستثمارات فاقت اليوم 3 مليارات دولار.
وعرف التعاون التركي الجزائري منحى متصاعدًا منذ توقيع اتفاقية صداقة في 2006 ساهمت في دخول أنقرة عدة مجالات للاستثمار في الجزائر أهمها النسيج والحديد والصلب والسكن، ووعد أردوغان خلال زيارته السابقة في 2014 برفع الاستثمارات التركية في الجزائر إلى 10 مليارات دولار في حال تم منح المقاولات التركية صفقات في مجال البنى التحتية.
وتوجت زيارة أردوغان الأخيرة إلى الجزائر بالتوقيع على تمديد اتفاقية تقضي بتزويد الجزائر تركيا بالغاز المسال لعشر سنوات إضافية مع مضاعفة هذه الكميات بنسبة 50%، مع العلم أن الجزائر رابع مزود لتركيا بالنفط والغاز.
توجد تركيا اليوم في الجزائر عبر مصنعين مهمين، أولهما مصنع للحديد والصلب بولاية بوهران غرب البلاد ومصنع غزل القطن والنسيج بولاية غليزان غرب البلاد
وقال أردوغان في منتدى رجال الأعمال الجزائري التركي في نوفمبر/ تشرين الثاني في 2004: “نأمل أن تنال شركات المقاولات التركية حصة أكبر في البنى التحتية، الجزائر ستقدم على مشاريع ومنشآت مهمة ونريد أن نساهم في ذلك”، وشدد على “تعزيز المبادلات التجارية بين البلدين لرفعها من 4.5 مليار دولار حاليًّا إلى عشرة مليارات في أقرب الآجال وذلك بإزالة جميع الحواجز المعرقلة للتجارة”.
وأضاف “قبل 12 سنة كانت المبادلات التجارية دون مليار دولار ووصلت في 2013 إلى 4.5 مليار دولار ولكن هذا غير كاف، إذا استطعنا أن نبذل جهدًا ونزيل الحواجز يمكننا بلوغ عشرة مليارات دولار في أقرب الآجال”.
توجد تركيا اليوم في الجزائر عبر مصنعين مهمين، أولهما مصنع للحديد والصلب الذي أنجزته الشركة التركية الخاضعة للقانون الجزائري “توسيالي أيرون أند ستيل” بدائرة بطيوة بوهران غرب البلاد الذي تصل طاقته الإنتاجية مليون و200 ألف طن سنويًا، وصنفته السفارة التركية في الجزائر ضمن أكبر استثمارات أنقرة في الخارج، وتأمل الشركة المسيرة للمصنع أن تحقق مداخيل تصل مليار دولار عند دخول جيمع وحداته العمل بشكل نهائي.
أما المصنع الثاني فيتمثل في مصنع غزل القطن والنسيج بولاية غليزان غرب البلاد، والمنجز في إطار شراكة جزائرية – تركية، سيدخل مرحلة الإنتاج في بداية شهر مارس المقبل.
وقال المدير العام للمجمع الجزائري للنسيج والجلود (جيتكس) صالح مالك لوكالة الأنباء الجزائرية إن المصنع سيدخل مرحلة الإنتاج بداية شهر مارس المقبل، وأوضح مالك إن طاقة إنتاج هذا المصنع تقدر بـ9000 طن/سنة، ويدخل ضمن مشروع مركب يتكون من 8 مصانع مدمجة للإنتاج وذلك في إطار المشروع المشترك “تايال” المتشكل من شعبيتن لمجمع النسيج والجلود “جيتكس” والشركة القابضة “مدار” إلى جانب الشركة التركية “إنترتاي”.
جدد الرئيس بوتفليقة في أكتوبر تشرين الأول الماضي في برقية تهنئة لأردوغان بمناسبة الاحتفال بالعيد الوطني التركي حرصه على توثيق أواصر الصداقة التي تجمع البلدين
وأضاف أنه وفضلاً عن هذا المصنع لغزل القطن والنسيج سيكون المركب مشكل من مصانع لحياكة الأقمشة والمعالجة وصناعة الملابس الجاهزة وصناعة وتسويق مستلزمات الملابس ووضع اللمسات الأخيرة والتبييض والصباغة.
ويمتد المشروع على مرحلتين: الأولى التي سيتم الانتهاء منها خلال نهاية العام الحاليّ، تتعلق بإنجاز 8 مصانع مدمجة كليًا ومركز أعمال ومدرسة للتكوين في مهن الحياكة وصناعة الملابس الجاهزة بطاقة استيعاب تقدر بـ500 متربص للدورة بالإضافة إلى مجمع سكني للعمال (567 سكنًا)، وتأمل الجزائر أن يوقف هذا المصنع استيرادها للألبسة من الخارج ومنها تركيا والتوجه نحو التصدير وبعث هذا القطاع الاقتصادي في البلاد من جديد.
توافق واختلاف في السياسة
جدد الرئيس بوتفليقة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي في برقية تهنئة لأردوغان بمناسبة الاحتفال بالعيد الوطني التركي حرصه على توثيق أواصر الصداقة التي تجمع البلدين، وقال بوتفليقة في برقيته: “أغتنم هذه المناسبة السعيدة لأؤكد لكم بالغ حرصي على توثيق أواصر الصداقة التي تجمع بلدينا وتمام استعدادي لضم جهودي لجهودكم من أجل تحقيق الأهداف التي سطرناها في معاهدة الصداقة والتعاون التي تربط بلدينا منذ مايو 2006، قصد إقامة شراكة إستراتيجية تستجيب لتطلعات شعبينا الصديقين”.
وأدان بوتفليقة في 2016 محاولة الانقلاب الفاشلة ضد أردوغان، وقال: “كان من شأنها تقويض السلم والاستقرار في المنطقة والعالم”.
لكن رغم هذا تبقى النظرة السياسية للبلدين غير متطابقة في جميع الملفات، وفي مقدمتها الملف السوري، حيث تظل للجزائر علاقات جيدة مع نظام بشار الأسد الذي تطالب تركيا برحيله، كما ينظر في الجزائر للتدخل الأجنبي في أي دولة احتلالاً، وهو ما قد ينطبق على التدخل التركي في عفرين وبقية المناطق السورية بالنظر إلى عقيدة الجيش الجزائري التي ترفض أي تدخل خارج حدود البلاد، إلا أن الجزائر تتفق مع تركيا في ضرورة مكافحة الإرهاب وترفض تقسيم الدول تحت غطاء الأقليات؛ مما يعكس موقفًا رافضًا لتأسيس دولة كردية في المنطقة.
مهما اتفقت أو اختلفت رؤية الطرفين للقضايا الدولية، إلا أن الجزائر تظل تصر على أن يكون أي تدخل تركي خاصة في الدول المجاورة لها كمالي وليبيا هدفه إرجاع السلم إلى هذه الدول وتحقيق توافق وطني لا البحث عن موطئ قدم فيها
ويعد البلدان من الدول الداعمة للقضية الفلسطينية رغم اختلافهما في نظرة التطبيع مع “إسرائيل”، وهو الملف الذي يظل خارج أي احتمال في الأجندة الجزائرية.
ويتفق البلدان في الموضوع الليبي بشأن دعم حكومة الوفاق الوطني وعدم دعم تكتل خليفة حفتر، حيث تصر الجزائر على عدم إقصاء أي طرف لإقامة مصالحة في جارتها الشرقية.
ورفضت الجزائر التي تبقي علاقاتها جيدة مع القاهرة طلبًا مصريًا بإدراج جماعة الإخوان المسلمين ضمن المنظمات الإرهابية، وهو موقف تتقاسمه مع تركيا التي لم تتردد يومًا في إعلانها دعم الرئيس السابق محمد مرسي وتبقى إلى اليوم تعتبر نظام عبد الفتاح السيسي انقلابيًا وغير شرعي.
ومهما اتفقت أو اختلفت رؤية الطرفين للقضايا الدولية، إلا أن الجزائر تظل تصر على أن يكون أي تدخل تركي خاصة في الدول المجاورة لها كمالي وليبيا هدفه إرجاع السلم إلى هذه الدول وتحقيق توافق وطني لا البحث عن موطئ قدم فيها لتقاسم مصالح جديدة مع الدول الغربية التي يظل تدخلها في الشمال الإفريقي ومنطقة الساحل لا يلقى ترحيبًا كبيرًا من الطرف الجزائري حتى الآن.
وبرأي مراقبين، فإن أي تعزيز للتعاون بين البلدين يبقى مربوطًا في الأساس بتسهيل تنقل الأشخاص الذي يتمثل محوره في إلغاء التأشيرة خاصة أن تركيا أصبحت في السنوات الأخيرة ثاني وجهة سياحية للجزائريين بعد تونس.