مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية العراقية المقرر إقامتها في 12 من مايو/أيار القادم، كثُر الجدل بين أوساط العراقيين عن جدوى المشاركة فيها من عدمها، جدل ليس بالجديد بالنسبة للمكون العربي السني الذي ظل في متاهةٍ بين من يدعو إليها ومن يدعو لمقاطعتها، ولفترة ليست بالقصيرة، لكن الجديد في هذه الانتخابات تعالي أصوات المكون الشيعي للمرة الأولى بمقاطعة الانتخابات.
حيث تمكن قادة التيار السياسي الشيعي، من إقناع شريحة واسعة منهم بأن الخلاص بالنسبة لهم يتمثل بالمشاركة الفاعلة بالعملية السياسية وانتخاب السياسيين الشيعة حتى لو كانت تحوم حولهم شبهات فساد أو عدم الكفاءة، خوفًا من انتقام المكونات العراقية الأخرى التي تتربص بهم بزعم سياسييهم.
أما فيما يتعلق بالمكون الكُردي، فقد كان طيلة فترة ما بعد الاحتلال الأمريكي وحتى الآن، يتمتع بوحدة سياسية مدعومة شعبيًا من مواطنين معبئين بأفكار القومية الكُردية، آملين بإحراز مكاسب سياسية والحصول على الاستقلال بشمال العراق وجعل الإقليم وطنًا قوميًا لهم، لكن تجربة الاستفتاء الفاشلة التي أقدمت عليها الأحزاب الكُردية، جعلت الثقة بين المواطن والسياسي الكُردي معدومة، لدرجة خروج مظاهرات ضد نظام الحكم في أربيل.
ما أسباب هذا الجدل؟
ويعزو كثير من المراقبين أن أسباب الجدل بين أوساط الشعب العراقي بشأن المشاركة من عدمها، للحالة المأساوية التي وصلها العراق، وعلى جميع الأصعدة، بعد خمس عشرة سنة على تأسيس العملية السياسية الجديدة.
وأعطى دخول المكون العربي الشيعي في هذا الجدال دفعة كبيرة له وبات حديث المواطنين في مختلف المنابر، ويُرجح تحول المزاج الشعبي الشيعي ناتجة عن أسباب تتعلق بفقدان هذا المكون ثقته في العملية السياسيّة، بعد أن كان من أشد المناصرين لها سابقًا، والشعور بالإحباط من الطبقة السياسية التي تمثله، بسبب حالة الفساد منقطع النظير الذي استشرى بتلك الطبقة السياسية، ووجدوا أنفسهم بحالة حرمان من أبسط مقومات الحياة الكريمة التي كانوا ينتظرونها من قادتهم السياسيين.
العملية السياسية في العراق كانت مدعومة بشكل كبير من مكونين رئيسيين من مكونات الشعب العراقي هما الكُرد والشيعة، مع مقاطعة قسم كبير من المكون العربي السني
وبدلًا عن هذا أصبحت المناطق الجنوبية من العراق التي تسكنها غالبية عربية شيعية، تعاني من فقر شديد وانعدام للأمن وتفشي الأمية وانتشار المخدرات واستفحال الخلافات العشائرية للدرجة التي أصبحت الحياة شبه مستحيلة في تلك المناطق، هذا ما عدا الأثمان الباهظة التي يدفعونها من دماء شبابهم في حروب عبثية سواء داخل العراق أو في سوريا، كل هذه الأمور وغيرها أدت لفقدان الثقة بالعملية السياسية، ووصل الأمر إلى فقدان الثقة برجال الدين الذي يدعمون تلك العملية ورجالاتها الفاسدين.
وفي الوقت الذي استطاعت فيه حكومة بغداد الطائفية تحطيم المجتمع العربي السني وتهميش قياداته السياسية، واستطاعت أيضًا توجيه ضربة قاسمة للمنظومة السياسية الكُردية وشق صفوفهم، وأثرت أعمال الحكومة الكيدية كثيرًا على اللاعبين السياسيين، حيث لا يوجد تأثير قوي بالسياسة سوى للساسة الشيعة.
من هنا ندرك خطورة فقدان المكون الشيعي الشعبي ثقته بالعملية السياسية، لأن ذلك يعني أن المنظومة السياسية الشيعية سوف تصبح دون رصيد شعبي تعتمد عليه لاستمرارها في حكم العراق.
أين تكمن المشكلة بالعراق؟
هل تكمن المشكلة العراقية في المشاركة بالانتخابات النيابية من عدمها؟ أم أن المشكلة في العملية السياسية نفسها؟ ومن مراجعتنا لما حدث طيلة الـ15 سنة الماضية نجد أن العملية السياسية كانت مدعومة بشكل كبير من مكونين رئيسيين من مكونات الشعب العراقي هما الكُرد والشيعة، مع مقاطعة قسم كبير من المكون العربي السني.
وبلغة الأرقام نستطيع القول إن حجم المشاركة في هذه الحالة، سيكون كافيًا لنجاح العملية السياسية حتى لو كانت فاسدة، وكان يمكن إقناع المعارضين لتلك العملية بالمشاركة بها لو نتج عنها ما يرضي الشعب بعمومه وتحقق السلم الأهلي، لكن العملية السياسية فشلت فشلًا ذريعًا وصل للحد الذي يستحيل إصلاحها، بعد أن ضرب الفساد والطائفية وغياب الولاء للوطن جذوره في العراق، لا ينفع معها إصلاح إنما يجب قلع جذور تلك الآفات من أساسها.
طموحاتهم الطائفية للسياسين العراقيين لم تكن تمنعهم من الدخول إلى عالم الفساد المالي والعمل بالمحسوبيات وإهمال كل ما يمتُ بصلة لخدمات المواطنين
سبب الفشل الذي رأيناه في العراق، ناتج عن أن الساسة الشيعة كانت لهم أجندات رسموها منذ سنين عديدة، عندما كانت إيران تحتضنهم، تقضي بالاستحواذ على كامل البلد، مع إحداث تغير ديمغرافي وعقائدي فيه للحد الذي يجعلوه من نسيج واحد موالٍ للمشروع الإيراني، وإلغاء التنوع الموجود فيه منذ مئات السنيين، أما شركاؤهم الساسة الأكراد فهم جاءوا للعملية السياسية بنوايا ليست لها علاقة ببناء الوطن الواحد، إنما كان كل همهم اقتناص الفرص لبناء البنية التحتية لدولة كردستان المستقلة المستقبلية، وكِلا المشروعين السياسيين عملوا على تنفيذ مشروعاتهم المتنافرة بكل قوة، كان تحالفهم أشبه ما يكون بتحالف الأعداء الذين يؤجلون الاصطدام مع بعض ريثما يتهيأ كلاهما للمعركة المرتقبة.
لكن مع بدء عوائد النفط بالتدفق بمليارات الدولارات، وتراكم ثروات في البنوك الكُردية لم يكونوا يتخيلوها يومًا ما، جعل ذلك من ساسة الكُرد أن يضعوا إحدى رجليهم في الطريق الواصل للدولة المستقلة والرجل الثانية في طريق اكتناز الأموال وتوزيع الهبات على الأقارب والمقربين في عمليات فساد واسعة النطاق حسب ما كشفته الصحافة العالمية، أما ساسة الشيعة فإن حلمهم كان نصب عينهم، ذلك لوجود الراعي الإيراني الذي يصوب أخطاءهم ويحل مشاكلهم ويوفق بين خصوماتهم ويوحد بوصلتهم.
لكن طموحاتهم الطائفية لم تكن تمنعهم من الدخول إلى عالم الفساد المالي والعمل بالمحسوبيات وإهمال كل ما يمتُ بصلة بخدمات المواطنين، حتى تحولت الدولة العراقية التي يمسكونها لواحدة من أكثر الدول فسادًا في العالم، كل هذا على حساب المواطن العراقي.
أضف إلى ذلك دخول إرهاب القاعدة وداعش، كل تلك العوامل أنتجت عملية سياسية فاسدة بامتياز، وإذا كان هناك من أمل في إصلاحها في بداية تأسيسها، نراها اليوم قد وصلت لمرحلة يستحيل على أي إصلاحي (إن كان موجود) من إصلاحها.
إيران لا يمكنها أن تتعايش مع دولة عراقية قوية ومستقرة لأنه يضر بمصالحها
هل المشاركة بالانتخابات ستفرز سياسيين أفضل مما موجود حاليًّا؟
يا ترى هل العملية الانتخابية المقرر إجراؤها قريبًا، ستفرز سياسيين أفضل من الحاليين لكي نسارع للمشاركة فيها؟! لقد جرب الشعب العراقي على مدى أربعة انتخابات نيابية جرت منذ الاحتلال، وفي كل مرة يمني الشعب نفسه بأن الانتخابات القادمة سيتم فيها الخلاص من الحالة السيئة التي يعيشها، من خلال سياسيين نظيفين يصلون عن طريق الانتخابات ليقودوا البلاد إلى شاطئ الأمان، ولكن في كل مرة يخيب أمل الشعب وتأتي نفس الطبقة السياسية الفاسدة مع زيادة طفيفة من السياسيين الأكثر فسادًا من سابقيهم، حتى وصل الناس لمرحلة اليأس من تغير الوضع بالعراق نحو الأفضل عن طريق الانتخابات.
ورغم أن العملية الانتخابية إحدى أهم مظاهر الديمقراطية، فإن الذي يحدث بالعراق بعيد كل البُعد عن أي مظهر للديمقراطية، بل هي للديكتاتورية والفوضوية أقرب منها للديمقراطية، ومثل هذه العملية السياسية الفاسدة لا تنتج إلا فاسدين، ولو افترضنا وصول سياسي نظيف إلى البرلمان العراقي، فإن أمامه طريقان لا ثالث لهما، إما أن يفسد كما فسد الآخرون ويكون منسجمًا معهم، أو يُحارب ويسقُّط سياسيًا ليجد نفسه إما في السجن أو هاربًا لخارج العراق أو مقتولًا على أيدي المليشيات، فكيف نأمل أن يكون للمصلحين دور في إصلاح العملية السياسية والحال على ما نراه، بل كيف نضمن أن يستطيع المصلح الوصول للسلطة مع وجود كل هذه الفلاتر التي يجب أن يمر بها.
الشعب العراقي يصلح ما أفسده السياسيون؟
والمراقب للوضع في العراق يجد أن دول العالم تخلت عن العراق وتركته للذئاب تنهش به، حتى أصبح شبه دولة يعيش فيها مجموعة من البشر، ذلك لأن كثيرًا من الدول الإقليمية والعالمية، تجد في الوضع الذي يعيشه العراق الآن، مصلحة مباشرة لها، فإيران لا يمكنها أن تتعايش مع دولة عراقية قوية ومستقرة لأنه يضر بمصالحها، فلا بد أن يبقى على هذا التخلف، ونفس الحال عند الكيان الصهيوني، وتشترك دول الخليج أيضًا نفس الرؤيا مع النظام الإيراني والكيان الصهيوني، أما الدول العالمية فهي لا تنظر إلى العراق إلا من زاوية مصالحها الاقتصادية وتحقيق نفوذها العالمي، فالخراب الذي تسببت فيه أمريكا لم يجعلها تشعر بالندم، وما زال لها وجود فيه عسكريًا لتحقيق موازنات جيوسياسية تخدم مصالحها أولًا، وبالتالي فإن بقاء الوضع بالعراق على ما هو عليه فيه مصلحة مباشرة لها.
طريقة قيام الشعب بتحرير نفسه ليس بالأمر التعجيزي وليس سرًا خافيًا على أحد، إنما الأمر يحتاج إلى همة ودور كبير على المثقفين
في ظل عدم توفر إرادة التغير بالعراق لدى المجتمع الدولي ذات التأثير بالشأن العراقي، لا بد للتغير أن يكون داخليًا يقوم به الشعب العراقي بنفسه، وقال الإمام الشافعي قديمًا (ما حكَّ جلدكَ مثلُ ظفركَ فَتَوَلَّ أنْتَ جَميعَ أمركْ)، وذلك من خلال فعاليات سياسية شعبية تستطيع أن تقتلع العملية السياسية الفاشلة من جذورها وتأسس بدلًا عنها عملية سياسية مبنية على أساس المواطنة والولاء للوطن، وأن ما ندعو له ليس بجديد، فقد جربته بعض شعوب العالم من قبل وثبت نجاحه.
حينما خرجت ألمانيا مهزومة من الحرب العالمية الثانية وتحتلها جيوش ثلاث دول، لم يكن فيها بناء قائم بذاته، وخسرت الملاين من مواطنيها، والمئات من علمائها وتراجعت إلى ما دون الصفر في كل المجالات، لكنها ومع هذه الظروف الصعبة استطاعت بناء بلدها ليصبح من أهم بلدان العالم وفي جميع الأصعدة، من خلال تصميم شعبها على بناء عملية سياسية صحيحة شعارها المواطن والمواطنة، ولا سبيل للفاسدين فيها ولقطع الطرق على الديكتاتوريين من الوصول إلى السلطة مرة أخرى، حيث إن “هتلر” جاء بطريقة ديمقراطية.
من خلال هذا الطريق فقط استطاعت ألمانيا الرجوع للصدارة العالمية وتوحيد أراضيها بعد أن أصبحت دولتان بنظامين مختلفين، ولو ظلت تنتظر أن يأتيها الحل من الخارج أو من الدول التي احتلتها بعد الحرب العالمية الثانية لبقيت دولة متخلفة تعاني الأمرين وبلد استهلاكي لمنتجات دول الاحتلال إلى حد الآن.
الأمر ذاته ينطبق على اليابان، هي الأخرى خرجت من الحرب العالمية الثانية محطمة على جميع المستويات، وكانت خاتمة الحرب أنها تعرضت لقنبلة نووية أصبحت شاهدًا على بشاعة تلك الحرب، ومع هذا فإن الشعب انتفض على الطغمة العسكرية التي كانت تقود البلد، وأسس عملية سياسية على أساس المواطنة قاطعًا الطريق على أي فاسد مرة أخرى من الوصول إلى السلطة، وبدأ يتألق هذا البلد حضاريًا وينافس بلدان العالم اقتصاديًا.
ومثال آخر هو الهند التي رزخت تحت الاحتلال الإنجليزي دهرًا طويلًا، ولكن شاب مثل “غاندي” استطاع أن يوحد الشعب الهندي على حلم واحد بالاستقلال وتقرير المصير، استطاع قيادة شعبه بمظاهرات واحتجاجات سلمية انتهت أخيرًا بتحرير شعبه ليصبح بلدًا ذا شأن كبير بين دول العالم المعتبرة.
أليس الشعب العراقي قادرًا على فعل ذلك؟ وهو بلد له الأسبقية في العطاء الحضاري ولا تنقصه الكفاءات، وشعب مضحٍ.
يتوجب على طبقة المثقفين العراقيين، نشر الوعي السياسي بين أوساط الشعب بمختلف أطيافه
كيف السبيل إلى ذلك؟
طريقة قيام الشعب بتحرير نفسه ليس بالأمر التعجيزي وليس سرًا خافيًا على أحد، إنما الأمر يحتاج إلى همة ودور كبير على المثقفين لتوصيل معاني محددة لكل أبناء شعبنا، وفي الحالة العراقية يمكننا إجمالها بنقاط قليلة تشمل الآتي:
– نشر ثقافة التلاحم بين مكونات الشعب العراقي بكل أطيافه، ذلك التلاحم الذي يكون على أساس الشراكة بالوطن وتقاسم الحقوق والواجبات، وهو أمر ليس بجديد، فقد عاش العراق سنين طوال في ظل هذا التلاحم وكل مكون يراعي خصوصيات المكون الآخر من دون أن يخدش شعوره الديني أو القومي أو الطائفي، وحتى وقتٍ قريب قبل الاحتلال لم نكن نعاني مثل هذه المشاكل الطائفية أو القومية.
ومن المهم أن يوَّصل مثقفو العراق لشرائح العراق المختلفة رسالة مفادها، بأن هذا التلاحم هو السبيل إلى الخلاص، والخروج من الحالة المأساوية التي يعيشونها، وأن أي محاولة لإلغاء الآخر أو فرض رؤيته على الآخر، لن تؤدي إلا للمزيد من الخراب والدمار، وأن هذا التلاحم السبيل الوحيد الذي يُرجع الثقة بين مكونات العراق المختلفة.
– يتوجب على طبقة المثقفين العراقيين، نشر الوعي السياسي بين أوساط الشعب بمختلف أطيافه، والبرهنة لهم على أن العملية السياسية الحاليّة سائرة إلى طريق مسدود، ولا سبيل لإصلاحها في ظل تشبث الفاسدين على مقاليد الحكم في العراق وسد الطريق لوصول المصلحين.
يبقى للمكون العربي الشيعي دورًا خاصًا في رفد هذا الحراك ونجاحه في ظل الظروف التي يعيشها العراق
– وعلى هذا الأساس يجب أن يصر الشعب العراقي على عدم التعامل مع العملية السياسية ولا مع مخرجاتها بشكل كامل، إلى الحد الذي يجعل دول العالم تضطر للتعامل مع ممثلي الشعب الحقيقيين الذين سيقودون هذا الحراك الشعبي، والاتفاق معهم على دعمهم لتشكيل عملية سياسية جديدة تمثل كل العراقيين من دون استثناء، وبناء العراق ليكون وطنًا آمنًا للجميع.
وهذا يشابه ما قام به الزعيم الهندي “المهاتما غاندي” الذي استطاع إزاحة الاحتلال البريطاني من كامل الهند من خلال العصيان الشعبي وعدم التعامل لا مع الاحتلال ولا مع الحكومة الهندية التي نصَّبها الاحتلال.
خصوصيات يجب مراعاتها مع الحالة العراقية
نحن نعرف أن للحالة العراقية خصوصيات تختلف كثيرًا عما هو موجود بالأمثلة التي ذكرناها من شعوب العالم، تتمثل تلك الخصوصية بالمسلك الدموي التي تنتهجه الحكومة الطائفية في بغداد، لتصفية خصومها وإلصاق تهم الإرهاب بهم، وما الاعتصامات التي قام بها الشعب العراقي سنة 2013 إلا مثال حي على التعامل الوحشي التي يمكن أن تقدم عليه حكومة بغداد بتعاملها مع المتظاهرين والمعتصمين السلميين، أضف إليها تلك الاعتصامات التي قامت بمنطقة الباب الشرقي في بغداد، وكيف تم تصفية القادة الجماهيريين لها من ناشطي التيار المدني، والأحكام الجزافية التي صدرت بحق الناشطين الإعلاميين، أقربها للذكر حادثة نطق الحكم على المدون باسم خشان بالسجن لمدة 6 سنوات.
وعلى هذا، فمن المهم أن تكون القيادة السياسية لهذا الحراك التي تنادي بمطالبه وتتكلف بتوصيلها لقادة العالم الحر، خارج العراق لكيلا تكون تحت طائلة بطش الحكومة، أمّا القيادات الميدانية، فمن المهم توفير الحماية الجماهيرية لهم وضمان عدم وصول آلة البطش الحكومي إليهم، وإذا ما ارتكبت الحكومة أي حماقة بحق المتظاهرين أو قادتهم الجماهيريين فمن المفروض أخذ القصاص من الفاعلين حصرًا دون توسيع ذلك ليصبح مواجهة شاملة ضد الحكومة، لأن هذا ما تريده الحكومة تمامًا لكي تؤدي تلك التظاهرات وتقمعها وتلصق تهم الإرهاب بها.
الشعب العراقي ربما لا يجد فرصة أخرى للخروج من المأزق الذي يمر فيه إذا لم يستغل الفرص التي تتاح له
دور خاص للمكون الشيعي في هذا الحراك
يبقى للمكون العربي الشيعي دورًا خاصًا في رفد هذا الحراك ونجاحه في ظل الظروف التي يعيشها العراق، فالجميع يعلم أن الأجندة الإيرانية كانت وما زالت تخطط للاستفادة من المذهب الشيعي كغطاء لنشر نفوذهم في البلدان العربية وعلى رأسهم العراق، وتجعل منهم المادة التي يغزون بها الدول العربية لبناء دولتهم الفارسية، وبالتالي فإن للعرب الشيعة في المحافظات الجنوبية وبعض مناطق الوسط دور حاسم في نجاح هذا التحرك الشعبي تجاه إسقاط العملية السياسية الفاسدة في العراق.
ذلك لأن المكون العربي السني لاقى ضربة موجعة، وهم الآن في مرحلة لملمة جراحهم واشتراكهم بالحراك الشعبي مهم لكنه ليس حاسمًا في الوقت الحاليّ، أما المكون الكُردي فقد نجحت أحزابهم في بناء طوق قوي عليهم لتفصلهم عن باقي مكونات الشعب العراقي، ورغم ذلك فإن شعبنا الكردي خرج بتظاهرات كبيرة ضد أحزابه وقام بكل ما يستطيع، وأظنه سيبقى على استعداد للخروج مرة أخرى، لكن مع ذلك يبقى تأثيره ليس بالقدر الكافي لحسم الأمور.
أما فيما يتعلق بالمكون العربي الشيعي، فإن له أكبر الأثر في نجاح الحراك الشعبي، كونه يعتبر الحاضنة الشعبية التي أوصلت هؤلاء الفاسدين إلى سدة الحكم، وبالتالي فإن رفع الغطاء عن أولئك السياسيين من هذا المكون له أكبر الأثر في إسقاطهم، كما أن عدم تعامل المكون العربي الشيعي مع العملية السياسية وبالأخص مع الانتخابات القادمة سوف يرفع غطاء الشرعية عن أي حكومة مستقبلية.
كلمة أخيرة
الشعب العراقي ربما لا يجد فرصة أخرى للخروج من المأزق الذي يمر فيه إذا لم يستغل الفرص التي تتاح له، ذلك لأن الخلاص الذي يطمح له الشعب العراقي قطعًا لن يكون على أيدي القوى الخارجية التي لا تتعامل إلا مع القوي، وبالتالي فإن على الشعب العراقي أن يأخذ زمام المبادرة والمضي في طريق خلاصهم، ولا أقول إن الطريق لذلك الهدف مفروشٌ بالورود بل هو طريق مليء بالتضحيات، لكن لو قارناها بالتضحيات التي يقدمها الشعب العراقي كل يوم تحت حُكم هذه الحكومة الفاسدة، فبالتأكيد ليست كثيرة، والتضحيات التي يقدمها الشعب على طريق التحرر والخلاص للعراق، سوف تكون عاقبتها خير، تنتهي بتحرير البلاد من الفاسدين والمحتلين سواء كانوا إيرانيين أو امريكان.