تتزايد المخاوف الفلسطينية من صفقة القرن التي أصبحت محطة حديث قيادات العمل الوطني الفلسطيني ووسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي والشارعين الفلسطيني والعربي بشكل خاص، حيث وصفها البعض بأنها مخطط لتصفية القضية الفلسطينية، التي بموجبها اعترف ترامب بالقدس المحتلة عاصمة للاحتلال الإسرائيلي كخطوة تمهيدية لها.
كما أن السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير تعيشان أصعب فترات عمرهما والبعض الآخر وصفها بفترة الشيخوخة لرفضهما صفقة القرن، حيث تم قطع المساعدات الأمريكية عن القيادة والشعب الفلسطيني بما في ذلك مساعدة الأمم المتحدة المخصصة للاجئين الفلسطينيين التي خلطت السياسي بالإنساني ولم تتخذ الموقف المحايد تجاه اللاجئين بخلافاتها مع منظمة التحرير الفلسطينية، لرفضها صفقة القرن.
وأكد الرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال الاجتماع المركزي الذي عقده برام الله مطلع هذا العام رفضه التام لصفقة القرن التي تشترطها عليهم الولايات المتحدة الأمريكية، ووصف ذلك قائلاً: “لقد وعدنا ترامب بصفقة العصر فكانت صفعة العصر”، فيما أكدت القيادة الأمريكية أن صفقة القرن ماضية بطريقها وأن القرار الفلسطيني بهذا الجانب غير مهم ولن يتم الأخذ برأيه أبدًا، بمعنى أن هذه الصفقة تُطبخ بعيدًا عن أصحاب الشأن.
فما صفقة القرن؟ وما موقف منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح بالذات من هذه الصفقة كونها تلعب دور راعية المشروع الوطني الفلسطيني؟
يجدر الذكر أنه حتى هذه اللحظة لم يتم كشف التفاصيل الدقيقة المتعلقة بصفقة القرن من الولايات المتحدة الأمريكية ولا من المسؤولين الفلسطينيين، ولكن جرى ذكر بعض النقاط المهمة بها من خلال القيادات الفلسطينية ووزراء إسرائيليون وإعلاميين وكتاب عرب وأجانب، وكانت هذه الصفقة قد تم الترويج لها إعلاميًا في عهد الرئيس المصري السابق محمد مرسي، ولكنها بدأت تخرج بتصريحات رسمية في السنوات الأخيرة وخاصة بعد انتخاب ترامب رئيسًا لأمريكا.
بحسب موقعthe American conservative)) الأمريكي فإن ابن سلمان عرض على الرئيس عباس بزيارته الثانية 10 مليارات دولار أمريكي مقابل تنازله عن مدينة القدس والاكتفاء بمنطقة أبو ديس لتشكيل عاصمة فلسطينية
أهم بنود صفقة القرن
كشف أمين سر منظمة التحرير الفلسطينية الدكتور صائب عريقات خلال الاجتماع المركزي التي عقدته الرئاسة الفلسطينية مطلع هذا العام بأن أهم بنود هذه الصفقة، تقسيم مناطق حدود 1967 لثلاثة أقسام، وقيام دولة فلسطينية منزوعة السلاح على حدود مناطق (أ) و(ب) من الضفة الغربية المحتلة وقليل من مناطق (ج) بشراكة إسرائيلية، وأن تكون هذه الدولة خاضعة للإدارة الأردنية، ولكن تتبع أمنيًا وعسكريًا لدولة الاحتلال الإسرائيلي، بمعنى استبعاد الدولة الفلسطينية على حدود 1967 بشكل كامل، وكذلك ضم 95% من مساحة القدس الشرقية لدولة الاحتلال الإسرائيلي تنفيذًا لتوصية ترامب، و5% فقط من القدس سيتم ضمها لمناطق السلطة الفلسطينية تكون عاصمة لهم، وسيطرة القوات الإسرائيلية على نهر الأردن.
وتنقسم الضفة الغربية حاليًّا إلى ثلاثة مناطق، هي (أ، ب، ج)، وتمثل المناطق (أ) نحو 18% من مساحة الضفة، وتسيطر عليها السلطة الفلسطينية أمنيًا وإداريًا، فيما تمثل المناطق (ب) 21%، وتخضع لإدارة مدنية فلسطينية، فيما العسكري والأمني لـ”إسرائيل”، ومناطق (ج) التي تشكل 61% من مساحة الضفة، تخضع لسيطرة أمنية وإدارية إسرائيلية، مما يستلزم موافقة الاحتلال على أي مشاريع فلسطينية بها.
ولم يذكر الدكتور عريقات ما منطقة الـ5% من حدود المدينة المقدسة التي تطرحها أمريكا عليهم، ولكن صحيفة التايمز البريطانية نقلت على لسان مسؤولين ودبلوماسيين أمريكيون وفلسطينيون خلال الزيارة المفاجئة التي قام بها الرئيس عباس للملكة العربية السعودية بناء على طلب المملكة عقب احتجاز الحريري، بأن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عرض على الرئيس الفلسطيني إما القبول بالتسوية الأمريكية وبصفقة القرن المطروحة عليهم واعتبار منطقة أبو ديس (إحدى ضواحي القدس) عاصمة لهم، أو الاستقالة من منصبه خلال شهرين.
كانت الرئاسة الفلسطينية قد نفت كل التصريحات الإعلامية المنسوبة لضغوط السعودية على السلطة الفلسطينية للقبول بطلب الأمريكان
كما ذكر موقع the American conservative)) الأمريكي بأن ابن سلمان عرض على الرئيس عباس بزيارته الثانية 10 مليارات دولار أمريكي مقابل تنازله عن مدينة القدس والاكتفاء بمنطقة أبو ديس لتشكيل عاصمة فلسطينية، وذكرت صحيفة (نيويورك تايمز) عن مصادر فلسطينية وعربية وأوروبية، بأن ولي العهد عرض دعمًا ماليًا كبيرًا للفلسطينيين، وحتى الدفع مباشرة لعباس، إلا أن عباس رفض ذلك.
وذكرت الصحيفة أن ابن سلمان اقترح ضاحية أبو ديس عاصمة للدولة المقترحة، وتعويضات مالية للسلطة الفلسطينية، بالإضافة إلى توسيع مناطق غزة إلى سيناء للتعويض عن أراضي المستوطنات التي ستتنازل عنها السلطة بالضفة الغربية المحتلة.
وكانت الرئاسة الفلسطينية قد نفت كل التصريحات الإعلامية المنسوبة لضغوط السعودية على السلطة الفلسطينية للقبول بطلب الأمريكان، ولكن الرئيس عباس عاد ليؤكد بأنه عُرض عليه أن تكون أبو ديس عاصمة لهم بديلاً عن القدس المحتلة، من غير أن يوضح ما الجهة التي عرضت عليهم هذا العرض.
ولكن عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية الدكتور أحمد مجدلاني صرح لتليفزيون فلسطين أن تفاصيل صفقة القرن نُقلت إليهم من السعودية، من غير توضيح هل هم يتعرضون لضغوط حيال ذلك أم لا؟
الموقف العربي من الصفقة
كما ترفض المملكة الأردنية بنود صفقة القرن كافة وأكدت وقوفها بجانب الصف الفلسطيني بقرار حل الدولتين، وتعرضت بدورها لموجة ضغوطات سياسية واقتصادية، كما تم اعتقال رجل الأعمال الأردني الكبير صبيح المصري من السعودية في ديسمبر الماضي، وأشارت كل التوقعات والتحليلات حينها بأن سبب قيام السعودية بذلك هو للضغط على الأردن لإجبار الفلسطينيين على القبول بهذه الصفقة، إلا أنها عادت وأفرجت عنه فيما بعد، ومن غير المعروف حتى الآن سبب هذا العمل.
كما قامت الولايات المتحدة بتوجيه تهديدات بقطع المساعدات عن الدول التي صوتت ضد قرار ترامب باعتبار القدس عاصمة لـ”إسرائيل” ومنها الأردن، التي تبلغ مليار دولار سنويًا، خاصة أن الأردن وإدارة ترامب وصلتا إلى مرحلة صعبة من الفتور والشكوك.
المطالب التي تلقتها السلطة الفلسطينية تقضي بتنازلها عن 720 كيلومترًا مربعًا من أراضي الضفة الغربية وتعويضهم بدلاً عن ذلك بأراضي بشمال سيناء تكون ساحلية وملاصقة لقطاع غزة
وبشكل عام، فإن أغلب التصريحات والمواقف الرسمية للسعودية حتى الآن هو وقوفها بجانب الصف العربي ضد القرار الأمريكي لتمرير صفقة القرن، وخاصة أنها من ضمن الدول التي صوتت بالأمم المتحدة ضد قرار ترامب باعتبار القدس عاصمة لـ”إسرائيل”، كما أنها رفعت قيمة المساعدات الشهرية المقدمة للسلطة ابتداءً من 22 من فبراير 2018 من 7 ملايين دولار إلى 20 مليون لأجل القدس.
من جهته قال المحلل السياسي وعضو المكتب السياسي لحزب التجمع الديمقراطي (فدا) الدكتور جمال أبو نحل لـ”نون بوست” إن “تمرير صفقة القرن يحتاج لموافقة أردنية ومصرية، وذلك لأن الأردن وصية على القدس وهي من تشرف على المقدسات فيها منذ عهد الملك حسين حتى الآن، فهي لن تقبل بالتعدي على صلاحياتها بتوصياتها على المدينة المقدسة، وفيما يتعلق بالموافقة المصرية كون المخطط التي تضمنته بنود صفقة القرن هو تعويض الفلسطينيين عن أراضيهم التي سيتنازلون عنها بالضفة الغربية بأجزاء من مناطق شمال سيناء، وهذا ما يفسر نشاط تنظيم داعش الإرهابي في هذه المنطقة بالذات، لإخلائها من السكان وإنهاك قدرات الجيش المصري بهذه المنطقة وإجباره على الرحيل منها، تمهيدًا لتسليمها للفلسطينيين، وذلك بعد رفض القيادة المصرية الانتقاص من أراضيها”.
وأشارت توقعات بأن المطالب التي تلقتها السلطة الفلسطينية تقضي بتنازلها عن 720 كيلومترًا مربعًا من أراضي الضفة الغربية وتعويضهم بدلاً عن ذلك بأراضي بشمال سيناء تكون ساحلية وملاصقة لقطاع غزة، وسيتم تعويض مصر عن هذه الأجزاء من مناطقها التي ستخسرها بأراضي من جنوب فلسطين المحتلة وبالتحديد في صحراء النقب الملاصقة لصحراء سيناء.
وأشار أبو نحل إلى أن هذا المخطط طُرح في زمن الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات، وأعيد طرحه في زمن حسني مبارك، حيث رفض كل منهما ذلك، وقد أكد ذلك مبارك في بيان صحفي صدر عنه مطلع هذا العام، وتم طرح هذا الاتفاق مرة أخرى على الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات باتفاقية كامب ديفيد عام 2000، وقد رفض الأخير أيضًا هذا العرض الذي أدى بالنهاية لتصفيته.
ولكن تم إعادة الترويج له في زمن الرئيس المصري محمد مرسي، وكان ذلك غير مشروط بموافقة من منظمة التحرير الفلسطينية، حيث سيتم تأسيس غزة كدولة منفصلة عن المحافظات الفلسطينية مع توسيع حدودها بشمال سيناء تحت قيادة الإسلاميين، إلا أن هذا الترويج لم يدم طويلاً وذلك لعزله عن الحكم من الرئيس المصري الحاليّ عبد الفتاح السيسي، على حد وصفه.
أبو نحل: هذه الصفقة وسيلة لجأ لها رئيس وزراء حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو إعلاميًا لتحسين صورته أمام شعبه
وكانت وزيرة شؤون المساواة الاجتماعية الإسرائيلية جيلا جامليئيل قد صرحت في الأسابيع الأخيرة بأن صحراء سيناء أفضل مكان لتوطين الفلسطينيين، التي اعتبرتها جمهورية مصرالعربية تصريحات وقحة، ورفضت الانتقاص من أراضيها لتمرير الصفقة الأمريكية، وذلك على لسان وزير الخارجية المصري سامح شكري.
بدوره قال عضو المجلس الثوري لحركة فتح والناطق باسمها السيد أسامة القواسمي في حديث خاص لـ”نون بوست” إن “الشعب الفلسطيني لديه وطن اسمه فلسطين، وعلى هذا لن نقبل بأي تفكير يتعلق بالانتقاص من سيادة مصر على أراضيها، كما أن كل الشماعات التي تُطلق على الوضع الإنساني بغزة لفصلها عن فلسطين وإقامة لها دولة منعزلة كنوع من أنواع الحلول المطروحة مرفوض شكلا وتفصيلاً، مشيرًا إلى أن أفضل الحلول لذلك هو تسريع عجلة المصالحة الفلسطينية، كما أننا لن نتنازل عن القدس، وأبو ديس التي يعرضونها علينا ليست العاصمة التي نريدها، ولكنها جزء لا يتجزأ من مدينة القدس”، كما وصف.
الصفقة كوسيلة لتنظيف نتنياهو
وأوضح أبو نحل بأن هذه الصفقة وسيلة لجأ لها رئيس وزراء حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو إعلاميًا لتحسين صورته أمام شعبه، وخاصة في الوقت الذي تشهد فيه المدن المحتلة مظاهرات إسرائيلية تطالب بإسقاط نتنياهو بعد الكشف عن عدة وثائق وملفات بالفساد متهم بها.
كما أنه لجأ لها بهذا الوقت بالذات لقرب موعد تجديد الانتخابات الإسرائيلية، حيث كان بالعادة يفتعل حروبًا ومجازر على غزة لرفع أرصدته بالانتخابات أمام شعبه، وبتوسيع رقعة الاستيطان في مناطق الضفة الغربية المحتلة، لافتًا إلى أن قصة الحرب على غزة أمر مستبعد افتعاله لعجز في بعض ميزانيات الاحتلال من جهة، ولزيادة العداء العالمي للاحتلال الإسرائيلي التي قابلتها زيادة عدد الدول المتعاطفة مع القضية الفلسطينية من جهة أخرى.