ترجمة حفصة جودة
عندما بدأت القنابل في السقوط، تجمع 12 طفلًا وشخصًا بالغًا في إحدى الغرف بمنزل بيان ويهان في الغوطة الشرقية المحاصرة، أمسك الجميع بأيدي بعضهم البعض محاولين العثور على أي أمل، تقول بيان – التي تحملت نصف عقد تحت الحصار -: “وضعت ابنة أخي في حضني، فهي تبلغ من العمر 5 سنوات، كنت أحاول أن أجعلها تنسى صوت القصف فأخبرتها قصصًا عن أشياء جميلة”.
تضيف ويهان: “عندما يتوقف القصف لفترة قصيرة نذهب فورًا لإعداد الطعام بما يكفي لإيقاف الجوع فقط، رغم أن الوضع صعب للغاية إلا أنني أفضل من آلاف العائلات الأخرى، فلدي بعض القمح وصلصة الطماطم، وهما من أغلى الأطعمة في الغوطة”.
تُعد ويهان إحدى ناشطات حقوق الإنسان كما أنها تعمل في المجلس المحلي، وهي إحدى النساء اللاتي بقين في الغوطة رغم الحصار، وتلعب الآن دورًا مهممًا في نشر الأخبار عن القصف الوحشي الذي تشنه القوات الموالية للرئيس السوري بشار الأسد على الغوطة الشرقية.
كان هناك تهميش شديد لصوت المرأة
تقول زينة الرحيم صحفية سورية منفية: “تعد النساء المصدر الأكبر لتلك القصص التي نقرأها ونسمعها، يمكنني أن أذكر أسماء 8 سيدات في الغوطة أتابعهن لأحصل على الأخبار اليومية بينما أتابع رجلين فقط، النساء هن من يواجهن البؤس والمذابح”.
هناك نحو 400 ألف شخص محاصر في غوطة دمشق، يواجهون أشد الاعتداءات في تلك الحرب الطويلة المريرة، والعديد من النساء يحكين قصصهن أمام أو خلف الكاميرات، هؤلاء السيدات يسجلن مقاطع الفيديو ويتحدثن إلى الجمهور وينشرن قصصهن الشخصية وقصص الآخرين بشكل يومي، ويقدمن شهادتهن على الأحداث كشهود عيان.
تضيف زينة: “في المناطق الأخرى التي تسيطر عليها المعارضة وحتى في وسط الأزمات مثل حصار حلب، كان هناك تهميش شديد لصوت المرأة، إما من المحافظين داخل مجتمعهم أو بسبب تأثير المتشددين من الخارج، لقد رأيت أفلامًا لحصار حلب وكانت مدة الفيلم تستمر لأكثر من ساعة ولا أشاهد امرأة واحدة تمر من أمام الكاميرا”.
تشكل النساء في الغوطة أغلبية ساحقة فعددهن يتجاوز عدد الرجال
تعود أهمية المرأة بشكل كبير في الغوطة الشرقية إلى فقدان الكثير من الرجال، إما بالموت في الحرب أو احتجازهم لدى النظام في أيام الحرب الأولى، أو استمرارهم في القتال في الصفوف الأمامية، لذا فالعديد من أدوارهم في وقت السلم تولتها المرأة الآن في وقت الحرب، كما أن موقع العديد من الضواحي على أطراف دمشق جعل من السهل على المرأة المشاركة في الأدوار العامة رغم أن المجتمع محافظ نسبيًا، فقد كان من السهل قبل الحرب أن يسافر الناس إلى العاصمة من أجل العمل أو الدراسة، والعديد منهن فعلن ذلك.
تقول طبيبة الأطفال أماني بلور في مقطع فيديو قصير سجلته قبل بدء الهجوم على الغوطة: “تشكل النساء في الغوطة أغلبية ساحقة فعددهن يتجاوز عدد الرجال، لقد ضحين وعانين أكثر من الرجال في تلك الثورة”، أما زينه فتقول: “في العديد من المناطق بدأت الثورة بالرجال والنساء ثم تحولت إلى حرب سيطر عليها الإسلاميون المتشددون وفرضوا قيمهم المحافظة للغاية مما شكل تحديًا جديدًا للنساء، لقد شددت الحرب والجماعات المسلحة الأبوية على الدور الذكوري”.
مجتمعنا يرى الأشياء من وجهة نظر معينة وسوف يظل يفكر بهذه الطريقة إذا بقينا خائفين وجلسنا في منازلنا
ومع كل ما يعانيه الناس في الغوطة الشرقية بعد سنوات من الحصار، فالبنسبة للنساء كان هناك المزيد من التحديات، تقول الناشطة لبنى القنواطي: “عندما كان يأتيني الحيض لم أكن أدرى ماذا أفعل، فلم يكن هناك فوط صحية، هذا الأمر جزء بسيط مقارنة بالمشاكل الأخرى التي نعاني منها، لكنه كان أمرًا كبيرًا بالنسبة لي كامرأة تعيش وحدها، بعد فترة انتشرت حفاضات وفوط صحية محلية الصنع عبارة عن قطع قماش مغطاة بطبقة من البلاستيك، لم يكن من السهل استخدامهم أبدًا”.
غادرت لبنى الغوطة بعد ذلك بسبب قلقها من انتشار المتشددين في المنطقة وقمع الناشطات، لكنها استمرت في العمل لدى المنظمات التي تدعم النساء في أرض المعركة، تقوم النسويات السوريات بحملة لمواجهة الهيمنة الذكورية خلال الحرب، فنساء مثل ويهان وبلور يرفضن تخويفهن وتهميشهن.
تقول بلور: “لقد تعرضت للكثير من الانتقاد هنا، فالكثيرون قالوا لي صراحة: لماذا تتولى امرأة إدارة المستشفى، ألا نمتلك أطباءً من الذكور؟ أرى أننا نستطيع تغيير هذا الواقع، فمجتمعنا يرى الأشياء من وجهة نظر معينة وسوف يظل يفكر بهذه الطريقة إذا بقينا خائفين وجلسنا في منازلنا وخضعنا لتلك القرارات التي يتخذها المجتمع”.
المصدر: الغارديان