أصدر “مركز بيغن السادات للدراسات الإستراتيجية” التابع لجامعة “بار إيلان” الإسرائيلية، دراسة، ناقشت العديد من المسائل والفروع المتعلقة بإعادة إعمار سوريا، والأدوار المنوطة بالقوى الدولية في هذا الملف المثير للجدل في ظل تباين وجهات النظر عن الكثير من أبعاده.
الدراسة ركزت في المقام الأول على الدور الصيني في هذه العملية كونه المرشح الأبرز وبقوة للحصول على الحصة الأكبر، وانعكاسات هذا الدور على المصالح الإسرائيلية، سواء داخل سوريا أو الأراضي المحتلة، في ظل العلاقة المزدوجة التي تجمع بين الكيان الصهيوني والصين من جانب، وبكين ونظام بشار الأسد من جانب آخر.
لماذا الصين؟
روي فلنر الباحث الذي أعد الدراسة، خلص إلى أن الصين الأقرب للحصول على الجزء الأكبر من كعكة إعادة الإعمار في ظل منافسة محصورة بينها وكل من إيران وروسيا، وذلك بعد ترجيح استبعاد الدول الخليجية والأوروبية من هذا المضمار بسبب رفضهم فكرة التسليم ببقاء بشار الأسد على رأس السلطة خلال الفترة القادمة.
بكين تسعى وبكل قوة للبحث عن موطئ قدم لها في الشرق الأوسط، خاصة عبر الأراضي السورية، لأسباب عدة على رأسها المشروع الرئيسي للصين، مبادرة الحزام والطريق، التي تعد سوريا جزءًا منها، وتبلغ قيمتها تريليون دولار وتشمل 60 بلدًا، وهي إستراتيجية تهدف إلى تطوير البنية التحتية البرية والبحرية، وتغطي الكثير من دول أوراسيا، هذا بخلاف الميزة التي ربما تكسبها الصين على حساب الولايات المتحدة التي فشلت في تحقيق أهدافها داخل سوريا.
سوريا أيضًا تعد أحد أبرز أسواق تسويق السلاح الصيني، كون بكين ظلت المزود الرئيسي للسلاح لجيش الأسد، حتى قبل اندلاع الثورة السورية، إضافة إلى الدور الذي يقوم به نظام الأسد في حماية الصين من عودة أبناء إقليم الأويغور، الذين انضموا إلى التنظيمات المسلحة السورية، إلى الأراضي الصينية مرة أخرى، ومن ثم فإن من مصلحة السلطات الصينية تعزيز قوة نظام الأسد بحيث لا يسمح بعودة تلك العناصر التي اكتسبت تدريبًا وتشربت بالأيديولوجية “المتطرفة”.
“مركز بيغن السادات للدراسات الإستراتيجية” كشف في دراسته أن منح الصين الجزء الأكبر من مشروعات إعادة الإعمار يصب في صالح الكيان الصهيوني
علاوة على ذلك فإن الطابع العلماني للنظام السوري الحاليّ ومواقفه المناوئة للغرب والولايات المتحدة على وجه الخصوص يجعلان الصين أكثر حرصًا على الإبقاء على هذا النظام وتقويته ودعمه بشتى السبل، ومن ثم يمكن القول إن بكين الأقرب لقيادة مشروعات إعادة الإعمار عبر قروض بعيدة المدى ومنح ودعم بالمليارات قدرت تكلفتها بحسب المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، بنحو 250 مليار دولار، وهو ما لا تقدر عليه روسيا وإيران.
يذكر أن للصين تجارب سابقة في ملفات إعادة إعمار بعض الدول، حيث انخرطت بكين بشكل كبير في أنغولا خلال سنة 2002 بعد انتهاء الحرب الأهلية المستمرة منذ 27 عامًا، كجزء من إستراتيجية الموارد العالمية للبنية التحتية في بكين، بالإضافة إلى ذلك، حصلت أكثر من 50 شركة حكومية صينية وأكثر من 400 شركة خاصة على مكافآت من أنغولا، بلغت قيمتها 25 مليار دولار سنويا من صادرات النفط، كذلك ما حدث في العراق، إلا أن هناك نقطة يجب التنويه إليها وهي أن ما يمكن لدول مثل أنغولا والعراق للصين لا يمكن أن تقدمه سوريا وهو النفط.
ستيفان دي ميستورا: كلفة إعادة إعمار سوريا تقترب من 250 مليار دولار
المصالح الإسرائيلية
“مركز بيغن السادات للدراسات الإستراتيجية” كشف في دراسته أن منح الصين الجزء الأكبر من مشروعات إعادة الإعمار يصب في صالح الكيان الصهيوني، وذلك من خلال عدة أوجه، على رأسها أن ذلك يقلص من ارتباط نظام الأسد بكل من طهران وموسكو.
إيرانيًا.. حذرت الدراسة من السماح لطهران بتوسيع دورها في عمليات إعادة الإعمار، خشية استغلالها لهذا الدور في تكريس نفوذها بشكل يمس مصالح تل أبيب بشكل مباشر، سواء كان ذلك عبر تهديد الحدود الفلسطينية كما حدث في إسقاط الطائرةf16 الإسرائيلية قبل عدة أيام، أو عبر بقاء القوات الإيرانية قريبة من حلفائها في لبنان، على الأخص، حزب الله، مما يسمح لها بفرض هيمنتها على أتباعها في “الهلال الشيعي”.
روسيًا.. نوهت الدراسة إلى أن دخول موسكو كطرف قوي في مشاريع إعادة الإعمار لا ينسجم مع المصالح الإسرائيلية، عكس ما يتصوره الكثيرون من المقربين من دوائر صنع القرار في تل أبيب، باعتبار أن كل ما يعني موسكو هو الاحتفاظ بقواعدها العسكرية في سوريا وتحدي المصالح الغربية، وهو ما يحمل بين ثناياه تهديدًا للكيان الصهيوني، مقارنة بالصين التي تنحصر مصالحها في سوريا في الجانب الاقتصادي بشكل رئيسي.
قيادة بكين لهذه العملية سيمهد الطريق أمام الجميع للمساهمة في النمو الاقتصادي، خاصة أن سياستها الخارجية المبنية على عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى ربما تكون عامل استقرار قادر على جمع مختلف الفصائل السورية المتناحرة للتوحد من أجل بناء بلادهم.
روي فلنر الباحث الذي أعد الدراسة، خلص إلى أن الصين الأقرب للحصول على الجزء الأكبر من كعكة إعادة الإعمار في ظل منافسة محصورة بينها وكل من إيران وروسيا
معد الدراسة أوضح إمكانية تعاظم الدور الصيني في ملف إعادة الإعمار في سوريا بما يخدم مصالح دولة الاحتلال بصورة أكبر في منطقتي جنوب وجنوب غرب سوريا، تحديدًا في الجولان، كونها الثغرة التي تهدد الأمن القومي الإسرائيلي، لذا أعاد تحذيراته مرة أخرى بالحيلولة دون السماح لطهران بالوصول إلى تلك المناطق على وجه الخصوص.
غير أن هناك تخوفًا تملك القائمين على أمور المركز البحثي الإسرائيلي مفاده أن الدور الذي لعبته كل من روسيا وإيران في إنقاذ وضمان استقرار نظام الأسد، قد يكون له تأثير في قدرتهما على لعب دور في مشاريع إعادة الإعمار أكبر من الصين، إلا أنه وفي المقابل هناك من يرى أن الأسد يمكن أن يأخذ بعين الاعتبار العلاقات التاريخية بين نظامه والصين في الحسبان رغم ذلك، استنادًا إلى فرضية أن وصول المواجهة الدائرة في سوريا إلى مراحلها النهائية، في ظل تقدم النظام، قد تذهب إلى أن بشار ليس فقط سيبقى في الحكم خلال الأعوام المقبلة بل أيضًا سيلعب دورًا رئيسيًا في تحديد هوية الأطراف التي تتولى تنفيذ مشاريع إعادة الإعمار في بلاده، وهو ما يتطلب بدوره توافر استثمارات ومخصصات مالية هائلة وهو ما تقدر عليه الصين وحدها دون الحليفين الآخرين.
كلفة الإعمار العالية تجعل الصين الأقرب للفوز بالحصة الأكبر
تعميق للعلاقات
العلاقات بين الصين الشعبية و”إسرائيل” عبر تاريخها الحديث شهدت منعطفات خطيرة واختلافات عميقة لعقود طويلة تمتد من أوائل الخمسينيات حتى مطلع التسعينيات، إذ تباينت رؤية الدولتين وأسلوبهما ومواقفهما من عملية إقامة علاقاتهما الدبلوماسية؛ ولذلك اتسم الأداء النظري والعملي والدبلوماسي من جانب الدولتين بالتناقضات المتأرجحة بين “الإقدام والإحجام”، وأصبح المشوار الصيني – الإسرائيلي الأكثر طولاً في تاريخ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الدول.
إلا أنه وفي السنوات الأخيرة سعت كل من بكين وتل أبيب إلى تذليل العقبات التي تحول بين تقارب العلاقات وتعميقها في ظل المستجدات السياسية والاقتصادية والأمنية التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط تحديدًا والعالم بصورة أشمل خلال السنوات الأخيرة.
هذا التقارب الملحوظ خلال السنوات الأخيرة ساهم بشكل كبير في زيادة نفوذ الصين في الاقتصاد الإسرائيلي بصورة تدريجية، هذا بخلاف تنامي العلاقات في الجوانب الأخرى: السياسية والثقافية والسياحية، حتى إن الصين اختارت “إسرائيل” لتكون من بين خمس دول في العالم لإحياء احتفالاتها بدخول السنة الجديدة وفق التقويم الصيني في 28 من يناير/كانون الثاني من العام الماضي.