منذ أن بدأت الترتيبات الخفية كانت للسعودية اليد الطولى في محاولة دعم الإنقلاب و تذليل العقبات في طريقه، والاستماتة بكل الطرق لجلعه خيارا شعبيا قام ضد التسلط السياسي للحزب الواحد المغلف بلباس الدين، والذي يشكل خطرا على أمنها القومي كما صرح مسؤولون سعوديون.
السؤال الذي يطرح نفسه لماذا مصر؟؟ و هل تستحق كل هذه التضحيات من قبل السعودية وحليفاتها؟
ما هي المصالح المكتسبة و هل تتوافق مع التكاليف ؟
هل تستحق دولة أن تجند كل ما لديها لعداء حزب وبشكل صبياني لا يتوافق مع معطيات السياسة بحال من الأحوال ؟؟
ما قبل الربيع ..
قبل أن تبدأ صرخات التحرر العربية بشق طريقها نحو الخلاص، كان المشهد السياسي في المنطقة ينقسم إلى قسمين أساسين :
محور ممانعة ويتكون كل من (إيران و سوريا و تركيا و قطر) والتي سهل لتلك الدول أن تكون الحاضنة الطبيبعة للجماعات الإسلامية أو من يطلق عليهم الإسلامين بشكل عام .
فإيران وسوريا كانتا ترعى حركة حماس و حزب الله مع عداء الأخيرة الشديد للإخوان السورين ، و تركيا كانت الراعي الأكبر لحركة الإخوان المسلمين في سوريا و مصر، وقطر كانت الداعم اللوجستي الأهم والأقوى للمواقف التي تصب في ذات السياق، عدا عن استقبالها لكل القيادات الشعبية الإسلامية وغيرها من أصحاب حركات المعارضة و التحرر في المنطقة .
العديد من الدول كعمان والسودان ومن شابه حالهما كانت تصب في مسار دول الممانعة لكن بمواقف غير معلنة، حتى لا يكلفها ذلك التصريح بمواقف هي ليست قادرة على التصريح بها من قبل المحور الآخر .
في الجهة الأخرى كانت تصطف دول ما يمكن أن نطلق عليه (محور الإنحياز)، والتي كانت أهم الدول في صفها (السعودية و مصر و الأردن) و غيرها
دول هذا المحور توافقت توافقا كبيرا مع التوجه العام الغربي في معاداة الحركات الإسلامية ، ومحاربة إيران صاحبة الحلم النووي، وتركيا النامية اقتصاديا وعسكريا وسياسيا، فكانت بشكل واضح صاحبة النفوذ الأكبر في المنطقة، وعلى ذلك تم رسم الكثير من السياسيات المرحلية والاستراتجية يناءاً على هذا الأساس.
الربيع العربي و انقلاب الموازين
ما إن هبت رياح الشعوب تنشد تحقيق أحلام الحرية التي رسمتها في اللوحات الفنية، وجسدتها في الخطب والأشعار، حتى بدأ موازين القوى السياسية في المنطقة بالاختلال، وبدأت تتلاشى كل الآمال التي عقدت على الخارطة القديمة، والتي استقرت لعقود مضت و أصبح من الصعب التكهن بالشكل القادم حين دخل عامل الشعوب في عملية التغيير والثورة .
ملامح التغير
1- أصحبنا نرى وبشكل واضح انشطار محور الممانعة إلى محور النظام السوري وحزب الله بدعم إيراني، ومحور قطر وتركيا الداعم للثورة الشعبية السورية والتي قامت ضد الحليف القديم، و تعمق الشرخ شيئا فشئيا حتى وصل إلى نقطة الإنفصال التام، وبالرغم من ذلك ظلت العلاقات الإيرانية التركية و القطرية متقاطعة في قضايا عدة عدا تلك التي تمس الشأن السوري.
2- شهدت الحركة السياسية في بلدان الربيع العربي صعود الإسلامين إلى المشهد السياسي والعسكري.
3- أخذ الدور الأوربي الداعم لمحور الإنحياز دور المشاهد عن بعد مع تغير سياساته العدائية الصريحة للإسلامين مما أثر على نفوذ هذا المحور في المنطقة بشكل واضح.
4- أمريكا تضع بداية النهاية لملف عدائها الطويل مع إيران بشأن تخصيب اليورانيوم بتوقيع معاهدة بين الطرفين بواسطة الدولة الخليجة الصامتة (عُمان).
5- تمييع مصطلح الإرهاب والتي حاولت أمريكا أن تروج له مفهوم معين خلال العقد الأخير يخدم مصالحها في المنطقة العربية ويتيح لها التدخل تحت غطائه متى شاءت.
آثار الربيع..
بعد أن أصبح الإسلاميين جزءا من المشهد السياسي في الشرق الأوسط تراجع الغرب عن مواقف العداء المعلنة لهم، وخفف كثيرا من التأييد للحكومات ، وبدء باتخاذ المواقف الباردة حيال معظم الأمور الملتهبة التي أثارها الربيع العربي، منتظرا رجوح الكفة لأحد الأطراف أو حتمية تحقق مصالحه بشكل مضمون كما حصل في ليبيا و إسقاط القذافي .
بالمرور السريع على المشاهد السياسية والعسكرية في البلدان الثائرة نرى أن الإسلاميين فازوا أولا في مصر بالأداة المتفق عليها عالميا (الصندوق)، و من ثم بدا صعودهم واضحا في تونس واليمن، وتغلب تيارهم العسكري على الأرض في سوريا، مما يعني تنامي دور قطر و تركيا إقليميا وعالميا باعتبارها الحاضن القديم الجديد للجهات الثورية و خاصة الإسلامية.
السعودية والفرصة الأخيرة !!
بعد أن أظهر المعسكر الغربي رخاوة في واضحة في تعامله مع إيران إبان توقيع الإتفاق الأولي بين إيران و أمريكا – والتي عولت السعودية كثيرا على تعثره- و من ثَم صعود الإسلاميين إلى مصاف السلطة ، كان لهذين الأمرين الأثر الأكبر على محور الإنحياز، من هنا نستطيع أن نتفهم تنبي السعودية و الإمارات و غيرهما للكثير من حركات الثورة المضادة في بلدان الربيع، حيث أن نجاح تلك الدول في صنع مناخ سياسي مستقر نوعا ما وأحد أركانه الإسلاميين، سيؤدي بالنتجية إلى تنامي أكبر لدور من تبقى من دول في محور الممانعة (قطر وتركيا).
قطر وتركيا اللتان وإن كانتا تنتهجان نظما سياسية مختلفة، لكنهما الأكثر استقرار و نموا في كل المجالات الاقتصادية و الخدمية و التوازن السياسي بين مختلف الأطراف .
محاولة السعودية إنجاح الإنقلاب في مصر بأي ثمن ليس مجرد عداءا للإخوان أو الدول التي يسوق أنها راعية لهم، بل هو بالنسبة لها محاولة لكسب المعسكر الأهم و الأخير في دول الربيع العربي بعد أن خسرت المعسكرات الأربعة في كل من سوريا واليمن ليبيا و تونس، واقتصر دورها فيهم على إثارة الفوضى وتذكية النزاعات قدر المستطاع لضمان عدم الإستقرار في هذه المرحلة مع وجود من يرى أن لقطر وتركيا دور أساس في الفوضى في بلدان الربيع من وجهة نظرهم ، إلا إننا لا يمكن أن ننكر أنهما أصحاب النفوذ الأكبر في دول الربيع ما بعد الثوارت بسبب سياستهما الأكثر مرونة مع الأطراف واختيارهما المسار الشعبي الذي كلفهما في بادئ الأمر تكلفة عالية على الصعيد السياسي .
الانقلاب و أثره على السعودية..
لم يشفع للإنقلاب تبريره امتطاء الحركة الشعبية في الشارع المصري في 30 يونيو في إنقاذهم من الغول الإخواني في تهدئة حركة الشارع عليه، بل ما زالت في ازدياد تنامي مستمر حتى ضمت مؤخرا معظم الحركات التي أيدت العسكر في عزل مرسي، هذا التنامي جعل السعودية في موقف حرج جدا مع تضاؤل فرص نجاح فرض الانقلاب كقوة حاكمة لمصر، والذي دفعت ثمنا له مواقف عداء شعبية ودولية ليس آخرها حركة سحب السفراء من قطر، والمطالبة بإغلاق معاهد الأبحاث الأمريكية في قطر راند و برونكز، و محاولة فرض سيادة تيارها السياسي في الإئتلاف السوري كممثل عن المعارضة السورية ،
كل ذلك و غيره حمل وسيحمل السعودية عبئا ثقيلا في السنوات القادمة لإصلاح ثمن المواقف التي اتخذتها، وباءت بالفشل على جميع المستويات، هذا إن لم ينذر بحركة تغيير كبرى في المنطقة تطال كل من وقف في وجه خيارات الشعوب