بالتزامن مع إضرابات الأطباء المقيمين المتواصلة منذ أشهر بصفة متفرّقة، نفذ أعضاء خمس نقابات تعليمية في الجزائر إضرابا عن العمل هذا الأسبوع، لينضموا بذلك إلى مئات من زملائهم المضربين منذ تشرين الثاني/نوفمبر الماضي والمطالبين بزيادة الأجور وتحسين ظروف العمل، الأمر الذي يؤكّد، حسب خبراء، عجز السلطات الحاكمة في البلاد على احتواء هذا الحراك الاحتجاجي في البلاد ووضع حدّ له.
اضراب عن العمل
في إطار احتجاجاتهم المتواصلة للضغط على الحكومة، نفذ تكتل نقابي جزائري يضم 5 نقابات، الثلاثاء والاربعاء إضرابا في المدارس بعد فشل المفاوضات مع وزارة التربية حول إعادة النظر في أجور الموظفين والرفع من قيمة الساعات الإضافية. وأعلن التكتل النقابي الإضراب بعد اجتماع دام عدة ساعات مع وزيرة التربية نورية بن غبريط الأحد قائلا إنه “لم يتم التوصل فيه إلى أي نتيجة” بحسب ما صرح للصحافيين رئيس النقابة الوطنية لأساتذة التعليم الثانوي والتقني مزيان مريان.
سبق للنقابات أن نفذت إضرابا في 14 شباط/فبراير ليوم واحد
وتطالب النقابات المستقلة وزيرة التربية بالاحترام الكامل للاتفاق الموقع بين الوزارة والنقابة، القاضي بإلغاء إجراءات الخصم العشوائي لأيام الإضراب للأساتذة في ولايتي البليدة وبجاية، والتفاوض وفق ما ينص عليه القانون، فضلاً عن تسوية بعض الحالات الخاصة بين الأساتذة، وتحيين منحة العمل في مناطق الجنوب والصحراء واحتسابها وفق شبكة الأجور الحاليّة، وإيجاد صيغ لحل ملفي السكن والترقيات.
https://www.youtube.com/watch?v=f0yZPtNf6T0
وكما تنادي بعض الأصوات نقابية وسياسية والمدنية، أيضا، بضرورة إقالة وزيرة التربية بن غبريط، بسبب سوء إدارتها للأزمة، كما انتقدت عدة أطراف التصريحات التي وصفت بأنها غير مقبولة لرئيس الحكومة أحمد أويحيى الذي وصف الأساتذة بالقراصنة والفوضويين، وسبق للنقابات أن نفذت إضرابا في 14 شباط/فبراير ليوم واحد.
لا سبيل للزيادة في الأجور
من بين مطالب الأساتذة والمعلمين الزيادة في الأجور الأمر الذي ترفضه حكومة أحمد أويحيى بسبب الأوضاع المالية للبلاد والأزمة الاقتصادية التي تعيش على وقعها منذ صائفة 2014 نتيجة تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية.
وتقول الحكومة الجزائرية إن الأوضاع المالية للدولة لا تسمح بمزيد من الضغط على الخزينة العمومية، خاصة وأنها التزمت العمل بسياسة التقشّف التي حتمت عليها القيام بإجراءات قاسية حتى تحدّ من الانهيار الحاصل في اقتصاد البلاد.
فصل من العمل
هذه الاحتجاجات في المدارس واجهتها الحكومة الجزائرية بالتهديد بفصل آلاف المدرسين عن العمل، حيث اعتبرت الحكومة أن الآلاف من الأساتذة الذين يواصلون الإضراب منذ أسابيع، معرضون للفصل من عملهم، وأفاد بيان لوزارة التربية الجزائرية بأن “مواصلة الإضراب الذي دعا إليه المجلس المستقل للأساتذة يجعل الأساتذة المعنيين في حالة تخلٍّ عن المنصب ويعرضهم إلى العزل”.
وذكرت الوزارة أن “المحكمة الإدارية بالعاصمة الجزائر، أصدرت حكما في 30 يناير/كانون الثاني الماضي، ينص على عدم شرعية الإضراب المفتوح للأساتذة، وأمرت بوقفه فورا، مع عدم التعرض للأساتذة الذين ستعينهم الوزارة للعمل في مكان الأساتذة المعزولين”.
أقصت الحكومة 581 أستاذا من التعليم والوظيفة في ولاية البليدة التي تبعد 60 كيلو متر جنوبي العاصمة الجزائرية
ويهدد بيان الوزارة بعزل آلاف الأساتذة، بينهم 19 ألف أستاذ في ولايتي البليدة وبجاية، مركز الإضراب، ولكن النقابة المستقلة أعلنت استمرار الإضراب حتى قبول وزيرة التربية نورية بن غبريط، الجلوس إلى طاولة الحوار دون قيد أو شرط.
وتنفيذا لتهديدها، أقصت الحكومة 581 أستاذا من التعليم والوظيفة في ولاية البليدة التي تبعد 60 كيلو متر جنوبي العاصمة الجزائرية، كدفعة أولى من بين 19 ألف أستاذ معنيين بقرار الفصل، بسبب رفضهم وقف الإضراب المستمر منذ أسابيع، وفقا لمستشار وزيرة التربية الجزائرية، محمد شايب بالذراع.
وأكد شايب بالذراع في تصريح للإذاعة الجزائرية، أنه تم في ذات الوقت إبلاغ 19 ألف أستاذ، بإنذار هو الثاني بالنسبة لهم، تمهيدا لفصلهم في حال عدم الاستجابة والعودة لعملهم، متهما “المجلس الوطني المستقل للأساتذة” بالتضحية بالأساتذة لبلوغ أهدافه.
وجدد مستشار وزيرة التربية رفض الحوار مع من وصفها بالنقابة التي “لا تحترم قوانين الدولة” قائلاً “أبواب الحوار والتشاور تبقى مفتوحة، لكن وزارة التربية لا يمكنها أن تجتمع مع هيئة لا تريد الاعتراف بقوانين الجمهورية، لا يمكننا الحديث عن إضراب بما أن العدالة قد قضت بعدم شرعيته”، في إشارة إلى قرار المحكمة الإدارية التي قضت في 30 يناير/كانون الثاني الماضي بعدم شرعية الإضراب.
الاستنجاد بخطباء المساجد
البدء في فصل الأساتذة عن العمل وتهديد الباقين بنفس المصير، لم يثني المعلمين والأساتذة عن مواصلة اضرابهم، الأمر الذي دفع الحكومة إلى الاستنجاد بخطباء المساجد من أجل التهدئة والتأكيد على ضرورة وقف الاضرابات في البلاد.
وذكرت وسائل إعلام محلية في الجزائر، أن وزارة الشؤون الدينية والأوقاف، دعت خطباء المساجد إلى تخصيص خطبة اليوم الجمعة للحديث عن “نعمة الاستقرار وضرورة الحفاظ عليه”. وقبل أيام دعا رئيس المجلس الإسلامي الأعلى (رسمي)، بوعبد الله غلام الله، المضربين إلى “ضرورة احترام القرارات الصادرة عن العدالة”، واصفا عدم احترام هذه القرارات بـ”الخروج عن المعقول والمنطق وتعديا على حقوق الأمة”.
موضوع خطبة الجمعة في الجزائر كان اليوم عن “الاستقرار والأمان في البلاد”
وسبق أن استقبلت وزيرة التربية نورية بن غبريط في مقر وزارتها إمام المسجد الكبير بالجزائر العاصمة الشيخ علي عية لمساعدتها على الحوار مع المضربين ووقف الحركات الاحتجاجية في قطاع التعليم، الأمر الذي أثار سخرية الجزائريين وتهكمهم.
ويعكس اللجوء إلى القضاء والأئمة والمساجد والتهديد بفصل المضربين عن العمل، فضلا عن عبارات التخوين التي تطال المحتجين، حالة التخبّط لدى السلطات الجزائرية، وعجزها عن التعامل مع الحراك الاجتماعي في البلاد بمختلف مستوياته، وعدم قدرتها على التحاور مع المحتجين مهما كانت مطالبهم، نتيجة الصراع الدائر بين أجنحة الحكم لخلافة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة.