سلوان: مجمتع فلسطيني مزقته حفريات “إسرائيل” للعثور على “المدينة المفقودة”

cnnx3396

ترجمة وتحرير: نون بوست
كتب: مصطفى أبو سنينة ولبنى مساروة

في سلوان، القدس الشرقية، تقف منال صحبة محمد في الغرفة الأمامية لمنزلهما، مشيرين إلى التصدعات المتعرجة على الجدران. لقد قاومت هذه المنازل أثر الزمن لعقود، مثل الكثير من البيوت الأخرى في هذه المنطقة الفلسطينية جنوب البلدة القديمة في القدس، ولكن ظهرت هذه الشقوق حديثا. لقد بدأت الشقوق بالظهور عندما شرعت “إسرائيل” في حفر أنفاق في شوارع الحي لخلق معالم سياحية جديدة، وتقفي الأدلة على وجود “مدينة داود” التي يبلغ عمرها ثلاثة آلاف سنة. وقد شكك الكثيرون، بما في ذلك بعض الإسرائيليين، في واقعية البحث، الذي هز حرفيا أسس منازل القاطنين في المنطقة، لعدم استناده إلى أي دليل.

حيال هذا الشأن، أفاد كل من منال ومحمد أصيلي منطقة وادي حلوة بحي سلوان، بأن منزلهما بصدد الانهيار. كما ذكر الزوجان حادثة سقوط جزء من الجدار على رأس ابنهما البالغ من العمر ثلاث سنوات بينما كان يلعب. وقالت منال “عندما نذهب إلى منزل جديه، يرفض ابني العودة إلى البيت الذي يطلق عليه اسم” البيت المهلهل”. كما أضاف محمد أن عمليات الحفر والتنقيب مستمرة منذ ثلاث سنوات تقريبا، “إنهم يعملون من الساعة السابعة صباحا حتى الساعة التاسعة من مساء كل يوم. كما أنه لم يردنا أي إشعار ببداية الأشغال”.

 
عملة هيئة الآثار الإسرائيلية داخل الأنفاق الواقعة تحت حي وادي حلوة

جراء ما لحق بهم، يشير الكثير من سكان هذا الحي المتشابك بإصبع الاتهام مباشرة إلى “إسرائيل”، التي قامت بتطوير المواقع السياحية والأثرية في المنطقة منذ سنة 1995. ولكن يقول الفلسطينيون إن هذه الحفريات ليست سوى محاولة للعثور على أدلة توثق التاريخ اليهودي في المنطقة، ما من شأنه أن يضفي الشرعية على قيام المستوطنات غير القانونية في القدس الشرقية المحتلة.

في هذا الإطار، تقوم هيئة الآثار الإسرائيلية بالحفر في مواقع في وادي حلوة بالقرب من المسجد الأقصى وجدار البلدة القديمة. وترعى مؤسسة “مدينة داوود”، وهي منظمة تعنى بشؤون المستوطنين الإسرائيليين، الحفريات المرتبطة بمركز “مدينة داود” الجديد. ومن شأن استكمال الأشغال، بما في ذلك “طريق” على الطراز الروماني يبنى على أنقاض الشوارع التي كانت موطنا لأجيال من الفلسطينيين، أن يعزز وجود 450 مستوطنا غير قانوني يعيشون حاليا في سلوان، وزعزعة كيان عشرة آلاف فلسطيني يعيشون تحت الحراسة المشددة.


المسجد الأقصى، والجدار الجنوبي لمدينة القدس القديمة، وأسطح المنازل الفلسطينية في وادي حلوة، كما ترى من نقطة بانورامية ل مدينة داود، 4 شباط / فبراير

في الواقع، تتطابق الحكايات التي رواها كل مقيم تحدث إلى “ميدل إيست آي”، فالأشغال تبدأ على الساعة السابعة وتستمر لمدة 14 ساعة، كل يوم تقريبا. أما النتائج فهي كارثية على منازل أهل المنطقة ومجتمعهم المصغر. فقد قال باسم صيام، وهو مواطن آخر مقيم بالمنطقة، أن الحفر شبيه بزلزال ضرب المنطقة حيث “تحطمت النوافذ، وتشققت الجدران، والأرض أخذت في الغوص تحت أقدامنا شيئا فشيئا جراء الحفر الذي بدأ قبل عشر سنوات”.

كما أضاف السيد صيام أن معظم العائلات من وادي حلوة اضطرت إلى مغادرة منازلها المنهارة. أما هو، مثله مثل الكثيرين من الأهالي الذين ظلوا في المنطقة، فلا خيار أمامه سوى البقاء. فإلى أين سيذهب؟ ومن سيأخذ مكانه؟ لأنه “في صورة ذهابي للعيش في الضفة الغربية، سأخاطر بوثائق إقامتي في القدس”. 

من جهته، قال فؤاد مختار، وهو صاحب متجر في وادي حلوة، إن أكواب الماء تهتز على الطاولات من شدة وطأة الحفر. وقد وصف منزله ومنزل جيرانه بأنهما “معلقان في الهواء، وإنها مسألة وقت فقط قبل أن ينهار البيتان”. لقد فتح السيد مختار محله بعد انقطاعه عن العمل في مجال البناء الذي أجبره على السفر وقضاء الوقت بعيدا عن عائلته. ووضح هذا الأخير قائلا “فعلت ذلك بسبب الخوف من أن أعود يوما ما من العمل لأجد المستوطنين يحتلون بيتي مثلما حصل مع البعض من جيراني”.

فضلا عن ذلك، أكد مختار أن الجميع في وادي حلوه يواجهون ضغوطا من السلطات الإسرائيلية للمغادرة، فهم “يستخدمون سياسة العصا والجزرة. ومنذ أن افتتحت مدينة داود، أصبحت الحياة في وادي حلوة لا تحتمل. أما إذا ما هدمت منازلنا، فإن بلدية القدس لن تمنحنا تصاريح لبنائها من جديد”.


محل هدايا في “مدينة داود”

اللجوء للقضاء

بعد فترة وجيزة من الحفر في وادي حلوة، استأجرت مجموعة من الجيران محاميا، ولجأت للقضاء ضد هيئة الآثار الإسرائيلية، وهيئة الطبيعة والمتنزهات الإسرائيلية، ومؤسسة مدينة ديفيد. وتجدر الإشارة إلى أن “إسرائيل” قد دمرت منزل أحد المواطنين الذي يدعى خالد الزير ثلاث مرات بسبب “البناء دون تصريح”، واضطر إلى الانتقال مع عائلته إلى أحد الكهوف القريبة. كما اعتقلته الشرطة الإسرائيلية عدة مرات لتعبيره عن رأيه فيما يتعلق بالأزمة التي يواجهها وادي حلوة.

فيما يتعلق بهذه المسألة، قال الزير إن المحامي كان يعمل على قضية ضد الحفر، ولكنه يعتقد أن السلطات الإسرائيلية تتأخر في اتخاذ القرار النهائي لإتاحة الوقت لإنهاء أعمال الحفر. كما أقر هذا الفلسطيني بأنه هو وجيرانه يطاردون المحامين والمهندسين باستمرار، مشيرا إلى “أن بعض مراقبي الأمم المتحدة قد أبلغوا عما يحدث لنا، لكننا لم نر أي نتائج ملموسة”.

من جهته، روى محامي السكان الفلسطينيين، سامي خورشيد، القصة نفسها قائلا “إن السلطات الإسرائيلية ترفض السماح للمراقبين بدخول الأنفاق والمناطق التي تحت الأرض حتى يتمكنوا من إعداد تقرير مهني يستفيدون منه في المحكمة”. كما أكد خورشيد، الذي يمثل 15 عائلة تمتلك ثمانية عقارات، أن بلدية القدس أجبرت ثلاث عائلات سنة 2017 على المغادرة بتعلة أن منازلهم معرضة لخطر الانهيار.

في شأن صلة، أضاف المحامي لقد طلبنا من البلدية تحديث المنازل لكنها رفضت وقالت إنها لم تكن تعرف السبب الذي يقف وراء الأضرار التي لحقت بالمنازل، وأن تجديد المنازل لم يكن من مسؤوليتها.” ولم ترد البلدية على الأسئلة التي وجهها لها “ميدل إيست إي” بحلول وقت النشر.

القومية الصهيونية

صرح مرشد سياحي يهودي إسرائيلي، لم يرغب في الكشف عن هويته، أنه يعتقد أن “مدينة داود” لا تملك أهمية دينية بالنسبة لليهود. “كل ما تراه هنا هو القومية، وإذا كنت من القومية الصهيونية، فإن هذا المكان سيكون مهما بالنسبة إليك”. كما قال الدليل، الذي هو عالم آثار أيضا، إن السياح الذين يزورون “مدينة داود” لن يرو فيها أي فلسطينيين، مؤكدا أن معظم الجولات في أنفاق تحت الأرض، وهدفها هو إعطاء السياح شعورا بالحج اليهودي من بركة الحمراء أو بركة سلوان في جنوب وادي حلوة، حيث ينقي المصلي نفسه قبل أن يصعد إلى الحائط الغربي “.


 مدخل النفق الذي يمر تحت المنازل في وادي حلوة، 4 شباط/ فبراير.

في الواقع، تتم الجولات تحت الأرض من خلال القنوات المائية القديمة الموجودة في سلوان والتي تمتد على 400 متر، وكانت في السباق إحدى شبكات الصرف الصحي الرومانية. وتخطط هيئة الآثار الإسرائيلية لمد طريق فوق هذا النفق، يحاكي الطريق الروماني الذي يربط الجدار الغربي الموجود في البلدة القديمة في القدس ببركة الحمراء في جنوب وادي حلوة، لكن هذا الطريق سيشكل خطرا على منازل الفلسطينيين في وادي حلوة. وفور دخولك للأنفاق سيعترضك مشهد من موقع بناء يتضمن سقالات ودلاء وأكياسا لتفريغ التربة وجلجلة آلات الثقب الثقيلة  والأصوات المدوية التي تصدرها المناشير الآلية.


داخل النفق الذي يمر تحت المنازل في وادي حلوة، 4 شباط/ فبراير

في هذا السياق، قال الدليل إن “المنطقة أغلقت أمام السكان الفلسطينيين، لاستكمال الحفريات، ثم أصبحت موقعا سياحيا. وتكلف نصف الجولة التي تمر من بركة الحمراء إلى الحائط الغربي عبر النفق 44 شيكل (13 دولارا). ومن جهتها، ذكرت إيميك شافيه، وهي منظمة غير حكومية أثرية إسرائيلية، في تقرير لها أن هذه الأنفاق “تخلق مدينة يهودية إسرائيلية تحت الأرض وتحول المستوطنين إلى سكانها الطبيعيين والسكان الفلسطينيين … إلى وجود مؤقت”.

فيما يخص نتائج الحفر، أكد الدليل أنه لم يعثر إلى حد الآن على قطعة واحدة من عهد الملك داود، الذي يرجع تاريخه إلى ثلاثة آلاف سنة. وما عُثر عليه في الحقيقة هو التحف من مختلف الإمبراطوريات القديمة، وخاصة العربية والمسلمة، التي سيطرت على القدس على مر القرون.

كما عُثر أيضا على القطع أثرية من فترة الهيكل الثاني، الذي يعود إلى القرن الأول قبل الميلاد، وهي فترة هامة من التاريخ بالنسبة لليهود، وبغض النظر عن ذلك، يواصل الإسرائيليون بحثهم المتواصل عن مدينتهم المفقودة، في حين تودع مدينة الفلسطينيين كتب التاريخ ببطء.


جدار متصدع في إحدى المنازل بوادي حلوة

المصدر: ميدل إيست آي