في الـ20 من فبراير الحاليّ، أرسل محمد علي الحوثي رئيس ما تسمى اللجنة الحوثية الثورية العليا رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، يطالبه فيها أن تتحمل الأمم المتحدة مسؤوليتها تجاه الأحداث في اليمن، والضغط على أطراف الصراع من أجل الحوار والتشاور لتحقيق الأهداف السياسية ومنع التدخل الخارجي في اليمن، وحدد في رسالته “مبادرة لإنهاء المآسي التي جلبها العدوان على اليمن”، تتكون من صفحتين شارحة للأزمة التي تمر بها اليمن، وختمها بـ6 نقاط قال إنها بنود المبادرة، مطالبًا في نفس الوقت بدعمها، معتبرًا أنها قد تكون حلًا جذريًا لإنهاء الأزمة السياسية في اليمن.
النقاط الستة الموضحة في السطور التالية، تشير إلى تناقض واضح للحوثية، فهي تريد من خلالها شرعنة انقلابها دوليًا، وتكريس استبعاد الشعب اليمني، ومن أجل أن تستمر في ذلك حددت النقطة الرابعة لتكون شرطًا من الشروط حتى لا تكون عائقًا لها في تنفيذ أجندتها. ونقاط المبادرة الحوثية الستة تدعو إلى:
1- تشكيل لجنة مصالحة.
2- الاحتكام لصندوق الانتخابات لانتخاب رئيس جمهورية وبرلمان يمثل كل الشعب اليمني وقواه السياسية.
3- وضع ضمانات دولية ببدء إعادة الإعمار وجبر الضرر.
4- منع أي اعتداء من دول أجنبية على اليمن.
5- إعلان عفو عام وإطلاق كل المعتقلين لكل طرف.
6- وضع أي ملف مختلف عليه للاستفتاء.
الحوثيون فقدوا مصداقيتهم تمامًا فيما يخص عملية السلام والحوار معهم أو على الأقل مهادنتهم
في النقطة الأولى من نقاط المبادرة الحوثية الستة، دعا محمد علي الحوثي الذي تقول حركته الشيعية المدعومة من إيران إنها تسعى لتكريس الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، إلى تشكيل لجنة مصالحة، وقبل الخوض في الحديث عنها، لا بد من الإشارة إلى أن رئيس ما يسمى المجلس السياسي الأعلى الذي هو بمثابة رئيس الجمهورية بالنسبة للمناطق التي تفرض المليشيات الحوثية سيطرتها عليها، هو صالح الصماد، ومن يحق له أن يخاطب الأمم المتحدة أو الحكومة المنبثقة عن هذا المجلس، ولا يحق للحوثي محمد علي أن يمارس سلطة الحكومة والخارجية ورئيس الجمهورية في وقت واحد، وهذا يناقض ما تقول حركته إنها ديمقراطية، بل تؤكد أنها سلطة دموية، تكرس ولاية الفقيه، ولا تؤمن إلا بحكم الفرد الواحد.
حينما تدعو الحركة إلى تشكيل لجنة مصالحة وطنية، فهذا يعني أن للحركة خططًا تريد أن تنفذها من خلالها، أو تريد أن تستعيد أنفاسها وترتب صفوفها للقضاء على كل أحزاب المعارضة بعد أن نجحت في القضاء على الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، وهي بتلك النقطة لاعبة ماهرة، لكن تنفيذها على أمر الواقع صعب جدًا لسببين رئيسين هما.
أولًا: الحوثيون فقدوا مصداقيتهم تمامًا فيما يخص عملية السلام والحوار معهم أو على الأقل مهادنتهم، فهم غالبًا ما يمكثون وينقضون الاتفاقيات السياسية والعسكرية، منذ حروبهم السابقة مع علي عبد الله صالح إبان حكمه لليمن.
نقض الحوثيون اتفاقيات مع الحكومة اليمنية في 2003 و2006 و2009، ومع السلفيين في اليمن عام 2012، ومع القبائل اليمنية في عمران 2014، ومع حكومة الرئيس هادي مرتين في 2014، وكانت الاتفاقيات التي يبرمونها مع خصومهم السياسيين، تمهد الطريق للوصول إلى أهدافهم التي يرسمونها، حتى اتفاقيات وقف إطلاق النار التي كانت في 2015 و2016، خرقوها ولم يلتزموا ببنودها.
ثانيًا: بعد مقتل علي عبد الله صالح، مال حزبه – وهو يمثل عددًا لا بأس به من الشعب اليمني – إلى أهمية الحل العسكري مع جماعة الحوثي، بعد أن كانوا متحالفين معهم وعاشوا واقعه، وفهموا ماذا تريد الجماعة الحوثية عن قرب، وبالتالي فضلوا الحسم العسكري بعد تجربة مريرة معهم، وطووا صفحة الحلول السياسية والحوار مع جماعة لا تؤمن إلا بلغة القوة والمكر والخديعة.
وضع الحوثيون “الاحتكام لصندوق الانتخابات لانتخاب رئيس وبرلمان يمثل كل الشعب اليمني وقواه السياسية”، ثاني نقطة من نقاط المبادرة، وهذا يشير إلى مرادهم الذي يخططون له
إن إطلاق الحوثيين مبادرة أخرى للمصالحة التي فسرها صالح الصماد في اليوم الثاني لمبادرة محمد علي الحوثي، مع حزب المؤتمر الشعبي العام بعد أن قتلوا رئيس المؤتمر، هي خديعة منهم من أجل الالتفاف على حزب المؤتمر الشعبي، وسحب البساط مما يتم تجهيزه في الوقت الحاليّ، ويريدون قطع الطريق على أحمد علي عبد الله صالح الذي يتوقع أن يتم رفع العقوبات الدولية عنه خلال الفترة القريبة القادمة التي ستتزامن مع إطلاق عملية عسكرية نهائية تنتهي بهزيمة الحوثيين، كما أن إطلاق المبادرة لها شقين.
ولذا وضع الحوثيون، تشكيل لجنة مصالحة وطنية على رأس القائمة في ظاهرها الرحمة وفي باطنها العذاب، وهم يعنون بها الترويج لأفكارهم، والبقاء على هرم السلطة، بعد أن استطاعوا غرس مفاهيم مسيرتهم لدى غالبية الشعب اليمني.
وضع الحوثيون “الاحتكام لصندوق الانتخابات لانتخاب رئيس وبرلمان ويمثل كل الشعب اليمني وقواه السياسية”، ثاني نقطة من نقاط المبادرة، وهذا يشير إلى مرادهم الذي يخططون له، وهو البقاء كقوة سياسية وعسكرية ورقابية على أي انتخابات قادمة، ونقل التجربة الإيرانية إلى اليمن.
صاحبة السلطة الرقابية
أي انتخابات رئاسية أو برلمانية على نهج الدعوة الحوثية إليه، وبقائها كقوة سياسية، يعني أن الجماعة ستبقى المسيطرة على المشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وستكون صاحبة السلطة الرقابية والقرار النهائي، مثلها مثل “آية الله” أو ولاية الفقيه في إيران، وذلك يسبقه هدف مبطن وهو تجاهل شرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي وقرارت مجلس الأمن الدولي، وينظمون انتخابات يضمنون نتائجها بقوة السلاح، وهذه خديعة كبرى، لكن لن يلتفت لها أحد، ولن يقبلها، نتيجة أن الشعب أصبح يدرك الحقيقة الحوثية.
تطرق الحوثيون في البند الثالث من المبادرة التي أرسلها محمد علي الحوثي إلى أنطونيو غوتيريس الأمين العام للأمم المتحدة، إلى “وضع ضمانات دولية ببدء إعادة الإعمار وجبر الضرر”، وهم بذلك يريدون القول بأنهم وضعوا هذه المبادرة ليس من ضعف، وإنما من قوة وخوفًا على الشعب اليمني، ومما يعانيه من الحرب، وتضعهم في قائمة المنتصر، وهذا يكشف التفكير الرجعي للجماعة التي تنظر إلى الأمور من الأعلى ولا تنظر إليها بعمق، وتعترف أن مبادرتها جاءت نتيجة للخسائر الكبيرة في صفوفها، وانهيار مقاتليها في الجبهات.
تضمن الخطاب، غزلاً ضمنيًا للقوى اليمنية المساندة للشرعية، للتفاهم مع الجماعة للتوصل إلى سلام
ورغم أنها تسعى لطمس تلك الحقيقة، فإن علاماتها كانت واضحة، بعد يوم واحد من تلك الرسالة أو المبادرة التي بعثها محمد علي الحوثي، حينما اجتمع رئيس ما يسمى المجلس السياسي الأعلى صالح الصماد يوم الأربعاء الماضي، مع كل من أمين العاصمة ومحافظي المحافظات التي تسيطر عليها الجماعية ومشرفي الجماعة الميدانيين ورؤساء فروع المؤتمر الشعبي العام القابعين تحت الإقامة الجبرية ورئيس مجلس النواب يحيى علي الراعي ورئيس مجلس وزراء حكومتها غير المعترف بها عبد العزيز بن حبتور، ودعا إلى مصالحة وطنية، بل واعترف أنهم ارتكبوا جرمًا في قتل من كان يمثل لهم غطاءً سياسيًا وعسكريًا وشرعيًا.
وكشف أن الأحداث التي وقعت في ديسمبر – يقصد مقتل عبد الله صالح – أحدثت صدمة وهزة داخل المجتمع، معربًا عن أمله أن يتم ترميم الجراح على مستوى المحافظات، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء اليمنية الخاضعة لسيطرة الحوثيين.
وأمر الصماد في الاجتماع بإطلاق سراح بقية المعتقلين من أنصار الرئيس السابق وأعضاء حزب المؤتمر الشعبي في غضون 3 أيام، كما أبدى رغبة حركته في وقف إطلاق الصواريخ باتجاه الأراضي السعودية مقابل وقف الضربات الجوية.
كما تضمن الخطاب، غزلاً ضمنيًا للقوى اليمنية المساندة للشرعية، للتفاهم مع الجماعة للتوصل إلى سلام، من خلال تأكيد الجماعة أن “أي طرف داخلي لديه القدرة على اتخاذ قرار، نحن على موقفنا وسنمد أيدينا بعيدًا عن المخاوف بيننا وبينهم، ونجلس على طاولة واحدة نقدم فيها كامل الضمانات لبعضنا كأخوة يمنيين ونوقف الاقتتال”، وهذا ما يفسر تلك المبادرة.
إذًا المبادرة التي عملها الحوثيون، هي مبادرة فقط من أجل المصالحة مع المؤتمر الشعبي العام وأفراد أسرة الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، وليس من أجل اليمن أو عبد ربه منصور هادي أو لتطبيق القرارات الأممية ذات الصلة بالشأن اليمني، وإنما هي التفاف وخديعة كبرى تريد الجماعة الحوثية تمريرها إلى المجتمع الدولي.
المبادرة لا تتفق كلية مع الأطراف اليمنية الأخرى
توقيت المبادرة
جاءت المبادرة في وقت يتحدث المراقبون السياسيون وأهل الساسة بالشأن اليمني، عن قرب اجتماع مجلس الأمن الدولي لبحث مسألة العقوبات المفروضة على أقارب الرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح، وما قد يترتب عليه ذلك القرار، مما قد يكون سببًا في الانهيار السريع للجماعة الحوثية في اليمن.
إن الخطاب التصالحي الذي قدمته الجماعة في اجتماع المجلس السياسي الأعلى مع أعضاء في المؤتمر الشعبي العام أبرزهم يحيى الراعي، لأنصار الرئيس السابق جاء استشعارًا منها للعزلة التي باتت تحيط بها داخليًا بعد أن قتلت حليفها صالح وخسرت دعم القوات الموالية له في الجبهات، بالتزامن مع تصاعد الخسائر في صفوف ميليشياتها، ولهذا أرسلته إلى الأمم المتحدة لتضيف إلى تلك الدعوة أو المبادرة صبغة دولية، تخرجها من مأزق ربما بدأت تراه قريبًا.
يبدو أن المبادرة لا تتفق كلية مع الأطراف اليمنية الأخرى، فالحكومة اليمنية وحلفاؤها من الأحزاب السياسية، تؤكد تمامًا على المرجعيات الثلاثة كأساس للحل في صنعاء (المبادرة الخليجية التي رعتها دول الخليج في 2011، ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني التي تنادي بتقسيم صنعاء إلى 6 أقاليم (4 في الشمال و2 في الجنوب)، وقرار مجلس الأمن الدولي 2216، الذي يفرض عقوبات على الحوثيين وقوات الرئيس الراحل علي عبد الله صالح ويطالبهم بالانسحاب من المدن وتسليم السلاح للدولة).
فحكومة الرئيس هادي، لا تلتفت إلى أي مبادرة للسلام ما لم تكون قائمة على المرجعيات الثلاثة، ودائمًا ما تتحدث حكومة هادي عن أن اجتزاء أي بند من بنود تلك المرجعيات، لن تقبل الحكومة به، وزاد قوة تفاوضها بعد أن قتل صالح في ديسمير من العام الماضي.
وبغض النظر عن رأي حكومة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي في المبادرة التي قدمها الحوثيون، فإنها سياسيًا تعد نوعًا من المراوغة وتقديم أنفسهم كباحثين عن السلام، وهي جزء من التكتيك السياسي والعسكري، بعد الخسائر التي يتكبدونها.
الصواريخ الحوثيية، نشطت خلال الفترة الأخيرة على الأهداف الإماراتية، بينما هدأت على الحدود السعودية، وهذا يقودنا إلى تشخيص المبادرة الحوثية وتوقيتها
إن المبادرة وإن كانت قد أعادت الأمل ظاهريًا في حل سياسي، فإنها منقوصة ولم تقدم تنازلات، وتجاوزت كل الاتفاقيات والقرارات السابقة التي تمت في مفاوضات جنيف والكويت، ولذلك تعتبر شخصية، لكنها دون شك تشير إلى أن هناك مساعٍ أممية ودولية ولو طفيفة للدفع في اتجاه المفاوضات، والمبادرة جاءت كنوع من إِبْلاغ مواقف تترتب عليها خطوات، لكنها جاءت في وقت لم تعد مطلب الفرقاء السياسيين في اليمن، وستكون مهمة المبعوث الأممي الجديد إلى اليمن مارتن غريفيث شبه مستحيلة.
رسائل سياسية حوثية
بعد ثلاثة أيام من المبادرة الحوثية وحديث رئيس الممجلس السياسي الأعلى عن مصالحة داخلية، أعلنت جماعة الحوثي استهداف مركز قيادة القوات الإماراتية في محافظة مأرب، بعدد من الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة من دون طيار.
وقالت الجماعة إنها استهدفت منظومة الدفاعات الجوية “باك 3” في مأرب، وأسفر الهجوم عن تدمير مركز القيادة والمنظومة الدفاعية المذكورة، وفقًا للرواية الحوثية، لكن قناة العربية السعودية قالت إن دفاعات التحالف تصدت للصواريخ الباليستية التي استهدفت مأرب، وقالت إنها أطلقت على مناطق مأهولة بالسكان.
الصواريخ الحوثيية، نشطت خلال الفترة الأخيرة على الأهداف الإماراتية، بينما هدأت على الحدود السعودية، وهذا يقودنا إلى تشخيص المبادرة الحوثية وتوقيتها، ونداء رئيس المجلس السياسي الأعلى الخاص بالحوثيين، من أجل المصالحة الداخلية التي لم تعد مرغوبة للجميع.
المبادرة الحوثية هي فقط تكتيك سياسي ومراوغة من أجل قطع الطريق على أحمد علي عبد الله صالح الذي يتوقع أن يتم رفع العقوبات الدولية عنه خلال الأيام القادمة، وسيعقبها ترتيب إماراتي للوضع السياسي بشكل جديد في اليمن، بعد أن يتم إطلاق عملية عسكرية نهائية ضد الحوثيين، وهي أيضًا مبادرة استباقية محاولة منها الصمود في الوقت الذي تتعرض لانهيارعسكري متوالٍ.