تواجه الحكومة الفلسطينية التي يترأسها الدكتور رامي الحمدالله، ومقرها الرسمي في مدينة رام الله بالضفة الغربية المحتلة، مصيراً مجهولاً بعد دخول في النفق المظلم الذي دخل به قبل سنوات رئيس الوزراء السابق سلام فياض، وخرج منه بتقديم استقالته من رئاسة الحكومة.
الأزمات التي كانت حينها تُحيط بسلام فياض، السياسية والاقتصادية والأمنية وتشديد الحصار على قطاع غزة والخلاف بين الحكومة والرئاسة، باتت عامل مشترك وتتشابه تماماً مع الواقع الحالي لحكومة رامي الحمد الله، خاصة بعد الدعوات الأخيرة والصريحة التي خرجت من الفصائل والسياسيين لتقديم الحمد الله استقالته.
“متى سيُقال الحمد الله؟ أو هل سيدفع ثمن فشل الرئيس محمود عباس؟ وهل بات شبح إقالة فياض يطارده في كل مكان؟”، كلها أسئلة باتت تُطرح بقوة في الساحة الفلسطينية، وتبحث عن إجابة واضحة في ظل المتغيرات والعواصف والأزمات التي تعصف بحكومة الحمد الله من كل جانب.
دفع الثمن
كافة الدلالات التي خرجت من مقر المقاطعة في رام الله، تتجه نحو قرار سيصدر قريباً من قبل محمود عباس، للإعلان عن تشكيل وزاري جديد، قد يطيح برئيس الحكومة الحالي رامي الحمد الله، ويعيد سيناريو إقالة فياض في العام 2013.
الحديث والمطالبات بإقالة الحمدالله، لم تتوقف عن هذا الحد بل تجاوزت ذلك حين دعت شخصيات فلسطينية صراحةً إلى محاكمة الحمد الله وتقديمه للعدالة بعد إقالته، لارتكابه جرائم وفساد وتشديد الحصار على قطاع غزة وسكانه.
قال النائب عن حماس إسماعيل الأشقر، إن حكومة الحمدالله” لا خير فيها وهي والاحتلال وجهان لعملة واحدة”، مطالباً بطردها فوراً ومحاكمتها
ولعل أبرز تلك الدعوات التي صدرت عن عضو المكتب السياسي لحركة “حماس”، محمود الزهار، حين طالب خلال الجلسة الأخيرة للمجلس التشريعي التي عقدت الأربعاء الماضي بغزة، بإقالة الحمدالله وتقديمه للمحاكمة بشكل فوري.
ودعا نواب التشريعي بغزة إلى رحيل حكومة الوفاق فوراً وتشكيل حكومة إنقاذ وطني، وقال النواب خلال الجلسة خاصة للمجلس بغزة بشان عدم التزام حكومة الوفاق بواجباتها تجاه غزة إن”الحكومة خالفت منهج التوافق وساعدت في تعميق الخلاف بين الفلسطينيين”.
وطالب الزهار خلال كلمته النائب العام بفتح تحقيق بفساد الحكومة، داعياً الكتل والقوائم البرلمانية لعقد جلسة طارئة لمناقشة تشكيل حكومة إنقاذ وطني، مضيفا “حكومة الحمدالله لا تزال مصرة على التنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي، وما زالت تمارس سياسيات اقتصادية ومالية عقابية تجاه قطاع غزة”، واتهم الزهار حكومة الوفاق بالتعنت في صرف رواتب موظفي غزة وإيقاف التحويلات الطبية لمرضى القطاع.
بدوره قال النائب عن حماس إسماعيل الأشقر، إن حكومة الحمدالله” لا خير فيها وهي والاحتلال وجهان لعملة واحدة”، مطالباً بطردها فوراً ومحاكمتها. وردت الحكومة الفلسطينية بقوة، على دعوة الزهار، وقالت إن أقواله تمثل “فجوراً وطنيّاً”، وأصدر المتحدث الرسمي باسم الحكومة، يوسف المحمود، بياناً جاء فيه أن “الحكومة تعتبر الأقوال الأخيرة التي أدلى بها الزهار فجوراً وطنياً، وهي غير مسؤولة، وتثبت روح العداء المتأصلة ضد شعبنا وقيادته”.
موعد الإقالة
وعلى صعيد علاقة الحمدالله بحركة “فتح”، والسيناريو المتكرر مع فياض، يحمل تاريخ العلاقة بين الحركة والحمدالله مواقف تصادمية عديدة؛ أبرزها ملاسنة وقعت بينه وبين عضو اللجنة المركزية لـ”فتح” عزام الأحمد على الهواء مباشرة خلال برنامج تلفازي في 4 ديسمبر/كانون الأول من عام 2014 على فضائية “الفلسطينية”، حيث اتهم الحمدالله، عزام الأحمد بترشيح شقيقة زوجته لمنصب وزيرة التربية والتعليم، إضافة إلى اعتقال الأجهزة الأمنية عضو المجلس الثوري لحركة “فتح” بسام زكارنة في 6 نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2014 بتهمة التحريض على الحكومة.
على الرغم من تلك الاتهامات التي توجه للحكومة، يواصل رامي الحمدالله إدارة ظهره لها
كما خاضت نجاة أبو بكر اعتصاماً مفتوحاً داخل المجلس التشريعي في 25 فبراير/شباط من عام 2016 بسبب صدور مذكرة اعتقال بحقها، نتيجة اتهامها لأحد وزراء الحكومة بالفساد، رغم تمتعها بالحصانة كونها نائبة في المجلس التشريعي.
ومرت حركة فتح بتجربة مماثلة في عهد رئيس الحكومة السابق، سلام فياض، الذي شغل منصب رئيس الحكومة بين يونيو/حزيران 2007 إلى يونيو/حزيران 2013، حيث طالبت محمود عباس بإقالته في 3 مارس/آذار، لكنه استمر في منصبه لمدة 6 سنوات، إلى أن قرر عباس ذلك بسبب تدهور العلاقة بين الرجلين.
وعلى الرغم من تلك الاتهامات التي توجه للحكومة، يواصل رامي الحمد الله إدارة ظهره لها، بل أكثر من ذلك بكثير حين يجري لقاءات علنية مع المسؤولين الإسرائيليين في رام الله والقدس، ضارباً بعرض الحائط كل القرارات التي صدرت عن المجلس المركزي واللجنة التنفيذية التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية بفك الارتباط السياسي والاقتصادي والأمني مع “إسرائيل”.
وتلك الخطوات تعيدنا للوراء لسنوات ليست بعيدة، حين سلك سلام فياض نفس الطريق الذي يسير عليه الآن رامي الحمدالله، وكان نهايته أن دفع فياض الثمن بتقديم استقالته، وهذا ما بات يُحيط بالحمدالله ولكن ينتظر نقطة الصفر والقرار الرسمي من عباس.
محللون وسياسيون يؤكدون أن وصول الحمدالله إلى سدة الحكم في ظل ظروف دقيقة ومعقدة، ما هي إلا محرقة لتاريخ الرجل الأكاديمي، وزجه في آتون صراع سياسي وإداري ومالي، ستكون الإقالة المصير المنتظر.
ورغم مرور أكثر من ثلاثة أعوام على تشكيل حكومة الحمد الله، إلا أن السياسيين يؤكدون أنها لم تحقق أي إنجاز سياسي أو اقتصادي يذكر، حيث لا تستمد الحكومة عملها وفق خطة مدروسة واضحة.
مصادر فلسطينية مطلعة ، قالت إن “حركة حماس ناقشت، إمكانية تشكيل حكومة إنقاذ وطني في قطاع غزة، في خطوة هدفها إقصاء حكومة الوفاق. لكنها لم تتخذ خطوات على الأرض، بسبب عدم تقبل فصائل فلسطينية أخرى للفكرة، وخشية من غضب مصري”
ويجمع السياسيون، أن شخصية الحمدالله لم تكن مثل شخصية فياض؛ حيث حظي الأخير بدعم أمريكي وإسرائيلي غير مسبوق مكنه من ممارسة نفوذ وصلاحيات تجاوزت حدود رئاسته للحكومة، كانت سبباً في هروبه من قبضة السجن التي كانت السلطة تجهزها له لإخراجه من المشهد السياسي مرةً واحدة وللأبد.
وتعيش السلطة الفلسطينية أزمات مركبة سياسية واقتصادية وأمنية، تكاد تعصف بها، وهو ما تحدث به كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات قبل أيام؛ حيث صرّح ولأول مرة أنّ من يقود السلطة هو “ليبرمان” وأن منسق الشؤون الإنسانية الإسرائيلي هو رئيس الحكومة الفعلي وليس الحمدالله.
وهنا يقول القيادي في حركة “حماس”، يحيى موسى: “إذا كانت حكومة الحمد الله كما وصفها “صائب عريقات” هي حكومة “مردخاي”، فهذا الأمر لا يصح على الإطلاق ولا يمكن القبول به بأن يكون العدو هو الحكومة، الأمر الذي اعتبره يفسر ما تقوم به الحكومة من معاقبة قطاع غزة وإضعافه.”
وأضاف موسى: “نحن لا يمكن أن نقبل أن تكون حكومة “مردخاي” هي التي تقود الحالة الفلسطينية، وبالتالي لا بد من وجود حكومة وطنية تنطلق من المصالح الوطنية وتلبي الأهداف الوطنية وتكون رافعة لها”، على حد تعبيره.
يشار إلى أن مصادر فلسطينية مطلعة، قالت إن “حركة حماس ناقشت، إمكانية تشكيل حكومة إنقاذ وطني في قطاع غزة، في خطوة هدفها إقصاء حكومة الوفاق. لكنها لم تتخذ خطوات على الأرض، بسبب عدم تقبل فصائل فلسطينية أخرى للفكرة، وخشية من غضب مصري”.
وتشير المصادر أن “الفكرة لا تزال مطروحة على طاولة البحث، بين أفكار أخرى، في محاولة أيضاً للضغط على السلطة الفلسطينية”، مؤكدةً أن الحركة في خضم نقاش واسع حول مستقبلها ومستقبل قطاع غزة، في ظل تفاقم الأزمات، وانسداد أفق المصالحة، وتراجع الدعم المالي لها.
وكان من المأمول بحكومة الحمد الله أن تثبت المصالحة بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس، إلا أن اتفاق المصالحة الذي وُقّع في ربيع 2014 وأفضى إلى تشكيل الحكومة، لم يترجم على الأرض، حيث تتهم السلطة “حماس” بالاحتفاظ بحكومتها في قطاع غزة، في حين تتهم “حماس” السلطة بترك القطاع تحت الحصار.