لأول مرة منذ 2003.. هل يسيطر العراق على كامل أجوائه فعلًا؟

أعلن العراق، في خطوة تعد الأولى من نوعها منذ عام 2003، عن افتتاح مركز عمليات قيادة الدفاع الجوي الجديد، الذي يهدف إلى استعادة السيطرة الكاملة على الأجواء العراقية.
ويقول مسؤولون عراقيون إن المركز الجديد سيمثل نقلة نوعية في قدرة العراق على مراقبة وإدارة أجوائه بكفاءة عالية، ويأتي هذا التطور في وقت تشهد فيه المنطقة توترات متصاعدة، ما يعزز من أهمية هذ الخطوة وتأثيرها على الواقع الأمني في العراق.
افتتاح المركز الجديد
ويأتي هذا التطور مع تأكيد رئيس الحكومة العراقية، الذي يشغل أيضًا منصب القائد العام للقوات المسلحة، محمد شياع السوداني، على مواصلة تعزيز قدرات الدفاع الجوي ومراقبة الأجواء ضمن مرحلة إنهاء مهمة التحالف الدولي بالعراق.
وخلال مراسم افتتاح مركز عمليات قيادة الدفاع الجوي الجديد في 22 حزيران/يونيو 2024، بيّن السوداني بأن المركز جرى إنشاؤه بالتعاون مع شركة تاليس الفرنسية المختصة بمعدّات الدفاع، على مسار خطط تطوير تسليح قواتنا المسلحة بمختلف صنوفها، إذ رصدت الحكومة ما يقارب 5 تريليون دينار (3.8 مليار دولار) لهذه الأهداف، منها 3 تريليونات (2.3 مليار دولار) في موازنة 2024، وضمن مشروع تعزيز القدرات التسليحية.
وأوضح رئيس الوزراء العراقي أن هدف الحفاظ على أمن وسيادة العراق على أرضه وأجوائه ومياهه محور رئيس ضمن مستهدفات البرنامج الحكومي في مجال الدفاع ومواجهة التحديات الأمنية، لاسيما في مرحلة ما بعد انتهاء مهام التحالف الدولي.
وشدد على مواصلة الجهود في “ملاحقة جميع أشكال التهديدات الإرهابية أو الخروقات وبناء قدرات الكشف والإنذار المبكّر خاصة في مجال الكشف المنخفض ومع تطوّر مستويات وتقنيات الدفاع الجوي في الدول المجاورة والمنطقة، والعمل على توظيف المتصدّيات من أحدث الطائرات التخصصية لمواجهة جميع احتمالات الخرق أو العدوان”.
أهمية مركز العمليات
يُعد هذا المركز بمثابة نقلة نوعية في منظومة الدفاع الجوي العراقي، حيث يوفر إمكانية متقدمة لمراقبة الأجواء والسيطرة عليها بالكامل، بما يشمل الطائرات العسكرية والمدنية وأي أهداف أخرى، وذلك لأول مرة منذ ما يربو على 20 عامًا، أي منذ الغزو الأمريكي للعراق.
وحول ذلك يؤكد قائد الدفاع الجوي العراقي، اللواء الطيار الركن مهند غالب الأسدي، أن مركز عمليات قيادة الدفاع الجوي الجديد يتضمن إمكانية عالية للسيطرة على الأجواء العراقية بكل أنواع الطائرات العسكرية والمدنية وأي أهداف أخرى.
وأضاف الأسدي في حديثه لوكالة الأنباء العراقية، أن “المركز يعتبر داعمًا رئيسيًا لهيئة وسلطة الطيران المدني في العراق والشركة العامة لإدارة المطارات والملاحة، فضلًا عن السيطرة الكاملة مستقبلًا”.
وأشار القائد العسكري إلى أن “جميع الأسلحة المتيسرة لقيادة الدفاع الجوي ستتصدى لأي أهداف إن تطلب الأمر في أي وقت، حيث تسعى القيادة إلى تطوير قدارتها من خلال وزارة الدفاع بالتنسيق مع الشركات الكبرى والمُصنعة للمعدات والأنظمة والاسلحة والتي يجب أن تكون رصينة ولها تاريخ طويل في هذا المجال”.
وكشف الأسدي عن عقد اتفاقات مهمة في مجال تطوير قدرات الدفاع الجوي، سواء كانت معدات واسلحة، أو تدشين دورات تدريبية للمشاركة بتمارين حقيقية مع طائرات مختلفة.
وتشتمل التعاقدات -بحسب الأسدي- أجهزة الكشف الراداري الفعال للأجواء العراقية، فضلًا عن عقود متنوعة وعديدة مع شركات عالمية تخص تسليح صواريخ متوسطة المدى وقصيرة المدى والمنظومات الخاصة بمكافحة الطائرات المسيرة.
ضعف السيطرة الجوية
وعانى العراق على مدار أكثر من عقدين، من غياب منظومة دفاع جوّي حديثة تتصدّى للخروقات والهجمات الجوية التي تنفّذها طائرات مسيّرة، والتي شنّت عمليات اغتيال واستهدفت مواقع أمنية تابعة للحشد الشعبي.
ويعزو مراقبون تأخر حصول العراق على منظومة متطورة للدفاع الجوي، إلى أسباب مادية وأخرى تتعلق بسيطرة الولايات المتحدة الأمريكية والتحالف الدولي على أجواء العراق.
ويقول الخبير الاستراتيجي صفاء الأعسم إن العراق الآن ليس لديه سيادة كاملة لا على الأجواء ولا حتى على مستوى القوات البحرية، وهذا كله بحاجة إلى تعزيز وأسلحة متطورة وحديثة.
ويبيّن الأعسم في حديثه لموقع “نون بوست”، أن العراق كان يعتمد على الدعم اللوجستي من قبل قوات التحالف في عمليات مواجهة أي عدوان خارجي ولكن هذه القوات لم تكن جادّة كليًا في عمليات صد الضربات التي تأتي من خارج الحدود.
وينوّه إلى أن العراق بدأ بخطوات كبيرة جدًا وواسعة في تهيئة وإكمال مستلزمات المؤسسة العسكرية العراقية، لمعالجة النقص في سلاح الدفاع الجوي ومقاومة الطائرات وحتى الجانب البحري والاستخباري.
ويرى الخبير الاستراتيجي أن هذه التحركات العراقية مؤشر على قرب إنهاء وجود قوات التحالف الدولي وعدم ترك فراغ بعد الانسحاب، وتهيئة المؤسسة العسكرية العراقية وتجهيزها للسيطرة الجوية والأرضية والبحرية الكاملة.
وحاولت الحكومات العراقية المتعاقبة خلال السنوات الماضية الحصول على منظومات دفاع جوي طويلة المدى، لكنها محاولاتها لم تفلح بسبب هيمنة الولايات المتحدة على أجواء العراق.
وأشارت تقارير سابقة إلى أن واشنطن عرقلت صفقات شراء أعلنت عنها وزارة الدفاع العراقية قبل ثلاث سنوات، للحصول على رادارات من روسيا وفرنسا، حيث تعثرت مفاوضات الشراء نتيجة رفض واشنطن حصول بغداد على هذه المنظومات من دون موافقتها.
لكن الاستعدادات العراقية الأخيرة تأتي بالتزامن مع مباحثات حول جدولة انسحاب قوات التحالف الدولي بزعامة الولايات المتحدة الامريكية من العراق.
تحديات
يتميز المركز الجديد -بحسب الحكومة العراقية- بتقنيات متقدمة تُمكنه من مراقبة الأجواء العراقية بكفاءة عالية، والتعامل مع أي اختراقات بشكل سريع وفعال، ومع ذلك، تثار تساؤلات حول مدى قدرة العراق الفعلية على التصدي لتلك التهديدات، خاصة في ظل التوترات الإقليمية والضغوط الدولية.
ويستبعد الخبير الأمني سرمد البياتي أن يكون التحرك العراقي في سياق ضغوطات من أجل تطمين الجيران وخاصة الخليجيين بأن لا يتم استخدام أجوائه لاستهدافهم كما يفعل الحوثيون في اليمن، مؤكدًا أن العراق دولة لها سيادتها ولديها قوات أمنية تعمل على تطويرها، وليس لهذا الأمر أي علاقة بدول الجوار.
وبيّن البياتي في حديثه لموقع “نون بوست”، أن مركز الدفاع الجوي جرى افتتاحه بعد التطور الذي حصل المنظومة الرادارية ومنظومة الدفاع الجوي التي وصلت لارتفاعات عالية جدًا وبانتظار رادارات الارتفاعات المنخفضة، وصواريخ متطورة للدفاع الجوي.
وحول كيفية تعامل العراق مع الخروقات الجوية التي تقوم بها أمريكا وتركيا في إطار عملياتها العسكرية، ينوه البياتي إلى أن أمريكا حليف استراتيجي ولا زالت قوات التحالف الدولي موجودة على الارض العراقية، وهناك مباحثات لتحديد مسار التعاملات الثنائية في المستقبل.
وأما تركيا فيؤكد البياتي أن الأمور ما تزال في طور شدّ وجذب فيما يخص القصف التركي اليومي على مواقع PKK داخل العراق، وهناك مداولات بشأن التعامل مع هذه التحركات في المستقبل.